آیه 55، سوره مائده : الجديد فى تفسير القرآن المجيد
الجديد فى تفسير القرآن المجيد، ج2، ص 483
55- إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا .. الوليّ هو الأولى بكم، و المتولي لأموركم فيا أيها الذين آمنوا، إنما حصر اللّه سبحانه و تعالى ولايتكم به، و برسوله و بالمؤمنين. فمن هم المؤمنون الذين دعاكم إلى تولّيهم؟ و ما قصد اللّه تعالى بالولي؟ ..
نستعرض نصّ الآية أولا، ثم نتكلم عن الولي، ثم عن المؤمنين الذين حصر سبحانه التولي بهم: فإفراد لفظة: الولي إشعار بأن ولاية اللّه أصيلة، ثم لرسوله، ثم لمن ينوب عن رسوله بفرع ولاية اللّه التي ميّزها و خصّصها بتبعيّة إقامة الصلاة و إيتاء الزكاة كصفة: للذين آمنوا أو كبدل عنه إذ قال عزّ و علا: وَلِيُّكُمُ اللَّهُ، وَ رَسُولُهُ، وَ الَّذِينَ آمَنُوا و وصفهم بقوله: الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ في حال نزول الآية الكريمة بدليل لفظة: يقيمون التي هي فعل مضارع يفيد الحال و الاستقبال، و مثلها: يُؤْتُونَ الزَّكاةَ أي يتصدقون حينئذ، أي حين نزول الآية الكريمة، ثم زاد تبارك و تعالى تعريف
الجديد فى تفسير القرآن المجيد، ج2، ص 484
أولئك المؤمنين و وصفهم بأنهم يؤتون الزكاة وَ هُمْ راكِعُونَ فانحصرت الولاية بعد اللّه تعالى، و بعد رسوله الكريم (ص) بمن كان ساعتئذ يفعل الصدقة و هو راكع دون غيره من سائر العالمين في ذلك الوقت.
ثم نلاحظ أن جملة: الذين يقيمون الصلاة، بيان لقوله: و الذين آمنوا.
و جملة: و هم راكعون في محل نصب لأنها حال من فاعل: يؤتون الزكاة. و لو قيل إنها حال من الفعلين- يقيمون، و يؤتون- على معنى: و هم متخشّعون في صلاتهم و فاعلين لزكاتهم، لقلنا: إن إطباق المفسّرين من الشيعة و السّنة و الأخباريين الخالين عن العصبية، على نزول هذه الآية الكريمة في عليّ عليه السلام، يأبى أيّ اعتراض إذ يدحضه:
تركيب الآية اللغوي، و سبب نزولها الذي ذكره سائر الرواة و بيّنوا أن النزول كان حين كان علي راكعا في صلاته في المسجد و حين سأله سائل- و هو على تلك- الحال- فأومأ إليه بخنصره فأخذ خاتما كان يلبسه في خنصره الشريف ذاك. و نزولها في ذلك الحين بالذات هو المرويّ باستفاضة كاملة شاملة،
و هو المرويّ أيضا عن أهل البيت صلوات اللّه و سلامه عليهم أجمعين، فهذه الآية نصّ صريح على ولايته من قبل اللّه عزّ و جل على المؤمنين. و هي خير شاهد على إمامته، لأنها نصّ من اللّه سبحانه في كتابه الكريم قد نزل وحيدا كريما على رسوله الكريم، و اللّه خير الشاهدين في كل حال من الأحوال.
أما الإتيان بصيغة الجمع، فلأنه لو كان بصيغة الإفراد لأخذ من القرآن و طرح، مضافا بأنه لا يحتاج إلى صيغة للأفراد لأن من أفراد الجمع الذي كان واجدا لهذه الشرائط الأربع: الإيمان، و إقامة الصلاة، و إيتاء الزكاة، و الركوع حينئذ- لم يكن غير عليّ عليه السلام. فالإتيان بصيغة الجمع جامع للجهات الأولى الأربع التي أشرنا إليها به عليه السلام في تلك اللحظة من الزمان.
ثم إن تعقب ولايته (ع) لولاية اللّه و ولاية رسوله، دليل على أنه وليّ
الجديد فى تفسير القرآن المجيد، ج2، ص 485
بعد اللّه و بعد الرسول بلا ريب، و إمام للخلق طرا كما هو الظاهر من أسلوب الآية الشريفة، أي وقوع ولاية المؤمنين التي تراد منهم بعد ولاية اللّه و رسوله. و إنما الكلام في أن ولايته عليه السلام هل هي ثابتة بالفعل، أي في حال الحاضر، كما هي ثابتة في ولاية اللّه و ولاية رسوله، أو أن تأثير ولايته شأنيّ، و في المآل فقد قيل بامتناع تصرّف النائب و المنوب عادة و عرفا، فانحصر تأثير إمامته (ع) بعد النبيّ (ص) فهل نحمل إمامته على إكمال الإمامة، أي تكميل استعداده لها في حال حياة النبيّ (ص) و ترتب آثارها عليها في المآل؟ هذه هي خلاصة ما قبل لرفع إشكال عدم جواز تصرف النائب و المنوب في حال واحد في شيء واحد. و هذا على فرض ثبوته لا يدفع إشكالا حين نتكلم في ولاية اللّه عزّ و جلّ، و ولاية رسوله و في تصرف النائب و المنوب.
و هذا يردّه قول النبيّ (ص) حينما أشكل عليه جماعة من صحابته و قالوا: يا رسول، إسلام علىّ ليس بصحيح لأنه أسلم حين صباوته. فقال صلّى اللّه عليه و آله: مثل عليّ مثل عيسى (ع) و يحيى (ع) كما هما ولدا نبيّين، كذلك عليّ ولد وليّا ..
و هذا لا يمكن حمله على كونه وليّا مآلا ظاهره الفعلية. غاية الأمر، في موارد التعارض في أمر على الفرض، فالمقدّم يقدّم، كما لو فرض التعارض محالا بين اللّه و الرسول،
فاللّه مقدّم بعنوانين: الأصالة و الفرعية، و لكونه تعالى أعلم بالمصالح و المفاسد في الواقع و نفس الأمر، و لذا لا تصير النّوبة إلى المعارضة في أعمال الولاية بينه تعالى و بين ولاة أمره من آدم (ع) إلى خاتم النبيّين (ص) و من دونه، إنما الكلام في مراحل أخر من الأنبياء و خلفائهم،
فولاية الخلفاء بالنسبة إلى الأنبياء طولية فلا تصير النوبة إلى المعارضة. هذا في غير خاتم الأنبياء صلوات اللّه و سلامه و خليفته. و أما فيهما فولاية عليّ عليه السلام من يوم ولد كانت مع ولاية الرسول صلّى اللّه عليه و آله عرضيّة بمقتضى الروايات و بالأخص قوله صلّى اللّه عليه و آله المتقدم منذ سطور إذ صرّح أن ولاية عليّ منذ ولد و هي كنبوة عيسى
الجديد فى تفسير القرآن المجيد، ج2، ص 486
و يحيى عليهما السلام. فهذه الرواية الشريفة وحدها تكفي للدلالة على أنه ولي مع وجود رسول اللّه (ص) و بعده، و ولايته في مرحلة وجود النبيّ (ص) عرضيّة، لكنها كانت في مقام العمل- أي إثباتا- طوليّة. فإنه عليه السلام، ما زال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله موجودا، كان يحذو حذوه و يعمل بعمله و لا يخرج عن سيرته قيد أنملة. و كان سلما لرسول اللّه كالعبد في يد مولاه. فولايته- في مرحلة العمل- طوليّة بحسب ما عندنا و بحسب الواقع.
و قد نقل صاحب المجمع عن جمهور المفسرين أن المتصدّق به كان خاتمه الشريف، إلّا أن رواية في الكافي ذكرت أن المتصدّق به حلّة. على أنه- إن لم نهمل هذه الرواية- يمكن الجمع بتعدّد القضية مرة بالخاتم و مرة بالحلة.
و الآية- على كل حال- نزلت حين التصدق بالخاتم. و قد روي عن ابن الخطاب أنه قال: و اللّه إني تصدّقت بأربعين خاتما و أنا راكع لينزل فيّ ما نزل في عليّ عليه السلام فما نزل. فما كان للّه ينمو، و ما كان للرئاسة و الافتخار يذهب هباء تذروه الرياح.
سبزوارى نجفى محمد بن حبيب الله، الجديد فى تفسير القرآن المجيد، بيروت، دار التعارف للمطبوعات، 1406 ق، چاپ اول، ج2، صص 483- 486