آیه 3، سوره مائده: تقريب القرآن إلى الأذهان
تقريب القرآن إلى الأذهان، ج1 ، ص 602
ذلِكُمْ أي الاستقسام بالأزلام أو جميع ما سبق من المحرمات، إتيانها فِسْقٌ و الفسق هو الخروج عن الطاعة و ارتكاب المعصية الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ قال في «مجمع البيان»: ليس يريد يوما بعينه، بل معناه: «الآن يئس الكافرون من دينكم» «1».
و روى القمي: إنه يوم نصب الإمام عليه السّلام «2» و هذا هو الأوفق بما تواترت به النصوص و ذكره المفسرون من شأن نزول آية الإكمال، فقد كان الكفار يترقبون أن يترك الرسول الأمر سدىّ حتى إذا قبض و لم يقم له خلف انقضوا على الإسلام يهدمونه، فلما نصب الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الإمام يئسوا من ذلك حيث كانوا يعلمون كفاية الإمام و قدرته العظيمة، و لذا لما مات الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و علم الكفار و المنافقين باغتصاب الخلافة انقضوا على الإسلام يريدون
______________________________
(1) مجمع البيان: ج 3 ص 273.
(2) تفسير القمي: ج 1 ص 162.
تقريب القرآن إلى الأذهان، ج1، ص 603
اقتلاع جذوره و قد علم الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ذلك حين وصى الإمام بالصبر و إلا قامت حروب داخلية و خارجية تذهب بالإسلام.
و هنا يتساءل البعض: كيف أن الإمام لما نهض بالأمر نكثت طائفة و مرقت أخرى و قسط آخرون؟ و الجواب: أن الظروف التي تقدمت على نهضة الإمام غيّرت معالم الإسلام، و لذا احتاج الإمام إلى إرساء قواعد الدين من جديد، و ذلك مما يوجب اضطرابا و اختلافا شأن الأنبياء حين يدعون أممهم إلى الخير، لكن الخطر الخارجي كان حين ذاك بعيدا حيث أن الكفار انكمشوا و قوي الإسلام- و لو الصوري منه- و الحروب الداخلية لم تكن تؤثر شيئا بالنسبة إلى انعكاس كفة الإسلام و الكفر، لتميل الكفة الثانية على حساب خفة الكفة الأولى.
فَلا تَخْشَوْهُمْ أن يظهروا على دين الإسلام كما كنتم تخشونهم من قبل وَ اخْشَوْنِ في أن ترتكبوا العصيان و تخالفوا أمر اللّه و الرسل. الْيَوْمَ أي يوم الغدير أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ بنصب علي عليه السّلام خليفة من بعد الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي فإن نعمة الإسلام دون نعمة الإيمان بالولاية ناقصة وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فإن الإسلام ذو درجات، و اليوم رقيتم الدرجة القصوى فرضي اللّه عن المسلمين بالحال التي و صلوا إليها، و «الرضى» هنا ليس في مقابل السخط بل في مقابل النقص الأثري، كما أن من يريد بناء دار إذا بلغ منتصفها يقول: لم أرض بعد، أي لم يكمل رضاي، و إنما يقول:
رضيت الآن، إذا تم بناء الدار.
حسينى شيرازى سيد محمد، تقريب القرآن إلى الأذهان، بيروت، دار العلوم، 1424 ق، چاپ اول، ج 1، صص 602 - 603