قَالَ سُلَيْمُ بْنُ قَيْسٍ: لَقِيتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ وَ قُلْتُ لَهُ إِنِّي سَمِعْتُ عَلِيّاً عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَقُولُ: «اتَّقُوا فِتْنَةَ الْأُخَيْنِسِ1، اتَّقُوا فِتْنَةَ سَعْدٍ، فَإِنَّهُ يَدْعُو إِلَى خِذْلَانِ الْحَقِّ وَ أَهْلِهِ».
فَقَالَ سَعْدٌ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُبْغِضَ عَلِيّاً أَوْ يُبْغِضَنِي، أَوْ أُقَاتِلَ عَلِيّاً أَوْ يُقَاتِلَنِي، أَوْ أُعَادِيَ عَلِيّاً أَوْ يُعَادِيَنِي، إِنَّ عَلِيّاً كَانَتْ لَهُ خِصَالٌ لَمْ تَكُنْ لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ مِثْلُهَا.
إِنَّهُ صَاحِبُ بَرَاءَةَ حِينَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: «إِنَّهُ لَا يُبَلِّغُ عَنِّي إِلَّا رَجُلٌ مِنِّي».
وَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لَهُ يَوْمَ غَزَاةِ تَبُوكَ: «أَنْتَ2 مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى غَيْرَ النُّبُوَّةِ، فَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي».
وَ أُمِرَ3 «3» صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِسَدِّ كُلِّ بَابٍ شَارِعٍ إِلَى الْمَسْجِدِ غَيْرَ بَابِهِ، فَجَهَدَ عُمَرُ أَنْ يُرَخَّصَ لَهُ فِي كُوَّةٍ صَغِيرَةٍ قَدْرَ عَيْنِهِ فَأَبَى ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ، وَ قَالَ عِنْدَ ذَلِكَ حَمْزَةُ وَ الْعَبَّاسُ وَ جَعْفَرٌ: «سَدَدْتَ أَبْوَابَنَا وَ تَرَكْتَ بَابَ عَلِيٍّ» فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: «مَا أَنَا سَدَدْتُهَا وَ لَا فَتَحْتُ بَابَهُ، وَ لَكِنَّ اللَّهَ سَدَّهَا وَ فَتَحَ بَابَهُ».
وَ آخَى4 رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بَيْنَ كُلِّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَهُ: آخَيْتَ بَيْنَ كُلِّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِكَ وَ تَرَكْتَنِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: «أَنْتَ أَخِي وَ أَنَا أَخُوكَ فِي الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ».
وَ قَالَ فِي يَوْمِ خَيْبَرَ حِينَ انْهَزَمَ أَبُو بَكْرٍ وَ عُمَرُ فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ قَالَ: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَلْقَوْنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ يَفِرُّونَ لَأَدْفَعَنَّ الرَّايَةَ غَداً إِلَى رَجُلٍ يُحِبُّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يُحِبُّهُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ، لَيْسَ بِجَبَانٍ وَ لَا فَرَّارٍ5 وَ لَا يَرْجِعُ حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ خَيْبَراً». فَلَمَّا أَصْبَحْنَا اجْتَمَعْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ أَرَيتُ رَسُولَ اللَّهِ وَجْهِي6، فَقَالَ: «أَيْنَ أَخِي، ادْعُوا لِي عَلِيّاً». فَأَتَوْهُ بِهِ فَإِذَا هُوَ رَمَدٌ يُقَادُ مِنْ رَمَدِهِ وَ عَلَيْهِ إِزَارٌ وَ غُبَارُ الدَّقِيقِ عَلَيْهِ وَ كَانَ يَطْحَنُ لِأَهْلِهِ. فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَوَضَعَ رَأْسَهُ فِي حَجْرِهِ وَ تَفَلَ فِي عَيْنَيْهِ، ثُمَّ عَقَدَ لَهُ وَ دَعَا لَهُ7، فَمَا انْثَنَى حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ لَهُ وَ أَتَاهُ بِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ، فَأَعْتَقَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَ جَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا.
وَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ- يَا أَخَا بَنِي هِلَالٍ8 - يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ، أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِيَدِهِ- وَ أَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ- رَافِعاً عَضُدَيْهِ فَقَالَ: «أَ لَسْتُ أَوْلَى بِكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ» فَقَالُوا: بَلَى. قَالَ: «فَمَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ. لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ»9 .
قَالَ سُلَيْمٌ: وَ أَقْبَلَ عَلَيَّ سَعْدٌ فَقَالَ: إِنَّمَا شَكَكْتُ وَ لَسْتُ بِقَاتِلٍ نَفْسِي. إِنْ كَانَ سَبَقَنِي إِلَى فَضْلٍ غِبْتُ عَنْهُ إِنِّي لَمْ أَزْعُمْ أَنِّي مُخْطِئٌ وَ لَا مُسِيءٌ، بَلْ هُوَ عَلَى الْحَقِّ.