آیه 67، سوره مائده : تأويل الآيات الظاهرة

تأويل الآيات الظاهرة، ص 161

و قوله تعالى‏ يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ‏.

تأويله أن الله سبحانه أمر رسوله ص بالتبليغ و توعده إن لم يفعل و وعده العصمة و النصرة فقال‏ يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ‏ أي أوصل إلى أمتك‏ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ‏ في ولاية علي ع و طاعته و النص عليه بالخلافة العامة الجليلة «5» من غير خوف و لا تقية وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ‏ ذلك‏ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ‏
______________________________
(1) في المصدر: «محمّد بن يحيى».
(2 و 3) الكافي: ج 1 ص 437.
(4) الجن: 16.
(5) في م: «الجليّة» و جعله في د نسخة بدل منه.

تأويل الآيات الظاهرة، ص 162

لأن هذه الرسالة من أعظم الرسائل التي بها كمل الدين و تمت نعمة رب العالمين و انتظمت أمور المسلمين فإن‏ «1» لم تبلغها لم تتم الغرض بالتبليغ لغيرها فكأنك ما بلغت شيئا من رسالاته جميعا لأن هذه الفريضة آخر فريضة نزلت و هذا تهديد عظيم لا تحتمله‏ «2» الأنبياء.

و قد جاء في هذه الآية الكريمة خمسة أشياء أولها إكرام و إعظام بقوله‏ يا أَيُّهَا الرَّسُولُ‏ و ثانيها أمر بقوله‏ بَلِّغْ‏ و ثالثها حكاية بقوله‏ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ‏ و رابعها عزل و نفي بقوله‏ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ‏ و خامسها عصمة بقوله‏ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ‏.

و قصة الغدير مشهورة من طريق الخاصة و العامة و لنورد مختصرا من ذلك‏
وَ هُوَ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ‏ «3» بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِ‏ أَنَّ النَّبِيَّ ص دَعَا النَّاسَ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ وَ أَمَرَ بِمَا تَحْتَ الشَّجَرَةِ مِنْ الشَّوْكِ فَقُمَ‏ «4» وَ ذَلِكَ يَوْمَ الْخَمِيسِ ثُمَّ دَعَا النَّاسَ إِلَى عَلِيٍّ فَأَخَذَ بِضَبْعَيْهِ ثُمَّ رَفَعَهُمَا «5» حَتَّى بَانَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ وَ قَالَ مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ وَ انْصُرْ مِنْ نَصَرَهُ وَ اخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ قَالَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ هَنِيئاً لَكَ يَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ أَصْبَحْتَ وَ أَمْسَيْتَ مَوْلَايَ وَ مَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ وَ مُؤْمِنَةٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

وَ رَوَى الشَّيْخُ الصَّدُوقُ مُحَمَّدُ بْنُ بَابَوَيْهِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي أَمَالِيهِ حَدِيثاً صَحِيحاً لَطِيفاً يَتَضَمَّنُ قِصَّةَ الْغَدِيرِ مُخْتَصَراً قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَرْقِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ خَلَفِ بْنِ حَمَّادٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْعَبْدِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَعْمَشِ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ‏
______________________________
(1) في ق: «فإذا».
(2) في م، د: «لا تحمله».
(3) راجع المسند: ج 1 ص 118، 119، 152، و ج 4 ص 281، 368، 370، 372 و ج 5 ص 370.
(4) أي جمع.
(5) في م: «بضبعه ثمّ رفعها».

تأويل الآيات الظاهرة، ص 163

بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص لَمَّا أُسْرِيَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ انْتَهَى بِهِ جَبْرَئِيلُ إِلَى نَهَرٍ يُقَالُ لَهُ النُّورُ وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ‏ وَ جَعَلَ الظُّلُماتِ وَ النُّورَ «1» فَلَمَّا انْتَهَى بِهِ إِلَى ذَلِكَ النَّهَرِ قَالَ لَهُ جَبْرَئِيلُ يَا مُحَمَّدُ اعْبُرْ عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ فَقَدْ نَوَّرَ اللَّهُ لَكَ بَصَرَكَ وَ مَدَّ لَكَ أَمَامَكَ فَإِنَّ هَذَا نَهَرٌ لَمْ يَعْبُرْهُ أَحَدٌ لَا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَ لَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ غَيْرَ أَنَّ لِي فِي كُلِّ يَوْمٍ اغْتِمَاسَةً فِيهِ أَخْرُجُ مِنْهُ فَأُنَفِّضُ أَجْنِحَتِي فَلَيْسَ مِنْ قَطْرَةٍ تَقْطُرُ مِنْ أَجْنِحَتِي إِلَّا خَلَقَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى مِنْهَا مَلَكاً مُقَرَّباً لَهُ عِشْرُونَ أَلْفَ وَجْهٍ وَ أَرْبَعُونَ أَلْفَ لِسَانٍ كُلُّ لِسَانِ بِلَفْظٍ وَ لُغَةٍ لَا يَفْقَهُهَا اللِّسَانُ الْآخَرُ «2»

فَعَبَرَ رَسُولُ اللَّهِ ص حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْحُجُبِ وَ الْحُجُبُ خَمْسُمِائَةِ حِجَابٍ مِنَ الْحِجَابِ إِلَى الْحِجَابِ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ جَبْرَئِيلُ تَقَدَّمْ أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ فَقَالَ لَهُ يَا جَبْرَئِيلُ وَ لِمَ لَا تَكُونُ مَعِي قَالَ لَيْسَ لِي أَنْ أَجُوزَ هَذَا الْمَكَانَ فَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ص مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ حَتَّى سَمِعَ مَا قَالَ لَهُ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى قَالَ أَنَا الْمَحْمُودُ وَ أَنْتَ مُحَمَّدٌ شَقَقْتُ اسْمَكَ مِنْ اسْمِي فَمَنْ وَصَلَكَ وَصَلْتُهُ وَ مَنْ قَطَعَكَ قَطَعْتُهُ‏ «3» انْزِلْ إِلَى عِبَادِي فَأَخْبِرْهُمْ بِكَرَامَتِي إِيَّاكَ وَ أَنِّي لَمْ أَبْعَثْ نَبِيّاً إِلَّا جَعَلْتُ لَهُ وَزِيراً

وَ أَنَّكَ رَسُولِي وَ أَنَّ عَلِيّاً وَزِيرُكَ فَهَبَطَ رَسُولُ اللَّهِ ص فَكَرِهَ أَنْ يُحَدِّثَ النَّاسَ بِشَيْ‏ءٍ كَرَاهَةَ أَنْ يَتَّهِمُوهُ لِأَنَّهُمْ كَانُوا حَدِيثِي عَهْدٍ بِالْجَاهِلِيَّةِ حَتَّى مَضَى لِذَلِكَ سِتَّةُ أَيَّامٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى‏ فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى‏ إِلَيْكَ وَ ضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ‏ فَاحْتَمَلَ‏ «4» رَسُولُ اللَّهِ ص ذَلِكَ حَتَّى كَانَ الْيَوْمَ الثَّامِنَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى‏ يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ‏
______________________________
(1) الأنعام: 1.
(2) في م: «كلّ لسان يلفظ بلغة لا يفهمها اللسان الآخر».
(3) في ق: «بتتّه» و في خ ل «بتكته» و هما بمعنى قطعته.
(4) هود: 12.

تأويل الآيات الظاهرة، ص 164

لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ‏ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص تَهْدِيدٌ بَعْدَ وَعِيدٍ لَأُمْضِيَنَّ أَمْرَ رَبِّي فَإِنْ يَتَّهِمُونِي وَ يُكَذِّبُونِي أَهْوَنُ عَلَيَّ مِنْ أَنْ يُعَاقِبَنِي الْعُقُوبَةَ الْمُوجِعَةَ فِي الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ قَالَ وَ سَلَّمَ جَبْرَئِيلُ عَلَى عَلِيٍّ ع بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ عَلِيٌّ ع يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْمَعُ الْكَلَامَ وَ لَا أُحْسِنُ‏ «1» الرُّؤْيَةَ

فَقَالَ يَا عَلِيُّ هَذَا جَبْرَئِيلُ أَتَانِي مِنْ قِبَلِ رَبِّي بِتَصْدِيقِ مَا وَعَدَنِي ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ص رَجُلًا فَرَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ أَنْ يُسَلِّمُوا عَلَيْهِ بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ ثُمَّ قَالَ يَا بِلَالُ نَادِ فِي النَّاسِ أَنْ لَا يَبْقَى أَحَدٌ إِلَّا عَلِيلٌ إِلَّا خَرَجَ إِلَى غَدِيرِ خُمٍّ فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ص بِجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ بِرِسَالَةِ وَ إِنِّي ضِقْتُ بِهَا ذَرْعاً مَخَافَةَ أَنْ تَتَّهِمُونِي وَ تُكَذِّبُونِي فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَعِيداً بَعْدَ وَعِيدٍ فَكَانَ تَكْذِيبُكُمْ إِيَّايَ أَيْسَرَ عَلَيَّ مِنْ عُقُوبَةِ اللَّهِ إِيَّايَ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى أَسْرَى بِي وَ أَسْمَعَنِي

وَ قَالَ يَا مُحَمَّدُ أَنَا الْمَحْمُودُ وَ أَنْتَ مُحَمَّدٌ شَقَقْتُ اسْمَكَ مِنْ اسْمِي فَمَنْ وَصَلَكَ وَصَلْتُهُ وَ مَنْ قَطَعَكَ بَتَكْتُهُ انْزِلْ إِلَى عِبَادِي فَأَخْبِرْهُمْ بِكَرَامَتِي إِيَّاكَ وَ أَنِّي لَمْ أَبْعَثْ نَبِيّاً إِلَّا جَعَلْتُ لَهُ وَزِيراً وَ أَنَّكَ رَسُولِي وَ أَنَّ عَلِيّاً وَزِيرُكَ ثُمَّ أَخَذَ ص بِيَدِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ع فَرَفَعَهَا حَتَّى نَظَرَ النَّاسُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِمَا وَ لَمْ يُرَ قَبْلَ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى مَوْلَايَ وَ أَنَا مَوْلَى الْمُؤْمِنِينَ فَمَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ وَ انْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ وَ اخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ فَقَالَ الشُّكَّاكُ وَ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ نَبْرَأُ «2» إِلَى اللَّهِ مِنْ مَقَالَتِهِ لَيْسَ بِحَتْمٍ وَ لَا نَرْضَى‏ «3» أَنْ يَكُونَ عَلِيٌّ وَزِيرَهُ وَ هَذِهِ مِنْهُ عَصَبِيَّةٌ فَقَالَ سَلْمَانُ وَ الْمِقْدَادُ وَ أَبُو ذَرٍّ
______________________________
(1) في المصدر: «أحسّ الرؤية».
(2) في د: «نتبرّأ».
(3) في م: «لن نختم و لن نرضى».

تأويل الآيات الظاهرة، ص 165

وَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَ اللَّهِ مَا بَرِحْنَا الْعَرْصَةَ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فَكَرَّرَ رَسُولُ اللَّهِ ص ذَلِكَ ثَلَاثاً ثُمَّ قَالَ إِنَّ كَمَالَ الدِّينِ وَ تَمَامَ النِّعْمَةِ وَ رِضَا الرَّبِّ بِرِسَالَتِي إِلَيْكُمْ وَ بِالْوَلَايَةِ بَعْدِي لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ‏ «1».
______________________________
(1) أمالي الصدوق: المجلس 56 ص 316.

نسخه شناسی

درباره مولف

کتاب شناسی

منابع: 

حسينى استرآبادى سيد شرف الدين على‏، تأويل الآيات الظاهرة، تحقيق: حسين استاد ولى‏، قم‏، دفتر انتشارات اسلامى جامعه‏ى مدرسين حوزه علميه قم‏، 1409 ق‏، چاپ اول‏، صص 161 - 165