آیه 3، سوره مائده: مجمع البيان فى تفسير القرآن

مجمع البيان فى تفسير القرآن، ج‏3، ص 245

... «الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ» ليس يريد يوما بعينه بل معناه الآن يئس الكافرون من دينكم كما يقول القائل اليوم قد كبرت يريد أن الله تعالى حول الخوف الذي كان يلحقهم من الكافرين اليوم إليهم و يئسوا من بطلان الإسلام و جاءكم ما كنتم توعدون به في قوله‏ «لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ»*

و الدين اسم لجميع ما تعبد الله به خلقه و أمرهم بالقيام به و معنى يئسوا انقطع طمعهم من دينكم أن تتركوه و ترجعوا منه إلى الشرك عن ابن عباس و السدي و عطا و قيل إن المراد باليوم يوم عرفة من حجة الوداع بعد دخول العرب كلها في الإسلام عن مجاهد و ابن جريج و ابن زيد و كان يوم جمعة و نظر النبي ص فلم ير إلا مسلما موحدا و لم ير مشركا

«فَلا تَخْشَوْهُمْ» خطاب للمؤمنين نهاهم الله أن يخشوا و يخافوا من الكفار أن يظهروا على دين الإسلام و يقهروا المسلمين و يردوهم عن دينهم‏ «وَ اخْشَوْنِ» أي و لكن اخشوني أي خافوني أن خالفتم أمري و ارتكبتم معصيتي أن أحل بكم عقابي عن ابن جريج و غيره‏ «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ» قيل فيه أقوال (أحدها) أن معناه أكملت لكم فرائضي و حدودي و حلالي و حرامي بتنزيلي ما أنزلت و بياني ما بينت لكم فلا زيادة في ذلك و لا نقصان منه بالنسخ بعد هذا اليوم و كان ذلك يوم عرفة عام حجة الوداع عن ابن عباس و السدي

و اختاره الجبائي و البلخي قالوا و لم ينزل بعد هذا على النبي ص شي‏ء من الفرائض في تحليل و لا تحريم و أنه مضى بعد ذلك بإحدى و ثمانين ليلة فإن اعترض معترض فقال أ كان دين الله ناقصا وقتا من الأوقات حتى أتمه في ذلك اليوم فجوابه أن دين الله لم يكن إلا في كمال كاملا في كل حال و لكن لما كان معرضا للنسخ و الزيادة فيه و نزول الوحي بتحليل شي‏ء أو تحريمه لم يمتنع أن يوصف بالكمال إذا أمن من جميع ذلك فيه كما توصف العشرة بأنها كاملة و لا يلزم أن توصف بالنقصان لما كانت المائة أكثر منها و أكمل (و ثانيها) أن معناه‏

مجمع البيان فى تفسير القرآن، ج‏3، ص 246

اليوم أكملت لكم حجكم و أفردتكم بالبلد الحرام تحجونه دون المشركين و لا يخالطكم مشرك عن سعيد بن جبير و قتادة و اختاره الطبري قال لأن الله سبحانه أنزل بعده‏ «يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ» قال الفراء و هي آخر آية نزلت و هذا الذي ذكره لو صح لكان لهذا القول ترجيح لكن فيه خلاف (و ثالثها) أن معناه اليوم كفيتكم الأعداء و أظهرتكم عليهم كما تقول الآن كمل لنا الملك و كمل لنا ما نريد بأن كفينا ما كنا نخافه عن الزجاج

و المروي عن الإمامين أبي جعفر و أبي عبد الله (ع) أنه إنما أنزل بعد أن نصب النبي ص عليا (ع) للأنام يوم غدير خم منصرفه عن حجة الوداع قالا و هو آخر فريضة أنزلها الله تعالى ثم لم ينزل بعدها فريضة

و قد حدثنا السيد العالم أبو الحمد مهدي بن نزار الحسيني قال حدثنا أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله الحسكاني قال أخبرنا أبو عبد الله الشيرازي قال أخبرنا أبو بكر الجرجاني قال حدثنا أبو أحمد البصري قال حدثنا أحمد بن عمار بن خالد قال حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني قال حدثنا قيس بن الربيع عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري‏ أن رسول الله ص لما نزلت هذه الآية قال الله أكبر على إكمال الدين و إتمام النعمة و رضا الرب برسالتي و ولاية علي بن أبي طالب من بعدي و قال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه و انصر من نصره و اخذل من خذله‏

و قال علي بن إبراهيم في تفسيره حدثني أبي عن صفوان عن العلاء و محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال‏ كان نزولها بكراع الغميم فأقامها رسول الله ص بالجحفة

و قال الربيع بن أنس نزلت في المسير في حجة الوداع‏ «وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي» خاطب سبحانه المؤمنين بأنه أتم النعمة عليهم بإظهارهم على المشركين و نفيهم عن بلادهم عن ابن عباس و قتادة و قيل معناه أتممت عليكم نعمتي بأن أعطيتكم من العلم و الحكمة ما لم يعط قبلكم نبي و لا أمة و قيل إن تمام النعمة دخول الجنة «وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً» أي رضيت لكم الإسلام لأمري و الانقياد لطاعتي على ما شرعت لكم من حدوده و فرائضه و معالمه دينا أي طاعة منكم لي و الفائدة في هذا أن الله سبحانه لم يزل يصرف نبيه محمدا و أصحابه في درجات الإسلام و مراتبه درجة بعد درجة و منزلة بعد منزلة حتى أكمل لهم شرائعه و بلغ بهم أقصى درجاته و مراتبه ثم قال رضيت لكم الحال التي أنتم عليها اليوم فالزموها و لا تفارقوها ثم عاد الكلام إلى القضية المتقدمة في التحريم و التحليل و إنما ذكر قوله‏ «الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا» إلى قوله‏ «وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً» اعتراضا.

نسخه شناسی

درباره مولف

کتاب شناسی

منابع: 

طبرسى، فضل بن حسن‏، مجمع البيان فى تفسير القرآن‏، تحقيق: محمد جواد بلاغى‏،تهران‏، انتشارات ناصر خسرو، 1372 ش‏، چاپ سوم‏، ج 3، صص 245 - 246