آیه 79 سوره بقره: التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن بن علي العسكري عليهم السلام
التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن بن علي العسكري عليهم السلام، ص: 273
قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَ وَ إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَ تَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَ لا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَ إِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَ لا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوها وَ ما كادُوا يَفْعَلُونَ وَ إِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَ اللَّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى وَ يُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
[قِصَّةُ ذَبْحِ بَقَرَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَ سَبَبِهَا:]
140 قَالَ الْإِمَامُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لِيَهُودِ الْمَدِينَةِ: وَ اذْكُرُوا إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً تَضْرِبُونَ بِبَعْضِهَا هَذَا الْمَقْتُولَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ لِيَقُومَ حَيّاً سَوِيّاً بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ، وَ يُخْبِرَكُمْ بِقَاتِلِهِ.
وَ ذَلِكَ حِينَ أُلْقِيَ الْقَتِيلُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، فَأَلْزَمَ مُوسَى ع أَهْلَ الْقَبِيلَةِ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَحْلِفَ خَمْسُونَ مِنْ أَمَاثِلِهِمْ بِاللَّهِ الْقَوِيِّ الشَّدِيدِ- إِلَهِ [مُوسَى وَ] بَنِي إِسْرَائِيلَ، مُفَضِّلِ مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ الطَّيِّبِينَ عَلَى الْبَرَايَا أَجْمَعِينَ [إِنَّا] مَا قَتَلْنَاهُ، وَ لَا عَلِمْنَا لَهُ قَاتِلًا، فَإِنْ حَلَفُوا بِذَلِكَ غَرِمُوا دِيَةَ الْمَقْتُولِ، وَ إِنْ نَكَلُوا نَصُّوا عَلَى الْقَاتِلِ أَوْ أَقَرَّ الْقَاتِلُ فَيُقَادُ مِنْهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا حُبِسُوا فِي مَحْبَسٍ ضَنْكٍ- إِلَى أَنْ يَحْلِفُوا أَوْ يُقِرُّوا أَوْ يَشْهَدُوا عَلَى الْقَاتِلِ.
فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ- أَ مَا وَقَتْ أَيْمَانُنَا أَمْوَالَنَا وَ [لَا] أَمْوَالُنَا أَيْمَانَنَا قَالَ: لَا، هَكَذَا حَكَمَ اللَّهُ.
وَ كَانَ السَّبَبُ: أَنَّ امْرَأَةً حَسْنَاءَ ذَاتَ جَمَالٍ وَ خَلْقٍ كَامِلٍ، وَ فَضْلٍ بَارِعٍ، وَ نَسَبٍ شَرِيفٍ وَ سَتْرٍ ثَخِينٍ كَثُرَ خُطَّابُهَا، وَ كَانَ لَهَا بَنُو أَعْمَامٍ ثَلَاثَةٍ، فَرَضِيَتْ بِأَفْضَلِهِمْ عِلْماً وَ أَثْخَنِهِمْ
التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن بن علي العسكري عليهم السلام، ص: 274
سِتْراً، وَ أَرَادَتِ التَّزْوِيجَ بِهِ، فَاشْتَدَّ حَسَدُ ابْنَيْ عَمِّهِ الْآخَرَيْنِ لَهُ [غَيْظاً]، وَ غَبَطَاهُ عَلَيْهَا لِإِيثَارِهَا إِيَّاهُ فَعَمَدَا إِلَى ابْنِ عَمِّهِمَا الْمَرْضِيِّ، فَأَخَذَاهُ إِلَى دَعْوَتِهِمَا، ثُمَّ قَتَلَاهُ وَ حَمَلَاهُ إِلَى مَحَلَّةٍ- تَشْتَمِلُ عَلَى أَكْثَرَ قَبِيلَةٍ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأَلْقَيَاهُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ لَيْلًا.
فَلَمَّا أَصْبَحُوا وَجَدُوا الْقَتِيلَ هُنَاكَ، فَعُرِفَ حَالُهُ، فَجَاءَ ابْنَا عَمِّهِ الْقَاتِلَانِ لَهُ، فَمَزَّقَا [ثِيَابَهُمَا] عَلَى أَنْفُسِهِمَا، وَ حَثَيَا التُّرَابَ عَلَى رُءُوسِهِمَا، وَ اسْتَعْدَيَا عَلَيْهِمْ، فَأَحْضَرَهُمْ مُوسَى ع وَ سَأَلَهُمْ، فَأَنْكَرُوا أَنْ يَكُونُوا قَتَلُوهُ أَوْ عَلِمُوا قَاتِلَهُ.
فَقَالَ: فَحَكَمَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَى مَنْ فَعَلَ هَذِهِ الْحَادِثَةَ- مَا عَرَفْتُمُوهُ فَالْتَزَمُوهُ.
فَقَالُوا: يَا مُوسَى أَيُّ نَفْعٍ فِي أَيْمَانِنَا [لَنَا] إِذَا لَمْ تَدْرَأْ عَنَّا الْغَرَامَةَ الثَّقِيلَةَ أَمْ أَيُّ نَفْعٍ فِي غَرَامَتِنَا لَنَا- إِذَا لَمْ تَدْرَأْ عَنَّا الْأَيْمَانَ فَقَالَ مُوسَى ع: كُلُّ النَّفْعِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ- وَ الِايتِمَارِ لِأَمْرِهِ، وَ الِانْتِهَاءِ عَمَّا نَهَى عَنْهُ.
فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ غُرْمٌ ثَقِيلٌ وَ لَا جِنَايَةَ لَنَا، وَ أَيْمَانٌ غَلِيظَةٌ وَ لَا حَقَّ فِي رِقَابِنَا [لَوْ] أَنَّ اللَّهَ عَرَّفَنَا قَاتِلَهُ بِعَيْنِهِ، وَ كَفَانَا مَئُونَتَهُ، فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا هَذَا الْقَاتِلَ- لِتَنْزِلَ بِهِ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنَ الْعِقَابِ، وَ يَنْكَشِفَ أَمْرُهُ لِذَوِي الْأَلْبَابِ.
فَقَالَ مُوسَى ع: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ قَدْ بَيَّنَ مَا أَحْكُمُ بِهِ فِي هَذَا، فَلَيْسَ لِي أَنْ أَقْتَرِحَ عَلَيْهِ غَيْرَ مَا حَكَمَ، وَ لَا أَعْتَرِضُ عَلَيْهِ فِيمَا أَمَرَ.
التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن بن علي العسكري عليهم السلام، ص: 275
أَنْ نَقْتَرِحَ عَلَيْهِ- أَنْ يُغَيِّرَ مَا حَكَمَ بِهِ عَلَيْنَا مِنْ ذَلِكَ، بَلْ عَلَيْنَا أَنْ نُسَلِّمَ لَهُ حُكْمَهُ، وَ نَلْتَزِمَ مَا أَلْزَمَنَا، وَ هَمَّ بِأَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِمْ بِالَّذِي كَانَ يَحْكُمُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِمْ- فِي مِثْلِ حَادِثِهِمْ فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَيْهِ:
يَا مُوسَى أَجِبْهُمْ إِلَى مَا اقْتَرَحُوا، وَ سَلْنِي أَنْ أُبَيِّنَ لَهُمُ الْقَاتِلَ لِيُقْتَلَ، وَ يَسْلَمَ غَيْرُهُ مِنَ التُّهَمَةِ وَ الْغَرَامَةِ، فَإِنِّي إِنَّمَا أُرِيدُ بِإِجَابَتِهِمْ إِلَى مَا اقْتَرَحُوا- تَوْسِعَةَ الرِّزْقِ عَلَى رَجُلٍ مِنْ خِيَارِ أُمَّتِكَ، دِينُهُ الصَّلَاةُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ الطَّيِّبِينَ، وَ التَّفْضِيلُ لِمُحَمَّدٍ ص وَ عَلِيٍّ بَعْدَهُ عَلَى سَائِرِ الْبَرَايَا، أُغْنِيهِ فِي الدُّنْيَا فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ، لِيَكُونَ بَعْضَ ثَوَابِهِ عَنْ تَعْظِيمِهِ لِمُحَمَّدٍ وَ آلِهِ.
فَقَالَ مُوسَى: يَا رَبِّ بَيِّنْ لَنَا قَاتِلَهُ.
فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ: قُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِنَّ اللَّهَ يُبَيِّنُ لَكُمْ ذَلِكَ بِأَنْ يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً، فَتَضْرِبُوا بِبَعْضِهَا الْمَقْتُولَ فَيَحْيَا- فَتُسْلِمُونَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ذَلِكَ، وَ إِلَّا فَكُفُّوا عَنِ الْمَسْأَلَةِ، وَ الْتَزِمُوا ظَاهِرَ حُكْمِي.
فَذَلِكَ مَا حَكَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ:
وَ إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَيْ سَيَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً إِنْ أَرَدْتُمُ الْوُقُوفَ عَلَى الْقَاتِلِ، وَ تَضْرِبُوا الْمَقْتُولَ بِبَعْضِهَا لِيَحْيَا وَ يُخْبِرَ بِالْقَاتِلِ قالُوا يَا مُوسَى أَ تَتَّخِذُنا هُزُواً [وَ] سُخْرِيَّةً تَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ يَأْمُرُنَا أَنْ نَذْبَحَ بَقَرَةً، وَ نَأْخُذَ قِطْعَةً مِنْ مَيِّتٍ، وَ نَضْرِبَ بِهَا مَيِّتاً، فَيَحْيَا أَحَدُ الْمَيِّتَيْنِ بِمُلَاقَاةِ بَعْضِ الْمَيِّتِ الْآخَرِ
التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن بن علي العسكري عليهم السلام، ص: 276
[لَهُ]، فَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا قالَ مُوسَى أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ أَنْسُبُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مَا لَمْ يَقُلْ لِي، وَ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ، أُعَارِضَ أَمْرَ اللَّهِ بِقِيَاسِي عَلَى مَا شَاهَدْتُ، دَافِعاً لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ أَمْرِهِ.
ثُمَّ قَالَ مُوسَى ع: أَ وَ لَيْسَ مَاءُ الرَّجُلِ نُطْفَةً مَيِّتَةً، وَ مَاءُ الْمَرْأَةِ كَذَلِكَ، مَيِّتَانِ يَلْتَقِيَانِ- فَيُحْدِثُ اللَّهُ تَعَالِي مِنِ الْتِقَاءِ الْمَيِّتَيْنِ بَشَراً حَيّاً سَوِيّاً أَ وَ لَيْسَ بُذُورُكُمُ الَّتِي تَزْرَعُونَهَا فِي أَرَضِيكُمْ- تَتَفَسَّخُ وَ تَتَعَفَّنُ وَ هِيَ مَيْتَةٌ، ثُمَّ يُخْرِجُ اللَّهُ مِنْهَا هَذِهِ السَّنَابِلَ الْحَسَنَةَ الْبَهِيجَةَ- وَ هَذِهِ الْأَشْجَارَ الْبَاسِقَةَ الْمُونِقَةَ فَلَمَّا بَهَرَهُمْ مُوسَى ع قالُوا لَهُ: يَا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ [أَيْ] مَا صِفَتُهَا لِنَقِفَ عَلَيْهَا.
فَسَأَلَ مُوسَى رَبَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ، فَقَالَ: إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ كَبِيرَةٌ وَ لا بِكْرٌ صَغِيرَةٌ [لَمْ تُغْبَطْ] عَوانٌ وَسَطٌ بَيْنَ ذلِكَ بَيْنَ الْفَارِضِ وَ الْبِكْرِ فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ إِذَا أُمِرْتُمْ بِهِ.
قالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها أَيْ لَوْنُ هَذِهِ الْبَقَرَةِ الَّتِي تُرِيدُ أَنْ تَأْمُرَنَا بِذَبْحِهَا.
التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن بن علي العسكري عليهم السلام، ص: 277
قَالَ [مُوسَى] عَنِ اللَّهِ بَعْدَ السُّؤَالِ وَ الْجَوَابِ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ حَسَنُ الصُّفْرَةِ لَيْسَ بِنَاقِصٍ يَضْرِبُ إِلَى الْبَيَاضِ، وَ لَا بِمُشْبَعٍ يَضْرِبُ إِلَى السَّوَادِ لَوْنُها هَكَذَا فَاقِعٌ تَسُرُّ الْبَقَرَةُ النَّاظِرِينَ إِلَيْهَا- لِبَهْجَتِهَا وَ حُسْنِهَا وَ بَرِيقِهَا.
قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ مَا صِفَتُهَا [يَزِيدُ فِي صِفَتِهَا].
قالَ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ لَمْ تُذَلَّلْ لِإِثَارَةِ الْأَرْضِ وَ لَمْ تُرَضَ بِهَا وَ لا تَسْقِي الْحَرْثَ وَ لَا هِيَ مِمَّا تَجُرُّ الدِّلَاءَ، وَ لَا تُدِيرُ النَّوَاعِيرَ قَدْ أُعْفِيَتْ مِنْ ذَلِكَ أَجْمَعَ مُسَلَّمَةٌ مِنَ الْعُيُوبِ كُلِّهَا، لَا عَيْبَ فِيهَا لا شِيَةَ فِيها لَا لَوْنَ فِيهَا مِنْ غَيْرِهَا.
فَلَمَّا سَمِعُوا هَذِهِ الصِّفَاتِ قَالُوا: يَا مُوسَى [أَ] فَقَدْ أَمَرَنَا رَبُّنَا بِذَبْحِ بَقَرَةٍ هَذِهِ صِفَتُهَا قَالَ: بَلَى.
وَ لَمْ يَقُلْ مُوسَى فِي الِابْتِدَاءِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَرَكُمْ- لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَمَرَكُمْ لَكَانُوا إِذَا قَالُوا: ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ- وَ مَا لَوْنُهَا [وَ مَا هِيَ] كَانَ لَا يَحْتَاجُ أَنْ يَسْأَلَهُ- ذَلِكَ- عَزَّ وَ جَلَّ، وَ لَكِنْ كَانَ يُجِيبُهُمْ هُوَ بِأَنْ يَقُولَ: أَمَرَكُمْ بِبَقَرَةٍ، فَأَيُّ شَيْءٍ وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ بَقَرَةٍ- فَقَدْ خَرَجْتُمْ مِنْ أَمْرِهِ إِذَا ذَبَحْتُمُوهَا.
التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن بن علي العسكري عليهم السلام، ص: 278
قَالَ: فَلَمَّا اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ إِلَيْهِمْ، طَلَبُوا هَذِهِ الْبَقَرَةَ- فَلَمْ يَجِدُوهَا إِلَّا عِنْدَ شَابٍّ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَرَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فِي مَنَامِهِ مُحَمَّداً وَ عَلِيّاً وَ طَيِّبِي ذُرِّيَّتِهِمَا، فَقَالا لَهُ:
إِنَّكَ كُنْتَ لَنَا [وَلِيّاً] مُحِبّاً وَ مُفَضِّلًا، وَ نَحْنُ نُرِيدُ أَنْ نَسُوقَ إِلَيْكَ بَعْضَ جَزَائِكَ فِي الدُّنْيَا، فَإِذَا رَامُوا شِرَاءَ بَقَرَتِكَ فَلَا تَبِعْهَا إِلَّا بِأَمْرِ أُمِّكَ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يُلَقِّنُهَا مَا يُغْنِيكَ بِهِ وَ عَقِبَكَ.
فَفَرِحَ الْغُلَامُ، وَ جَاءَهُ الْقَوْمُ يَطْلُبُونَ بَقَرَتَهُ، فَقَالُوا: بِكَمْ تَبِيعُ بَقَرَتَكَ هَذِهِ قَالَ: بِدِينَارَيْنِ، وَ الْخِيَارُ لِأُمِّي. قَالُوا: قَدْ رَضِينَا [بِدِينَارٍ] فَسَأَلَهَا، فَقَالَتْ: بِأَرْبَعَةٍ.
فَأَخْبَرَهُمْ فَقَالُوا: نُعْطِيكَ دِينَارَيْنِ. فَأَخْبَرَ أُمَّهُ، فَقَالَتْ: بِثَمَانِيَةٍ .
فَمَا زَالُوا يَطْلُبُونَ عَلَى النِّصْفِ مِمَّا تَقُولُ أُمُّهُ، وَ يَرْجِعُ إِلَى أُمِّهِ، فَتُضْعِفُ الثَّمَنَ حَتَّى بَلَغَ ثَمَنُهَا مِلْءَ مَسْكِ ثَوْرٍ- أَكْبَرَ مَا يَكُونُ مِلْؤُهُ دَنَانِيرَ، فَأَوْجَبَ لَهُمُ الْبَيْعَ.
ثُمَّ ذَبَحُوهَا، وَ أَخَذُوا قِطْعَةً- وَ هِيَ عَجُزُ الذَّنَبِ الَّذِي مِنْهُ خُلِقَ ابْنُ آدَمَ، وَ عَلَيْهِ يَرْكَبُ إِذَا أُعِيدَ خَلْقاً جَدِيداً، فَضَرَبُوهُ بِهَا، وَ قَالُوا: اللَّهُمَّ بِجَاهِ مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ الطَّيِّبِينَ لَمَّا أَحْيَيْتَ هَذَا الْمَيِّتَ، وَ أَنْطَقْتَهُ لِيُخْبِرَنَا عَنْ قَاتِلِهِ.
فَقَامَ سَالِماً سَوِيّاً وَ قَالَ: [يَا نَبِيَّ اللَّهِ] قَتَلَنِي هَذَانِ ابْنَا عَمِّي، حَسَدَانِي عَلَى بِنْتِ عَمِّي فَقَتَلَانِي، وَ أَلْقَيَانِي فِي مَحَلَّةِ هَؤُلَاءِ لِيَأْخُذَا دِيَتِي [مِنْهُمْ].
فَأَخَذَ مُوسَى ع الرَّجُلَيْنِ فَقَتَلَهُمَا، وَ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ الْمَيِّتُ ضَرَبَ بِقِطْعَةٍ مِنَ الْبَقَرَةِ فَلَمْ يُحْيَ، فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَيْنَ مَا وَعَدْتَنَا عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَقَالَ مُوسَى ع: [قَدْ] صَدَقْتُ، وَ ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ.
التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن بن علي العسكري عليهم السلام، ص: 279
فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ: يَا مُوسَى إِنِّي لَا أُخْلِفُ وَعْدِي، وَ لَكِنْ لِيُقَدِّمُوا لِلْفَتَى ثَمَنَ بَقَرَتِهِ- مِلْءَ مَسْكِهَا دَنَانِيرَ ثُمَّ أُحْيِيَ هَذَا.
فَجَمَعُوا أَمْوَالَهُمْ، فَوَسَّعَ اللَّهُ جِلْدَ الثَّوْرِ- حَتَّى وُزِنَ مَا مُلِئَ بِهِ جِلْدُهُ- فَبَلَغَ خَمْسَةَ آلَافِ أَلْفِ دِينَارٍ.
فَقَالَ بَعْضُ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى ع وَ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ الْمَقْتُولِ الْمَنْشُورِ الْمَضْرُوبِ بِبَعْضِ الْبَقَرَةِ-: لَا نَدْرِي أَيُّهُمَا أَعْجَبُ: إِحْيَاءُ اللَّهِ هَذَا وَ إِنْطَاقُهُ بِمَا نَطَقَ أَوْ إِغْنَاؤُهُ لِهَذَا الْفَتَى بِهَذَا الْمَالِ الْعَظِيمِ! فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: يَا مُوسَى قُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: مَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ أُطَيِّبَ فِي الدُّنْيَا عَيْشَهُ، وَ أُعِظَّمَ فِي جَنَّاتِي مَحَلَّهُ، وَ أَجْعَلَ لِمُحَمَّدٍ وَ آلِهِ الطَّيِّبِينَ فِيهَا مُنَادَمَتَهُ، فَلْيَفْعَلْ كَمَا فَعَلَ هَذَا الْفَتَى، أَنَّهُ كَانَ قَدْ سَمِعَ مِنْ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ ع ذِكْرَ مُحَمَّدٍ ص وَ عَلِيٍّ وَ آلِهِمَا الطَّيِّبِينَ، فَكَانَ عَلَيْهِمْ مُصَلِّياً، وَ لَهُمْ عَلَى جَمِيعِ الْخَلَائِقِ مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ وَ الْمَلَائِكَةِ مُفَضِّلًا، فَلِذَلِكَ صَرَفْتُ إِلَيْهِ هَذَا الْمَالَ الْعَظِيمَ- لِيَتَنَعَّمَ بِالطَّيِّبَاتِ وَ يَتَكَرَّمَ بِالْهِبَاتِ وَ الصِّلَاتِ، وَ يَتَحَبَّبَ بِمَعْرُوفِهِ إِلَى ذَوِي الْمَوَدَّاتِ، وَ يَكْبِتَ بِنَفِقَاتِهِ ذَوِي الْعَدَاوَاتِ.
قَالَ الْفَتَى: يَا نَبِيَّ اللَّهِ كَيْفَ أَحْفَظُ هَذِهِ الْأَمْوَالَ أَمْ كَيْفَ أَحْذَرُ مِنْ عَدَاوَةِ مَنْ يُعَادِينِي فِيهَا، وَ حَسَدِ مَنْ يَحْسُدُنِي لِأَجْلِهَا قَالَ: قُلْ عَلَيْهَا مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ الطَّيِّبِينَ- مَا كُنْتَ تَقُولُهُ قَبْلَ أَنْ تَنَالَهَا، فَإِنَّ الَّذِي رَزَقَكَهَا بِذَلِكَ الْقَوْلِ مَعَ صِحَّةِ الِاعْتِقَادِ يَحْفَظُهَا عَلَيْكَ أَيْضاً (بِهَذَا الْقَوْلِ مَعَ صِحَّةِ الِاعْتِقَادِ) .
التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن بن علي العسكري عليهم السلام، ص: 280
فَقَالَهَا الْفَتَى فَمَا رَامَهَا حَاسِدٌ [لَهُ] لِيُفْسِدَهَا، أَوْ لِصٌّ لِيَسْرِقَهَا، أَوْ غَاصِبٌ لِيَغْصِبَهَا، إِلَّا دَفَعَهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَنْهَا بِلُطْفٍ مِنْ أَلْطَافِهِ حَتَّى يَمْتَنِعَ مِنْ ظُلْمِهِ اخْتِيَاراً أَوْ مَنَعَهُ مِنْهُ بِآفَةٍ أَوْ دَاهِيَةٍ حَتَّى يَكُفَّهُ عَنْهُ، فَيَكُفُّ اضْطِرَاراً.
[قَالَ ع:] فَلَمَّا قَالَ مُوسَى ع لِلْفَتَى ذَلِكَ- وَ صَارَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لَهُ- لِمَقَالَتِهِ- حَافِظاً، قَالَ هَذَا الْمَنْشُورُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِمَا سَأَلَكَ بِهِ هَذَا الْفَتَى- مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ الطَّيِّبِينَ- وَ التَّوَسُّلِ بِهِمْ أَنْ تُبْقِيَنِي فِي الدُّنْيَا- مُتَمَتِّعاً بِابْنَةِ عَمِّي- وَ تَجْزِيَ عَنِّي أَعْدَائِي وَ حُسَّادِي، وَ تَرْزُقَنِي فِيهَا [خَيْراً] كَثِيراً طَيِّباً.
فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: يَا مُوسَى إِنَّهُ كَانَ لِهَذَا الْفَتَى الْمَنْشُورِ بَعْدَ الْقَتْلِ سِتُّونَ سَنَةً، وَ قَدْ وَهَبْتُ لَهُ بِمَسْأَلَتِهِ- وَ تَوَسُّلِهِ بِمُحَمَّدٍ وَ آلِهِ الطَّيِّبِينَ سَبْعِينَ سَنَةً- تَمَامَ مِائَةٍ وَ ثَلَاثِينَ سَنَةً صَحِيحَةٌ حَوَاسُّهُ، ثَابِتٌ فِيهَا جَنَانُهُ، قَوِيَّةٌ فِيهَا شَهَوَاتُهُ، يَتَمَتَّعُ بِحَلَالِ هَذِهِ الدُّنْيَا وَ يَعِيشُ- وَ لَا يُفَارِقُهَا وَ لَا تُفَارِقُهُ، فَإِذَا حَانَ حِينُهُ [حَانَ حِينُهَا] وَ مَاتَا جَمِيعاً [مَعاً] فَصَارَا إِلَى جِنَانِي، وَ كَانَا زَوْجَيْنِ فِيهَا نَاعِمَيْنِ.
وَ لَوْ سَأَلَنِي- يَا مُوسَى هَذَا الشَّقِيُّ الْقَاتِلُ- بِمِثْلِ مَا تَوَسَّلَ بِهِ هَذَا الْفَتَى عَلَى صِحَّةِ اعْتِقَادِهِ- أَنْ أَعْصِمَهُ مِنَ الْحَسَدِ وَ أُقْنِعَهُ بِمَا رَزَقْتُهُ- وَ ذَلِكَ هُوَ الْمُلْكُ الْعَظِيمُ- لَفَعَلْتُ.
وَ لَوْ سَأَلَنِي بِذَلِكَ مَعَ التَّوْبَةِ مِنْ صُنْعِهِ- أَنْ لَا أُفْضِحَهُ لَمَا فَضَحْتُهُ، وَ لَصَرَفْتُ هَؤُلَاءِ عَنِ اقْتِرَاحِ إِبَانَةِ الْقَاتِلِ، وَ لَأَغْنَيْتُ هَذَا الْفَتَى مِنْ غَيْرِ [هَذَا الْوَجْهِ- بِقَدْرِ] هَذَا الْمَالِ أُوجِدُهُ
التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن بن علي العسكري عليهم السلام، ص: 281
وَ لَوْ سَأَلَنِي بَعْدَ مَا افْتَضَحَ، وَ تَابَ إِلَيَّ، وَ تَوَسَّلَ بِمِثْلِ وَسِيلَةِ هَذَا الْفَتَى أَنْ أُنْسِيَ النَّاسَ فِعْلَهُ- بَعْدَ مَا أَلْطُفُ لِأَوْلِيَائِهِ فَيَعْفُونَهُ عَنِ الْقِصَاصِ- لَفَعَلْتُ، فَكَانَ لَا يُعَيِّرُهُ بِفِعْلِهِ أَحَدٌ وَ لَا يَذْكُرُهُ فِيهِمْ ذَاكِرٌ، وَ لَكِنْ ذَلِكَ فَضْلٌ أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ، وَ أَنَا ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ وَ أَعْدَلُ بِالْمَنْعِ عَلَى مَنْ أَشَاءُ، وَ أَنَا الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.
فَلَمَّا ذَبَحُوهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَذَبَحُوها وَ ما كادُوا يَفْعَلُونَ فَأَرَادُوا أَنْ لَا يَفْعَلُوا ذَلِكَ مِنْ عِظَمِ ثَمَنِ الْبَقَرَةِ، وَ لَكِنَّ اللَّجَاجَ حَمَلَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَ اتِّهَامَهُمْ لِمُوسَى ع حَدَأَهُمْ عَلَيْهِ.
[قَالَ:] فَضَجُّوا إِلَى مُوسَى ع وَ قَالُوا: افْتَقَرَتِ الْقَبِيلَةُ وَ دُفِعَتْ إِلَى التَّكَفُّفِ وَ انْسَلَخْنَا بِلَجَاجِنَا عَنْ قَلِيلِنَا وَ كَثِيرِنَا فَادْعُ اللَّهَ لَنَا بِسَعَةِ الرِّزْقِ.
فَقَالَ مُوسَى ع: وَيْحَكُمْ مَا أَعْمَى قُلُوبَكُمْ أَ مَا سَمِعْتُمْ دُعَاءَ الْفَتَى صَاحِبِ الْبَقَرَةِ وَ مَا أَوْرَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْغِنَى أَ وَ مَا سَمِعْتُمْ دُعَاءَ [الْفَتَى] الْمَقْتُولِ الْمَنْشُورِ، وَ مَا أَثْمَرَ لَهُ مِنَ الْعُمُرِ الطَّوِيلِ وَ السَّعَادَةِ وَ التَّنَعُّمِ- وَ التَّمَتُّعِ بِحَوَاسِّهِ وَ سَائِرِ بَدَنِهِ وَ عَقْلِهِ لِمَ لَا تَدْعُونَ اللَّهَ تَعَالَى بِمِثْلِ دُعَائِهِمَا، وَ تَتَوَسَّلُونَ إِلَى اللَّهِ بِمِثْلِ تَوَسُّلِهِمَا لِيَسُدَّ فَاقَتَكُمْ، وَ يَجْبُرَ كَسْرَكُمْ، وَ يَسُدَّ خَلَّتَكُمْ فَقَالُوا: اللَّهُمَّ إِلَيْكَ الْتَجَأْنَا، وَ عَلَى فَضْلِكَ اعْتَمَدْنَا، فَأَزِلْ فَقْرَنَا وَ سُدَّ خَلَّتَنَا بِجَاهِ مُحَمَّدٍ وَ عَلِيٍّ وَ فَاطِمَةَ وَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ وَ الطَّيِّبِينَ مِنْ آلِهِمْ.
فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: يَا مُوسَى قُلْ لَهُمْ: لِيَذْهَبَ رُؤَسَاؤُهُمْ إِلَى خَرِبَةِ بَنِي فُلَانٍ، وَ يَكْشِفُوا فِي مَوْضِعِ كَذَا- لِمَوْضِعٍ عَيَّنَهُ- وَجْهَ أَرْضِهَا قَلِيلًا، ثُمَّ يَسْتَخْرِجُوا مَا هُنَاكَ، فَإِنَّهُ عَشَرَةُ آلَافِ أَلْفِ دِينَارٍ، لِيَرُدُّوا عَلَى كُلِّ مَنْ دَفَعَ فِي ثَمَنِ هَذِهِ الْبَقَرَةِ مَا دَفَعَ، لِتَعُودَ
التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن بن علي العسكري عليهم السلام، ص: 282
أَحْوَالُهُمْ إِلَى مَا كَانَتْ [عَلَيْهِ] ثُمَّ لْيَتَقَاسَمُوا بَعْدَ ذَلِكَ مَا يَفْضُلُ- وَ هُوَ خَمْسَةُ آلَافِ أَلْفِ دِينَارٍ- عَلَى قَدْرِ مَا دَفَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ- فِي هَذِهِ الْمِحْنَةِ لِتَتَضَاعَفَ أَمْوَالُهُمْ- جَزَاءً عَلَى تَوَسُّلِهِمْ بِمُحَمَّدٍ وَ آلِهِ الطَّيِّبِينَ، وَ اعْتِقَادِهِمْ لِتَفْضِيلِهِمْ.
فَذَلِكَ مَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: وَ إِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها اخْتَلَفْتُمْ فِيهَا وَ تَدَارَأْتُمْ، أَلْقَى بَعْضُكُمُ الذَّنْبَ فِي قَتْلِ الْمَقْتُولِ عَلَى بَعْضٍ، وَ دَرَأَهُ عَنْ نَفْسِهِ وَ ذَوِيهِ وَ اللَّهُ مُخْرِجٌ مُظْهِرٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ مَا كَانَ مِنْ خَبَرِ الْقَاتِلِ، وَ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ مِنْ إِرَادَةِ تَكْذِيبِ مُوسَى ع بِاقْتِرَاحِكُمْ عَلَيْهِ مَا قَدَرْتُمْ أَنَّ رَبَّهُ لَا يُجِيبُهُ إِلَيْهِ.
فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها بِبَعْضِ الْبَقَرَةِ كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى فِي الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ- كَمَا أَحْيَا الْمَيِّتَ بِمُلَاقَاةِ مَيِّتٍ آخَرَ لَهُ.
أَمَّا فِي الدُّنْيَا فَيُلَاقِي مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ- فَيُحْيِي اللَّهُ الَّذِي كَانَ فِي الْأَصْلَابِ وَ الْأَرْحَامِ حَيّاً.
وَ أَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُنْزِلُ بَيْنَ نَفْخَتَيِ الصُّورِ- بَعْدَ مَا يُنْفَخَ النَّفْخَةُ الْأُولَى مِنْ دُوَيْنِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا- مِنَ الْبَحْرِ الْمَسْجُورِ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى [فِيهِ] وَ الْبَحْرِ الْمَسْجُورِ وَ هِيَ مَنِيٌّ كَمَنِيِّ الرِّجَالِ، فَيَمْطُرُ ذَلِكَ عَلَى الْأَرْضِ فَيَلْقَى الْمَاءُ الْمَنِيُّ مَعَ الْأَمْوَاتِ الْبَالِيَةِ فَيَنْبُتُونَ مِنَ الْأَرْضِ وَ يُحْيَوْنَ.
ثُمَّ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: وَ يُرِيكُمْ آياتِهِ سَائِرَ آيَاتِهِ سِوَى هَذِهِ الدَّلَالاتِ عَلَى تَوْحِيدِهِ وَ نُبُوَّةِ مُوسَى ع نَبِيِّهِ، وَ فَضْلِ مُحَمَّدٍ ص عَلَى الْخَلَائِقِ سَيِّدِ إِمَائِهِ وَ عَبِيدِهِ، وَ تَبْيِينِهِ فَضْلَهُ وَ فَضْلَ آلِهِ الطَّيِّبِينَ- عَلَى سَائِرِ خَلْقِ اللَّهِ أَجْمَعِينَ.
لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [تَعْتَبِرُونَ- وَ تَتَفَكَّرُونَ] أَنَّ الَّذِي يَفْعَلُ هَذِهِ الْعَجَائِبَ- لَا يَأْمُرُ
التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن بن علي العسكري عليهم السلام، ص: 283
الْخَلْقَ إِلَّا بِالْحِكْمَةِ، وَ لَا يَخْتَارُ مُحَمَّداً وَ آلَهُ إِلَّا لِأَنَّهُمْ أَفْضَلُ ذَوِي الْأَلْبَابِ .
قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَ إِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَ إِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَ إِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَ مَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ
141 قَالَ الْإِمَامُ ع قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ عست وَ جَفَّتْ وَ يَبِسَتْ مِنَ الْخَيْرِ وَ الرَّحْمَةِ [قُلُوبُكُمْ] مَعَاشِرَ الْيَهُودِ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنْتُ مِنَ الْآيَاتِ الْبَاهِرَاتِ فِي زَمَانِ مُوسَى ع، وَ مِنَ الْآيَاتِ الْمُعْجِزَاتِ- الَّتِي شَاهَدْتُمُوهَا مِنْ مُحَمَّدٍ.
فَهِيَ كَالْحِجارَةِ الْيَابِسَةِ لَا تَرْشَحُ بِرُطُوبَةٍ، وَ لَا يَنْتَفِضُ مِنْهَا مَا يُنْتَفَعُ بِهِ، أَيْ أَنَّكُمْ لَا حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى تُؤَدُّونَ، وَ لَا [مِنْ] أَمْوَالِكُمْ وَ لَا مِنْ مَوَاشِيهَا تَتَصَدَّقُونَ، وَ لَا بِالْمَعْرُوفِ تَتَكَرَّمُونَ وَ تَجُودُونَ، وَ لَا الضَّيْفَ تُقْرُونَ، وَ لَا مَكْرُوباً تُغِيثُونَ، وَ لَا بِشَيْءٍ مِنَ الْإِنْسَانِيَّةِ تُعَاشِرُونَ وَ تُعَامِلُونَ.
أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً إِنَّمَا هِيَ فِي قَسَاوَةِ الْأَحْجَارِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً أَبْهَمَ عَلَى السَّامِعِينَ وَ لَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ، كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ: أَكَلْتُ خُبْزاً أَوْ لَحْماً، وَ هُوَ لَا يُرِيدُ بِهِ أَنِّي لَا أَدْرِي مَا أَكَلْتُ، بَلْ يُرِيدُ [بِهِ] أَنْ يُبْهِمَ عَلَى السَّامِعِ- حَتَّى لَا يَعْلَمَ مَا ذَا أَكَلَ، وَ إِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ أَكَلَ.
وَ لَيْسَ مَعْنَاهُ: بَلْ أَشَدُّ قَسْوَةً، لِأَنَّ هَذَا اسْتِدْرَاكٌ غَلَطٌ، وَ هُوَ عَزَّ وَ جَلَّ يَرْتَفِعُ [عَنْ]
التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن بن علي العسكري عليهم السلام، ص: 284
أَنْ يَغْلَطَ فِي خَبَرٍ- ثُمَّ يَسْتَدْرِكَ عَلَى نَفْسِهِ الْغَلَطَ، لِأَنَّهُ الْعَالِمُ بِمَا كَانَ وَ بِمَا يَكُونُ- وَ بِمَا لَا يَكُونُ أَنْ لَوْ كَانَ كَيْفَ كَانَ يَكُونُ، وَ إِنَّمَا يَسْتَدْرِكُ الْغَلَطَ عَلَى نَفْسِهِ الْمَخْلُوقُ الْمَنْقُوصُ.
وَ لَا يُرِيدُ بِهِ أَيْضاً: فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ- أَيْ وَ أَشَدُّ قَسْوَةً لِأَنَّ هَذَا تَكْذِيبُ الْأَوَّلِ بِالثَّانِي، لِأَنَّهُ قَالَ: فَهِيَ كَالْحِجارَةِ فِي الشِّدَّةِ- لَا أَشَدُّ مِنْهَا وَ لَا أَلْيَنُ، فَإِذَا قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: أَوْ أَشَدُّ فَقَدْ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ: إِنَّهَا لَيْسَتْ بِأَشَدَّ، وَ هَذَا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ:
لَا يَجِيءَ مِنْ قُلُوبِكُمْ خَيْرٌ لَا قَلِيلٌ وَ لَا كَثِيرٌ.
فَأَبْهَمَ عَزَّ وَ جَلَّ فِي الْأَوَّلِ حَيْثُ قَالَ: أَوْ أَشَدُّ.
وَ بَيَّنَ فِي الثَّانِي أَنَّ قُلُوبَهُمْ أَشَدُّ قَسْوَةً مِنَ الْحِجَارَةِ- لَا بِقَوْلِهِ: أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَ لَكِنْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَ إِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ أَيْ فَهِيَ فِي الْقَسَاوَةِ بِحَيْثُ لَا يَجِيءُ مِنْهَا الْخَيْرُ [يَا يَهُودُ] وَ فِي الْحِجَارَةِ مَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ- فَيَجِيءُ بِالْخَيْرِ وَ الْغِيَاثِ لِبَنِي آدَمَ.
وَ إِنَّ مِنْها مِنَ الْحِجَارَةِ لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَ هُوَ مَا يَقْطُرُ مِنْهُ الْمَاءُ فَهُوَ خَيْرٌ مِنْهَا- دُونَ الْأَنْهَارِ الَّتِي يَتَفَجَّرُ مِنْ بَعْضِهَا، وَ قُلُوبُهُمْ لَا يَتَفَجَّرُ مِنْهَا الْخَيْرَاتُ وَ لَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ [مِنْهَا] قَلِيلٌ مِنَ الْخَيْرَاتِ، وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ كَثِيراً.
ثُمَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَ إِنَّ مِنْها يَعْنِي مِنَ الْحِجَارَةِ لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ إِذَا أَقْسَمَ عَلَيْهَا بِاسْمِ اللَّهِ وَ بِأَسَامِي أَوْلِيَائِهِ: مُحَمَّدٍ وَ عَلِيٍّ وَ فَاطِمَةَ وَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ وَ الطَّيِّبِينَ مِنْ آلِهِمْ ص، وَ لَيْسَ فِي قُلُوبِكُمْ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْخَيْرَاتِ.
وَ مَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ بَلْ عَالِمٌ بِهِ، يُجَازِيكُمْ عَنْهُ بِمَا هُوَ بِهِ عَادِلٌ عَلَيْكُمْ وَ لَيْسَ بِظَالِمٍ لَكُمْ، يُشَدِّدُ حِسَابَكُمْ، وَ يُؤْلِمُ عِقَابَكُمْ.
وَ هَذَا الَّذِي [قَدْ] وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ قُلُوبَهُمْ هَاهُنَا- نَحْوُ مَا قَالَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ:
أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً .
التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن بن علي العسكري عليهم السلام، ص: 285
وَ مَا وَصَفَ بِهِ الْأَحْجَارَ هَاهُنَا- نَحْوُ مَا وَصَفَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ- لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ .
وَ هَذَا التَّقْرِيعُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِلْيَهُودِ وَ النَّوَاصِبِ، وَ الْيَهُودُ جَمَعُوا الْأَمْرَيْنِ وَ اقْتَرَفُوا الْخَطِيئَتَيْنِ فَغَلُظَ عَلَى الْيَهُودِ مَا وَبَّخَهُمْ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ص.
فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ رُؤَسَائِهِمْ، وَ ذَوِي الْأَلْسُنِ وَ الْبَيَانِ مِنْهُمْ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ تَهْجُونَا وَ تَدَّعِي عَلَى قُلُوبِنَا- مَا اللَّهُ يَعْلَمُ مِنْهَا خِلَافَهُ، إِنَّ فِيهَا خَيْراً كَثِيراً: نَصُومُ وَ نَتَصَدَّقُ وَ نُوَاسِي الْفُقَرَاءَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: إِنَّمَا الْخَيْرُ مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى، وَ عُمِلَ عَلَى مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى [بِهِ].
فَأَمَّا مَا أُرِيدَ بِهِ الرِّيَاءُ وَ السُّمْعَةُ- أَوْ مُعَانَدَةُ رَسُولِ اللَّهِ، وَ إِظْهَارُ الْغِنَى لَهُ- وَ التَّمَالُكُ وَ التَّشَرُّفُ عَلَيْهِ فَلَيْسَ بِخَيْرٍ، بَلْ هُوَ الشَّرُّ الْخَالِصُ، وَ وَبَالٌ عَلَى صَاحِبِهِ، يُعَذِّبُهُ اللَّهُ بِهِ أَشَدَّ الْعَذَابِ.
فَقَالُوا لَهُ: يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ تَقُولُ هَذَا، وَ نَحْنُ نَقُولُ: بَلْ مَا نُنْفِقُهُ إِلَّا لِإِبْطَالِ أَمْرِكَ وَ دَفْعِ رِئَاسَتِكَ وَ لِتَفْرِيقِ أَصْحَابِكَ عَنْكَ- وَ هُوَ الْجِهَادُ الْأَعْظَمُ، نُؤَمِّلُ بِهِ مِنَ اللَّهِ الثَّوَابَ الْأَجَلَّ الْأَجْسَمَ، وَ أَقَلُّ أَحْوَالِنَا أَنَّا تَسَاوَيْنَا فِي الدَّعَاوِي، فَأَيُّ فَضْلٍ لَكَ عَلَيْنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: يَا إِخْوَةَ الْيَهُودِ إِنَّ الدَّعَاوِيَ يَتَسَاوَى فِيهَا الْمُحِقُّونَ وَ الْمُبْطِلُونَ وَ لَكِنْ حُجَجُ اللَّهِ وَ دَلَائِلُهُ تُفَرِّقُ بَيْنَهُمْ، فَتَكْشِفُ عَنْ تَمْوِيهِ الْمُبْطِلِينَ- وَ تُبَيِّنُ عَنْ حَقَائِقِ الْمُحِقِّينَ، وَ رَسُولُ اللَّهِ مُحَمَّدٌ لَا يَغْتَنِمُ جَهْلَكُمْ- وَ لَا يُكَلِّفُكُمُ التَّسْلِيمَ لَهُ بِغَيْرِ حُجَّةٍ وَ لَكِنْ يُقِيمُ عَلَيْكُمْ حُجَّةَ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي لَا يُمْكِنُكُمْ دِفَاعُهَا، وَ لَا تُطِيقُونَ الِامْتِنَاعَ مِنْ
التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن بن علي العسكري عليهم السلام، ص: 286
مُوجِبِهَا- وَ لَوْ ذَهَبَ مُحَمَّدٌ يُرِيكُمْ آيَةً مِنْ عِنْدِهِ لَشَكَكْتُمْ، وَ قُلْتُمْ: إِنَّهُ مُتَكَلِّفٌ مَصْنُوعٌ مُحْتَالٌ فِيهِ، مَعْمُولٌ أَوْ مُتَوَاطَأٌ عَلَيْهِ، فَإِذَا اقْتَرَحْتُمْ أَنْتُمْ فَأَرَاكُمْ مَا تَقْتَرِحُونَ- لَمْ يَكُنْ لَكُمْ أَنْ تَقُولُوا مَعْمُولٌ أَوْ مُتَوَاطَأٌ عَلَيْهِ- أَوْ مُتَأَتٍّي بِحِيلَةٍ وَ مُقَدِّمَاتٍ، فَمَا الَّذِي تَقْتَرِحُونَ فَهَذَا رَبُّ الْعَالَمِينَ قَدْ وَعَدَنِي أَنْ يُظْهِرَ لَكُمْ مَا تَقْتَرِحُونَ- لِيَقْطَعَ مَعَاذِيرَ الْكَافِرِينَ مِنْكُمْ، وَ يَزِيدَ فِي بَصَائِرِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْكُمْ.
قَالُوا: قَدْ أَنْصَفْتَنَا يَا مُحَمَّدُ، فَإِنْ وَفَيْتَ بِمَا وَعَدْتَ مِنْ نَفْسِكَ مِنَ الْإِنْصَافِ، وَ إِلَّا فَأَنْتَ أَوَّلُ رَاجِعٍ مِنْ دَعْوَاكَ لِلنُّبُوَّةِ، وَ دَاخِلٌ فِي غُمَارِ الْأُمَّةِ، وَ مُسَلِّمٌ لِحُكْمِ التَّوْرَاةِ لِعَجْزِكَ عَمَّا نَقْتَرِحُهُ عَلَيْكَ، وَ ظُهُورِ الْبَاطِلِ فِي دَعْوَاكَ فِيمَا تَرُومُهُ مِنْ جِهَتِكَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: الصِّدْقُ يُنْبِئُ عَنْكُمْ لَا الْوَعِيدُ، اقْتَرِحُوا مَا تَقْتَرِحُونَ لِيُقْطَعَ مَعَاذِيرُكُمْ فِيمَا تَسْأَلُونَ.