تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج‏4، ص: 169

و في كتاب الاحتجاج‏ [للطّبرسيّ- رحمه اللّه- بإسناده إلى محمّد بن عليّ الباقر-]  عليه السّلام- أنّه قال‏: حجّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- من المدينة، و قد بلّغ جميع الشّرائع قومه غير الحجّ و الولاية. فأتاه جبرئيل- عليه السّلام- فقال له: يا محمّد، إنّ اللّه- عزّ و جلّ- يقرئك السّلام و يقول لك: إنّي لم أقبض نبيّا من أنبيائي و لا رسولا من رسلي، إلّا بعد إكمال ديني و تأكيد حجّتي، و قد بقي عليك من ذلك فريضتان ممّا يحتاج أن تبلّغهما قومك: فريضة الحجّ و فريضة الولاية و الخلافة من بعدك. فإنّي لم أخل أرضي من حجّة و لن أخليها أبدا. فإنّ اللّه يأمرك أن تبلّغ قومك الحجّ، تحجّ و يحجّ معك‏ كلّ‏ من استطاع إليه سبيلا من أهل الحضر و الأطراف و الأعراب، و تعلّمهم من معالم حجتهم مثل ما علّمتهم من صلاتهم و زكاتهم و صيامهم، و توقفهم من ذلك على مثال الّذي أوقفتهم عليه من جميع ما بلّغتهم من الشّرائع.
فنادى منادي رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- في النّاس: ألا إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- يريد الحجّ، و أن يعلّمكم من ذلك مثل الّذي علّمكم من شرائع دينكم، و يوقفكم من ذلك على ما أوقفكم عليه من غيره. فخرج [رسول اللّه‏] - صلّى اللّه عليه و آله- و خرج معه النّاس، و أصغوا إليه لينظروا ما يصنع فيصنعوا مثله، فحجّ بهم. و بلغ من حجّ مع رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- من أهل المدينة و أهل الأطراف و الأعراب، سبعين ألف إنسان أو يزيدون، على نحو عدد أصحاب موسى- عليه السّلام- السّبعين ألف الّذين أخذ عليهم بيعة هارون- عليه السّلام- فنكثوا و اتّبعوا العجل و السّامريّ. و كذلك [أخذ] رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- البيعة  لعليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- بالخلافة على عدد أصحاب موسى- عليه السّلام- فنكثوا البيعة و اتّبعوا العجل [السّامريّ‏]  سنّة بسنّة، و مثلا بمثل. و اتّصلت التّلبية ما بين مكّة و المدينة.
فلمّا وقف بالموقف أتاه جبرئيل- عليه السّلام- عن اللّه- تعالى- فقال:
يا محمّد إنّ اللّه- عزّ و جلّ- يقرئك السّلام، و يقول لك: إنّه قد دنا أجلك و مدّتك و أنا مستقدمك على ما لا بدّ منه و لا عنه محيص. فاعهد عهدك، و قدّم وصيّتك، و اعمد إلى ما عندك من العلم و ميراث علوم الأنبياء من قبلك و السّلاح و التّابوت و جميع ما عندك من آيات الأنبياء- عليهم السّلام- فسلّمها «6» إلى وصيّك و خليفتك من بعدك حجّتي البالغة على خلقي عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-. فأقمه للنّاس علما. و جدّد عهده و ميثاقه و بيعته. و ذكّرهم ما أخذت عليهم من بيعتي و ميثاقي الّذي واثقتهم به و عهدي الّذي‏ عهدت إليهم من ولاية وليّي و مولاهم و مولى كلّ مؤمن و مؤمنة عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-. فإنّي لم أقبض نبيّا من الأنبياء، إلّا من بعد إكمال ديني‏  و إتمام نعمتي بولاية أوليائي و معاداة أعدائي. و ذلك كمال توحيدي و ديني و إتمام نعمتي على خلقي، باتّباع وليّي و طاعته. و ذلك أنّي لا أترك أرضي بغير [وليّ و لا]  قيّم، ليكون حجّة لي على خلقي. ف الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ‏ (الآية)  بولاية وليّي و مولى كلّ مؤمن و مؤمنة. عليّ عبدي، و وصي نّبييّ، و الخليفة من بعده، و حجّتي البالغة على خلقي مقرون طاعته بطاعة محمّد نبيّي و مقرون طاعته مع طاعة محمّد بطاعتي. من أطاعه فقد أطاعني، و من عصاه فقد عصاني. جعلته علما بيني و بين خلقي، من عرفه كان مؤمنا، و من أنكره كان كافرا، و من أشرك ببيعته كان مشركا، و من لقيني بولايته دخل الجنّة، و من لقيني بعداوته دخل النّار. فأقم يا محمّد عليّا علما، و خذ عليهم البيعة، و جدد عليهم‏ عهدي و ميثاقي لهم الّذي واثقتهم عليه. فإنّي قابضك إليّ و مستقدمك عليّ.
فخشي رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- قومه و أهل النّفاق و الشّقاق، أن يتفرّقوا و يرجعوا جاهليّة  لما عرف من عداوتهم و لما تنطوي عليه أنفسهم لعليّ- عليه السّلام- من العداوة و البغضاء . و سأل جبرئيل- عليه السّلام- أن يسأل ربّه العصمة من النّاس، و انتظر أن يأتيه جبرئيل بالعصمة من النّاس عن اللّه- جلّ اسمه- فأخّر ذلك إلى أن بلغ مسجد الخيف. فأتاه جبرئيل- عليه السّلام- في مسجد الخيف. فأمره أن يعهد عهده، و يقيم عليّا [علما]  للنّاس [يهتدون به.]  و لم يأته بالعصمة من اللّه- جلّ جلاله- بالذي أراد، حتّى بلغ‏  كراع الغميم بين مكّة و المدينة. فأتاه جبرئيل- عليه‏ السلام- و أمره بالّذي أتاه به من قبل اللّه‏ ، و لم يأته بالعصمة.
فقال: يا جبرئيل، إنّي أخشى قومي أن يكذّبوني، و لا يقبلوا قولي في علي‏ .
فرحل، فلمّا بلغ غدير خمّ قبل الجحفة بثلاثة أميال أتاه جبريل- عليه السّلام- على خمس ساعات مضت من النّهار بالزّجر و الانتهار  و العصمة من الناس.
فقال: يا محمّد، إنّ اللّه- عزّ و جلّ- يقرئك السّلام، و يقول لك: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ‏ في عليّ‏ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ‏.
و كان أوائلهم قريب‏  من الجحفة. فأمر بأن يردّ من تقدّم منهم، و يحبس‏ من تأخّر عنهم في ذلك المكان، ليقيم عليا للنّاس‏ ، و يبلّغهم ما أنزل اللّه- تعالى- في عليّ- عليه السّلام- و أخبره بأنّ اللّه- عزّ و جلّ- قد عصمه من النّاس.
فأمر رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- عند ما جاءته العصمة مناديا ينادي في النّاس بالصّلاة جامعة، و يرد من تقدّم منهم، و يحبس من تأخّر. فتنحّى عن يمين الطّريق إلى جنب مسجد الغدير، أمره بذلك جبرئيل- عليه السّلام- عن اللّه- عزّ و جلّ- و [كان‏] في الموضع سلمات، فأمر رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- أن يقمّ ما تحتهنّ و ينصب له أحجار كهيئة المنبر ليشرف على النّاس. فتراجع النّاس، و احتبس أواخرهم في ذلك المكان لا يزالون.
فقام رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- فوق تلك الأحجار. ثمّ حمد اللّه- تعالى- و أثنى عليه. فقال: الحمد للّه الّذي علا في توحّده، و دنا في تفرّده، و جلّ في سلطانه،... معاشر النّاس، إنّ إبليس أخرج آدم من الجنّة بالحسد، فلا تحسدوه فتحبط أعمالكم و تزلّ أقدامكم. فإنّ آدم- عليه السّلام- أهبط إلى الأرض بخطيئة واحدة و هو صفوة اللّه- عزّ و جلّ- فكيف بكم و أنتم أنتم؟ و منكم أعداء اللّه. ألا إنّه لا يبعض عليّا إلّا شقي، و لا يتولّى عليّا إلّا نقيّ، و لا يؤمن به إلّا مؤمن مخلص. و في عليّ- و اللّه- أنزلت سورة العصر: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، وَ الْعَصْرِ إلى آخره.
معاشر النّاس، قد استشهدت اللّه و بلّغتكم رسالتي‏ وَ ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ‏ ..
معاشر النّاس، اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَ لا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ‏ ..
معاشر النّاس، «آمنوا باللّه و رسوله و النّور الّذي أنزل معه‏ ». «من قبل أن نطمس وجوها فنردّها على أدبارها ».
معاشر النّاس، النّور من اللّه- عزّ و جلّ- فيّ، ثمّ مسلوك‏  في عليّ- عليه السّلام- ثمّ في النّسل منه إلى القائم المهديّ، الّذي يأخذ بحقّ اللّه و بكلّ حقّ هو لنا. لأنّ اللّه- عزّ و جلّ- قد جعلنا حجّة على المقصّرين و المعاندين و المخالفين و الخائنين و الآثمين و الظّالمين من جميع العالمين.
معاشر النّاس، إنّي أنذركم «أنّي رسول اللّه إليكم قد خلت من قبلي الرّسل أ فإن متّ أو قتلت انقلبتم على أعقابكم و من ينقلب على عقبيه فلن يضرّ اللّه شيئا و سيجزي اللّه الشّاكرين‏ .» ألا و إنّ عليّا [هو] الموصوف بالصّبر و الشّكر، ثمّ من بعده ولدي من صلبه.
معاشر النّاس، «لا تمنّوا على اللّه تعالى إسلامكم‏ » فيسخط عليكم و يصيبكم بعذاب من عنده «إنّه لبالمرصاد ».
معاشر النّاس، [، إنّه‏] سيكون من بعدي أئمّة يدعون إلى النّار، و يوم القيامة لا ينصرون.
معاشر النّاس، إنّ اللّه و أنا بريئان منهم.
معاشر النّاس، إنّهم و أشياعهم و أتباعهم و أنصارهم في الدّرك الأسفل من النّار، و لبئس مثوى المتكبّرين. ألا إنّهم أصحاب الصّحيفة، فلينظر أحدكم في صحيفته.
قال: فذهب على النّاس- إلّا شر ذمة منهم- أمر الصّحيفة.
معاشر النّاس، إنّي أدعها إمامة و وراثة في عقبي إلى يوم القيامة. و قد بلّغت ما أمرت بتبليغه حجّة على كلّ حاضر و غائب، و على كلّ أحد، و ممّن شهد أو لم يشهد، ولد أو لم يولد. فليبلّغ الحاضر الغائب، و الوالد الولد إلى يوم القيامة. و سيجعلونها ملكا و اغتصابا. ألا لعن اللّه الغاصبين و المغتصبين. و عندها سنفرغ لكم أيّها الثّقلان فيرسل عليكما شواظ من نار و نحاس فلا تنتصران.
معاشر النّاس، «إنّ اللّه- عزّ و جلّ- لم يكن يذركم على ما أنتم عليه حتّى يميز الخبيث من الطّيّب و ما كان اللّه ليطلعكم على الغيب‏ .».
معاشر النّاس، «إنّه ما من قرية إلّا و اللّه مهلكها بتكذيبها » «و كذلك يهلك القرى و هي ظالمة»  كما ذكر اللّه- تعالى- و هذا إمامكم و وليّكم. و هو مواعيد اللّه.
و اللّه يصدق ما وعده.
معاشر النّاس، قد ضلّ قبلكم أكثر الأوّلين. و اللّه لقد أهلك الأوّلين، و هو مهلك الآخرين [. قال اللّه تعالى‏ : أَ لَمْ‏ نُهْلِكِ‏ الْأَوَّلِينَ‏ ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ.] .
معاشر النّاس، إنّ اللّه قد أمرني و نهاني، و قد أمرت عليّا و نهيته فعلم الأمر و النّهي من ربّه- عزّ و جلّ- فاسمعوا لأمره تسلموا، و أطيعوه تهتدوا، و انتهوا لنهيه ترشدوا، و صيروا إلى مراده و لا تتفرّق بكم السّبل عن سبيله. ... ))
 

معرفی کتاب:

نام كتاب: تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب‏

نويسنده: قمي مشهدي، محمد بن محمدرضا ، تاريخ وفات مؤلف: 1125

محقق / مصحح: درگاهى، حسين‏

موضوع: تفسير

زبان: عربى‏

تعداد جلد: 14

ناشر: وزارت فرهنگ و ارشاد اسلامى، سازمان چاپ و انتشارات‏

مكان چاپ: تهران‏

سال چاپ: 1368 ش‏

نوبت چاپ: اول‏