آيات 1- 6 سوره قلم: بيان السعادة فى مقامات العبادة

بيان السعادة فى مقامات العبادة، ج‏4، ص: 195

وَ إِنَّكَ لَعَلى‏ خُلُقٍ عَظِيمٍ‏ الخلق بالضّمّ و بالضّمّتين السّجيّة و الطّبع و المروءة و الدّين، و الكلّ مناسب هاهنا، و لكنّ المراد هو السّجيّة، فانّ المقصود انّك على خلق تتحمّل به كلّ ما يرد عليك ممّا يغيّر غيرك إذا ورد عليه و لا يغيّرك لا ظاهرا و لا باطنا، و مثل ذلك الخلق لا يكون الّا عن دين عظيم هو ولاية علىّ (ع) و هي الولاية المطلقة، فانّ من ترقّى عن مقام البشريّة و وصل الى مقام الولاية المطلقة يتبدّل جميع أوصافه الرّذيلة الّتى هي الأخلاق الحيوانيّة و الرّذائل النّفسانيّة بالأوصاف الملكيّة الّتى هي الخصائل الحسنة و منها المروّة الكاملة، و سبب الكلّ هو الطّبع الكامل و المزاج المعتدل و قد فسّر في الاخبار بالدّين و الإسلام، و عن الصّادق (ع):

انّ اللّه عزّ و جلّ ادّب نبيّه (ص) فأحسن أدبه فلمّا أكمل له الأدب قال: انّك لعلى خلق عظيم، و في خبر انّ اللّه ادّب نبيّه (ص) فأحسن تأديبه فقال: خذ العفو و امر بالعرف و اعرض عن الجاهلين، فلمّا كان ذلك انزل اللّه انّك لعلى خلق عظيم‏ فَسَتُبْصِرُ وَ يُبْصِرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ‏ الباء بمعنى مع، و المفتون بمعنى المصدر، أو المفتون اسم مفعول، و المعنى بأيّكم العقل المفتون، أو هو من باب التّجريد اى مع ايّكم الرّجل المفتون، أو الباء زائدة، أو بمعنى في و المعنى في اىّ الفريقين منكم المفتون،

روى عن الباقر (ع) انّه قال: قال رسول اللّه (ص): ما من مؤمن الّا و قد خلّص ودّى الى قلبه، و ما خلّص ودّى الى قلب أحد الّا و قد خلّص ودّ علىّ (ع) الى قلبه، كذب يا عليّ من زعم انّه يحبّنى و يبغضك، فقال رجلان من المنافقين: لقد فتن رسول اللّه (ص) بهذا الغلام فأنزل اللّه تبارك: فستبصر و يبصرون بايّكم المفتون، قال: نزلت فيهما (الى آخر الآيات) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ‏ الّذى هو ولاية علىّ (ع) و الضّالّ عن سبيل الولاية هو المجنون حقيقة وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ‏ الى الولاية فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ‏ للّه أو لك في علىّ (ع) أو لعلىّ‏ وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ‏ المداهنة و الادهان إظهار خلاف ما تضمر و الغشّ‏ فَيُدْهِنُونَ‏ و المعنى ودّوا ادهانك و غشّك أو نفاقك أو مداراتك معهم بخلاف ما أضمرت فيدهنون بعدك أو ودّوا ادهانك بسبب انّهم يدهنون على الاستمرار، و قال القمّى: اى احبّوا ان تغشّ في علىّ (ع) فيغشّون معك‏ وَ لا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ‏ تأكيد للاوّل و تبديل للمكذّبين بالأوصاف الاخر ذمّا لهم بجميع ذلك فانّ كلّ كذّاب يكون كثير الحلف، و كلّ كثير الحلف يكون مهينا عند الخلق و عند اللّه، فانّ كثرة الحلف لا تكون الّا من كون الحالف مهينا لا يقبل منه،

بيان السعادة فى مقامات العبادة، ج‏4، ص: 196

و كثرة حلفه تصير سببا لكونه مهينا أيضا هَمَّازٍ عيّاب طعّان‏ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ‏ النّمّ التّوريش و الإغراء و رفع الحديث اشاعة له و إفسادا و تزيين الكلام، و النميم و النّميمة اسم له‏ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ يمنع قواه و مداركه و أهل مملكته عن خيراتهم الحقيقيّة الّتى هي انقيادهم لولىّ أمرهم و للعقل ثمّ عن خيراتهم المجازيّة اللّازمة لتلك الخيرات، ثمّ يمنع أهل المملكة الكبيرة عن الخيرات الحقيقيّة، ثمّ عن الخيرات المجازيّة مُعْتَدٍ متجاوز عن الحدّ أو ظالم على نفسه بالطّغيان على الامام‏ أَثِيمٍ‏ كثير الإثم‏ عُتُلٍ‏ العتلّ الأكول المنيع الجافي الغليظ بَعْدَ ذلِكَ‏ المذكور من المثالب‏ زَنِيمٍ‏ الزّنيم المستلحق في قوم ليس منهم و الدّعىّ و اللّئيم المعروف بلؤمة أو شره،

روى عن النّبىّ (ص) انّه سئل عن العتلّ الزّنيم فقال: هو الشّديد الخلق المصحيح‏ الأكول الشّروب الواجد للطّعام و الشّراب الظّلوم للنّاس، الرّحب الجوف‏
...

، و قال القمّىّ: يكشف عن الأمور الّتى خفيت و ما غصبوا آل محمّد (ص) حقّهم و يدعون الى السّجود قال: يكشف لأمير المؤمنين (ع) فيصير أعناقهم مثل صياصي البقر يعنى قرونها فلا يستطيعون ان يسجدوا و هي عقوبة لهم لانّهم لم يطيعوا اللّه في الدّنيا في امره و هو قوله و قد كانوا يدعون الى السّجود و هم سالمون قال الى ولايته في الدّنيا و هم يستطيعون‏ فَذَرْنِي وَ مَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ‏ اى حديث ولاية علىّ (ع)، تهديد بليغ لهم‏ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ وَ أُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ‏ قد مضى الآية في سورة الأعراف‏ أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ‏ قد مضت الآية في سورة الطّور أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ‏ من ذلك ما يستغنون به عنك و ما يحكمون به‏ فَاصْبِرْ اى فانتظر لِحُكْمِ رَبِّكَ‏ فيهم و لا تعجل بالدّعاء عليهم أو فاصبر على أذاهم و تدبيرهم لمنع علىّ (ع) عن حقّه لأجل حكم ربّك بإمهالهم و لا تعاجل بالدّعاء عليهم‏ وَ لا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ‏ يعنى يونس بن متّى (ع) حيث تعجّل بالدّعاء على قومه فوعده اللّه العذاب و تاب على قومه و رفع عنهم العذاب فغضب يونس (ع) و فرّ منهم و ابتلى ببطن الحوت‏ إِذْ نادى‏ في بطن الحوت أو نادى اللّه بالعذاب على قومه‏ وَ هُوَ مَكْظُومٌ‏ مملوّ غيظا على قومه، و

عن الباقر (ع) اى مغموم‏
لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ‏ و هي التّوبة عليه و الشّفقة لَنُبِذَ بِالْعَراءِ اى الأرض الخالية من الأشجار و النّبات و السّقوف‏ وَ هُوَ مَذْمُومٌ فَاجْتَباهُ رَبُّهُ‏ بان أخرجه من بطن الحوت و نبذه بأرض ذات ظلّ و جعله ثانيا رسولا الى قومه‏ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ وَ إِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَ يَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ وَ ما هُوَ اى محمّد (ص) أو القرآن أو قرآن ولاية علىّ (ع) إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ‏ قيل: نزلت حين نزول القرآن و قراءته حيث كانوا ينظرون اليه من شدّة البغض و الحسد نظرا يكادون يصرعونه بنظرهم، و
ورد في الخبر: انّها نزلت حين قال: من كنت مولاه فهذا علىّ مولاه آخذا بعضد علىّ (ع) رافعا له‏

و قال بعضهم لبعض:
انظروا الى عينيه تدوران كأنّهما عينا مجنون، و قيل: نزلت في اصابة العين فانّه‏
روى‏ انّه كان في بنى أسد عيّانون فأراد بعضهم على ان يعيّنه (ص)
...
، و
روى‏ انّه مرّ الصّادق (ع) بمسجد الغدير فنظر الى ميسرة المسجد فقال: ذاك موضع قدم رسول اللّه (ص) حيث قال: من كنت مولاه فعلىّ مولاه، ثمّ نظر الى الجانب الآخر فقال: ذاك موضع فسطاط بعض المنافقين فلمّا ان رأوه رافعا يده قال بعضهم لبعض: انظروا الى عينيه تدوران كأنّهما عينا مجنون، فنزل جبرئيل بهذه الآية.

نسخه شناسی 

درباره مولف

کتاب شناسی