آیه 67، سوره مائده : مقتنيات الدرر و ملتقطات الثمر

مقتنيات الدرر و ملتقطات الثمر،  ج‏4 ، ص  54   

[سورة المائدة (5): آية 67]
يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (67)

قوله تعالى:
قرأ نافع رسالاته على الجمع و ابن عامر و أبو بكر بن عاصم أيضا على الجمع و الباقون على الإفراد. حجّة من قال بالجمع أنّه أنّ الرسل يبعثون بضروب من الرسالات و أحكام مختلفة في الشريعة و كلّ آية أنزلها اللّه على رسوله فهي رسالة فحسن لفظ الجمع. و أمّا من أفرد فقال: القرآن كلّه رسالة واحدة، و أيضا فإنّ لفظ الواحد قد يدلّ على الكثرة و إن لم يجمع كقوله: «وَ ادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً» فوقع الاسم الواحد على الجمع و كذا هاهنا لفظ الرسالة و إن كان واحدا إلّا أنّ المراد هو الجمع.

و ذكر المفسّرون في سبب النزول وجوها، قال الحسن: إنّ اللّه بعث النبيّ صلى اللّه عليه و آله برسالته ضاق بها ذرعا و كان يهاب قريشا فأزال اللّه بهذه الآية تلك الهيبة عن قلبه. و ذكر الرازيّ في تفسيره عشرة وجوها إلى أن قال: العاشر: نزلت الآية في عليّ بن أبي طالب قال: و لمّا نزلت هذه الآية أخذ صلى اللّه عليه و آله بيد عليّ و قال: من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه، اللّهم و ال من والاه و عاد من عاداه فلقيه عمر فقال: هنيئا لك يا ابن أبي‏

مقتنيات الدرر و ملتقطات الثمر، ج‏4، ص 55

طالب أصبحت مولاي و مولى كلّ مؤمن و مؤمنة، قال الرازيّ: و هو قول ابن عبّاس و البراء بن عازب و محمّد بن عليّ، قال الرازيّ: و اعلم أنّ هذه الروايات و إن كثرت إلّا أنّ الأولى حمله على أنّه تعالى أمنه من مكر اليهود و النصارى و أمره بإظهار التبليغ من غير مبالات منه بهم و ذلك لأنّ ما قبل هذه الآية بكثير و ما بعدها بكثير لمّا كان كلاما مع اليهود و النصارى امتنع إلقاء هذه الآية الواحدة في البين على وجه يكون أجنبيّة عمّا قبلها و ما بعدها، انتهى كلامه.

أقول: ما أبعد هذا الاستحسان الّذي استحسنه هذا الفاضل عن القبول! حيث يقول:
«لمّا كان ما قبل هذه الآية و ما بعدها كلاما مع اليهود و النصارى امتنع إلقاء هذه الآية الواحدة في البين على وجه تكون أجنبيّة» و الحال أنّ هذه نزلت في حجّة الوداع و قد كان أمره صلى اللّه عليه و آله قد تمّ مع اليهود و النصارى لا يهابهم أصلا بل كانوا جميعا يهابوه و كان يأخذ منهم الجزية،

فلو كان خائفا من اليهود و النصارى و لم يك مأمونا منهم فكيف حملهم على الجزية و الذلّ و الاستصغار؟ فهذا الكلام من مثل هذا الفاضل بمعزل عن القبول، نعم كان صلى اللّه عليه و آله خائفا من التهمة من قومه حيث امر صلى اللّه عليه و آله بنصب عليّ بالخلافة و هو ابن عمّه أن يتّهموه في هذا الأمر بسبب القرابة و يعادوه و لم يقبلوا منه فوعده اللّه بالعصمة من كيد قومه.

و قال الطبرسيّ في المجمع: روى العيّاشيّ في تفسيره بإسناده عن ابن أبي عمير عن ابن اذينة عن الكلبيّ عن أبي صالح عن ابن عبّاس و جابر بن عبد اللّه قال: أمر اللّه محمّدا أن ينصب عليّا للناس فيختبرهم بولايته فتخوّف رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله أن يقولوا جافى ابن عمّه و أن يطعنوا في ذلك عليه فأوحى اللّه إليه هذه الآية فقام بولايته يوم غدير. و هذا الخبر بعينه قد حدّثنا السعيد أبو الحامد أحمد بن محمّد عن الحاكم أبي القاسم الحسكانيّ بإسناده عن ابن أبي عمير في كتاب شواهد التنزيل في قواعد التفضيل، و فيه أيضا بالإسناد المرفوع إلى الحسّان بن عليّ عن أبي صالح عن ابن عبّاس قال: نزلت هذه الآية في عليّ فأخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله بيده فقال: من كنت مولاه فعليّ مولاه اللّهم وال من والاه و عاد من عاداه.

مقتنيات الدرر و ملتقطات الثمر، ج‏4، ص 56

و قد أورد هذا الخبر بعينه أبو إسحاق أحمد بن محمّد بن إبراهيم النخعيّ الثعلبيّ في تفسيره بإسناده مرفوعا إلى ابن عباس قال: نزلت هذه الآية في عليّ؛ امر النبيّ أن يبلّغ فيه فأخذ رسول اللّه بيد عليّ فقال: من كنت مولاه فعليّ مولاه اللّهم وال من والاه و عاد من عاداه. و قد اشتهرت الروايات عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه أن اللّه أوحى إلى نبيّه أن يستخلف عليّا فكان يخاف أن يشقّ ذلك على جماعة من أصحابه فأنزل اللّه هذه الآية تشجيعا له على القيام بما أمره اللّه بأدائه.

و المعنى: إن تركت تبليغ ما انزل إليك و كتمته كنت كأنّك لم تبلّغ شيئا من رسالات ربّك‏ [فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ‏] أي لم تكن ممتثلا للأمر [وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ‏] و يمنعك من أن ينالوك بسوء [إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ‏] و معنى الهداية هنا أنّه سبحانه لا يهديهم بالمعونة و الألطاف إلى الكفر بل إنّما يهديهم إلى الإيمان أن يقبلوا لأنّ من هداه إلي غرضه فقد أعانه على بلوغه و هو سبحانه يتعالى عن ذلك، عن عليّ بن عيسى قال:

و لا يجوز أن يكون المعنى: إنّ اللّه لا يهديهم إلى الإيمان بل أنّه هداهم إلى الإيمان بأنّ دلّهم عليه و رغّبهم فيه و حذّرهم من خلافه. و قيل: إنّ المعنى: لا يهديهم إلى الجنّة و الثواب، عن الجبّائيّ.

نسخه شناسی

درباره مولف

کتاب شناسی

منابع: 

حائرى تهرانى مير سيد على‏، مقتنيات الدرر و ملتقطات الثمر، تهران‏، دار الكتب الاسلاميه‏، 1377 ش‏، چاپ اول‏، ج‏4 ، صص 54 - 56