آیه 3، سوره مائده: تفسير الكاشف
تفسير الكاشف، ج3، ص 12
(الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِ). قال كثير من المفسرين: ان المراد باليوم في الآية اليوم الذي نزلت فيه من ذي الحجة في حجة الوداع من السنة العاشرة للهجرة، و عليه يكون الألف و اللام في اليوم للعهد، و قال صاحب مجمع البيان: اليوم هنا بمعنى الآن، كما يقول القائل:
اليوم قد كبرت، أي الآن قد كبرت. و مهما يكن فان معنى الآية ان الكفار يئسوا من زوال الإسلام، أو تحريفه بعد أن تمكن في نفوس أتباعه، و أخذ طريقه في الانتشار يوما بعد يوم .. اذن، فلا تخافوا- أيها المسلمون- من الكافرين، و خافوا من اللّه وحده، و صدق اللّه العظيم في كل ما يقول:
«يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ يَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ، هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ- 33 التوبة».
و من المفيد بهذه المناسبة أن نقطف جملا من كتاب «الإسلام في القرن العشرين» للعقاد، قال:
«ان العقيدة الإسلامية لم تكن قوة غالبة، و حسب في ابان النشأة و الظهور، و لكنها كانت قوة صامدة بعد مئات السنين .. و صمود القوة الإسلامية في أحوال الضعف عجيب كانتصارها في أحوال القوة و السطوة، و لا سيما الصمود بعد أكثر من عشرة قرون .. ان قوة صمود العقيدة الإسلامية في صدر الإسلام عجيبة، و لكن صمودها الآن أعجب، لأنها لا تملك الدفاع النافع و لا مال لديها و لا سلاح و لا علم و لا معرفة، بل لا تملك الدفاع، و لا اتفاق بين أهلها على الدفاع ..
ان قوة العقيدة الإسلامية قد سرت مسراها في أرجاء العالم بمعزل عن حروب الدول و سياستها، و عن عروش العواهل و تيجانها، و في افريقية اليوم مائة مليون مسلم، لا شأن في إسلامهم لدولة أو سياسة، و قريب من هذا العدد مسلمون
تفسير الكاشف، ج3، ص: 13
في السومطرة و بلاد الجاوة، و قريب منه في الباكستان، و قد يكون في الصين و ما جاورها عدة كهذه العدة من الملايين».
إكمال الدين و إتمام النعمة:
(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً).
اختلف الشيعة و أكثر السنة في تفسير هذه الآية، و نحن نعرض أقوال الطرفين كناقلين، لا مؤيدين، و لا مفندين، و نترك القارئ و عقله يستفتيه وحده.
قال السنة أو أكثرهم: المراد بالآية ان اللّه سبحانه أكمل للمسلمين دينهم بتغلبه و إظهاره على الأديان كلها رغم محاربة أهلها و مقاومتهم له و للمسلمين، و أتم نعمته عليهم بالنص على عقيدته و شريعته أصولا و فروعا، و أبان جميع ما يحتاجون اليه في أمر دينهم و دنياهم: (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ).
و قال الشيعة: يصح تفسير الآية بهذا المعنى إذا لم تقترن بحادثة تفسرها، و تبين المراد منها، فإن كثيرا من الآيات تفسرها الحادثة التي اقترنت بزمن نزولها. من ذلك- على سبيل المثال- قوله تعالى مخاطبا نبيه الأكرم: «وَ تَخْشَى النَّاسَ وَ اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ- 37 الأحزاب». فلو جردنا هذه الآية عن قصة زيد بن حارثة، و أخذنا بظاهرها لكان معنى الآية ان رسول اللّه (ص) يؤثر رضا المخلوق على رضا الخالق .. حاشا من اصطفاه اللّه لوحيه و رسالته.
ثم قال الشيعة: و هذه الآية اقترنت بحادثة خاصة تفسرها و تبين المراد منها، و استدلوا على ذلك بما يلي:
أولا: اتفق علماء السنة و الشيعة المفسرون منهم و المؤرخون على ان سورة المائدة بجميع آياتها مدنية، ما عدا هذه الآية: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ فإنها نزلت في مكة، و في السنة العاشرة للهجرة، و هي السنة التي حج فيها رسول اللّه (ص) حجة الوداع، لأنه انتقل الى جنان ربه في شهر ربيع الأول سنة احدى عشرة.
ثانيا: ان النبي بعد أن قضى مناسكه في هذه السنة توجه الى المدينة، و لما
تفسير الكاشف، ج3، ص: 14
بلغ غدير خم- و هو مكان في الجحفة تتشعب منه طرق كثيرة- أمر مناديه أن ينادي بالصلاة، فاجتمع الناس قبل أن يتفرقوا، و يذهب كل في طريقه الى بلده، فخطبهم و قال فيما قال:
«ان اللّه مولاي، و أنا مولى المؤمنين، أنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فعليّ مولاه يقولها ثلاثا، و في رواية أربعا .. ثم قال: اللهم وال من والاه، و عاد من عاداه. و أحبّ من أحبه، و أبغض من بغضه، و انصر من نصره، و اخذل من خذله، و ادر الحق معه حيث دار. ألا فليبلغ الشاهد الغائب».
و السنة لا ينكرون هذا الحديث بعد ان تجاوز حد التواتر «1» و سجله الكثير من أئمتهم و علمائهم، منهم الإمام ابن حنبل في مسنده، و النسائي في خصائصه، و الحاكم في مستدركه، و الخوارزمي في مناقبه، و ابن عبد ربه في استيعابه، و العسقلاني في اصابته، كما ذكره الترمذي و الذهبي و ابن حجر و غيرهم، و لكن الكثير منهم فسروا الولاية بالحب و المودة، و ان المراد من قول الرسول (ص):
من كنت مولاه- من أحبني فليحب عليا.
ورد الشيعة هذا التفسير بأن قول النبي: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن كنت مولاه فعلي مولاه- يدل بصراحة و وضوح على ان نفس الولاية التي ثبتت لمحمد (ص) على المؤمنين هي ثابتة لعلي (ع)، دون زيادة أو نقصان، و هذه الولاية هي السلطة الدينية و الزمنية، حتى و لو كان للفظ الولاية ألف معنى و معنى.
و على هذا يكون معنى الآية ان اللّه سبحانه أكمل الدين في هذا اليوم بالنص على علي بالخلافة.
______________________________
(1). نقل الشيعة هذا الحديث عن العديد من مصادر السنة، و وضع علماؤهم فيه كتبا خاصة، و آخرهم الشيخ الاميني من علماء النجف الأشرف في هذا العصر، فقد ألف كتابا أسماء الغدير في 12 مجلدا، تبلغ صفحاتها حوالي خمسة آلاف صفحة، ذكر فيه رواة الحديث، و هم 120 صحابيا، و 84 تابعا، و 360 إماما و حافظا للحديث، و فيهم الحنفي و الشافعي و غيرهما كل ذلك نقله عن كتب السنة و الكتاب معروض للبيع في مكتبات العراق و ايران و لبنان.
تفسير الكاشف، ج3، ص: 15
و تسأل: ان إكمال الدين بإظهاره على الأديان، و بيان أحكامه كاملة وافية كما يقول السنة- واضح لا يحتاج الى تفسير، أما إكمال الدين بالنص على خلافة علي فلا بد له من التفسير و الإيضاح، فبأي شيء يفسره الشيعة؟.
قال الشيعة في تفسير ذلك: ان الإكمال حقا لا يتم إلا بوجود السلطة التشريعية و التنفيذية معا، و الأولى وحدها ليست بشيء ما لم تدعمها الثانية، و قد كان التنفيذ بيد الرسول الأعظم (ص)، فظن اعداء الإسلام ان السلطة التنفيذية ستذهب بذهاب الرسول، و بذهابها يذهب الإسلام ... فأقام النبي عليا ليحفظ الشريعة من بعده، و يقيم الدين كما أقامه الرسول (ص)، و بهذا لم يبق للكفار أي أمل في ذهاب الإسلام أو ضعفه.
مغنيه، محمد جواد، تفسير الكاشف، تهران، دار الكتب الإسلامية، 1424 ق، چاپ اول، ج 3، صص 12 - 15