آیه 55، سوره مائده : تأويل الآيات الظاهرة

تأويل الآيات الظاهرة، ص   156

إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ وَ مَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ‏.

معنى تأويله أنه لما أراد الله سبحانه أن يبين لخلقه من الأولياء قال‏ إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا فالولي هنا هو الأولى بالتصرف لقوله تعالى‏ النَّبِيُّ أَوْلى‏ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ‏ «1» و الولي أيضا هو الذي تجب طاعته و من تجب طاعته تجب معرفته لأنه لا يطاع إلا من يعرف و لأن الولي‏ «2» ولي النعمة و المنعم يجب شكره و لا يتم شكره إلا بعد معرفته.

فلما بين سبحانه الأولياء بدأ بنفسه ثم ثنى برسوله ثم ثلث بالذين آمنوا فلما علم سبحانه أن الأمر يشتبه على الناس وصف الذين آمنوا بصفات خاصة لم يشركهم بها أحد فقال‏ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ‏.

و اتفقت روايات العامة و الخاصة أن المعني بالذين آمنوا أنه أمير المؤمنين ع لأنه لم يتصدق أحد و هو راكع غيره و جاء في ذلك روايات‏

مِنْهَا مَا ذَكَرَهُ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبْرِسِيُّ رَحِمَهُ اللَّهِ بِحَذْفِ الْإِسْنَادِ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ قَالَ: بَيْنَا
______________________________
(1) الأحزاب: 6.
(2) في م: «المولى».

تأويل الآيات الظاهرة، ص 157

عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ جَالِسٌ عَلَى شَفِيرِ زَمْزَمَ وَ هُوَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ مُعْتَمٌّ بِعِمَامَةٍ فَجَعَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا قَالَ ذَلِكَ الرَّجُلُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ سَأَلْتُكَ بِاللَّهِ مَنْ أَنْتَ فَكَشَفَ الْعِمَامَةَ عَنْ وَجْهِهِ وَ قَالَ أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ عَرَفَنِي فَقَدْ عَرَفَنِي وَ مَنْ لَمْ يَعْرِفْنِي فَأَنَا جُنْدَبُ بْنُ جُنَادَةَ الْبَدْرِيُّ أَبُو ذَرٍّ الْغِفَارِيُّ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص بِهَاتَيْنِ وَ إِلَّا صَمَّتَا وَ رَأَيْتُهُ بِهَاتَيْنِ وَ إِلَّا فَعَمِيَتَا يَقُولُ عَلِيٌّ قَائِدُ الْبَرَرَةِ قَاتَلُ الْكَفَرَةِ مَنْصُورٌ مَنْ نَصَرَهُ مَخْذُولٌ مَنْ خَذَلَهُ

أَمَا إِنِّي صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ص يَوْماً مِنَ الْأَيَّامِ صَلَاةَ الظُّهْرِ فَسَأَلَ سَائِلٌ فِي الْمَسْجِدِ فَلَمْ يُعْطِهِ أَحَدٌ شَيْئاً فَرَفَعَ السَّائِلُ يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي سَأَلْتُ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ ص فَلَمْ يُعْطِنِي أَحَدٌ شَيْئاً وَ كَانَ عَلِيٌّ رَاكِعاً فَأَوْمَى بِخِنْصِرِهِ الْيُمْنَى وَ كَانَ يَتَخَتَّمُ فِيهَا فَأَقْبَلَ السَّائِلُ حَتَّى أَخَذَ الْخَاتَمَ مِنْ خِنْصِرِهِ وَ ذَلِكَ بِعَيْنِ رَسُولِ اللَّهِ ص فَلَمَّا فَرَغَ النَّبِيُّ مِنْ صَلَاتِهِ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَ قَالَ اللَّهُمَّ أَخِي مُوسَى سَأَلَكَ فَقَالَ‏ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَ يَسِّرْ لِي أَمْرِي وَ احْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي وَ اجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَ أَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي‏ «1»

فَأَنْزَلْتَ عَلَيْهِ قُرْآناً نَاطِقاً سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَ نَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما «2» اللَّهُمَّ وَ أَنَا مُحَمَّدٌ صَفِيُّكَ وَ نَبِيُّكَ فَ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَ يَسِّرْ لِي أَمْرِي‏ ...

وَ اجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي‏ عَلِيّاً أَخِي‏ اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي‏ قَالَ أَبُو ذَرٍّ فَوَ اللَّهِ مَا اسْتَتَمَّ الْكَلَامَ حَتَّى نَزَلَ عَلَيْهِ جَبْرَائِيلُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ اقْرَأْ قَالَ وَ مَا أَقْرَأُ قَالَ اقْرَأْ إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ‏ «3».
______________________________
(1) طه: 25 الى 32.
(2) القصص: 35.
(3) مجمع البيان: ج 3 ص 210.

تأويل الآيات الظاهرة، ص 158

وَ مِنْهَا مَا رَوَاهُ الشَّيْخُ الصَّدُوقُ مُحَمَّدُ بْنُ بَابَوَيْهِ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَاتِمٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع‏ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ‏ إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ‏ الْآيَةَ قَالَ إِنَّ رَهْطاً مِنَ الْيَهُودِ أَسْلَمُوا مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَّامٍ وَ أَسَدٌ وَ ثَعْلَبَةُ وَ ابْنُ يَامِينَ وَ ابْنُ صُورِيَا فَأَتَوُا النَّبِيَّ ص فَقَالُوا يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّ مُوسَى ع أَوْصَى إِلَى يُوشَعَ بْنِ نُونٍ فَمَنْ وَصِيُّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَ مَنْ وَلِيُّنَا بَعْدَكَ

فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص قُومُوا فَقَامُوا فَأَتَوُا الْمَسْجِدَ فَإِذَا سَائِلٌ خَارِجٌ فَقَالَ يَا سَائِلُ أَ مَا أَعْطَاكَ أَحَدٌ شَيْئاً قَالَ نَعَمْ هَذَا الْخَاتَمَ قَالَ مَنْ أَعْطَاكَ قَالَ أَعْطَانِيهِ ذَلِكَ الرَّجُلُ الَّذِي يُصَلِّي قَالَ عَلَى أَيِّ حَالٍ أَعْطَاكَ قَالَ كَانَ رَاكِعاً فَكَبَّرَ النَّبِيُّ ص وَ كَبَّرَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ فَقَالَ النَّبِيُّ ص عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَلِيُّكُمْ بَعْدِي قَالُوا رَضِينَا بِاللَّهِ رَبّاً وَ بِالْإِسْلَامِ دِيناً وَ بِمُحَمَّدٍ نَبِيّاً وَ بِعَلِيٍّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَلِيّاً فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَ‏ وَ مَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ‏.

فَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: وَ اللَّهِ لَقَدْ تَصَدَّقْتُ بِأَرْبَعِينَ خَاتَماً وَ أَنَا رَاكِعٌ لِيَنْزِلَ فِيَّ مَا نَزَلَ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ع فَمَا نَزَلَ‏ «1».

وَ رَوَى الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَأْوِيلًا طَرِيفاً «2» عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ بِإِسْنَادِهِ عَنْ رِجَالِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عِيسَى عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع‏ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ‏ إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ‏ قَالَ‏ إِنَّما وَلِيُّكُمُ‏ يَعْنِي أَوْلَى بِكُمْ وَ أَحَقُّ بِأُمُورِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ وَ أَمْوَالِكُمْ‏ وَ الَّذِينَ آمَنُوا يَعْنِي عَلِيّاً وَ أَوْلَادَهُ الْأَئِمَّةَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ وَصَفَهُمُ‏
______________________________
(1) أمالي الصدوق: المجلس 26 ص 109.
(2) في م: «ظريفا».

تأويل الآيات الظاهرة، ص 159

اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فَقَالَ‏ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ‏ وَ كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع يُصَلِّي الظُّهْرَ وَ قَدْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَ هُوَ رَاكِعٌ وَ عَلَيْهِ حُلَّةٌ قِيمَتُهَا أَلْفُ دِينَارٍ وَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص قَدْ كَسَاهُ إِيَّاهَا وَ كَانَ النَّجَاشِيُّ قَدْ أَهْدَاهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ص فَجَاءَ سَائِلٌ

فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَلِيَّ اللَّهِ وَ مَنْ هُوَ أَوْلى‏ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ‏ تَصَدَّقَ عَلَى مِسْكِينٍ فَطَرَحَ الْحُلَّةَ وَ أَوْمَى إِلَيْهِ أَنِ احْمِلْهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ هَذِهِ الْآيَةَ وَ صَيَّرَهَا نِعْمَةً وَ قَرَنَ أَوْلَادَهُ بِنِعْمَتِهِ‏ «1» فَكُلُّ مَنْ بَلَغَ مِنْ أَوْلَادِهِ مَبْلَغَ الْإِمَامَةِ يَكُونُ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ مِثْلَهُ فَيَتَصَدَّقُونَ وَ هُمْ رَاكِعُونَ وَ السَّائِلُ الَّذِي سَأَلَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ كَانَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَ كَذَلِكَ الَّذِي يَسْأَلُ‏ «2» أَوْلَادَهُ يَكُونُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ «3».

اعلم أن الله سبحانه لما بين للناس من الأولياء و وكدهم و بينهم و عرفهم أن من يتولاهم يكون من حزب الله قال‏ وَ مَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ‏ لأعدائهم المخالفين لهم في الولاية أي هم الظاهرون عليهم و الظافرون بهم و هذا البيان يدل على أن المراد بالذين آمنوا أمير المؤمنين و ذريته الطيبون و يكون لفظ الجمع مطابقا للمعنى و إن كان المراد بالجمع الإفراد و الذين آمنوا أمير المؤمنين خاصة و ذلك جائز و قد جاء في الكتاب العزيز و كثير منه على جهة التعظيم‏ «4»

مثل قوله تعالى‏ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ‏ «5» و أما بيان أن المراد بالذين آمنوا أمير المؤمنين و ذريته الطيبون ما تقدم من خبر الحلة و لأن الله سبحانه لما قال‏ إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ‏ خاطب بذلك جميع المؤمنين و دخل في الخطاب النبي ص فلما قال‏ رَسُولُهُ‏ خرج الرسول من جملتهم لكونه مضافا إلى ولايته و لما قال‏ وَ الَّذِينَ آمَنُوا
______________________________
(1) أي جعل نعمة أولاده ملصقة بنعمته، فأتى بصيغة الجمع.
(2) في م، د: «سأل».
(3) الكافي: ج 1 ص 288.
(4) في د: «وجه التعظيم».
(5) يوسف: 3.

تأويل الآيات الظاهرة، ص 160

أوجب أن يكون المخاطب بهذه الآية غير الذي حصلت له الولاية و إلا لكان كل واحد من المؤمنين ولى نفسه و هو محال فلم يبق إلا أن يكون المعني به أمير المؤمنين و ذريته الطاهرين الذين اختارهم الله‏ عَلى‏ عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ‏ و فضلهم على الخلق أجمعين صلى الله عليهم صلاة باقية إلى يوم الدين.
 

نسخه شناسی 

درباره مولف

کتاب شناسی

منابع: 

حسينى استرآبادى سيد شرف الدين على‏، تأويل الآيات الظاهرة، تحقيق: حسين استاد ولى‏، قم‏، دفتر انتشارات اسلامى جامعه‏ى مدرسين حوزه علميه قم‏، 1409 ق‏، چاپ اول‏، صص 156- 160