سُلَيْمُ بْنُ قَيْسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَلْمَانَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لِعَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ:
«لَوْ لَا أَنْ تَقُولَ طَوَائِفُ مِنْ أُمَّتِي مَا قَالَتِ النَّصَارَى فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ لَقُلْتُ فِيكَ مَقَالَةً تَتَبَّعُ أُمَّتِي آثَارَ قَدَمَيْكَ فِي التُّرَابِ فَيُقَبِّلُونَهُ»1.
قَالَ أَبَانٌ: فَحَدَّثْتُ الْحَسَنَ بْنَ أَبِي الْحَسَنِ- وَ هُوَ فِي بَيْتِ أَبِي خَلِيفَةَ- بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ سُلَيْمٍ عَنْ سَلْمَانَ. فَقَالَ الْحَسَنُ: «وَ اللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ فِي عَلِيٍّ حَدِيثَيْنِ مَا حَدَّثْتُ بِهِمَا أَحَداً قَطُّ». فَحَدَّثَ بِتَسْلِيمِ الْمَلَائِكَةِ عَلَيْهِ وَ حَدِيثِ يَوْمِ أُحُدٍ2، فَوَجَدْتُهُمَا فِي صَحِيفَةِ سُلَيْمٍ بَعْدَ ذَلِكَ يَرْوِيهَا عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ سَمِعَهُمَا مِنْهُ.
قَالَ أَبَانٌ: فَلَمَّا حَدَّثَنَا بِهَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ خَلَوْتُ بِهِ وَ تَفَرَّقَ الْقَوْمُ غَيْرِي وَ غَيْرَ أَبِي خَلِيفَةَ، وَ بِتُّ لَيْلَتِي إِذْ ذَاكَ عِنْدَهُ. فَقَالَ الْحَسَنُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ: لَوْ لَا3 «3» رِوَايَةٌ يَرْوِيهَا النَّاسُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لَظَنَنْتُ أَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ هَلَكُوا مُنْذُ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ غَيْرَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَ شِيعَتِهِ.
قُلْتُ: يَا بَا سَعِيدٍ، وَ أَبُو بَكْرٍ وَ عُمَرُ قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: وَ مَا تِلْكَ الرِّوَايَةُ يَا بَا سَعِيدٍ قَالَ: قَوْلُ حُذَيْفَةَ «قَوْمٌ يَنْجُونَ وَ يَهْلِكُ أَتْبَاعُهُمْ». قِيلَ: وَ كَيْفَ ذَلِكَ يَا حُذَيْفَةُ قَالَ: « [قَوْمٌ]4 لَهُمْ سَوَابِقُ أَحْدَثُوا أَحْدَاثاً فَتَبِعَهُمْ عَلَى أَحْدَاثِهِمْ قَوْمٌ لَيْسَتْ لَهُمْ سَوَابِقُ. فَنَجَا أُولَئِكَ بِسَوَابِقِهِمْ وَ هَلَكَ الْأَتْبَاعُ بِأَحْدَاثِهِمْ». وَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لِعُمَرَ- حِينَ اسْتَأْذَنَهُ فِي قَتْلِ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ- [فَقَالَ: «وَ مَا يُدْرِيكَ يَا عُمَرُ]5، لَعَلَّ اللَّهَ قَدِ اطَّلَعَ إِلَى عُصْبَةِ أَهْلِ بَدْرٍ6
فَأَشْهَدَ مَلَائِكَتَهُ: إِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ فَلْيَعْمَلُوا مَا شَاءُوا»7. وَ حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ ذَكَرَ الْمُوجِبَتَيْنِ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا تَعْنِي بِالْمُوجِبَتَيْنِ8
قَالَ: «مَنْ لَقِيَ اللَّهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَ مَنْ لَقِيَهُ يُشْرِكُ بِهِ دَخَلَ النَّارَ». فَلَسْتُ أَرْجُو لِأَبِي بَكْرٍ وَ عُمَرَ وَ عُثْمَانَ وَ طَلْحَةَ وَ الزُّبَيْرِ النَّجَاةَ إِلَّا بِهَذِهِ الرِّوَايَاتِ وَ السَّلَامَةَ. 9 قُلْتُ: أَ تَجْعَلُ حَدَثَ أَبِي بَكْرٍ وَ عُمَرَ مِثْلَ حَدَثِ عُثْمَانَ وَ طَلْحَةَ وَ الزُّبَيْرِ، إِنْ كَانَ الْأَمْرُ لِعَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ دُونَهُمْ [مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ]10
فَقَالَ: يَا أَحْمَقُ، لَا تَقُولَنَّ «إِنْ كَانَ»، هُوَ وَ اللَّهِ لِعَلِيٍّ دُونَهُمْ 11، وَ كَيْفَ لَا يَكُونُ لَهُ دُونَهُمْ بَعْدَ الْخِصَالِ الْأَرْبَعِ [وَ لَقَدْ حَدَّثَنِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ الثِّقَاتُ مَا لَا أُحْصِي]12 .
قُلْتُ: وَ مَا هَذِهِ الْخِصَالُ الْأَرْبَعُ قَالَ: [قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ]13 نَصَبَهُ إِيَّاهُ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ. وَ قَوْلُهُ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ: «أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى غَيْرَ النُّبُوَّةِ»، وَ لَوْ كَانَ غَيْرَ النُّبُوَّةِ لَاسْتَثْنَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ، وَ قَدْ عَلِمْنَا [يَقِيناً] 14 أَنَّ الْخِلَافَةَ غَيْرُ النُّبُوَّةِ.
وَ خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ آخِرَ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا لِلنَّاسِ ثُمَّ دَخَلَ بَيْتَهُ فَلَمْ يَخْرُجْ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا: كِتَابَ اللَّهِ وَ أَهْلَ بَيْتِي، فَإِنَّ اللَّطِيفَ الْخَبِيرَ قَدْ عَهِدَ إِلَيَّ أَنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ كَهَاتَيْنِ- وَ جَمَعَ بَيْنَ سَبَّابَتَيْهِ- لَا كَهَاتَيْنِ- وَ جَمَعَ بَيْنَ سَبَّابَتِهِ وَ الْوُسْطَى- لِأَنَّ إِحْدَاهُمَا قُدَّامَ الْأُخْرَى فَتَمَسَّكُوا بِهِمَا لَا تَضِلُّوا وَ لَا تُوَلُّوا. لَا تَقَدَّمُوهُمْ فَتَهْلِكُوا15 وَ لَا تُعَلِّمُوهُمْ فَإِنَّهُمْ أَعْلَمُ مِنْكُمْ. وَ لَقَدْ أَمَرَ 16 رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَبَا بَكْرٍ وَ عُمَرَ- وَ هُمَا سَابِعَا سَبْعَةٍ 17- أَنْ يُسَلِّمُوا عَلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ.
وَ لَعَمْرِي لَئِنْ جَازَ لَنَا- يَا أَخَا عَبْدِ الْقَيْسِ18- أَنْ نَسْتَغْفِرَ لِعُثْمَانَ وَ طَلْحَةَ وَ الزُّبَيْرِ- وَ قَدْ بَلَغَ مِنْ حَدَثِهِمْ مَا قَدْ ظَهَرَ لَنَا- إِنَّهُ لَيَسَعُنَا19 أَنْ نَسْتَغْفِرَ لَهُمَا. فَأَمَّا طَلْحَةُ وَ الزُّبَيْرُ، فَإِنَّهُمَا بَايَعَا عَلِيّاً عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَ أَنَا شَاهِدٌ- طَائِعَيْنِ غَيْرَ مُكْرَهَيْنِ، ثُمَّ نَكَثَا بَيْعَتَهُمَا وَ سَفِكَا الدِّمَاءَ الَّتِي قَدْ حَرَّمَ اللَّهُ رَغْبَةً فِي الدُّنْيَا وَ حِرْصاً عَلَى الْمُلْكِ، وَ لَيْسَ ذَنْبٌ
بَعْدَ الشِّرْكِ بِاللَّهِ أَعْظَمَ مِنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ.
وَ أَمَّا عُثْمَانُ فَأَدْنَى السُّفَهَاءَ وَ بَاعَدَ الْأَتْقِيَاءَ وَ آوَى طَرِيدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَيَّرَ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ20 أَبَا ذَرٍّ وَ قَوْماً صَالِحِينَ وَ جَعَلَ الْمَالَ دُولَةٌ بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ وَ حَكَمَ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَ كَانَتْ أَحْدَاثُهُ أَكْثَرَ وَ أَعْظَمَ مِنْ أَنْ تُحْصَى، وَ أَعْظَمُهُمَا [تَحْرِيقُ كِتَابِ اللَّهِ]21. وَ أَفْظَعُهَا صَلَاتُهُ بِمِنًى أَرْبَعاً خِلَافاً عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ. 22
قُلْتُ: أَصْلَحَكَ اللَّهُ، فَتَرَحُّمُكَ عَلَيْهِ [وَ تَفْضِيلُكَ إِيَّاهُ 23 قَالَ: إِنَّمَا أَصْنَعُ24 ذَلِكَ لِيَسْمَعَ بِذَلِكَ أَوْلِيَاؤُهُ الطُّغَاةُ25 الْعُتَاةُ الْجَبَابِرَةُ الظَّلَمَةُ، [الْحَجَّاجُ وَ ابْنُ زِيَادٍ قَبْلَهُ وَ أَبُوهُ]26 . أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُمْ مَنِ اتَّهَمُوهُ فِي بُغْضِ عُثْمَانَ وَ حُبِّ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَ أَهْلِ بَيْتِهِ نَفَوْهُ وَ مَثَّلُوا بِهِ وَ قَتَلُوهُ27 وَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: «لَيْسَ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ».
قُلْتُ28: وَ مَا إِذْلَالُهُ لِنَفْسِهِ قَالَ: يَتَعَرَّضُ مِنَ الْبَلَاءِ لِمَا لَا يَقْوَى عَلَيْهِ وَ لَا يَقُومُ بِهِ. وَ قَدْ سَمِعْتُ عَلِيّاً عَلَيْهِ السَّلَامُ يَرْوِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَوْمَ قُتِلَ عُثْمَانُ وَ هُوَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: «إِنَّ التَّقِيَّةَ مِنْ دِينِ اللَّهِ، وَ لَا دِينَ لِمَنْ لَا تَقِيَّةَ لَهُ. وَ اللَّهِ لَوْ لَا التَّقِيَّةُ مَا عُبِدَ اللَّهُ فِي الْأَرْضِ فِي دَوْلَةِ إِبْلِيسَ». فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَ مَا دَوْلَةُ إِبْلِيسَ قَالَ: «إِذَا وَلِيَ النَّاسَ إِمَامُ ضَلَالَةٍ فَهِيَ دَوْلَةُ إِبْلِيسَ عَلَى آدَمَ، وَ إِذَا وَلِيَهُمْ إِمَامُ هُدًى فَهِيَ دَوْلَةُ آدَمَ عَلَى إِبْلِيسَ»29 .
ثُمَّ هَمَسَ إِلَى عَمَّارٍ وَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ هَمْسَةً وَ أَنَا أَسْمَعُ، فَقَالَ:
«مَا زِلْتُمْ مُنْذُ قُبِضَ نَبِيُّكُمْ فِي دَوْلَةِ إِبْلِيسَ بِتَرْكِكُمْ إِيَّايَ وَ اتِّبَاعِكُمْ غَيْرِي». [ثُمَّ هَرَبَ مِنَ النَّاسِ ثَلَاثَةَ أَيَّامِ، فَطَلَبُوهُ فَأَتَوْهُ فِي خُصٍّ30 لِبَنِي النَّجَّارِ فَقَالُوا: إِنَّا قَدْ تَشَاوَرْنَا فِي هَذَا الْأَمْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَمَا وَجَدْنَا أَحَداً مِنَ النَّاسِ أَحَقَّ بِهَا مِنْكَ، فَنَنْشُدُكَ اللَّهَ فِي أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَنْ تَضِيعَ وَ أَنْ يَلِيَ أَمْرَهَا غَيْرُكَ. فَبَايَعُوهُ وَ كَانَ أَوَّلُ مَنْ بَايَعَهُ طَلْحَةَ وَ الزُّبَيْرَ، ثُمَّ جَاءَا إِلَى الْبَصْرَةِ يَزْعُمَانِ أَنَّهُمَا بَايَعَا مُكْرَهَيْنِ وَ كَذِبَا] 31.
ثُمَّ أَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ مَهْرَةَ32- وَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ بِجَنْبِهِ- فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَ أَنَا أَسْمَعُ-: يَا أَخَا مَهْرَةَ، أَ جِئْتَ لِتُبَايِعَ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: تُبَايِعُنِي عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قُبِضَ وَ الْأَمْرُ لِي، فَانْتَزَى عَلَيْنَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ ظُلْماً وَ عُدْوَاناً، ثُمَّ انْتَزَى عَلَيْنَا بَعْدَهُ عُمَرُ 33 قَالَ: نَعَمْ. فَبَايَعَهُ [عَلَى ذَلِكَ]34 طَائِعاً غَيْرَ مَكْرَهٍ.
قَالَ: فَقُلْتُ لِلْحَسَنِ: أَ فَبَايَعَ النَّاسُ كُلُّهُمْ عَلَى هَذَا قَالَ: لَا، إِنَّمَا بَايَعَ مَنْ أَمِنَ وَ وَثِقَ بِهِ عَلَى هَذَا35
يَا أَخَا عَبْدِ الْقَيْسِ، وَ لَئِنْ جَازَ لَنَا أَنْ نَسْتَغْفِرَ لِعُثْمَانَ وَ قَدْ رَكِبَ [مَا رَكِبَ] 36 مِنَ الْكَبَائِرِ وَ الْأُمُورِ الْقَبِيحَةِ إِنَّهُ لَيَجُوزُ لَنَا أَنْ نَسْتَغْفِرَ لَهُمَا وَ قَدْ عُوفِيَا مِنَ الدِّمَاءِ وَ عَفَّا فِي وَلَايَتِهِمَا وَ كَفَّا وَ أَحْسَنَا السِّيرَةَ 37، وَ لَمْ يَعْمَلَا بِمِثْلِ عَمَلِ عُثْمَانَ مِنَ الْجَوْرِ وَ التَّخْلِيطِ، وَ لَا بِمِثْلِ مَا عَمِلَهُ طَلْحَةُ وَ الزُّبَيْرُ مِنْ نَكْثِهِمَا الْبَيْعَةَ وَ مَا سَفِكَا مِنَ الدِّمَاءِ إِرَادَةَ الدُّنْيَا وَ الْمُلْكِ، وَ قَدْ سَمِعَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَنْهَى عَمَّا رَكِبَا وَ عَمَّا أَتَيَا فَتَرَكَا أَمْرَ اللَّهِ وَ أَمْرَ رَسُولِهِ [بَعْدَ الْحُجَّةِ وَ الْبَيِّنَةِ اسْتِخْفَافاً بِأَمْرِ اللَّهِ وَ أَمْرِ رَسُولِهِ].38 [وَ لَئِنْ قُلْتَ يَا أَخَا عَبْدِ الْقَيْسِ: «إِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَ عُمَرَ قَدْ سَمِعَا مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فِي عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ»، فَلَقَدْ سَمِعَ ذَلِكَ عُثْمَانُ وَ طَلْحَةُ وَ الزُّبَيْرُ ثُمَّ رَكِبُوا مَا رَكِبُوا مِنَ الْحَرْبِ وَ سَفْكِ الدِّمَاءِ وَ عُوفِيَا مِنْ ذَلِكَ].39
وَ لَئِنْ قُلْتَ: «إِنَّهُمَا أَوَّلُ مَنْ فَتَحَ ذَلِكَ وَ سَنَّهُ وَ أَدْخَلَا الْفِتْنَةَ وَ الْبَلَاءَ عَلَى الْأُمَّةِ 40 بانتزائهما 41[بِانْتِزَاعِهِمَا] عَلَى مَا قَدْ عَلِمَا يَقِيناً أَنَّهُ حَقٌّ لَهُمَا فِيهِ وَ أَنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ لِغَيْرِهِمَا42، وَ أَنَّهُمَا سَلَّمَا عَلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ قَالا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ حِينَ أَمَرَهُمَا بِالتَّسْلِيمِ عَلَيْهِ: أَ مِنَ اللَّهِ وَ مِنْ رَسُولِهِ قَالَ: نَعَمْ، مِنَ اللَّهِ وَ مِنْ رَسُولِهِ» إِنَّ فِي ذَلِكَ لَمَقَالًا43 . لَقَدْ قَالَ لِي أَبُو ذَرٍّ- حِينَ حَدَّثَنِي بِتَسْلِيمِهِمَا عَلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ [وَ]44 هُوَ وَ الْمِقْدَادُ وَ سَلْمَانُ-: سَمِعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَقُولُ:
«مَا وَلَّتْ أُمَّةٌ قَطُّ أَمْرَهَا رَجُلًا وَ فِيهِمْ [مَنْ هُوَ]45 أَعْلَمُ مِنْهُ إِلَّا لَمْ يَزَلْ أَمْرُهُمْ يَذْهَبُ سَفَالًا حَتَّى يَرْجِعُوا إِلَى مَا تَرَكُوا».
يَا أَخَا عَبْدِ الْقَيْسِ، إِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَ عُمَرَ وَ عُثْمَانَ وَ طَلْحَةَ وَ الزُّبَيْرَ وَ جَمِيعَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لَمْ يَكُونُوا يَشُكُّونَ وَ لَا يَخْتَلِفُونَ وَ لَا يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ أَوَّلَهُمْ إِسْلَاماً 46[وَ أَكْثَرَهُمْ عِلْماً] 47 وَ أَعْظَمَهُمْ عَنَاءً فِي الْجِهَادِ [فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ مُبَارَزَةِ الْأَقْرَانِ وَ وِقَايَتِهِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِنَفْسِهِ]48 وَ أَنَّهُ لَمْ يَنْزِلْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ شَدِيدَةٌ [وَ لَا كُرْبَةٌ وَ لَا مُبَارَزَةُ قَرْنٍ وَ فَتْحُ حِصْنٍ] 49 إِلَّا قَدَّمَهُ فِيهَا ثِقَةً بِهِ وَ مَعْرِفَةً بِفَضْلِهِ [وَ]50 أَنَّهُ أَعْلَمُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَ سُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ أَنَّهُ أَحَبُّهُمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ [وَ أَنَّهُ وَصِيُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ]51 ،
وَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ لَهُ كُلَّ يَوْمٍ وَ كُلَّ لَيْلَةٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ خَلْوَةٌ وَ دَخْلَةٌ إِلَيْهِ إِذَا سَأَلَهُ أَعْطَاهُ وَ إِذَا سَكَتَ ابْتَدَأَهُ 52، وَ أَنَّهُ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى أَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فِي عِلْمٍ وَ لَا فِقْهٍ، وَ أَنَّ جَمِيعَهُمْ كَانُوا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ [وَ هُوَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى أَحَدٍ] 53 وَ أَنَّ لَهُ مِنَ السَّوَابِقِ وَ الْمَنَاقِبِ وَ مَا أُنْزِلَ فِيهِ مِنَ الْقُرْآنِ مَا لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ، وَ أَنَّهُ كَانَ أَجْوَدَهُمْ كَفّاً وَ أَسْخَاهُمْ نَفْساً وَ أَشْجَعَهُمْ لِقَاءً54 ، وَ مَا خَصْلَةٌ مِنْ خِصَالِ الْخَيْرِ لَهُ فِيهَا نَظِيرٌ وَ لَا شَبِيهٌ وَ لَا كُفْوٌ، فِي زُهْدِهِ فِي الدُّنْيَا وَ لَا فِي اجْتِهَادِهِ. فَمِمَّا خَصَّهُ اللَّهُ بِهِ أَنْ أَخَذَ عَلَى النَّاسِ بِالْفَضْلِ الْأَوَّلِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ 55، فَلَمْ يَسْبِقْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَى خَيْرٍ، وَ لَمْ يُؤَمِّرْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَحَداً قَطُّ عَلَيْهِ وَ لَمْ يَتَقَدَّمْ أَمَامَهُ أَحَدٌ فِي صَلَاةٍ قَطُّ 56.
[قَالَ أَبَانٌ]57 قُلْتُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، أَ لَيْسَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ فَقَالَ: أَيْنَ يُذْهَبُ بِكَ يَا أَبَانُ58 إِنَّ عَلِيّاً عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَكُنْ مَعَ النَّاسِ [الَّذِينَ أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ]59 ، وَ إِنَّمَا كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يُمَرِّضُهُ وَ يُوصِي إِلَيْهِ وَ يُصَلِّي بِصَلَاتِهِ. ثُمَّ لَمْ يَتِمَّ ذَلِكَ لِأَبِي بَكْرٍ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَأَخَّرَ أَبَا بَكْرٍ وَ صَلَّى بِالنَّاسِ60 . وَ اللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ عَلِيّاً عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقُولُ: فَتَحَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ [فِي مَرَضِهِ]61 مِفْتَاحَ أَلْفِ بَابٍ مِنَ الْعِلْمِ، كُلُّ بَابٍ يَفْتَحُ أَلْفَ بَابٍ62.
ثُمَّ أَخَذَ63 بِالْفَصْلِ الْآخَرِ أَنْ صَبَرَ عَلَى الظُّلْمِ، فَلَمَّا وَجَدَ أَعْوَاناً قَاتَلَ عَلَى تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ كَمَا قَاتَلَ عَلَى تَنْزِيلِهِ64 فَأَمَرَ بِالْمَعْرُوفِ وَ نَهَى عَنِ الْمُنْكَرِ [وَ جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ]65 حَتَّى اسْتُشْهِدَ فَلَقِيَ اللَّهَ نَقِيّاً زَكِيّاً [سَعِيداً] 66 شَهِيداً [طَيِّباً مُطَيَّباً]67 قَدْ قَاتَلَ الَّذِينَ أَمَرَهُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ بِقِتَالِهِمْ، النَّاكِثِينَ وَ الْقَاسِطِينَ وَ الْمَارِقِينَ.
قَالَ أَبَانٌ: قَالَ الْحَسَنُ هَذِهِ الْمَقَالَةَ [فِي أَوَّلِ عُمُرِهِ]68 فِي أَوَّلِ عَمَلِ الْحَجَّاجِ وَ هُوَ مُتَوَارٍ [فِي بَيْتِ أَبِي خَلِيفَةَ وَ هُوَ يَوْمَئِذٍ مِنَ الشِّيعَةِ]69 . فَلَمَّا كَبِرَ وَ شُهِرَ [وَ]70 سَمِعْتُهُ يَقُولُ مَا يَقُولُ [فِي عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ]71 خَلَوْتُ بِهِ فَذَكَّرْتُهُ مَا سَمِعْتُ مِنْهُ.
فَقَالَ: اكْتُمْ عَلَيَّ، فَإِنَّمَا صَنَعْتُ مَا صَنَعْتُ أَحْقُنُ دَمِي72 وَ لَوْ لَا ذَلِكَ لَشَالَتْ بِيَ الْخُشُبُ