عوالم العلوم و المعارف والأحوال-الإمام علي بن أبي طالب عليهما السلام، حديث‏ الغدير، ص: 174

الاحتجاج: حدّثني السيّد العالم العابد أبو جعفر مهديّ بن أبي حرب الحسينيّ المرعشي‏ «1» رضي اللّه عنه قال: أخبرنا الشيخ أبو عليّ الحسن بن الشيخ السعيد أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي‏ «2» رضي اللّه عنه، قال:

أخبرني الشيخ السعيد الوالد أبو جعفر قدس اللّه روحه، قال: أخبرني جماعة، عن أبي محمّد هارون بن موسى التلعكبري‏ «3»، قال: أخبرنا أبو علي محمّد بن همام‏ «4»، قال: أخبرنا عليّ السوري، قال: أخبرنا أبو محمّد العلوي‏ «5» من ولد الأفطس- و كان من عباد اللّه الصالحين- قال: حدّثنا محمّد بن موسى الهمداني‏ «6»، قال:

حدّثنا محمّد بن خالد الطيالسي‏ «1»، قال: حدّثنا سيف بن عميرة «2»؛ و صالح بن عقبة «3» جميعا، عن قيس بن سمعان، عن علقمة بن محمّد الحضرمي، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ عليهما السلام، أنّه قال: حجّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من المدينة و قد بلّغ جميع الشرائع قومه غير الحجّ و الولاية.

فأتاه جبرئيل عليه السلام فقال له: يا محمّد! إنّ اللّه جلّ اسمه يقرئك السلام و يقول لك: إنّي لم أقبض نبيّا من أنبيائي، و لا رسولا من رسلي إلّا بعد إكمال ديني و تأكيد حجّتي، و قد بقي عليك من ذلك فريضتان ممّا تحتاج أن تبلّغهما «4» قومك:

فريضة الحجّ، و فريضة الولاية و الخلافة من بعدك، فإنّي لم أخل أرضي من حجّة و لن اخليها أبدا. و إنّ اللّه جلّ ثناؤه يأمرك أن تبلّغ قومك الحجّ، و تحجّ و يحجّ معك [كلّ‏] من استطاع إليه سبيلا من أهل الحضر و الأطراف و الأعراب، و تعلّمهم من معالم حجّهم مثل ما علّمتهم من صلاتهم، و زكاتهم، و صيامهم، و توقفهم من ذلك على مثال الذي أوقفتهم عليه من جميع ما بلّغتهم من الشرائع؛ فنادى منادي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في الناس:

ألا إنّ رسول اللّه يريد الحجّ، و أن يعلّمكم من ذلك مثل الّذي علّمكم من شرائع دينكم، و يوقفكم من ذاك على [مثل‏] ما أوقفكم عليه من غيره.
فخرج صلّى اللّه عليه و آله و خرج معه الناس،

و أصغوا إليه لينظروا ما يصنع فيصنعوا مثله، فحجّ بهم، و بلغ من حجّ مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من أهل المدينة و أهل‏ الأطراف و الأعراب سبعين ألف انسان أو يزيدون، على نحو عدد أصحاب موسى السبعين ألف الذين أخذ عليهم بيعة هارون، فنكثوا و اتّبعوا العجل و السامري؛

و كذلك أخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله البيعة لعليّ بالخلافة على [نحو] عدد أصحاب موسى، فنكثوا البيعة و اتّبعوا «1» العجل و السامريّ سنّة بسنّة، و مثلا بمثل [لم يخرم منه شي‏ء] و اتّصلت التلبية ما بين مكّة و المدينة؛ فلمّا وقف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالموقف، أتاه جبرئيل عليه السلام عن اللّه عزّ و جل فقال: يا محمّد! إنّ اللّه عزّ و جلّ يقرئك السلام و يقول لك:

إنّه قد دنا أجلك و مدّتك، و أنا مستقدمك على ما لا بدّ منه و لا عنه محيص، فاعهد عهدك، و قدّم وصيّتك، و اعمد إلى ما عندك من العلم و ميراث علوم الأنبياء من قبلك، و السلاح و التابوت و جميع ما عندك من آيات‏ «2» الأنبياء، فسلّمها إلى وصيّك و خليفتك من بعدك، حجّتي البالغة على خلقي عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، فأقمه للناس علما، و جدّد عهده و ميثاقه و بيعته،

و ذكّرهم ما أخذت عليهم من بيعتي و ميثاقي الّذي واثقتهم به، و عهدي الّذي عهدت إليهم من ولاية وليّي و مولاهم و مولى كلّ مؤمن و مؤمنة عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) فإنّي لم أقبض نبيّا من الأنبياء إلّا من بعد إكمال ديني [و حجّتي‏] و إتمام نعمتي بولاية أوليائي، و معاداة أعدائي؛

و ذلك كمال توحيدي و ديني، و إتمام نعمتي على خلقي باتّباع وليّي و طاعته؛ و ذلك أنّي لا أترك أرضي بغير [وليّ، و لا] قيّم، ليكون حجّة لي على خلقي، ف الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً بولاية وليّي‏ «3»، و مولى كلّ مؤمن و مؤمنة «عليّ» عبدي و وصيّ نبيّي، و الخليفة من بعده، و حجّتي البالغة على خلقي، مقرون طاعته بطاعة محمّد نبيّي، و مقرون طاعته مع طاعة محمّد بطاعتي، من أطاعه فقد أطاعني، و من عصاه فقد عصاني؛ جعلته علما بيني و بين خلقي، من عرفه كان مؤمنا، و من أنكره كان كافرا، و من‏ أشرك بيعته كان مشركا، و من لقيني بولايته دخل الجنّة، و من لقيني بعداوته دخل النار، فأقم يا محمّد عليّا علما و خذ عليهم البيعة، و جدّد عهدي و ميثاقي [لهم‏] الّذي واثقتهم عليه، فإنّي قابضك إليّ و مستقدمك عليّ.

فخشي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله [من‏] قومه و أهل النفاق و الشقاق أن يتفرّقوا و يرجعوا إلى جاهلية، لما عرف من عداوتهم، و لما تنطوي عليه أنفسهم لعليّ عليه السلام من العداوة و البغضاء، و سأل جبرئيل أن يسأل ربّه العصمة من الناس، و انتظر أن يأتيه جبرئيل بالعصمة من الناس عن اللّه جلّ اسمه.

فأخّر ذلك إلى أن بلغ مسجد الخيف‏ «1»، فأتاه جبرئيل عليه السلام في مسجد الخيف فأمره بأن يعهد عهده، و يقيم عليّا علما للناس [يهتدون به‏]، و لم يأته بالعصمة من اللّه جلّ جلاله بالّذي أراد، حتى بلغ كراع الغميم- بين مكّة و المدينة- فأتاه جبرئيل و أمره بالّذي أتاه فيه من قبل اللّه، و لم يأته بالعصمة.

فقال: يا جبرئيل! إنّي أخشى قومي أن يكذّبوني و لا يقبلوا قولي في عليّ.

[فسأل جبرئيل كما سأل بنزول آية العصمة، فأخّره ذلك‏] فرحل.
فلمّا بلغ غدير خمّ قبل الجحفة بثلاثة أميال، أتاه جبرئيل عليه السلام على خمس ساعات مضت من النهار بالزجر و الانتهار و العصمة من الناس.

فقال: يا محمّد! إنّ اللّه عزّ و جلّ يقرئك السلام و يقول لك:
يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ‏- في عليّ- وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ‏.

و كان أوائلهم قريب من الجحفة، فأمر بأن يردّ من تقدّم منهم، و يحبس [من‏] تأخّر عنهم في ذلك المكان، ليقيم عليّا علما للناس، و يبلّغهم ما أنزل اللّه تعالى في عليّ، و أخبره بأنّ اللّه عزّ و جلّ قد عصمه من الناس؛

فأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله- عند ما جاءته العصمة- مناديا ينادي في الناس بالصلاة جامعة، و يردّ من تقدّم منهم، و يحبس من تأخّر، و تنحّى عن يمين الطريق إلى جنب مسجد الغدير، أمره بذلك جبرئيل عن اللّه عزّ و جلّ، و كان في الموضع سلمات‏ «1»، فأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن يقمّ ما تحتهنّ، و ينصب له أحجار «2» كهيئة المنبر ليشرف على الناس، فتراجع الناس و احتبس أواخرهم في ذلك المكان لا يزالون؛

فقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فوق تلك الأحجار، ثم حمد اللّه تعالى و أثنى عليه فقال: الحمد للّه الذي علا في توحّده، و دنا في تفرّده، و جلّ في سلطانه، و عظم في أركانه‏ «3»، و أحاط بكلّ شي‏ء علما و هو في مكانه‏ «4»، و قهر جميع الخلق بقدرته و برهانه، ... معاشر الناس! ذريّة كلّ نبيّ من صلبه، و ذريّتي من صلب عليّ عليه السلام.

معاشر الناس! إنّ إبليس أخرج آدم من الجنّة بالحسد، فلا تحسدوه فتحبط أعمالكم و تزلّ أقدامكم، فإنّ آدم اهبط إلى الأرض بخطيئة واحدة، و هو صفوة اللّه عزّ و جلّ، و كيف بكم و أنتم أنتم و منكم أعداء اللّه، ألا إنّه لا يبغض عليّا إلّا شقيّ، و لا يتوالى عليّا إلّا تقيّ، و لا يؤمن به إلّا مؤمن مخلص.

و في عليّ- و اللّه- نزلت سورة العصر:
بسم اللّه الرحمن الرحيم‏ وَ الْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ «4» إلى آخرها.
معاشر الناس! قد استشهدت اللّه و بلّغتكم رسالتي، و ما على الرسول إلّا البلاغ المبين.

معاشر الناس! اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَ لا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ‏ «1».
معاشر الناس! آمنوا باللّه و رسوله و النور الذي انزل معه‏ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى‏ أَدْبارِها [أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ‏ «2»؛ ما عنى بهذه الآية إلّا قوما من أصحابي أعرفهم بأسمائهم و أنسابهم و قد امرت بالصفح عنهم، فليعمل كلّ امرئ على ما يجد لعليّ في قلبه من الحبّ و البغض‏].

معاشر الناس! النور من اللّه عزّ و جلّ فيّ مسلوك، ثمّ في عليّ، ثمّ في النسل منه إلى القائم المهدي الذي يأخذ بحقّ اللّه و بكلّ حقّ هو لنا، لأنّ اللّه عزّ و جلّ قد جعلنا حجّة على المقصّرين و المعاندين و المخالفين و الخائنين‏ «3» و الآثمين و الظالمين [و الغاصبين‏] من جميع العالمين.
معاشر الناس! انذركم أنّي رسول اللّه قد خلت من قبلي الرسل، أ فإن متّ أو قتلت‏ انْقَلَبْتُمْ عَلى‏ أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى‏ عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَ سَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ‏ «4».

ألا و إنّ عليّا هو الموصوف بالصبر و الشكر، ثمّ من بعده ولدي من صلبه.

معاشر الناس! لا تمنّوا على اللّه إسلامكم فيسخط عليكم و يصيبكم بعذاب من عنده إنّه لبالمرصاد.

معاشر الناس! [إنّه‏] سيكون من بعدي أئمّة يدعون إلى النار و يوم القيامة لا ينصرون.

معاشر الناس! إنّ اللّه و أنا بريئان منهم.
معاشر الناس! إنّهم و أنصارهم و أتباعهم و أشياعهم‏ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ «1» و فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ‏ «2» ألا إنّهم أصحاب الصحيفة، فلينظر أحدكم في صحيفته. قال: فذهب‏ «3» على الناس- إلّا شرذمة منهم- أمر الصحيفة.

معاشر الناس! إنّي أدعها إمامة و وراثة في عقبي إلى يوم القيامة، و قد بلّغت ما امرت بتبليغه، حجّة على كلّ حاضر و غائب، و على كلّ أحد ممّن شهد أو لم يشهد، ولد أو لم يولد، فليبلّغ الحاضر الغائب، و الوالد الولد إلى يوم القيامة، و سيجعلونها ملكا و اغتصابا، ألا لعن اللّه الغاصبين و المغتصبين، و عندها سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ‏ و يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَ نُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ‏ «4».

معاشر الناس! إنّ اللّه عزّ و جلّ لم يكن يذركم‏ عَلى‏ ما أَنْتُمْ‏ عَلَيْهِ‏ حَتَّى‏ يَمِيزَ الْخَبِيثَ‏ مِنَ‏ الطَّيِّبِ‏ وَ ما كانَ‏ اللَّهُ‏ لِيُطْلِعَكُمْ‏ عَلَى‏ الْغَيْبِ‏ «5».
[معاشر الناس! إنّه ما من قرية إلّا و اللّه مهلكها بتكذيبها، و كذلك يهلك القرى و هي ظالمة كما ذكر اللّه تعالى، و هذا عليّ إمامكم و وليّكم، و هو مواعيد اللّه‏ «6»، و اللّه يصدق ما وعده‏]. ... ))
 

معرفی کتاب:

نام كتاب: عوالم العلوم و المعارف والأحوال- الإمام علي بن أبي طالب عليهما السلام‏

نويسنده: بحرانى اصفهانى، عبد الله بن نور الله‏ ، تاريخ وفات مؤلف: قرن 12

محقق / مصحح: موحد ابطحى اصفهانى، محمد باقر

موضوع: كلام‏

زبان: عربى‏

تعداد جلد: 2

ناشر: مؤسسة الإمام المهدى عجّل الله تعالى فرجه الشريف‏

مكان چاپ: ايران؛ قم‏

سال چاپ: 1382 ش‏

نوبت چاپ: دوم‏