آیه 67، سوره مائده : تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن

تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج‏3، ص 313

[ [سورة المائدة (5): آية 67]

يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (67)

 قوله سبحانه: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ‏- إلى قوله-:

الْكافِرِينَ‏

في الجوامع عن ابن عباس و جابر بن عبد اللّه: أنّ اللّه أمر نبيّه أن ينصب عليّا للناس و يخبرهم بولايته، فتخوّف أن يقولوا: حامى‏ «1» ابن عمّه، و أن يشقّ ذلك على جماعة من أصحابه، فنزلت هذه الآية، فأخذ بيده يوم غدير خمّ و قال:
«من كنت مولاه فعلي مولاه» «2».

أقول: و الروايات في هذا المعنى من الطريقين متجاوزة حدّ التواتر و الكلمة من رسول- صلّى اللّه عليه و آله- متواتر لفظي، و هي و إن بلغت من الكثرة حدّا تستغنى عن التأيّد بالآية، لكنّ لحن سياق القول في الآية يؤيد ذلك، فليس المراد بقوله: ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ‏ جميع ما أنزل إليه، و إلّا كان قوله: فَما بَلَّغْتَ‏
______________________________
(1). في المصدر: «حابى»
(2). جوامع الجامع 1: 342.

تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج‏3، ص 314

رِسالَتَهُ‏ تهديدا مستهجنا و غير مفيد لفائدة خطابية لاتحاد الشرط و الجزاء، فالمراد به بعض ما أنزل اليه- صلّى اللّه عليه و آله-، و المراد بالرسالة جميع الرسالة، فهو من ما أنزل إليه بعضه، و قد حاز من الأهميّة ما يعادل اهماله إهمال جميع ما أنزل إليه من ربّه، فليس شيئا من الأحكام العمليّة، إذ في المعارف العلميّة ممّا أنزل إليه- صلّى اللّه عليه و آله-، ما لا يعادله شي‏ء من العمليّة كالتوحيد و الرسالة و المعاد،

فهو من المعارف العلميّة، و يومي إليه قوله: وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ‏، فهو يدلّ على أنّه كان شيئا من الوحي كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- يخاف إظهاره على الناس و تبليغه إليهم، و قد ستره مدّة بعد نزوله خوفا من الناس، و ما كان يخاف على نفسه من الكفار و المشركين،

فقد كان اللّه تعالى يومئذ- أعني عند نزول السورة- أظهر دينه و أيّد رسوله و كسر سورة أعدائه و خنقهم بغيضهم، فما كان يسعهم إلّا المطاوعة و القبول، بل إنّما كان يخاف المسلمين، و إنّما يصحّ الخوف منهم لا في الأمور الشاقّة من أحكام الدين لمشقّته، فقد كانوا وطّنوا نفوسهم لكل شديدة و عظيمة،

قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى‏ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ «1»، بل فيما يقبل الإتّهام و يسرع إليه الظن و الريب في الدعوة النبويّة، مما ينهدم به أساس الدين، و يذهب به التبليغ هدرا، كما ورد في سورة الأحزاب في قصة زيد: وَ تُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَ تَخْشَى النَّاسَ وَ اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ‏ «2».

و مع ذلك فهو سبحانه لم يذكر ما أنزل إليه على التعيين و لم يسمّه، و فيه من التشديد على رسول اللّه ما لا يخفى، و قد بدء الخطاب بقوله: يا أَيُّهَا
______________________________
(1). التوبة (9): 111.
(2). الاحزاب (33): 37.

تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج‏3، ص 315

الرَّسُولُ‏، فذكر الرسالة قطعا للعذر و ختم بقوله: إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ‏، فأومى إلى أنّ سوء القصد برسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- واقع، لكنّه غير مؤثر، و أنّ الحكم غير مقبول البتّة من جميع الناس و أن التمهيد و التدبير من رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- بترصّد موقع مناسب لتبليغه غير مؤثّر، فافهم.

و هذه الجملة بعينها يؤيّد ما ذكرناه من معنى قوله: وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ‏، إذ لو كان العصمة في نفس رسول اللّه فحسب لم يتمّ عموم التعليل بقوله: إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي‏، إذ قد هدى سبحانه كثيرا من الكافرين على أنبيائه و رسله فقتلوهم واحدا بعد واحد كيفما شاءوا و كما هووا و سيجي‏ء نظير الكلام إن شاء اللّه في قوله: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً من سورة الشورى‏ «1»، و قوله تعالى: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئاً، من سورة الأحقاف‏ «2».
______________________________
(1). الشورى (42): 23.
(2). الأحقاف (46): 8.

نسخه شناسی

درباره مولف

کتاب شناسی 

منابع: 

طباطبايى، سيد محمد حسين‏، تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن‏، تحقيق: اصغر ارادتى‏، بيروت‏، دار التعارف للمطبوعات‏، 1427 ق‏، چاپ اول‏، ج‏3، صص 313 - 315