آیه 3، سوره مائده: البرهان فى تفسير القرآن

البرهان فى تفسير القرآن، ج‏2، ص 223

قوله تعالى:
الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِ [3] 2900/ «8»- علي بن إبراهيم، قال: ذلك لما نزلت ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام).

2901/ «9»- العياشي: عن عمرو بن شمر، عن جابر، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) في هذه الآية: الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِ‏: «يوم يقوم القائم (عليه السلام) يئس بنو امية فهم‏ الَّذِينَ كَفَرُوا يئسوا من آل محمد (صلى الله عليه و آله)».

قوله تعالى:
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً [3]

2902/ «10»- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن صفوان بن يحيى، عن العلاء، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «آخر فريضة أنزلها الله تعالى الولاية، ثم لم ينزل بعدها فريضة، ثم أنزل: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ‏ بكراع الغميم فأقامها رسول الله (صلى الله عليه و آله) بالجحفة «1»، فلم ينزل بعدها فريضة».

2903/ «11»- ابن بابويه، قال: حدثنا أبو العباس محمد بن إبراهيم بن إسحاق (رضي الله عنه)، قال: حدثنا أبو أحمد القاسم بن محمد بن علي الهاروني، قال: حدثني أبو حامد عمران بن موسى بن إبراهيم، عن الحسن بن القاسم‏
______________________________
(7)- تفسير العيّاشي 1: 292/ 17.
(8)- تفسير القمّي 1: 162.
(9)- تفسير العيّاشي 1: 292/ 19.
(10)- تفسير القمّي 1: 162.
(11)- عيون أخبار الرّضا (عليه السّلام) 1: 216/ 1.
(1) الجحفة: قرية كبيرة على طريق المدينة من مكّة، بينها و بين غدير خمّ ميلان. «معجم البلدان 2: 11».

البرهان فى تفسير القرآن، ج‏2، ص 224

الرقام، قال: حدثني القاسم بن مسلم، عن أخيه عبد العزيز بن مسلم، قال: كنا مع الرضا (عليه السلام) «1» بمرو فاجتمعنا في الجامع‏ «2» يوم الجمعة في بدء مقدمنا، فأدار «3» الناس أمر الإمامة، و ذكروا كثرة اختلاف الناس فيها، فدخلت على سيدي و مولاي الرضا (عليه السلام)، فأعلمته خوضان الناس في ذلك‏ «4» فتبسم (عليه السلام)، ثم قال: «يا عبد العزيز، جهل القوم و خدعوا عن أديانهم، إن الله عز و جل لم يقبض نبيه (صلى الله عليه و آله) حتى أكمل لهم‏ «5» الدين، و أنزل عليهم‏ «6» القرآن فيه تفصيل كل شي‏ء، و بين فيه الحلال و الحرام، [و الحدود] و الأحكام، و جميع ما يحتاج إليه الناس كملا، فقال عز و جل: ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْ‏ءٍ «7» و أنزل في حجة الوداع و هي آخر عمره (صلى الله عليه و آله): الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فأمر الإمامة من تمام الدين، و لم يمض (صلى الله عليه و آله) حتى بين لامته معالم دينهم، و أوضح لهم سبيلهم، و تركهم على قصد الحق، و أقام لهم عليا (عليه السلام) علما و إماما، و ما ترك شيئا تحتاج إليه الامة إلا بينه، فمن زعم أن الله عز و جل لم يكمل دينه فقد رد كتاب الله عز و جل، و من رد كتاب الله تعالى فهو كافر».

و روى هذا الحديث محمد بن يعقوب في (الكافي) عن أبي محمد القاسم بن العلاء «8» (رحمه الله)، رفعه، عن عبد العزيز بن مسلم، قال: كنا مع الرضا (عليه السلام)، و ذكر الحديث‏ «9» و هو طويل، ذكرناه بتمامه في قول الله تعالى:
وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَ يَخْتارُ من سورة القصص‏ «10».

2904/ «3»- الطبرسي، قال: حدثنا السيد العالم أبو الحمد مهدي بن نزار الحسيني، قال: حدثني أبو القاسم عبيد الله ابن عبد الله الحسكاني، قال: أخبرنا أبو عبد الله الشيرازي، قال: أخبرنا أبو بكر الجرجاني، قال: أخبرنا أبو أحمد البصري، قال: حدثنا أحمد بن عمار بن خالد، قال: حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني‏ «11»، قال: حدثنا قيس بن الربيع، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري‏، أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) لما نزلت هذه الآية،
______________________________
(3)- مجمع البيان 3: 246.
(1) في المصدر: قال: كنّا في أيّام عليّ بن موسى الرضا (عليهم السّلام)
(2) في المصدر: في مسجد جامعها في.
(3) أي تنازعوا و تخاصموا فيه.
(4) في المصدر: ما خاض الناس فيه.
(5) في المصدر: له.
(6) في المصدر: عليه.
(7) الأنعام 6: 38.
(8) في «س» و «ط»: بن أبي العلاء، و الصواب ما في المتن، راجع معجم رجال الحديث 14: 32.
(9) الكافي 1: 154/ 1.
(10) يأتي في الحديث (2) من تفسير الآية (68) من سورة القصص.
(11) في «س» و «ط»: يحيى بن عبد العزيز الحجاني، و الصواب ما في المتن، كما في الجرح و التعديل 9: 168، تهذيب التهذيب 11: 243، معجم رجال الحديث 20: 59.

البرهان فى تفسير القرآن، ج‏2، ص 225

قال: «الله أكبر على إكمال الدين و إتمام النعمة و رضا الرب برسالتي و ولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) من بعدي».
و قال: «من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، و عاد من عاداه، و انصر من نصره، و اخذل من خذله».

2905/ «4»- و قال أبو علي الطبرسي: المروي عن الإمامين أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السلام): «أنه إنما انزل بعد أن نصب النبي (صلى الله عليه و آله) عليا (عليه السلام) علما للأنام يوم غدير خم منصرفه عن حجة الوداع» قال: «و هي آخر فريضة أنزلها الله تعالى ثم لم ينزل بعدها فريضة».
2906/ «5»- الشيخ في (أماليه)، قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان (رحمه الله)، قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد ابن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن المفضل بن عمر، عن الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام)، قال: «قال أمير المؤمنين (عليه السلام): أعطيت سبعا «1» لم يعطها أحد قبلي سوى النبي (صلى الله عليه و آله)، لقد فتحت لي السبل، و علمت المنايا، و البلايا، و الأنساب، و فصل الخطاب، و لقد نظرت إلى الملكوت بإذن ربي، فما غاب عني ما كان قبلي و لا ما يأتي بعدي، و إن بولايتي أكمل الله لهذه الامة دينهم، و أتم عليهم النعم، و رضي لهم إسلامهم، إذ يقول يوم الولاية لمحمد (صلى الله عليه و آله): يا محمد، أخبرهم أني أكملت لهم اليوم دينهم، و أتممت عليهم النعم، و رضيت لهم إسلامهم، كل ذلك من الله به علي فله الحمد».

2907/ «6»- و عنه، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدثنا أبو محمد الفضل بن محمد بن المسيب الشعراني‏ «2» بجرجان، قال: حدثنا هارون بن عمر بن عبد العزيز بن محمد بن أبو موسى المجاشعي، قال:
حدثنا محمد بن جعفر بن محمد، عن أبيه أبي عبد الله (عليه السلام) «3»، عن علي أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: «سمعت رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقول: بناء «4» الإسلام على خمس خصال: على الشهادتين، و القرينتين قيل له: أما الشهادتان فقد عرفناهما، فما القرينتان؟ قال: الصلاة و الزكاة، فإنه لا تقبل إحداهما إلا بالأخرى، و الصيام و حج بيت الله من استطاع إليه سبيلا، و ختم ذلك بالولاية، فأنزل الله عز و جل: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً».
2908/ «7»- و عنه، قال: أخبرنا الحسين بن عبيد الله، عن علي بن محمد العلوي، قال: حدثنا الحسن بن علي‏
______________________________
(4)- مجمع البيان 3: 246.
(5)- الأمالي 1: 208.
(6)- الأمالي 2: 131.
(7)- الأمالي 2: 268.
(1) في المصدر: تسعا.
(2) في «س» و «ط»: المفضّل بن محمّد بن المسيّب السّوائي، تصحيف صوابه ما في المتن، راجع رجال النجاشي: 439/ 1182.
(3) في المصدر زيادة: قال المجاشعي: و حدّثنا الرضا عليّ بن موسى، عن أبيه موسى (عليه السّلام)، عن جعفر بن محمّد (عليه السّلام)، و قالا جميعا عن آبائهما.
(4) في المصدر: بني.

البرهان فى تفسير القرآن، ج‏2، ص 226

ابن صالح‏ «1» بن شعيب الجوهري، قال: حدثنا محمد بن يعقوب الكليني، عن علي بن محمد «2»، عن إسحاق بن إسماعيل النيسابوري‏ «3»، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام)، قال: حدثنا الحسن بن علي (عليه السلام): «أن الله عز و جل بمنه و برحمته لما فرض عليكم الفرائض لم يفرض ذلك عليكم لحاجة منه إليه بل رحمة منه- لا إله إلا هو- ليميز الخبيث من الطيب، و ليبتلي ما في صدوركم، و ليمحص ما في قلوبكم، و لتتسابقوا إلى رحمته، و لتتفاضل منازلكم في جنته، ففرض عليكم الحج و العمرة و إقام الصلاة و إيتاء الزكاة و الصوم و الولاية، و جعل لكم بابا لتفتحوا به أبواب الفرائض مفتاحا إلى سبيله‏ «4»، و لولا محمد (صلى الله عليه و آله) و الأوصياء من ولده (عليهم السلام) كنتم حيارى كالبهائم، لا تعرفون فرضا من الفرائض، و هل تدخل‏ «5» قرية إلا من بابها؟ فلما من عليكم بإقامة الأولياء بعد نبيكم (صلى الله عليه و آله)، قال: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ففرض عليكم لأوليائه حقوقا، و أمركم بأدائها إليهم، ليحل لكم ما وراء ظهوركم من أزواجكم و أموالكم و مآكلكم و مشاربكم، و يعرفكم بذلك البركة و النماء و الثروة ليعلم من يطيعه منكم بالغيب.
ثم قال عز و جل: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى‏ «6» فاعلموا أن من يبخل فإنما يبخل عن نفسه، إن الله هو الغني و أنتم الفقراء إليه، فاعملوا من بعد ما شئتم، فسيرى الله عملكم و رسوله و المؤمنون، ثم تردون إلى عالم الغيب و الشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون، و العاقبة للمتقين، و لا عدوان إلا على الظالمين.
سمعت جدي رسول الله (صلى الله عليه و آله)، يقول: خلقت من نور الله عز و جل و خلق أهل بيتي من نوري، و خلق محبوهم من نورهم، و سائر الناس‏ «7» في النار».
2909/ «8»- السيد الرضي في كتاب (المناقب): عن محمد بن إسحاق، عن أبي جعفر (عليه السلام)، عن أبيه، عن جده، قال: «لما انصرف رسول الله (صلى الله عليه و آله) من حجة الوداع نزل أرضا يقال لها: ضوجان‏ «8»، فنزلت هذه الآية
______________________________
(8)- غاية المرام: 337/ 6، عن مناقب السيّد الرضي.
(1) في المصدر: الحسين بن صالح.
(2) في «س» و «ط»: محمّد بن محمّد، تصحيف صوابه ما في المتن، راجع معجم رجال الحديث 18: 54.
(3) سقطت الواسطة بين إسحاق بن إسماعيل النيسابوري و الامام الصادق (عليه السّلام)، لأنّ إسحاق بن إسماعيل النيسابوري من أصحاب أبي محمّد العسكري (عليه السّلام)، كما في رجال الطوسي 428/ 6، و روى الصدوق هذا الحديث في علل الشرائع: 249/ 6 بالإسناد عن إسحاق بن إسماعيل النيسابوري عن الحسن بن عليّ العسكريّ (عليه السّلام)، و ليس فيه: سمعت جدّي رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله و سلّم). إلى آخر الحديث‏
(4) في المصدر: سبيله.
(5) في «ط»: تدخلون.
(6) الشورى 42: 23.
(7) في المصدر: و سائر الخلق.
(8) كذا و الظاهر أنّها تصحيف، ضجنان: جبل بناحية مكّة على طريق المدينة في أسفله (الغميم) قرب غدير خم. «معجم البلدان 3: 453، معجم ما استعجم 3: 856.

البرهان فى تفسير القرآن، ج‏2، ص 227

يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ‏ «1» فلما نزلت عصمته من الناس، نادى: الصلاة جامعة. فاجتمع الناس إليه و قال (عليه السلام): من أولى منكم بأنفسكم؟
فضجوا بأجمعهم، و قالوا: الله و رسوله. فأخذ بيد علي بن أبي طالب (عليه السلام)، و قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، و عاد من عاداه، و انصر من نصره، و اخذل من خذله، فإنه مني و أنا منه، و هو مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي. و كانت آخر فريضة فرضها الله تعالى على امة محمد (صلى الله عليه و آله)، ثم أنزل الله تعالى على نبيه‏ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً».
قال أبو جعفر (عليه السلام): «فقبلوا من رسول الله (صلى الله عليه و آله) كل ما أمرهم الله من الفرائض في الصلاة و الصوم و الزكاة و الحج، و صدقوه على ذلك».

قال ابن إسحاق: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): متى كان ذلك؟ قال: «لسبع عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة عشر، عند منصرفه من حجة الوداع، و كان بين ذلك و بين وفاة النبي (صلى الله عليه و آله) مائة يوم‏ «2»، و كان سمع رسول الله (صلى الله عليه و آله) بغدير خم اثنا عشر رجلا» «3».
2910/ «9»- و رواه الشيخ الفاضل المتكلم الفقيه العالم الزاهد الورع أبو علي محمد بن أحمد بن علي الفتال- المعروف بابن الفارسي- و هو من أجلاء قدماء الإمامية من علمائها و متكلميها، روى في كتابه المعروف ب (روضة الواعظين) عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام)، قال: «حج رسول الله (صلى الله عليه و آله) من المدينة، و قد بلغ جميع الشرائع قومه ما خلا الحج و الولاية، فأتاه جبرئيل (عليه السلام)، فقال له: يا محمد، إن الله عز و جل يقرئك السلام، و يقول لك:

إني لم أقبض نبيا من أنبيائي و رسلي إلا بعد إكمال ديني و تأكيد حجتي، و قد بقي عليك من ذلك فريضتان مما يحتاج أن تبلغهما قومك: فريضة الحج، و فريضة الولاية و الخلافة «4» من بعدك، فإني لم أخل الأرض من حجة، و لن أخليها أبدا، و إن الله يأمرك أن تبلغ قومك الحج، تحج و يحج معك كل من استطاع السبيل من أهل الحضر و أهل الأطراف و الأعراب، و تعلمهم من حجهم مثل ما علمتهم من صلاتهم و زكاتهم و صيامهم، و توقفهم من ذلك على مثال الذي أوقفتهم عليه من جميع ما بلغتهم من الشرائع.

فنادى منادي رسول الله (صلى الله عليه و آله) في الناس: ألا إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) يريد الحج و أن يعلمكم من ذلك مثل الذي علمكم من شرائع دينكم، و يوقفكم من ذلك على ما أوقفكم عليه. و خرج رسول الله (صلى الله عليه و آله)
______________________________
(9)- روضة الواعظين: 89.
(1) المائدة 5: 67.
(2) المدّة بين خطبة الغدير في 18 من ذي الحجّة و وفاة الرسول (صلى اللّه عليه و آله) في 28 من صفر أقل من ذلك.
(3) (رجلا) ليس في غاية المرام، و لعلّ ذلك إشارة إلى الاثني عشر بدريا الذين شهدوا لأمير المؤمنين (عليه السّلام) بحديث الغدير يوم المناشدة في الرحبة، كما في مسند أحمد 1: 88، أمّا الذين حضروا خطبة الوداع و سمعوا من رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) حديث الغدير، فهم مائة ألف أو يزيدون.
(4) في «س»: و الخليفة.

البرهان فى تفسير القرآن، ج‏2، ص 228

و خرج معه الناس، و أصغوا إليه لينظروا ما يصنع فيصنعوا مثله، فحج بهم فبلغ من حج مع رسول الله (صلى الله عليه و آله) من أهل المدينة و أهل الأطراف و الأعراب سبعين ألف إنسان أو يزيدون‏ «1»، على نحو عدد أصحاب موسى السبعين ألف الذين أخذ عليهم بيعة هارون (عليه السلام) فنكثوا و اتبعوا العجل و السامري، و كذلك أخذ رسول الله (صلى الله عليه و آله) البيعة لعلي (عليه السلام) بالخلافة- على عدد أصحاب موسى- فنكثوا البيعة و اتبعوا العجل و السامري سنة بسنة، و مثلا بمثل، و اتصلت التلبية ما بين مكة و المدينة، فلما توقف بالموقف‏ «2» أتاه جبرئيل (عليه السلام)، فقال: يا محمد، إن الله عز و جل يقرئك السلام، و يقول لك، إنه قد دنا أجلك و مدتك، و إني أستقدمك على ما لا بد منه و لا محيص عنه، فاعهد عهدك، و قدم وصيتك، و اعمد إلى ما عندك من العلم و ميراث علوم الأنبياء من قبلك، و السلاح و التابوت و جميع ما عندك من آيات الأنبياء من قبلك، فسلمها إلى وصيك و خليفتك من بعدك، حجتي البالغة على خلقي علي بن أبي طالب، فأقمه للناس و خذ عهده و ميثاقه و بيعته، و ذكرهم ما أخذت عليهم من بيعتي و ميثاقي الذي واثقتهم به، و عهدي الذي عهدت إليهم من ولاية وليي، و مولاهم و مولى كل مؤمن و مؤمنة، علي بن أبي طالب. فإني لم أقبض نبيا من أنبيائي إلا بعد إكمال حجتي و ديني، و إتمام نعمتي بولاية أوليائي و معاداة أعدائي، و ذلك كمال توحيدي و ديني، و تمام نعمتي على خلقي باتباع وليي و إطاعته، و ذلك أني لا أترك أرضي بغير قيم ليكون حجة على خلقي، فاليوم أكملت لكم دينكم، و أتممت عليكم نعمتي، و رضيت لكم الإسلام دينا علي وليي و مولى كل مؤمن و مؤمنة، علي عبدي و وصي نبيي و الخليفة من بعده، و حجتي البالغة على خلقي، مقرون طاعته مع طاعة محمد نبيي، و مقرون طاعة محمد بطاعتي، من أطاعه فقد أطاعني، و من عصاه فقد عصاني، جعلته علما بيني و بين خلقي، فمن عرفه كان مؤمنا، و من أنكره كان كافرا، و من أشرك ببيعته كان مشركا، و من لقيني بولايته دخل الجنة، و من لقيني بعداوته دخل النار. فأقم يا محمد عليا علما، و خذ عليهم البيعة، و خذ عهدي و ميثاقي لهم الذي‏ «3» واثقتهم عليه فإني قابضك إلي، و مستقدمك.
فخشي رسول الله (صلى الله عليه و آله) قومه و أهل النفاق و الشقاق أن يتفرقوا و يرجعوا جاهلية لما عرف من عداوتهم، و ما يبطنون عليه أنفسهم لعلي (عليه السلام) من البغضاء، و سأل جبرئيل (عليه السلام) أن يسأل ربه العصمة من الناس و انتظر أن يأتيه جبرئيل بالعصمة من الناس من الله عز و جل، فأخر ذلك إلى أن بلغ مسجد الخيف، فأتاه جبرئيل (عليه السلام) و أمره‏ «4» أن يعهد عهده و يقيم حجته عليا للناس‏ «5»، و لم يأته بالعصمة من الله عز و جل بالذي أراد حتى بلغ كراع الغميم- بين مكة و المدينة- فأتاه جبرئيل و أمره بالذي امر به من قبل و لم يأته بالعصمة، فقال: يا جبرئيل، إني لأخشى قومي أن يكذبوني، و لا يقبلوا قولي في علي. فرحل، فلما بلغ غدير خم قبل الجحفة بثلاثة
______________________________
(1) في «س»: ألفا و يزيدون.
(2) في المصدر: وقف الموقف.
(3) في المصدر: و ميثاقي بالذي.
(4) في المصدر: فأتاه جبرئيل (عليه السّلام) في مسجد الخيف فأمره.
(5) في «ط» نسخة بدل: و يقيم عليّا علما للناس.

البرهان فى تفسير القرآن، ج‏2، ص 229

أميال، أتاه جبرئيل (عليه السلام) على خمس ساعات مضت من النهار بالزجر و الانتهار و العصمة من الناس، فقال: يا محمد، إن الله عز و جل يقرئك السلام، و يقول لك: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ‏ في علي‏ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ‏ «1» فكان أولهم بلغ قرب الجحفة فأمره أن يرد من تقدم منهم، و يحبس من تأخر منهم في ذلك المكان، ليقيم عليا (عليه السلام) للناس، و يبلغهم ما أنزل الله عز و جل في علي (عليه السلام) و أخبره أن الله تعالى قد عصمه من الناس.
فأمر رسول الله (صلى الله عليه و آله) عند ما جاءته العصمة مناديا ينادي، فنادى في الناس بالصلاة جامعة، و تنحى عن يمين الطريق إلى جنب مسجد الغدير، أمره بذلك جبرئيل (عليه السلام) عن الله تعالى، و في الموضع سلمات‏ «2» فأمر رسول الله (صلى الله عليه و آله) أن يقم ما تحتهن، و ينصب له أحجار كهيئة المنبر ليشرف على الناس، فتراجع الناس و احتبس أواخرهم في ذلك المكان لا يزالون، و قام رسول الله (صلى الله عليه و آله) فوق تلك الأحجار، و قال (صلى الله عليه و آله):
الحمد لله الذي علا بتوحيده، و دنا في تفريده، و جل في سلطانه، و عظم في أركانه، و أحاط بكل شي‏ء علما و هو في مكانه‏ «3»، و قهر جميع الخلق بقدرته و برهانه. حميد لم يزل محمودا، و لا يزال مجيدا، لا يزول مبدئا و معيدا، و كل أمر إليه يعود بارئ المسموكات، و داحي المدحوات، قدوس سبوح رب الملائكة و الروح، متفضل على جميع من برأه، متطول على جميع من ذرأه، يلحظ كل عين و العيون لا تراه. كريم رحيم ذو أناة، قد وسع كل شي‏ء رحمته، و من على جميع خلقه بنعمته، لا يعجل بانتقامه، و لا يبادر عليهم بما استحقوا من عذابه، قد فهم السرائر، و علم الضمائر، و لم تخف عليه المكنونات، و ما اشتبهت عليه الخفيات، له الإحاطة بكل شي‏ء، و الغلبة لكل شي‏ء، و القوة في كل شي‏ء، و القدرة على كل شي‏ء، لا مثله شي‏ء، و هو منشئ الشي‏ء حين لا شي‏ء و حين لا حي. قائم بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم، جل عن أن تدركه الأبصار، و هو يدرك الأبصار، و هو اللطيف الخبير، لا يلحق وصفه أحد بمعاينة و لا يحد، كيف و هو من سر و لا علانية، إلا بما دل عز و جل على نفسه.
أشهد له بأنه الله الذي لا إله إلا هو «4»، الذي أبلى الدهر قدسه، و الذي يفني‏ «5» الأبد نوره، و الذي ينفذ أمره بلا مشاورة «6» مشير، و لا معه شريك في تقدير، و لا تفاوت في تدبير، صور ما ابتدع بلا مثال، و خلق ما خلق بلا معونة من أحد، و لا تكلف و لا احتيال، أنشأها فكانت، و برأها فبانت، و هو الله الذي لا إله إلا هو المتقن الصنعة، الحسن الصنيعة، العدل الذي لا يجور، و الأكرم الذي إليه ترجع الأمور.
و أشهد أنه الله الذي تواضع كل شي‏ء لعظمته، و ذل كل شي‏ء لعزته، و أسلم كل شي‏ء لقدرته، و خضع كل‏
______________________________
(1) المائدة 5: 67.
(2) السّلمات: جمع سلمة، شجر من العضاه. «النهاية 2: 395».
(3) زاد في المصدر: يعني أنّ الشي‏ء في مكانه.
(4) (الذي لا إله إلّا هو) ليس في المصدر.
(5) في «ط»: يغشى.
(6) في المصدر: مشورة.

البرهان فى تفسير القرآن، ج‏2، ص 230

شي‏ء لهيبته مالك‏ «1» الأملاك، و مسخر الشمس و القمر في الأفلاك، كل يجري لأجل مسمى، يكور الليل على النهار، و يكور النهار على الليل، يطلبه حثيثا، قاصم كل جبار عنيد، و مهلك كل شيطان مريد، لم يكن له ضد، و لا معه ند، أحد صمد، لم يلد و لم يولد، و لم يكن له كفوا أحد، إلها واحدا و ربا ماجدا، يشاء فيمضي، و يريد فيقضي، و يعلم فيحصي، و يميت و يحيي، و يفقر و يغني، و يضحك و يبكي، و يدني و يقصي‏ «2»، و يمنع و يعطي.

له الملك و له الحمد، بيده الخير، و هو على كل شي‏ء قدير، يولج الليل في النهار، و يولج النهار في الليل، لا إله إلا هو العزيز الغفار، مستجيب الدعاء، جزيل العطاء، محصي الأنفاس، رب الجنة و الناس، الذي لا تشكل عليه لغة، و لا يضجره المستصرخون، و لا يبرمه إلحاح الملحين، العاصم للصالحين، و الموفق للمتقين، مولى المؤمنين‏ «3»، رب العالمين، الذي استحق من كل خلق أن يشكره و يحمده على كل حال.

أحمده و أشكره على السراء و الضراء، و الشدة و الرخاء، و أؤمن به و بملائكته و كتبه و رسله، فاسمعوا و أطيعوا لأمره، و بادروا إلى مرضاته، و سلموا لقضائه رغبة في طاعته، و خوفا من عقوبته، لأنه الله الذي لا يؤمن مكره، و لا يخاف جوره.

أقر له على نفسي بالعبودية، و أشهد له بالربوبية، و أؤدي ما أوحى إلي به خوفا و حذرا من أن تحل بي قارعة لا يدفعها عني أحد، و إن عظمت منته، و صفت خلته، لأنه لا إله إلا هو قد أعلمني إن لم أبلغ ما أنزل إلي فما بلغت رسالته، و قد ضمن لي العصمة، و هو الله الكافي الكريم، و أوحى إلي: بسم الله الرحمن الرحيم‏ يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ‏ في علي‏ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ‏.

معاشر الناس، ما قصرت عن تبليغ ما أنزله تعالى، و أنا مبين لكم سبب نزول هذه الآية: إن جبرئيل (عليه السلام) هبط إلي مرارا ثلاثا، يأمرني عن السلام ربي، و هو السلام، أن أقوم في هذا المشهد فأعلم كل أبيض و أحمر و أسود أن علي بن أبي طالب أخي و وصيي و خليفتي، و هو الإمام من بعدي الذي محله مني محل هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، و هو وليكم بعد الله و رسوله، و قد أنزل الله تبارك و تعالى علي بذلك آية من كتابه: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ‏ «4» و علي بن أبي طالب الذي أقام الصلاة و آتى الزكاة و هو راكع يريد الله عز و جل في كل حال.

و سألت جبرئيل (عليه السلام) أن يستعفي لي من تبليغ ذلك إليكم- أيها الناس- لعلمي بقلة المتقين، و كثرة المنافقين، و إدغال‏ «5» الآثمين، و ختل‏ «6» المستهزئين، الذين وصفهم الله في كتابه بأنهم‏
______________________________
(1) في المصدر: ملك.
(2) في «ط» و المصدر: و يدبر فيقضي.
(3) في «ط» نسخة بدل: و مولى العالمين.
(4) المائدة: 5: 55.
(5) الدغل: الفساد و المخالفة. «لسان العرب- دغل- 11: 244».
(6) الختل: الخداع. «لسان العرب- ختل- 11: 199»، و في «س»: حيل.

البرهان فى تفسير القرآن، ج‏2، ص 231

يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ‏ «1» و يحسبونه هينا، و هو عند الله عظيم، لكثرة أذاهم لي غير مرة حتى سموني أذنا «2» و زعموا أنه كذلك، لكثرة ملازمتي إياه‏ «3» و إقبالي عليه حتى أنزل الله في ذلك‏ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَ يَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ‏ فقال‏ قُلْ أُذُنُ‏ على الذين يزعمون أنه أذن‏ خَيْرٍ لَكُمْ‏ «4» إلى آخر الآية، و لو شئت أن أسمي القائلين بأسمائهم لسميت و أومأت إليهم بأعيانهم، و لو شئت أن أدل عليهم لدللت، و لكني في أمرهم قد تكرمت، و كل ذلك لا يرضى الله عني‏ «5» إلا أن ابلغ ما أنزل إلي، فقال: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ‏ في علي‏ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ‏ الآية.

فاعلموا- معاشر الناس- و افهموه، و اعلموا أن الله قد نصبه لكم وليا و إماما، مفترضة طاعته على المهاجرين و الأنصار، و على التابعين لهم بإحسان، و على البادي و الحاضر، و الأعجمي و العربي، و الحر و المملوك، و الصغير و الكبير، و على الأبيض و الأسود، و على كل موحد، ماض حكمه، جائز قوله، نافذ أمره، ملعون من خالفه، مرحوم من تبعه، مؤمن من صدقه، قد غفر الله لمن سمع و أطاع له.

معاشر الناس، إنه آخر مقام أقومه في هذا المشهد، فاسمعوا و أطيعوا و انقادوا لأمر ربكم، فإن الله عز و جل هو مولاكم و إلهكم، ثم من دونه رسوله‏ «6» محمد وليكم القائم المخاطب لكم‏ «7»، ثم من بعدي علي وليكم و إمامكم بأمر من الله ربكم، ثم الإمامة في الذين من صلبه إلى يوم يلقون الله و رسوله، لا حلال إلا ما أحله الله، و لا حرام إلا ما حرمه الله، عرفني الحلال و الحرام، و أنا قضيت مما علمني ربي من كتابه و حلاله و حرامه إليه.

معاشر الناس، ما من علم إلا و قد أحصاه الله في، و كل علم علمت فقد أحصيته في إمام المتقين‏ «8»، ما من علم إلا علمته عليا و هو الإمام المبين.

معاشر الناس، لا تضلوا عنه، و لا تنفروا «9» منه، و لا تستنكفوا من ولايته، فهو الذي يهدي إلى الحق و يعمل به، و يزهق الباطل و ينهى عنه، و لا تأخذه في الله لومة لائم، ثم إنه أول من آمن بالله و رسوله و الذي فدى رسول الله بنفسه، و الذي كان مع رسول الله و لا أحد يعبد الله مع رسوله من الرجال غيره.
معاشر الناس، فضلوه فقد فضله الله، و اقبلوه فقد نصبه الله.
______________________________
(1) الفتح 48: 11.
(2) الاذن: من يصدّق كلّ من يسمع.
(3) في المصدر: ملازمته إيّاي.
(4) التوبة 9: 61.
(5) في المصدر: مني.
(6) في المصدر: رسولكم.
(7) (لكم) ليس في المصدر.
(8) في نسخة من «ط»: في إمام مبين.
(9) في المصدر: تفرّوا.

البرهان فى تفسير القرآن، ج‏2، ص 232

معاشر الناس، إنه إمام من الله، و لن يتوب الله على أحد أنكر ولايته، و لن يغفر الله له، حقا «1» على الله أن يفعل ذلك بمن خالف أمره فيه، و أن يعذبه عذابا نكرا أبدا الآبدين و دهر الداهرين، فاحذروا أن تخالفوني فتصلوا نارا وقودها الناس و الحجارة أعدت للكافرين.

أيها الناس، بي- و الله- بشر الأولون‏ «2» من النبيين و المرسلين، و أنا خاتم النبيين و المرسلين، و الحجة على جميع المخلوقين من أهل السماوات و الأرضين، فمن شك في ذلك فهو كافر، كفر الجاهلية الاولى، و من شك في قولي هذا فقد شك في الكل منه، و الشك في ذلك فهو في النار.

معاشر الناس، حباني الله بهذه الفضيلة منا منه علي، و إحسانا منه إلي، و لا إله إلا هو، له الحمد مني أبد الآبدين و دهر الداهرين على كل حال.

معاشر الناس، فضلوا عليا فإنه أفضل الناس بعدي من ذكر و أنثى، بنا أنزل الله الرزق و بقي الخلق. ملعون ملعون، مغضوب مغضوب على من رد علي قولي هذا. ألا إن جبرئيل خبرني عن الله بذلك، و يقول: من عادى عليا و لم يتوله فعليه لعنتي و غضبي‏ «3» فلتنظر نفس ما قدمت لغد و اتقوا الله أن تخالفوا فتزل قدم بعد ثبوتها، إن الله خبير ما تعملون.

معاشر الناس، تدبروا القرآن، و افهموا آياته و محكماته، و لا تتبعوا متشابهه، فو الله لن يبين لكم زواجره‏ «4» و لا يوضح لكم تفسيره إلا الذي أنا آخذ بيده، و مصعده إلي و شائل بعضده، و معلمكم أن من كنت مولاه فهذا علي مولاه، و هو علي بن أبي طالب أخي و وصيي، و موالاته من الله تعالى، أنزلها علي.

معاشر الناس، إنه جنب الله الذي ذكر في كتابه‏ يا حَسْرَتى‏ عَلى‏ ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ‏ «5».

معاشر الناس، إن عليا و الطيبين من ولدي هم الثقل الأصغر، و القرآن هو الثقل الأكبر، و كل واحد منهما منبئ عن صاحبه، موافق له، لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، أمناء لله‏ «6» في خلقه، و حكماؤه في أرضه، ألا و إن الله عز و جل قال، و أنا قلته عن الله عز و جل، ألا و قد أديت، ألا و قد بلغت، ألا و قد أسمعت، ألا و قد أوضحت، ألا و إنه ليس أمير المؤمنين غير أخي هذا، و لا تحل إمرة المؤمنين بعدي لأحد غيره. ثم ضرب بيده على عضد علي فرفعه، و كان أمير المؤمنين (عليه السلام) منذ أول ما صعد رسول الله (صلى الله عليه و آله) قد شال‏ «7» عليا (عليه السلام) حتى صارت رجلاه مع ركبة رسول الله (صلوات الله عليهما) ثم قال:
______________________________
(1) في المصدر: حتما.
(2) في المصدر: هي و اللّه بشرى الأوّلين.
(3) (بذلك و يقول ... و غضبي) ليس في المصدر.
(4) في المصدر: فواللّه لهو مبين لكم نورا واحدا.
(5) الزّمر 39: 56.
(6) في المصدر: بأمر اللّه.
(7) أي رفعه.

البرهان فى تفسير القرآن، ج‏2، ص 233

معاشر الناس، هذا علي أخي و وصيي، و واعي علمي‏ «1»، و خليفتي على امتي، و على تفسير كتاب الله عز و جل، و الداعي إليه، و العامل بما يرضاه، و المحارب لأعدائه و الموالي على طاعته، و الناهي عن معصيته، خليفة رسول الله، و أمير المؤمنين و الإمام الهادي بأمر الله، و قاتل الناكثين و القاسطين و المارقين بأمر الله.

أقول: مما يبدل القول لدي بأمر ربي، أقول: اللهم وال من والاه، و عاد من عاداه، و العن من أنكره و جحد حقه، و اغضب على من جحده.

اللهم إنك أنت أنزلت الإمامة لعلي وليك عند تبيين ذلك بتفضيلك إياه بما أكملت لعبادك من دينهم، و أتممت عليهم نعمتك‏ «2» و رضيت لهم الإسلام دينا، فقلت: وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ‏ «3» اللهم إني أشهدك أني قد بلغت.

معاشر الناس، إنما أكمل الله عز و جل دينكم بإمامته، فمن لم يأتم به و بمن كان من ولدي من صلبه إلى يوم القيامة و العرض على الله تعالى، فأولئك‏ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَ فِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ‏ «4» لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَ لا هُمْ يُنْظَرُونَ‏ «5».

معاشر الناس، هذا علي، أنصركم لي، و أحق الناس بي، و أقربكم إلي، و أعزكم علي، و الله عز و جل و أنا عنه راضيان، و ما أنزلت آية رضا إلا فيه، و ما خاطب الله الذين آمنوا إلا بدأ به، و لا نزلت آية مدح في القرآن إلا فيه، و لا شهد الله بالجنة في‏ هَلْ أَتى‏ عَلَى الْإِنْسانِ‏ «6» إلا له، و لا أنزلها في سواه، و لا مدح بها غيره.

معاشر الناس، هو «7» ناصر دين الله، و المجادل عن الله‏ «8»، و هو التقي النقي الهادي المهدي، نبيكم خير نبي، و وصيكم خير وصي، و بنوه خير الأوصياء.

معاشر الناس، ذرية كل نبي من صلبه، و ذريتي من صلب علي.

معاشر الناس، إن إبليس أخرج آدم من الجنة بالحسد، فلا تحسدوه، فتحبط أعمالكم و تزل أقدامكم، فإن آدم (عليه السلام) اهبط إلى الأرض بخطيئة واحدة، و هو صفوة الله تعالى، فكيف أنتم إن زللتم و أنتم عباد الله! ما يبغض عليا إلا شقي، و لا يتولى عليا إلا تقي، و لا يؤمن به إلا مؤمن مخلص، في علي و الله أنزلت سورة العصر بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَ الْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَ تَواصَوْا بِالْحَقِ‏
______________________________
(1) في المصدر: و الراعي بعدي.
(2) في المصدر: و أنعمت عليهم بنعمتك.
(3) آل عمران 3: 85.
(4) التوبة 9: 17.
(5) البقرة 2: 162، آل عمران 3: 88.
(6) الإنسان 76: 1.
(7) في المصدر: هذا.
(8) في المصدر: رسول الله.

البرهان فى تفسير القرآن، ج‏2، ص 234

وَ تَواصَوْا بِالصَّبْرِ «1».

معاشر الناس، قد أشهدت الله و بلغتكم الرسالة، وَ ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ‏ «2».

معاشر الناس، اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَ لا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ‏ «3».

معاشر الناس، آمنوا بالله و رسوله و النور الذي انزل معه‏ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى‏ أَدْبارِها «4».

معاشر الناس، النور من الله عز و جل في، ثم مسلوك في علي، ثم في النسل منه إلى القائم المهدي الذي يأخذ بحق الله و بحق كل مؤمن، لأن الله عز و جل قد جعلنا حجة على المقصرين و المعاندين‏ «5» و المخالفين و الخائنين و الآثمين و الظالمين من جميع العالمين.

معاشر الناس، إني رسول الله قد خلت من قبلي الرسل أ فإن مت أو قتلت انقلبتم على أعقابكم و من ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا و سيجزي الله الشاكرين‏ «6» الصابرين ألا إن عليا الموصوف بالصبر و الشكر ثم من بعده ولدي من صلبه.

معاشر الناس، لا تمنوا علي‏ «7» بإسلامكم فيسخط الله عليكم، فيصيبكم بعذاب من عنده، إن ربك لبالمرصاد.

معاشر الناس، سيكون من بعدي أئمة يدعون إلى النار، و يوم القيامة لا ينصرون. معاشر الناس، إن الله و أنا بريئان منهم.

معاشر الناس، إنهم و أنصارهم و أشياعهم و أتباعهم في الدرك الأسفل من النار، و لبئس مثوى المتكبرين‏ «8».

معاشر الناس، إني أدعها إمامة «9» و وراثة في عقبي إلى يوم القيامة، و قد بلغت ما بلغت حجة على كل حاضر و غائب، و على كل أحد ممن شهد أو لم يشهد، و ولد أو لم يولد، فليبلغ الحاضر الغائب، و الوالد الولد إلى يوم القيامة، و سيجعلونها ملكا و اغتصابا، ألا لعن الله الغاصبين و المغتصبين، و عندها سنفرغ لكم أيها الثقلان فيرسل عليكما شواظ من نار و نحاس فلا تنتصران‏ «10».
______________________________
(1) العصر 103: 1- 3.
(2) النور 24: 54، العنكبوت 29: 18.
(3) آل عمران 3: 102.
(4) النّساء 4: 47.
(5) في المصدر: و الغادرين.
(6) تضمين من سورة آر عمران 3: 144.
(7) في المصدر: على اللّه.
(8) في «ط» زيادة: ألا إنّهم أصحاب الصحيفة، فلينظر أحدكم في صحيفته، قال: فذهب على الناس إلّا شرذمة منهم أمر الصحيفة.
(9) في «ط»: أمانة.
(10) تضمين من سورة الرحمن 55: 35.

البرهان فى تفسير القرآن، ج‏2، ص 235

معاشر الناس، إن الله عز و جل لم يكن يذركم على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب، و ما كان الله ليطلعكم على الغيب.

معاشر الناس، إنه ما من قرية إلا و الله مهلكها بتكذيبها، و كذلك يهلك القرى و هي ظالمة كما ذكر الله عز و جل، و هذا إمامكم و وليكم و هو مواعد الله و الله يصدق وعده.

معاشر الناس، قد ضل قبلكم أكثر الأولين، و الله قد أهلك الأولين و هو مهلك الآخرين، قال الله تعالى: أَ لَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ* ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ* كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ* وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ‏ «1».

معاشر الناس، إن الله قد أمرني و نهاني، و قد أمرت عليا و نهيته، و علم الأمر و النهي من ربه عز و جل، فاسمعوا لأمره و انتهوا لنهيه، و صيروا إلى مراده، و لا تتفرق بكم السبل عن سبيله. أنا صراط الله المستقيم الذي أمركم باتباعه، ثم علي من بعدي، ثم ولدي من صلبه أئمة يهدون بالحق و به يعدلون.
ثم قرأ (صلى الله عليه و آله) الْحَمْدُ لِلَّهِ‏ إلى آخرها، و قال: في نزلت، و فيهم نزلت، و لهم عمت، و إياهم خصت، أولئك أولياء الله لا خوف عليهم و لا هم يحزنون‏ «2» ألا إن حزب الله هم الغالبون، ألا إن أعداءهم أهل الشقاق الحادون العادون و إخوان الشياطين الذين‏ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى‏ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً «3». ألا إن أولياءهم هم المؤمنون الذين ذكرهم الله في كتابه، فقال تعالى: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ‏ «4» إلى آخر الآية. ألا إن أولياءهم الذين وصفهم الله عز و جل، فقال: الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَ هُمْ مُهْتَدُونَ‏ «5»، ألا إن أولياءهم الذين آمنوا و لم يرتابوا، ألا إن أولياءهم هم الذين يدخلون الجنة آمنين و تتلقاهم الملائكة بالتسليم أن‏ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ‏ «6» ألا إن أولياءهم هم الذين قال الله عز و جل: يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ‏ «7». ألا إن أعداءهم الذين يصلون سعيرا، ألا إن أعداءهم الذين يسمعون لجهنم شهيقا و هي تفور، و لها زفير كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها «8» الآية. ألا إن أعداءهم الذين قال الله عز و جل: كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَ لَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ* قالُوا بَلى‏ «9»، ألا إن أولياءهم‏ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ أَجْرٌ كَبِيرٌ «10».
______________________________
(1) المرسلات 77: 16- 19.
(2) تضمين من سورة يونس 10: 62.
(3) الأنعام 6: 112.
(4) المجادلة 58: 22.
(5) الأنعام 6: 82.
(6) الزمر 39: 73.
(7) غافر 40: 40.
(8) الأعراف 7: 38.
(9) الملك 67: 8 و 9.
(10) الملك 67: 12.

البرهان فى تفسير القرآن، ج‏2، ص 236

معاشر الناس، شتان ما بين السعير و الجنة، عدونا من ذمه الله و لعنه، و ولينا من مدحه الله و أحبه.

معاشر الناس، ألا و إني منذر، و علي هاد.

معاشر الناس، إني نبي، و علي وصيي، ألا إن خاتم الأئمة منا القائم المهدي، ألا إنه الظاهر على الدين، ألا إنه المنتقم من الظالمين، ألا إنه فاتح الحصون و هادمها، ألا إنه فاتح كل قبيلة من الشرك، ألا إنه مدرك لكل ثار لأولياء الله عز و جل، ألا إنه الناصر لدين الله عز و جل، ألا إنه الغراف من بحر عميق، ألا إنه يسم كل ذي فضل بفضله، و كل ذي جهل بجهله، ألا إنه خيرة الله و مختاره، ألا إنه وارث كل علم و المحيط بكل فهم، ألا إنه المخبر عن ربه عز و جل، و المنبه‏ «1» لأمر إيمانه، ألا إنه الرشيد السديد، ألا إنه المفوض إليه، ألا إنه قد بشر به من سلف بين يديه، ألا إنه الباقي حجة و لا حجة بعده، و لا حق إلا معه، و لا نور إلا عنده، ألا إنه لا غالب له، و لا منصور عليه، ألا إنه ولي الله في أرضه، و حكمه في خلقه، و أمينه في سره و علانيته.

معاشر الناس، قد بينت لكم و أفهمتكم، و هذا علي يفهمكم بعدي، ألا و إني عند انقضاء خطبتي أدعوكم إلى مصافقتي على بيعته و الإقرار به، ثم مصافقته من بعدي، ألا و إني قد بايعت الله، و علي قد بايعني، و أنا آخذكم بالبيعة له عن‏ «2» الله عز و جل‏ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى‏ نَفْسِهِ‏ «3» الآية.

معاشر الناس، إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ «4» الآية.

معاشر الناس، حجوا البيت، فما ورده أهل بيت إلا نموا و تناسلوا، و لا تخلفوا عنه إلا بتروا «5» و افترقوا.

معاشر الناس، ما وقف بالموقف مؤمن إلا غفر الله له ما سلف من ذنبه إلى وقته ذلك، فإذا انقضت حجته استأنف عمله.

معاشر الناس، الحجاج معانون، و نفقاتهم مخلفة، و الله لا يضيع أجر المحسنين.

معاشر الناس، حجوا بكمال الدين و التفقه، و لا تنصرفوا عن المشاهد إلا بتوبة و إقلاع.

معاشر الناس، أقيموا الصلاة و آتوا الزكاة، كما أمركم الله عز و جل، فإن طال عليكم الأمد فقصرتم أو نسيتم فعلي وليكم و مبين لكم، الذي نصبه الله عز و جل بعدي لكم و من خلقه‏ «6» الله مني و منه‏ «7» يخبركم بما تسألون، و يبين لكم ما لا تعلمون، ألا إن الحلال و الحرام أكثر من أن أحصيهما و اعرفهما. فآمر بالحلال و أنهى عن الحرام في مقام واحد، و أمرت أن آخذ البيعة عليكم و الصفقة لكم بقبول ما جئت به عن الله عز و جل في علي أمير المؤمنين‏
______________________________
(1) في المصدر: و المشبه.
(2) في «ط»: عند.
(3) الفتح 48: 10.
(4) البقرة 1: 158.
(5) في «س» و «ط»: إلّا ابتزلوا، و ما أثبتناه من اليقين: 123.
(6) في «ط»: خلّفه.
(7) في اليقين: 123 لكم بعدي أمين خلقه، إنّه منّي و أنا منه.

البرهان فى تفسير القرآن، ج‏2، ص 237

و الأئمة من بعده، الذين هم مني و منه، الإمامة «1» قائمة فيهم، خاتمها المهدي، إلى يوم القيامة، الذي يقضي بالحق.

معاشر الناس، و كل حلال دللتكم عليه، و كل حرام نهيتكم عنه، فإني لم أرجع عن ذلك و لم أبدل، ألا فاذكروا ذلك و احفظوه و تواصوا به، و لا تبدلوه، ألا و إني أجدد القول، ألا فأقيموا الصلاة و آتوا الزكاة و أمروا بالمعروف و انهوا عن المنكر، ألا و إن رأس الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر أن تنتهوا إلى قولي‏ «2» و تبلغوه من لم يحضر، و تأمروه بقبوله، و تنهوه عن مخالفته، فإنه أمر من الله عز و جل و مني معا، و لا أمر بمعروف و لا نهي عن منكر إلا مع إمام.

معاشر الناس، القرآن يعرفكم أن الأئمة من بعده ولده، و عرفتكم أنهم مني و منه حيث يقول الله عز و جل:
وَ جَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ‏ «3» و لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما.
معاشر الناس، اتقوا الله‏ «4» و احذروا الساعة كما قال الله تعالى: إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْ‏ءٌ عَظِيمٌ‏ «5» اذكروا الممات و الحساب و الموازين و المحاسبة بين يدي رب العالمين، و الثواب و العقاب، فمن جاء بالحسنة أثيب‏ «6»، و من جاء بالسيئة فليس له في الجنان من نصيب.

معاشر الناس، إنكم أكثر من أن تصافقوني بكف واحدة، و أمرني الله عز و جل أن آخذ من ألسنتكم الإقرار بما عقد لعلي بإمرة المؤمنين، و من جاء بعده من الأئمة مني و منه على ما أعلمتكم أن ذريتي من صلبه، فقولوا بأجمعكم: إنا سامعون مطيعون راضون منقادون لما بلغت من أمر ربنا و ربك في أمر علي أمير المؤمنين و أمر «7» ولده من صلبه من الأئمة، نبايعك على ذلك بقلوبنا و أنفسنا و ألسنتنا و أيدينا «8»، على ذلك نحيا و نموت و نبعث، لا نغير و لا نبدل و لا نشك و لا نرتاب و لا نرجع عن عهد و لا ميثاق، و لا ننقض الميثاق نطيع الله و نطيعك و عليا أمير المؤمنين و ولده الأئمة الذين ذكرتهم من ذريتك من صلبه بعد الحسن و الحسين، اللذين قد عرفتكم مكانهما مني، و محلهما عندي، و منزلتهما من ربي عز و جل، فقد أديت ذاك إليكم، و إنهما لسيدا شباب أهل الجنة، و إنهما الإمامان بعد أبيهما علي و أنا أبوهما قبله، فقولوا: أعطينا الله بذلك و إياك و عليا و الحسن و الحسين و الأئمة الذين ذكرت عهدا و ميثاقا مأخوذا لأمير المؤمنين من قلوبنا و أنفسنا و ألسنتنا، و مصافقة أيدينا- من أدركهما بيده، و إلا
______________________________
(1) في «س» و «ط»: أمّة، و ما أثبتناه من اليقين: 123.
(2) في «س» و «ط»: إلى قوله.
(3) الزّخرف 43: 28.
(4) في المصدر: التقوى، التقوى.
(5) الحج 22: 1.
(6) في المصدر: أفلح.
(7) في المصدر: لما بلغته عن أمر ربي و أمر عليّ أمير المؤمنين و من.
(8) في «س» و المصدر: و أبداننا.

البرهان فى تفسير القرآن، ج‏2، ص 238

فقد أقر بهما بلسانه- لا نبتغي بدلا، و لا يرى الله عز و جل من أنفسنا حولا أبدا، أشهدنا الله و كفى بالله شهيدا، و أنت علينا به شهيد، و كل من أطاع ممن ظهر و استتر و ملائكة الله و جنوده و عبيده و الله أكبر من كل شهيد.

معاشر الناس، ما تقولون؟ فإن الله يعلم كل صوت، و خافية كل نفس، فمن اهتدى فلنفسه و من ضل فإنما يضل عليها، و من بايع فإنما يبايع الله‏ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ‏ «1».

معاشر الناس، فاتقوا الله و بايعوا «2» عليا أمير المؤمنين و الحسن و الحسين و الأئمة، كلمة باقية يهلك الله بها من غدر، و يرحم الله بها من وفى، فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى‏ نَفْسِهِ وَ مَنْ أَوْفى‏ بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً «3».

معاشر الناس، قولوا الذي قلت لكم، و سلموا على علي بإمرة المؤمنين، و قولوا: سَمِعْنا وَ أَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَ إِلَيْكَ الْمَصِيرُ «4» و قولوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَ ما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللَّهُ‏ «5».
معاشر الناس، إن فضائل علي بن أبي طالب عند الله عز و جل، و قد أنزلها في القرآن، أكثر من أن أحصيها في مقام واحد، فمن أنبأكم بها و عرفها فصدقوه.

معاشر الناس، من يطع الله و رسوله و عليا و الأئمة الذين ذكرتهم فقد فاز فوزا عظيما.

معاشر الناس، السابقون السابقون إلى مبايعته و موالاته و التسليم عليه بإمرة المؤمنين أولئك هم الفائزون في جنات النعيم.

معاشر الناس، قولوا ما يرضي الله عنكم من القول، فإن تكفروا أنتم و من في الأرض جميعا فلن يضر الله شيئا، اللهم اغفر للمؤمنين، و اعطب الكافرين، و الحمد لله رب العالمين».
فناداه القوم: نعم، سمعنا و أطعنا على ما أمر الله و رسوله بقلوبنا و ألسنتنا و أيدينا. و تداكوا «6» على رسول الله (صلى الله عليه و آله) و على علي (عليه السلام) و صافقوا بأيديهم، فكان أول من صافق رسول الله (صلى الله عليه و آله) الأول و الثاني و الثالث و الرابع و الخامس‏ «7»، و باقي المهاجرين و الأنصار، و باقي الناس على قدر منازلهم، إلى أن صليت العشاء و العتمة في وقت واحد، و واصلوا البيعة و المصافقة ثلاثا، و رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقول كلما بايع قوم: «الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي فضلنا على جميع العالمين».
______________________________
(1) الفتح 48: 10.
(2) في المصدر: و تابعوا.
(3) الفتح 48: 10.
(4) البقرة 2: 285.
(5) الأعراف 7: 43.
(6) تداكّ عليه القوم: إذا ازدحموا عليه «النهاية- دكك- 2: 128». «لسان العرب- دكك- 10: 426».
(7) (و الرابع و الخامس) ليس في المصدر، و في اليقين: 125 أبو بكر و عمر و عثمان و طلحة و الزبير.

البرهان فى تفسير القرآن، ج‏2، ص 239

2911/ «10»- و عنه: قال عبد الرحمن بن سمرة: قلت: يا رسول الله، أرشدني إلى النجاة، قال: «يا بن سمرة، إذا اختلفت الأهواء و تفرقت الآراء فعليك بعلي بن أبي طالب، فإنه إمام امتي، و خليفتي عليهم من بعدي، و هو الفاروق الذي يميز بين الحق و الباطل، من سأله أجابه و من استرشده أرشده، و من طلب الحق من عنده وجده، و من التمس الهدى لديه صادفه‏ «1»، و من لجأ إليه آمنه، و من استمسك به نجاه، و من اقتدى به هداه.

يا بن سمرة، سلم من سلم له و والاه، و هلك من رد عليه و عاداه. يا بن سمرة، إن عليا مني، روحه من روحي، و طينته من طينتي، و هو أخي و أنا أخوه، و هو زوج ابنتي فاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين و الآخرين، و إن منه إمامي أمتي و سيدي شباب أهل الجنة: الحسن و الحسين، و تسعة من ولد الحسين تاسعهم قائم امتي، يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما».

2912/ «11»- و عنه: قال ابن عباس: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «معاشر الناس، من أحسن من الله قيلا، و أصدق منه حديثا؟ معاشر الناس، إن ربكم جل جلاله أمرني أن أقيم عليا علما للناس و خليفة و إماما و وصيا، و أن أتخذه أخا و وزيرا.

معاشر الناس، إن عليا باب الهدى بعدي، و الداعي إلى ربي، و هو صالح المؤمنين‏ وَ مَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَ عَمِلَ صالِحاً وَ قالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ‏ «2».

معاشر الناس، إن عليا مني، و ولده ولدي، و هو زوج ابنتي و حبيبتي، أمره أمري، و نهيه نهيي.

معاشر الناس، عليكم بطاعته و اجتناب معصيته، فإن طاعته طاعتي، و معصيته معصيتي.

معاشر الناس، إن عليا صديق هذه الامة و فاروقها و محدثها، و إنه هارونها و يوشعها و آصفها و شمعونها، و إنه باب حطتها و سفينة نجاتها، إنه طالوتها و ذو قرنيها. معاشر الناس، إنه محنة الورى، و الحجة العظمى، و الآية الكبرى، و إمام أهل الدنيا، و العروة الوثقى.

معاشر الناس، إن عليا مع الحق و الحق معه و على لسانه. معاشر الناس، إن عليا قسيم النار، لا يدخلها ولي له، و لا ينجو منها عدو له، و إنه قسيم الجنة، لا يدخلها عدو له، و لا يزحزح عنها ولي له. معاشر أصحابي، قد نصحت لكم و لكن لا تحبون الناصحين».

قلت: خطبة الغدير إلى قوله (صلى الله عليه و آله) «الحمد لله الذي فضلنا على جميع العالمين» «3».
و رواه الشيخ الفاضل أحمد بن علي الطبرسي في (الاحتجاج)، قال: حدثني السيد العالم العابد أبو جعفر مهدي بن أبي حرب الحسيني (رضي الله عنه)، قال: أخبرنا الشيخ أبو علي الحسن بن الشيخ السعيد أبي جعفر محمد
______________________________
(10)- روضة الواعظين: 100.
(11)- روضة الواعظين: 100.
(1) في المصدر: الهدي وجده لديه.
(2) فصلت 41: 33.
(3) يعني إلى آخر الحديث التاسع.

البرهان فى تفسير القرآن، ج‏2، ص 240

ابن الحسن الطوسي (رضي الله عنه)، قال: أخبرنا الشيخ السعيد الوالد أبو جعفر قدس الله روحه، قال: أخبرني جماعة عن أبي محمد هارون بن موسى التلعكبري، قال: أخبرنا أبو علي محمد بن همام، قال: أخبرنا علي السوري، قال:

أخبرنا أبو محمد العلوي‏ «1» من ولد الأفطس، و كان من عباد الله الصالحين، قال: حدثنا محمد بن موسى الهمداني، قال: [حدثنا] محمد بن خالد الطيالسي، قال: حدثني سيف بن عميرة، و صالح بن عقبة بن قيس بن سمعان‏ «2»، جميعا، عن علقمة بن محمد الحضرمي، عن أبي جعفر محمد بن علي (عليه السلام)، أنه قال: «حج رسول الله (صلى الله عليه و آله) من المدينة و قد بلغ جميع الشرائع قومه غير الحج و الولاية ...» و ساق الحديث بعينه، و فيه بعض التغيير اليسير «3».

2913/ «12»- ثم قال الطبرسي في (الاحتجاج) عقيب الخطبة: روي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: «لما فرغ رسول الله (صلى الله عليه و آله) من هذه الخطبة روي في الناس رجل جميل بهي طيب الريح، فقال: تالله ما رأيت محمدا كاليوم قط، ما أشد ما يؤكد لابن عمه! و إنه عقد عقدا لا يحله إلا كافر بالله العظيم و برسوله، ويل طويل لمن حل عقده. قال: فالتفت إليه عمر حين سمع كلامه فأعجبته هيئته، ثم التفت إلى النبي (صلى الله عليه و آله)، و قال: أما سمعت ما قال هذا الرجل؟! قال كذا و كذا. فقال (صلى الله عليه و آله): يا عمر، أ تدري من ذلك الرجل؟ قال: لا. قال: ذلك الروح الأمين جبرئيل، فإياك أن تحله، فإنك إن فعلت فالله و رسوله و ملائكته و المؤمنون منك براء».

2914/ «13»- العياشي: عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «آخر فريضة أنزلها الله الولاية الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فلم ينزل من الفرائض شيئا بعدها حتى قبض الله رسول (صلى الله عليه و آله)».

2915/ «14»- عن جعفر بن محمد الخزاعي‏ «4»، عن أبيه، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «لما نزل رسول الله (صلى الله عليه و آله) عرفات يوم الجمعة أتاه جبرئيل (عليه السلام)، فقال له: يا محمد، إن الله يقرئك السلام، و يقول لك: قل لامتك‏ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ‏ بولاية علي بن أبي طالب‏ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً و لست انزل عليكم بعد هذا، قد أنزلت عليكم الصلاة و الزكاة و الصوم و الحج، و هي الخامسة،
______________________________
(12)- الاحتجاج: 66.
(13)- تفسير العيّاشي 1: 292/ 20.
(14)- تفسير العيّاشي 1: 293/ 21.
(1) الظاهر أنّه الحسن بن علي بن الحسن الدّينوري العلوي، كما في اليقين: 113 و معجم رجال الحديث 5: 29.
(2) كذا في كامل الزيارات: 174/ 8 و هو الصحيح، و هو صالح بن عقبة بن قيس بن سمعان بن أبي ربيحة مولى رسول اللّه، انظر رجال النجاشي:
200/ 532 و معجم رجال الحديث 9: 78. و في «س، ط» و المصدر و البحار 37: 201/ 86: و صالح بن عقبة جميعا عن قيس بن سمعان.
و في اليقين 113: عن عقبة بن قيس بن سمعان.
(3) الاحتجاج: 66.
(4) كذا في المصدر و في موضع آخر منه 2: 301/ 111 في حديث الغدير أيضا، و الظاهر أنّه المذكور في كامل الزيارات: 149/ 11، و معجم رجال الحديث 4: 126، في «س» و «ط»: جعفر بن محمّد بن محمّد الخزاعي، و لم نجد له ذكرا في المصادر المتوفّرة لدينا.

البرهان فى تفسير القرآن، ج‏2، ص 241

و لست أقبل‏ «1» هذه الأربعة إلا بها».

2916/ «15»- عن ابن أذينة قال: سمعت زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام): «أن الفريضة كانت تنزل، ثم تنزل الفريضة الاخرى، فكانت الولاية آخر الفرائض، فأنزل الله: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً- فقال أبو جعفر (عليه السلام)- يقول الله: لا انزل عليكم بعد هذه الفريضة فريضة».

2917/ «16»- عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «تمام النعمة: دخول الجنة».
2918/ «17»- سليم بن قيس الهلالي- و من كتابه نسخت- قال: صعد أمير المؤمنين (عليه السلام) المنبر في عسكره، و جمع الناس، و بحضرته المهاجرون و الأنصار، فحمد الله و أثنى عليه، ثم قال: «أيها الناس، إن مناقبي أكثر من أن تحصى و تعد، منها ما أنزل الله في كتابه، و ما قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) [أكتفي بها عن جميع مناقبي و فضلي: أ تعلمون أن الله فضل في كتابه الناطق السابق إلى الإسلام في غير آية من كتابه على المسبوق، و إنه لم يسبقني إلى الله و رسوله أحد من الامة؟» قالوا: اللهم نعم.

قال: «أنشدكم الله سئل رسول الله (صلى الله عليه و آله)] عن قوله: السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ* أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ‏ «2» فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): أنزلها الله عز و جل في الأنبياء و أوصيائهم، و أنا أفضل أنبياء الله و رسله، و علي أخي و وصيي أفضل الأوصياء؟» فقام نحو سبعين رجلا من أهل بدر جلهم من الأنصار، و بقية من المهاجرين، منهم من الأنصار: أبو الهيثم بن التيهان، و خالد بن زيد، و أبو أيوب الأنصاري، و من المهاجرين: عمار بن ياسر، فقالوا: نشهد أنا قد سمعنا رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقول ذلك».

قال: «فأنشدكم الله في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ‏ «3» و قوله: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ‏ «4» و قوله: وَ لَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ لا رَسُولِهِ وَ لَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً «5» فقال الناس: يا رسول الله، أ خاصة لبعض المؤمنين أم عامة لجميعهم؟ فأمر الله عز و جل نبيه أن يعلمهم ولاة أمرهم، و أن يفسر لهم من الولاية ما فسر لهم من صلاتهم و صومهم و زكاتهم و حجهم، فنصبني رسول الله (صلى الله عليه و آله) بغدير خم، و قال: إن الله عز و جل أرسلني برسالة ضاق بها صدري و ظننت أن الناس يكذبوني، و أوعدني لأبلغها أو ليعذبني. ثم نادى‏
______________________________
(15)- تفسير العيّاشي 1: 293/ 22.
(16)- تفسير العيّاشي 1: 293/ 23.
(17)- كتاب سليم بن قيس الهلالي: 147.
(1) في «س» زيادة: لكم بعد.
(2) الواقعة 56: 10- 11.
(3) النّساء 4: 59.
(4) المائدة 5: 55.
(5) التّوبة 9: 16.

البرهان فى تفسير القرآن، ج‏2، ص 242

بأعلى صوته- بعد ما أمر أن ينادى بالصلاة جامعة، فصلى بهم الظهر، ثم قال:- أيها الناس، إن الله مولاي، و أنا مولى المؤمنين، و أولى بهم من أنفسهم، من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه و عاد من عاده [و انصر من نصره، و اخذل من خذله‏].

فقام إليه سلمان الفارسي، فقال: يا رسول الله ولاة ماذا؟ فقال: ولاة «1» كولايتي، من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه. فأنزل الله عز و جل: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً.

فقال سلمان: يا رسول الله، أنزلت هذه الآيات في علي‏ «2» خاصة؟ فقال: نعم، فيه و في أوصيائي إلى يوم القيامة.

فقال سلمان: يا رسول الله، سمهم لي، فقال: علي أخي و وزيري [و وصيي و وارثي‏] و خليفتي في امتي، و ولي كل مؤمن و مؤمنة بعدي، و أحد عشر إماما [من ولده‏] ابني الحسن، و ابني الحسين، ثم التسعة من ولده واحدا بعد واحد، و القرآن معهم، و هم مع القرآن لا يفارقونه حتى يردوا علي الحوض». فقام اثني عشر [رجلا] من البدريين فقالوا: نشهد أنا سمعنا ذلك من رسول الله (صلى الله عليه و آله) سواء كما قلت، لم تزد فيه و لم تنقص منه‏ «3».

و قال بقية السبعين: قد سمعنا كما قلت و لم نحفظه كله، و هؤلاء الاثنا عشر خيارنا و أفضلنا.
فقال: «صدقتم ليس كل الناس يحفظ، بعضهم أحفظ من بعض». فقام من الاثني عشر أربعة: أبو الهيثم بن التيهان، و أبو أيوب الأنصاري، و عمار، و خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، فقالوا: نشهد أنا قد حفظنا «4» قول رسول الله (صلى الله عليه و آله) يومئذ و علي (عليه السلام) قائم إلى جنبه أنه قال: «يا أيها الناس، إن الله أمرني أن أنصب لكم إمامكم، و وصيي فيكم، و خليفتي من أهل بيتي من بعدي، و الذي فرض الله طاعته على المؤمنين في كتابه فأمركم فيه بولايته، فراجعت ربي خشية طعن أهل النفاق و تكذيبهم، فأوعدني لأبلغها أو ليعاقبني‏ «5».

يا أيها الناس، إن الله جل ذكره أمركم في كتابه بالصلاة، و قد بينتها لكم و سميتها «6»، و الزكاة، و الصوم، و الحج، فبينتها و فسرتها لكم، و أمركم في كتابه بالولاية، و إني أشهدكم- أيها الناس- أنها خاصة لعلي بن أبي طالب و أوصيائي من ولدي و ولده، أولهم ابني الحسن، ثم ابني الحسين، ثم تسعة من ولد الحسين، لا يفارقون الكتاب حتى يردوا علي الحوض.
______________________________
(1) في المصدر: ولاؤه كماذا؟ فقال: ولاؤه.
(2) في المصدر: بيّنهم لنا.
(3) في المصدر: لم تزد حرفا و لم تنقص حرفا.
(4) في المصدر: سمعنا.
(5) في المصدر: أو ليعذبني.
(6) في المصدر: و سننتها.

البرهان فى تفسير القرآن، ج‏2، ص 243

يا أيها الناس، إني قد أعلمتكم مفزعكم و وليكم و إمامكم‏ «1» و هاديكم بعدي، و هو أخي علي بن أبي طالب، و هو فيكم بمنزلتي فيكم، فقلدوه [دينكم‏] و أطيعوه في جميع أموركم، فإن عنده جميع ما علمني الله، و أمرني أن أعلمه إياه، و أن أعلمكم أنه عنده، فاسألوه و تعلموا منه و من أوصيائه، و لا تعلموهم، و لا تتقدموهم، و لا تتخلفوا عنهم، فإنهم مع الحق و الحق معهم، لا يزايلونه و لا يزايلهم‏ «2»».
2919/ «18»- و من طرق العامة: ما رواه موفق بن أحمد في كتابه (المناقب) و هو من أكابر علماء السنة، قال:

أخبرني سيد الحفاظ شهردار بن شيرويه به شهردار الديلمي، فيما كتب إلي من همدان: أخبرنا أبو الفتح عبدوس ابن عبد الله بن عبدوس الهمداني كتابة، قال: حدثنا عبد الله بن إسحاق البغوي، قال: حدثنا الحسن بن عليل العنزي‏ «3»، قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن الزراع‏ «4»، قال: حدثنا قيس بن حفص، قال: حدثنا علي بن الحسين‏ «5»، قال: حدثنا أبو هارون العبدي‏ «6»، عن أبي سعيد الخدري، أنه قال: أن النبي يوم دعا الناس إلى غدير خم أمر بما كان تحت الشجرة من الشوك فقم‏ «7»، و ذلك يوم الخميس، يوم‏ «8» دعا الناس إلى علي (عليه السلام) و أخذ بضبعه‏ «9»، ثم رفعها حتى نظر الناس إلى بياض إبطيه (صلى الله عليه و آله)، ثم لم يفترقا حتى نزلت هذه الآية: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «الله أكبر على إكمال الدين و إتمام النعمة و رضا الرب برسالتي و الولاية لعلي» ثم قال: «اللهم وال من والاه، و عاد من عاداه، و انصر من نصره، و اخذل من خذله».

فقال حسان بن ثابت: أ تأذن لي- يا رسول الله- أن أقول أبياتا؟ فقال: «قل ببركة الله تعالى» فقال حسان بن ثابت: يا معشر مشيخة قريش اسمعوا شهادة رسول الله (صلى الله عليه و آله). ثم قال:
______________________________
(18)- مناقب الخوارزمي: 80، النور المشتعل: 56، فرائد السمطين 1: 93/ 27.
(1) في «ط»: قد أعلمتكم المهدي بعدي و إمامكم و وليّكم.
(2) المزايلة: المفارقة. «صحاح الجوهري 4: 1720».
(3) كذا فى الجرح و التعديل 3: 32، و تاريخ بغداد 7: 398، و هو الحسن بن عليل بن الحسين بن علي بن حبيش بن سعد العنزي، روى عنه عبد اللّه بن إسحاق الخراساني، و كان صدوقا، توفّي سنّة تسعين و مائتين، في «س» و «ط»: الحسين بن عليل الغنوي، و فى المناقب: الحسن بن عليل الغنوي.
(4) في فرائد السمطين 1: 72/ 39 محمّد بن عبد اللّه الذارع، و في مقتل الحسين: 1/ 47، و شواهد التنزيل 1: 158 محمّد بن عبد الرحمن الذارع.
(5) زاد في المصدر: حدّثنا أبو الحسن العبدي.
(6) كذا في المقتل للخوارزمي، و شواهد التنزل، و فرائد السمطين، و هو عمارة بن جوين، أبو هارون العبدي البصري، معروف بروايته عن أبي سعيد الخدري، و روى عنه علي بن الحسين العبدي كما في تفسير القميّ 2: 346. و انظر تهذيب التهذيب 7: 412، تقريب التهذيب 2: 49، معجم رجال الحديث 22: 72، و غيرها. و في «س» و «ط» و المصدر: أبو هريرة العبدي.
(7) قممت البيت: كنسته. «الصحاح- قمم- 5: 2015».
(8) في المصدر: ثمّ.
(9) الضّبع: ما بين الإبط إلى نصف العضد من أعلاها، و هما ضبعان.

البرهان فى تفسير القرآن، ج‏2، ص 244

يناديهم يوم الغدير نبيهم‏  بخم و أسمع بالنبي‏ «1» مناديا
 

بأني مولاكم نعم و وليكم‏  فقالوا و لم يبدوا هناك التعاميا
 

إلهك مولانا و أنت ولينا  و لا تجدن في الخلق للأمر عاصيا
 

فقال له قم يا علي فإنني‏  رضيتك من بعدي إماما و هاديا
 

2920/ «19»- و من ذلك ما رواه ابن المغازلي الشافعي في (المناقب) يرفعه إلى أبي هريرة، قال: من صام يوم ثمانية عشر من ذي الحجة كتب الله له صيام ستين شهرا، و هو يوم غدير خم، لما «2» أخذ النبي بيد علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال: [ «أ لست أولى بالمؤمنين من أنفسهم»؟ قالوا: بلى يا رسول الله. فقال:] «من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، و عاد من عاداه، و انصر من نصره».

فقال له عمر بن الخطاب: بخ بخ لك يا بن أبي طالب، أصبحت مولاي و مولى كل مؤمن و مؤمنة. فأنزل الله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ‏ الآية.

و من ذلك ما رواه ابن مردويه في (المناقب)، و من كتاب (سرقات‏ «3» الشعر) لأبي عبد الله المرزباني، في آخر الجزء الرابع‏ «4»، مثل رواية موفق بن أحمد السابقة.

2921/ «20»- قال أبو القاسم السيد علي بن موسى بن طاوس في (طرائفه)- بعد ما ذكر من طرق المخالفين في معنى الآية ما يوافق ما ذكرناه منهم، قال:- و من طرائف ما رووه في فضيلة يوم نزول آية الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ‏ الآية، ما ذكروه في صحاحهم، و قد رواه مسلم في (صحيحه) أيضا في المجلد الثالث، عن طارق‏ «5» بن شهاب، قال: قالت اليهود لعمر: لو نزلت علينا- معشر اليهود- هذه الآية الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ‏ الآية، و نعلم اليوم الذي أنزلت فيه، لاتخذنا ذلك اليوم عيدا، الخبر.
قلت: نقتصر على ما ذكرناه مخافة الإطالة، و أخبار قصة الغدير متواترة عند الفريقين: المخالف و الموالف.

2922/ «21»- و في كتاب سبط ابن الجوزي، شيخ السنة، قال: اتفق علماء السير على أن قصة الغدير كانت بعد رجوع النبي (صلى الله عليه و آله) من حجة الوداع في الثامن عشر من ذي الحجة، جمع الصحابة، و كانوا مائة و عشرين ألفا، و قال: «من كنت مولاه فعلي مولاه».
______________________________
(19)- مناقب الامام علي (عليه السّلام) لابن المغازلي: 19: 24.
(20)- الطرائف: 147، صحيح مسلم 4: 2313/ 5.
(21)- تذكرة الخواص: 30.
(1) في المصدر: بالرسول.
(2) في «ط»: بها.
(3) في الطرائف و الغدير: مرقاة.
(4) تحفة الأبرار في مناقب الأئمّة الأطهار (مخطوط): 50، الطرائف: 147، الغدير 2: 34.
(5) كذا في المصدر و صحيح مسلم، و صحّف في «س» و «ط»: طاوس.

البرهان فى تفسير القرآن، ج‏2، ص 245

2923/ «22»- و قال ابن شهر آشوب- و هو من أجل علمائنا- قال: المجمع عليه أن الثامن‏ «1» عشر من ذي الحجة كان يوم غدير خم. قال: و العلماء مطبقون على قبول هذا الخبر، و إنما وقع الخلاف في تأويله، و قد بلغ في الانتشار و الاشتهار إلى حد لا يوازى به خبر من الأخبار و وضوحا و بيانا و ظهورا و عرفانا، حتى لحق في المعرفة و البيان بالعلم بالحوادث الكبار و البلدان، فلا يدفعه إلا جاحد، و لا يرده إلا معاند، و أي خبر من الأخبار جمع في روايته و معرفة طرقه أكثر من ألف مجلد من تصانيف الخاصة و العامة من المتقدمين و المتأخرين! ذكره محمد بن إسحاق، و أحمد البلاذري، و مسلم بن الحجاج، و أبو نعيم الأصفهاني، و أبو الحسن الدار قطني، و أبو بكر بن مردويه، و ابن شاهين المروروذي، و أبو بكر الباقلاني، و أبو المعالي الجويني، و أبو إسحاق الثعلبي، و أبو سعيد الخرگوشي، و أبو المظفر السمعاني، و أبو بكر بن أبي شيبة «2»، و علي بن الجعد، و شعبة، و الأعمش و ابن عياش‏ «3»، و ابن الثلاج‏ «4»، و الشعبي، و الزهري، و الاقليشي‏ «5»، و الجعابي، و ابن البيع‏ «6»، و ابن ماجة، و ابن عبد ربه، و اللالكائي، و شريك القاضي، و أبو يعلى الموصلي من عدة طرق، و أحمد بن حنبل من أربعين‏ «7» طريقا، و ابن بطة بثلاثة و عشرين طريقا.
و قد صنف علي بن هلال المهلبي كتاب (الغدير)، و أحمد بن محمد بن سعيد كتاب (من روى خبر غدير خم)، و ابن جرير الطبري كتاب (الولاية) و هو كتاب (غدير خم) و ذكر فيه سبعين طريقا، و مسعود السجزي‏ «8» كتابا في رواة هذا الخبر و طرقه.

قلت: و ذكر من صنف في قصة غدير خم و روايته زيادة على ما ذكرنا يطول بها الكتاب لكثرتها، من أراد الوقوف عليها فعليه بكتاب (طرائف) ابن طاوس، و كتاب (الإقبال) له أيضا، و كتاب (مناقب ابن شهر آشوب).
______________________________
(22)- المناقب 3: 25، 27.
(1) في «س»: الثاني، تصحيف.
(2) في «س» و «ط»: و المصدر: ابن شيبة، و الصواب ما أثبتناه، و هو: الحافظ عبد اللّه بن محمّد بن أبي شيبة، أبو بكر. راجع تاريخ بغداد 10: 66، و تذكرة الحفاظ 2: 432.
(3) الظاهر أنّه الحافظ عليّ بن عياش بن مسلم الألهاني، أحد العلماء الأثبات الثقات الذين رووا حديث الغدير. انظر الغدير 1: 86، و في المصدر:
ابن عباس.
(4) في «س» و «ط»: ابن السلاح، و الصواب ما في المتن، و هو الفقيه محمّد بن شجاع ابن الثلجي، و بعض مترجميه يطلق عليه «ابن الثّلاج» انظر تاريخ بغداد 5: 350، تذكرة الحفاظ 2: 629، تهذيب التهذيب 9: 220.
(5) نسبة إلى أقليس مدينة بالأندلس، انظر معجم البلدان 1: 237 و تاج العروس 4: 340. و في «س» و «ط»: الاقليسي، بالمهملة.
(6) في «س» و «ط»: ابن اليسع، و الصواب ما في المتن. و هو الحافظ أبو عبد اللّه محمّد بن عبد اللّه بن محمّد الحاكم النيسابوري المعروف بابن البيّع، صاحب المستدرك على الصحيحين، و أحد العلماء الذين رووا حديث الولاية. انظر الغدير 1: 107.
(7) في «س» و «ط»: عشرين.
(8) في «س» و «ط»: الشجري، الصواب ما في المتن. و هو الحافظ المحدّث مسعود بن ناصر السّجزي، نسبة إلى سجستان، على غير قياس، و يقال له: «السجستاني» أيضا و كتابه يسمّى «الدراية في حديث الولاية» راجع ترجمته في: سير أعلام النبلاء 18: 532، تذكرة الحفاظ 4: 1216، و الغدير 1: 155.

البرهان فى تفسير القرآن، ج‏2، ص 246

قال علي بن طاوس في (الطرائف)، عن محمد بن علي بن شهر آشوب في كتاب (المناقب): قال: قال جدي شهر آشوب: سمعت أبا المعالي الجويني يتعجب و يقول: شاهدت مجلدا ببغداد في يدي صحاف، فيه روايات هذا الخبر مكتوبا عليه: المجلدة الثامنة و العشرون من طرق قوله:
«من كنت مولاه فعلي مولاه»
و يتلوه المجلدة التاسعة و العشرون‏ «1».

2924/ «23»- و قال مولانا و إمامنا الصادق (عليه السلام): «إن حقوق الناس تعطى بشهادة شاهدين، و ما اعطي أمير المؤمنين (عليه السلام) حقه بشهادة عشرة آلاف نفس» يعني يوم غدير خم «إن هذا إلا ضلال عن الحق المبين، فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ* كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ‏ «2»».

2925/ «24»- سعد بن عبد الله القمي: عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن الحسين بن سعيد، عن جعفر بن بشير البجلي‏ «3»، عن حماد بن عثمان، عن أبي اسامة بن زيد الشحام، قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) و عنده رجل من المغيرية «4»، فسأله عن شي‏ء من السنن، فقال: «ما من شي‏ء يحتاج إليه ولد «5» آدم (عليه السلام) إلا و قد خرجت فيه السنة من الله عز و جل و من رسوله (صلى الله عليه و آله)، و لولا ذلك ما احتج الله عز و جل علينا بما احتج».

فقال له المغيري و بما احتج الله؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «بقوله: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً- حتى تمم الآية- فلو لم يكمل سنته و فريضته ما احتج به».
2926/ «25»- الشيخ المفيد في (أماليه)، قال: حدثنا أبو الحسن محمد بن المظفر الوراق، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن أبي الثلج، قال: أخبرني الحسين بن أيوب من كتابه، عن محمد بن غالب، عن علي بن الحسن، عن الحسن، عن عبد الله بن جبلة، عن ذريح المحاربي، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام)، عن أبيه، عن جده، قال: «إن الله جل جلاله بعث جبرئيل (عليه السلام) إلى محمد (صلى الله عليه و آله) أن يشهد لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) بالولاية في حياته، و يسميه بإمرة المؤمنين قبل وفاته، فدعا نبي‏
______________________________
(23)- المناقب 3: 26.
(24)- مختصر بصائر الدرجات: 66.
(25)- الأمالي: 18/ 7.
(1) الصراط المستقيم 1: 512، ينابيع المودة: 36.
(2) يونس 10: 32- 33.
(3) في «س» و «ط»: العجلي، و الصواب ما في المتن و هو جعفر بن بشير، أبو محمّد البجلي الوشّاء، من زهّاد أصحابنا و عبّادهم و نسّاكهم، و كان ثقة و له مسجد بالكوفة باق في بجيلة إلى اليوم. قاله النجاشيّ في رجاله: 119/ 304.
(4) المغيريّة: فرقة من الغلاة، أصحاب المغيرة بن سعيد العجلي، كان مولي لخالد بن عبد اللّه القسري، قال بالتجسيم، و ادّعى النبوّة لنفسه، و استحلّ المحارم، و قتله خالد بن عبد اللّه حرقا بالنار سنة 119 ه. معجم الفرق الاسلامية: 232.
(5) في المصدر: ابن.

البرهان فى تفسير القرآن، ج‏2، ص 247

الله (صلى الله عليه و آله) بتسعة «1» رهط، فقال: إنما دعوتكم لتكونوا شهداء الله في الأرض أقمتم أم كتمتم.
ثم قال: يا أبا بكر، قم فسلم على علي بإمرة المؤمنين. فقال: عن الله و رسوله؟ قال: نعم. فقام فسلم عليه بإمرة المؤمنين. ثم قال: يا عمر، قم فسلم على علي بإمرة المؤمنين. فقال: عن أمر الله و رسوله تسميه‏ «2» أمير المؤمنين؟ قال: نعم. فقام فسلم عليه. ثم قال للمقداد بن الأسود الكندي: قم فسلم على علي بإمرة المؤمنين.

فقام فسلم عليه، و لم يقل مثل ما قال الرجلان من قبله. [ثم قال: قم يا سلمان فسلم على علي بإمرة المؤمنين. فقام فسلم‏] «3». ثم قال لأبي ذر الغفاري: قم فسلم على علي بإمرة المؤمنين. فقام فسلم عليه. ثم قال لحذيفة بن اليمان‏ «4»: قم فسلم على علي بإمرة المؤمنين‏ «5». فقام فسلم عليه. ثم قال لعمار بن ياسر: قم فسلم على علي بإمرة المؤمنين. فقام فسلم عليه. ثم قال لعبد الله بن مسعود: قم فسلم على علي بإمرة المؤمنين، فقام فسلم على أمير المؤمنين. ثم قال لبريدة: قم فسلم على علي بإمرة المؤمنين. و كان بريدة أصغر القوم سنا، فقام فسلم، فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): إنما دعوتكم لهذا الأمر لتكونوا شهداء الله، أقمتم، أم تركتم».
______________________________
(1)- تفسير القمّي 1: 162.
(2)- تفسير القمّي 1: 162.
(1) في «س» و «ط»: بسبعة، و هو تصحيف، و المعدود ثمانية، سقط من روآية الأمالي تاسعهم، و هو سلمان، فأضفناه من اليقين لابن طاوس: 82.
(2) في المصدر: نسمّيه.
(3) أثبتناه من اليقين: 82 باب 102، لا تمام التسعة.
(4) في المصدر: اليماني. و كلاهما صحيح. انظر أسد الغابة 1: 390، و معجم رجال الحديث 4: 245.
(5) في المصدر: فسلّم على أمير المؤمنين. و كذا في المواضع الثلاثة الآتية.

نسخه شناسی

درباره مولف

کتاب شناسی

منابع: 

بحرانى، هاشم بن سليمان‏، البرهان فى تفسير القرآن‏، تحقيق: قسم الدراسات الاسلامية موسسة البعثة- قم‏، تهران، بنياد بعثت، 1416 ق‏، چاپ اول‏، ج‏2، صص 223- 247