آیه 67، سوره مائده : تفسير الصافى

تفسير الصافى، ج‏2، ص 51   

يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ‏ يعني في عليّ صلوات اللَّه عليه فعنهم عليهم السّلام كذا نزلت‏ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ‏ «1» ان تركت تبليغ ما انزل إليك في ولاية عليّ عليه السلام و كتمته كنت كأنّك لم تبلّغ شيئاً من رسالات في استحقاق العقوبة و قرء رسالته على التَّوحيد وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ‏ يمنعك من أن ينالوك بسوءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ‏

في الجوامع عن ابن عبّاس و جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه: انّ اللَّه تعالى أمر نبيّه صلّى اللَّه عليه و آله ان ينصب عليّاً عليه الصّلاة و السلام للناس و يخبرهم بولايته فتخوّف ان يقولوا حامى ابن عمّه و ان يشقّ ذلك على جماعة من أصحابه فنزلت هذه الآية فأخذ بيده يوم غدير خم و قال صلّى اللَّه عليه و آله من كنت مولاه فعليّ مولاه.

و قرء العيّاشي عنهما رضي اللَّه عنهما: ما في معناه.
______________________________
(1). يعني ان لم تنصّ بولاية عليّ فيضيع امر التّوحيد و لا يخلص ايمان اللَّه و في بعض القراءات الشّاذة فما بلغت رسالاته بصيغة الجمع.

تفسير الصافى، ج‏2، ص 52

و رواه في المجمع عن الثّعلبيّ و الحسكاني و غيرهما من العامّة.

و في الكافي عن الباقر عليه السّلام في حديث: ثمّ نزلت الولاية و انّما أتاه ذلك يوم الجمعة بعرفة أنزل اللَّه تعالى‏ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي‏ و كان كمال الدّين بولاية عليّ بن أبي طالب صلوات اللَّه و سلامه عليه فقال عند ذلك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله أمّتي حديثو عهد بالجاهليّة و متى‏ أخبرتهم بهذا في ابن عمّي يقول قائل و يقول قائل فقلت في نفسي من غير أنّ ينطق به لساني فأتتني عزيمة من اللَّه بتلة «1» اوعدني ان لم ابلّغ أن يعذّبني فنزلت‏ يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ‏ الآية فأخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله بيد عليّ عليه السّلام فقال:

أيّها النّاس انّه ان لم يكن نبيّ من الأنبياء ممّن كان قبلي إلّا و قد كان عمّره اللَّه ثمّ دعاه فأجابه فاوشك ان ادعى‏ فأجيب و انا مسؤول و أنتم مسؤولون فما ذا أنتم قائلون؟

فقالوا نشهد انّك قد بلّغت و نصحت و ادّيت ما عليك فجزاك اللَّه أفضل جزاء المرسلين فقال اللّهم اشهد ثلاث مرّات ثمّ قال:

يا معشر المسلمين هذا وليّكم من بعدي فليبلّغ الشّاهد منكم الغائب قال ابو جعفر عليه السّلام كان و اللَّه أمين اللَّه على خلقه و غيبه و دينه الّذي ارتضاه لنفسه.

و عنه عليه السلام: أمر اللَّه عزّ و جلّ رسوله بولاية عليّ عليهما السّلام و انزل عليكم‏ إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ‏ الآية و فرض ولاية اولي الأمر فلم يدرُوا ما هي فأمر اللَّه محمّداً صلّى اللَّه عليه و آله ان يفسّر لهم الولاية كما فسّر لهم الصّلاة و الزّكاة و الصّوم و الحجّ فلمّا أتاه ذلك من اللَّه ضاق بذلك صدر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و تخوّف ان يرتدوا عن دينهم و ان يكذّبوه فضاق صدره و راجع ربّه عزّ و جلّ فأوحى اللَّه تعالى إليه‏ يا أَيُّهَا الرَّسُولُ‏ الآيةو صدع بأمر اللَّه تعالى ذكره‏ «2» فقام بولاية عليّ عليه السلام يوم غدير
______________________________
(1). يقال بتلت الشّي‏ء أبتله بالكسر إذا قطعته و أبنته من غيره و منه قوله طلّقها بتة بتلة
و منه حديث رسول اللَّه صلىّ اللَّه عليه و آله في خبر النّص: فاتتني عزيمة من اللَّه تعالى بتلة أوعدني ان لم أبلّغ ان يعذّبني.
(2). قال الفيروزآباديّ‏ فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ أي شقّ جماعاتهم بالتّوحيد أو أجبر بالقرآن أو أظهر أو احكم بالحقّ و افصِل بالأمر أو اقصد بما تؤمر أو أفرق به بين الحق و الباطل و صدعه كمنعه شقّه أو شقّه نصفين أو شقّه و لم يفترق و فلاناً قصده لكرمه و بالحقّ تكلّم به جهاراً و بالأمر اصاب به موضعه و جاهر به انتهى.

تفسير الصافى، ج‏2، ص 53

خم فنادى الصلاة جامعةً و أمر الناس ان يبلّغ الشّاهد الغائب.

قال عليه السلام و كانت الفريضة تنزل بعد الفريضة الأخرى و كانت الولاية آخر الفرائض فأنزل اللَّه عزّ و جلّ‏ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي‏ قال يقول اللَّه تعالى عزّ و جلّ لا انزل عليكم بعدها فريضة قد أكملت لكم الفرائض.

و في الاحتجاج عنه عليه السلام أنّه قال: قد حج رسول اللَّه صلىّ اللَّه عليه و آله و سلم من المدينة و قد بلغ جميع الشرايع قومه غير الحجّ و الولاية فأتاه جبرئيل عليه السلام فقال له «يا محمّد إنّ اللَّه عزّ و جلّ يقرؤك السّلام و يقول لَكَ إنّي لم أقبض نبيّاً من أنبيائي و لا رسولًا من رسلي إلّا بعد إكمال ديني و تأكيد حجتي و قد بقي عليك من ذلك فريضتان ممّا يحتاج أن تبلغهما قومك: فريضة الحجّ، و فريضة الولاية و الخلافة من بعدك، فإني لم أخل أرضي من حجة و لن أُخليها أبداً فإنّ اللَّه يأمرك أن تبلّغ قومك الحجّ تحجّ و يحجّ معك كلّ من استطاع إليه سبيلًا من أهل الحضر و الأطراف و الأعراب و تعلّمهم من حجّهم مثل ما علّمتهم من صلواتهم و زكوتهم و صيامهم و توقفهم من ذلك على مثال الذي أوقفتهم عليه من جميع ما بلّغتهم من الشرايع».

فنادى‏ مناد من رسول اللَّه صلىّ اللَّه عليه و آله و سلم في النّاس ألا إنّ رسول اللَّه صلىّ اللَّه عليه و آله و سلم يريد الحجّ و أن يعلّمكم من ذلك مثل الذي علمكم من شرايع دينكم و يوقفكم من ذلك على‏ ما أوقفكم عليه من غيره، فخرج رسول اللَّه صلىّ اللَّه عليه و آله و سلم و خرج معه النّاس و أصغوا إليه لينظروا ما يصنع فيصنعوا مثله، فحجّ بهم و بلغ من حجّ مع رسول اللَّه صلىّ اللَّه عليه و آله و سلم من أهل المدينة و أهل الأطراف و الأعراب سبعين ألف إنسان أو يزيدون على نحو عدد أصحاب موسى سبعين ألفاً الذين أخذ عليهم ببيعة هرون فنكثوا و اتّبعوا العجل و السّامريّ و كذلك رسول اللَّه صلىّ اللَّه عليه و آله و سلم أخذ البيعة لعليّ بن أبي طالب عليه السلام بالخلافة على‏ عدد

تفسير الصافى، ج‏2، ص 54

أصحاب موسى فنكثوا البيعَة وَ اتّبعُوا العجل سنّة بسنّة و مثلًا بمثل و اتّصلت التّلبية ما بين مكّة و المدينة.
فلمّا وقف بالموقوفِ أتاه جبرئيل عن اللَّه تعالى‏ فقال: يا محمّد صلىّ اللَّه عليه و آله و سلم إنّ اللَّه تعالى يقرؤك السلام و يقول لك انّه قد دنا أجل و مدتك و أنا مستقدمك على‏ ما لا بدّ منه و لا عنه محيص فاعهد عهدك‏ «1» و قدّم وصيتك و اعمد الى ما عندك من العلم و ميراث علوم الأنبياءِ من قبلك و السّلاح و التّابوت و جميع ما عندك من آيات الأنبياءِ فسلّمها الى وصيّك و خَليفتك من بعدك حجّتي البالغة على‏ خلقي عليّ بن أبي طالب عليه السلام

فأقمه للنّاس علماً و جدّد عهده و ميثاقه و بيعته و ذكّرهم ما أخذت عليهم من بيعتي و ميثاقي الذي واثقتهم به و عهدي الذي عهدت إليهم من ولاية وليّ و مولاهم و مولى كل مؤمن و مؤمنة عليّ بن أبي طالب عليه السلام فانّي لم أقبض نبيّاً من الأنبياء إلّا من بعد إكمال ديني و إتمام نعمتي بولاية أوليائي و معاداة أعدائي و ذلك كمال توحيدي و ديني و إتمام نعمتي على خلقي باتّباع وليّي و طاعته و ذلك أنّي لا أترك أرضي بلا قيّم ليكون حجّة لي على خلقي ف الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ‏ الآية بولاية وليي و مولى كلّ مؤمن و مؤمنة عليّ عبدي و وصي نبيّ و الخليفة من بعده و حجتي البالغة على‏ خلقي مقرون طاعته بطاعة محمّد صلىّ اللَّه عليه و آله و سلم نبيّي و مقرون طاعته مع طاعة محمّد صلىّ اللَّه عليه و آله و سلم بطاعتي من أطاعه فقد أطاعني و من عصاه فقد عصاني جعلته علماً بيني و بين خلقي من عرفه كان مؤمناً و من أنكره كان كافراً و من أشرك بيعته كان مشركاً و من لقيني بولايته دخل الجنة و من لقيني بعداوته دخل النار فأقم يا محمّد عليّاً صلوات اللَّه عليهما عليماً و خذ عليهم البيعة و جدّد عليهم عهدي و ميثاقي لهم الّذي واثقتهم عليه فانّي قابضك إليّ و مستقدمك علي.
فخشي رسول اللَّه صلىّ اللَّه عليه و آله و سلم قومه و أهل النِّفاق و الشّقاق أن يتفرقوا و يرجعُوا جاهليّةً لما عرف من عداوتهم و لما ينطوي عليه أنفسهم لعليّ عليه السلام من‏
______________________________
(1). فاعهد عهدك أي أوص وصيَّتك و استعمال العهد في الوصيّة و العكس فوق حدّ الإحصاء في الآيات و الأخبار و غيرهما كقوله تعالى‏ وَ لَقَدْ عَهِدْنا إِلى‏ آدَمَ‏ وَ عَهِدْنا إِلى‏ إِبْراهِيمَ‏ و غير ذلك.

تفسير الصافى، ج‏2، ص 55
البغضة «1» و سأل جبرئيل أن يسأل ربّه العصمة من النّاس و انتظر أن يأتيه جبرئيل بالعصمة من النّاس من اللَّه جلّ اسمه فأخّر ذلك الى أن بلغ مسجد الخَيْف‏ «2» فأتاه جبرئيل في مسجد الخَيْف فأمره أن يعهد عهده و يقيم عليّاً صلوات اللَّه عليه للنّاس و لم يأته بالعصمة من اللَّه جلّ جلاله الذي أراد حتّى أتى كُراعَ الغميم بين مكّة و المدينة فأتاه جبرئيل عليه السلام و أمره بالذي أتاه به من قبل اللَّه و لم يأته بالعصمة من اللَّه جلّ جلاله الذي أراد فقال يا جبرئيل إنّي أخشى قومي أن يكذّبوني

و لا يقبلوا قولي في عليّ عليه السلام فرَحَل فلما بلغ غدير خمّ قبل الجحفة بثلاثة أميال أتاه جبرئيل على خمس ساعات مضت من النهار بالزجر و الانتهار «3» و العصمة من الناس فقال يا محمّد إنَّ اللَّه تعالى‏ يقرءوك السّلام و يقول لك‏ يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ‏ في عليّ صلوات اللَّه و سلامه عليه‏ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ‏ و كان أوايلهم قربت من الجحفة «4» فأمره بأن يُرَّدَ من تقدم منهم و يحبس من تأخّر عنهم في ذلك المكان ليقيم عليّاً عليه السلام للنّاس و يبلّغهم ما أَنزل اللَّه تعالى‏ في عليّ عليه السلام و أخبره بأنّ اللَّه عزّ و جلّ قد عصمه من النّاس.

فأمر رسول اللَّه صلىّ اللَّه عليه و آله و سلم عند ما جاءته العصمة منادياً ينادي في النّاس بالصّلوة جامعةً و يردّ من تقدم منهم و يحبس من تأخّر فتنحّى‏ عن يمينَ الطّريق الى جنب مسجد الغدير و أمره بذلك جبرئيل عن اللَّه عزّ و جلّ و في الموضع سلمات‏ «5» فأمر رسول اللَّه صلىّ اللَّه عليه و آله و سلم أن يقم‏ «6» ما تحتهنّ و ينصب له أحجار كهيئة المنبر
______________________________
(1). البغض بالضمّ ضد الحبّ و البغضة بالكسر و البغضاء شدّته.
(2). الخيف ما انحدر من غلظ الجبل و ارتفع عن مسيل الماء و منه سمّى مسجد الخيف بمنى لأنّه بني في خيف الجبل و الأصل مسجد خيف منى فخفّف بالحذف.
(3). نهره و انتهره أي زبره و زجره.
(4). الجحفة بضم الجيم هي مكان بين مكّة و المدينة محاذية لذي الحليفة من الجانب الشّامي قريب من رابغ بين بدر و خليص.
(5). السّلمة كفرحة الحجارة ج ككتاب.
(6). قمّ البيت قمّاً من باب قتل كنسه قوله تعالى‏ وَ حَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً أى لم نبق منهم أحداً و منه سمّى الغدير لأنّه ماء يغادره السّيول أي تخلّفه فعيل بمعنى مفعول أو فعيل بمعنى‏ فاعل لأنّه يغدر بأهله أي ينقطع عند شدّة الحاجة اليه و منع الدّعاء اللّهم من نعمك و هي أجلّ من أن تغادر أي تنقطع و غدير خم موضع بالجُحفة شديد الوباء قال الأصمعي لم يولد بغدير خم أحد فعاش الى أن يحتلم الّا أن ينجو منه و يوم الغدير هو يوم الثّامن عشر من ذي الحجّة و هو اليوم الذي نصب رسول اللَّه (ص) عليّاً (ع) خليفة بحضرة الجمع الكثير من النّاس حيث‏

قال: من كنت مولاه فعليّ مولاه.
قال الغزالي و هو من أكابر علماء القوم في كتابه المسمّى بسرّ العالمين ما هذا لفظه: قال رسول اللَّه (ص) لعلي يوم الغدير من كنت مولاه فعليّ مولاه فقال عمر بن الخطّاب بخ بخ لك يا أبا الحسن لقد أصبحت مولاي و مولى‏ كلّ مؤمن و مؤمنة.

ثمّ قال و هذا رضىً و تسليم و ولاية و تحكيم ثمّ بعد ذلك غلب الهوى و حبّ الرياسة و عقود البنود و خفقان الرايات و ازدحام الخيول و فتح الأمصار و الأمر و النهي فحملتهم على الخلاف‏ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَ اشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ‏ إلى أن قال ثمّ أنّ أبا بكر قال على منبر رسول اللَّه (ص) اقيلوني فلست بخيركم و عليّ فيكم أ فقال ذلك هزواً وجداً أو امتحاناً فان كان هزواً فالخلفاء لا يليق بهم الهزل ثمّ قال و العجب من منازعة معاوية بن أبي سفيان عليّاً في الخلافة و أين و من أين أليس رسول اللَّه (ص) قطع طمع من طمع فيها بقوله: إذا ولّى الخليفتان فاقتلوا الأخير منهما و العجب من حقّ واحد كيف ينقسم بين اثنين و الخلافة ليست بجسم و لا عرض فتتجزّى انتهى‏ كلامه و فيه دلالة على انحرافه عمّا كان عليه و اللَّه أعلم.

تفسير الصافى، ج‏2، ص 56

ليشرف على الناس فتراجع النّاس و احتبس أواخرهم في ذلك المكان لا يزالون فقام رسول اللَّه صلىّ اللَّه عليه و آله و سلم فوق تلك الأحجار ثُمَّ حمد اللَّه تعالى‏ و أثنى‏ عليه فقال صلىّ اللَّه عليه و آله و سلم.

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَلَا فيِ تَوَحُّدِهِ وَدَنَا فيِ تَفَرُّدِهِ وَ جَلَّ فيِ سَلْطَنَتِهِ وَ عَظُمَ فيِ أَرْكَانِهِ وَ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلْماً وَ هُوَ فيِ مَكَانِهِ وَ قَهَرَ جَمِيعَ الْخَلْقِ بِقُدْرَتِهِ وَ بُرْهَانِهِ مَجِيداً لَمْ يَزَلْ مَحْمُوداً لَا يَزَالُ بَارِئُ المَسْمُوكاتِ وَ دَاحِي الْمَدْخوَّاتِ وَ جَبَّارُ اْلأَرْضِيِنَ وَ السَّموَاتِ سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَ الرُّوحِ مُتَفَضِّلٌ عَلَى‏ جَمِيعِ مَنْ بَرَاهُ مُتَطَوِّلٌ عَلَى‏ جَمِيعِ مَنْ أَنْشَأَهُ يَلْحَظُ كُلَّ عَيْنٍ وَ الْعُيُونُ لَا تَرَاهُ كَرِيمٌ حَلِيمٌ ذُو أَنَاةٍ قَدْ وَسِعَ كُلَّ شَيْ‏ءِ بِرَحْمَتِهِ وَ مَنَّ عَلَيْهِمْ بِنِعْمَتِهِ لَا يَعْجَلُ بِانْتِقَامِهِ وَ لَا يُبَادِرُ إِلَيْهِمْ بِمَا اسْتَحَقُّوا مِنْ عَذَابِهِ قَدْ فَهِمَ السَرَّائِرَ وَ عَلِمَ الضَّمَآئِرَ وَ لَا يَخْفَى‏ عَلَيْهِ الْمَكْنُونَاتُ وَ لَا اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْخَفِيَّاتُ لَهُ الإِحَاطَةُ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ وَ الْغَلَبَةُ عَلَى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ وَ الْقُوَّةُ فيِ كُلِّ شَيْ‏ءٍ وَ الْقُدْرَةُ عَلَى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ء وَ هُوَ مُنْشِئُ الشّيْ‏ءِ حِينَ لَا شَيْ‏ءَ دَآئِمٌ قَآئِمٌ بِالْقِسْطِ لَا الهَ إلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ جَلَّ عَنْ أَنْ تُدْرِكَهُ اْلأَبْصَارُ

وَ هُوَ يُدْرِكَ اْلأَبْصَارَ وَ هُوَ اللَّطيفُ الْخَبِيرُ لَا يَلْحَقُ أَحَدٌ وَصْفَهُ مِنْ مُعَايَنَةٍ وَ لَا يَجِدُ أَحَدٌ كَيْفَ هُوَ مِنْ سِرِّ وَ عَلَانِيَةٍ إلَّا بِمَا دَلَّ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَى‏ نَفْسِهِ وَ اشْهَدُ بِأَنَّهُ اللَّهُ الَّذِي مَلَأَ الدَّهْرَ قُدْسُهُ وَ الَّذِي يُغْشِي اْلأَبَدَ نُورُهُ وَ الَّذِي يَنْفُذُ أمْرُهُ بِلَا مُشَاوَرَةِ مُشِيرٍ وَ لَا مَعَهُ شَرِيكٌ فيِ تَقْدِيرٍ وَ لَا تَفَاوُتٌ فيِ تَدْبِيرٍ صَوَّرَ مَا أَبْدَعَ عَلَى‏ غَيْرِ مِثَالٍ وَ خَلَقَ مَا خَلَقَ بِلَا مَعُونَةٍ مِنْ أَحَدٍ وَ لَا تَكَلّفٍ وَ لَا احْتِيَالٍ أنْشَاهَا فَكَانَتْ وَ بَرأَهَا فَبَانَتْ وَ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إلَّا هُوَ الْمُتْقِنُ الصَّنْعَةِ

تفسير الصافى، ج‏2، ص 57

الْحَسَنُ الصَّنيعَةِ الْعَدْلُ الَّذِي لَا يَجُورُ وَ اْلأَكْرَمُ الَّذِي تُرْجَعُ إِلَيْهِ اْلأُمُورُ وَ اشْهَدُ أَنَّهُ الَّذِي تَوَاضَعَ كُلُّ شَيْ‏ءٍ لِقُدْرَتِهِ وَ خَضَعَ كُلُّ شَيْ‏ءٍ لَهِيْبَتِهِ مَالِكُ اْلأَمْلَاكِ وَ مُفَلِّكُ اْلأَفْلَاكِ وَ مُسَخِّرُ الشَّمْسِ وَ القَمَرِ كُّلٌ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَ يُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً قَاصِمُ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ وَ مُهْلِكُ كُلِّ شَيْطَانٍ مَريد لَمْ يَكُنْ مَعَهُ ضِدٌّ وَ لَا نِدٌّ أَحَدٌ صَمَدٌ لَمْ يَلْدِ وَ لَمْ يُولَدْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أحَدٌ إلَهٌ وَاحِدٌ وَ رَبٌّ مَاجِدٌ يَشَآءُ فَيَمْضِي وَ يُرِيدُ فَيَقْضِي

وَ يَعْلَمُ وَ يُحْصِي وَ يُمِيتُ وَ يُحْيي وَ يُفْقِرُ وَ يُغْني وَ يُضْحِكُ وَ يُبْكِي وَ يُدْني وَ يُقْصِي وَ يَمْنَعُ وَ يُعْطي لَهُ الْمُلْكُ وَ لَهُ الْحَمْدُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَ هُوَ عَلَى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ يُولِجُ اللَّيْلَ فيِ النَّهَارِ وَ يُولِجُ النَّهَارَ فيِ اللَّيْلِ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ مُسْتَجِيبُ الدُّعَآءِ وَ مُجْزلُ الْعَطآءِ محْصِي اْلأَنْفَاسِ وَ رَبُّ الْجَنَّةِ وَ النَّاسِ لَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ شَيْ‏ءٌ وَ لَا يُضْجِرُهُ صرُاخُ الْمُسْتَصْرِخِينَ وَ لَا يُبْرِمُهُ الْحَاحُ الْمُلِحِّينَ العَاصِمُ لِلصَّالِحِينَ وَ الْمُوَفِّقُ لِلْمُفْلِحِينَ وَ مَوْلَى الْعَالَمِينَ الَّذِي اسْتَحَقَّ مِنْ كُلِّ مَنْ خَلَقَ أَنْ يَشْكُرَهُ وَ يَحْمِدَهُ عَلَى السرَّاءِ وَ الضَرَّآءِ وَ الشِّدَّةِ وَ الرَّخَآءِ وَ أُومِنْ بِهِ وَ بَمِلآئِكَتِهِ وَ كُتُبِهِ وَ رُسُلِهِ أَسْمَعُ أَمْرَهُ وَ أُطِيعُ وَ أُبَادَرُ إلى‏ كُلِّ مَا يَرْضَاهُ وَ اسْتَسلِمُ لِقَضَائِهِ رَغْبَةً فيِ طَاعَتِهِ وَ خَوْفاً مِنْ عُقُوبَتِهِ

لِأنَّهُ الَّذِي لَا يُؤْمَنُ مَكْرُهُ وَ لَا يُخَافَ جَوْرُهُ أُقرُّ عَلَى‏ نَفْسِي بِالْعُبُودِيَّةِ وَ أشْهَدُ لَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ وَ أُؤَدِّي مَا أَوْحَى‏ إِليَّ حَذَراً مِنْ أَنْ لَا أَفْعَلَ فَيَحِلَّ بِي مِنْهُ قَارِعَةٌ لَا يَدْفَعُهَا عَنِّي أَحَدٌ وَ إنْ عَظُمَتْ حِيلَتُهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ لِإنَّهُ قَدْ أعْلَمَنِي أَنّي إنْ لَمْ أُبَلِّغْ مَا أنْزَلَ إلَيَّ فَمَا بَلّغَتُ رِسَالَتَهُ فَقَدْ ضَمِنَ ليِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى‏ الْعِصْمَةَ وَ هُوَ اللَّهُ الْكَافيِ الكَرِيمُ

فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ بسم اللّه الرحمن الرحيم‏ يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ‏ فيِ عَليِ صَلَواتُ اللَّهِ وَ سَلَامُهُ عَلَيْهِ‏ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ‏ مَعَاشِرَ النَّاسِ مَا قَصَّرْتُ فيِ تَبْلِيغِ مَا أنْزَلَهُ وَ أَنَا مُبَيِّنٌ لَكُمْ سَبَبَ هذِهِ الآيَةِ إنَّ جَبْرِئِيلَ هَبَطَ الَيَّ مِرَاراً يَاْمُرُني عَنِ السَّلَامِ رَبِّي وَ هُوَ السَّلامَ انْ أَقُومَ فيِ هذَا الْمَشْهَدِ فَاعْلِمَ كُلَّ ابْيضَ وَ أسْوَدَ أَنَّ عَليَّ بِنْ أبي طالِبٍ عليه السلام أخِي وَ وَصِيّي وَ خَلِيفَتي وَ الإمَامُ مِنْ بَعْدِي الَّذِي مَحَلَّهُ مِنّي مَحَلُّ هرُونَ مِنْ مُوسَى‏ إلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي وَ هُوَ وَلِيُّكُمْ بَعْدِ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ قَدْ

تفسير الصافى، ج‏2، ص 58

أنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالى‏ عَلَيَّ بِذلِكَ آيَةً مِنْ كِتَابِهِ‏ إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ‏ وَ عَليُّ بْنُ أبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلام أقَامَ الصَّلوةَ وَ آتَى‏ الزَّكْوَة وَ هُوَ رَاكِعٌ يُرِيدُ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ فيِ كُلِّ حَالٍ

وَ سَألتُ جَبْرَئيلَ عليه السلام أَنْ يَسْتَعفِي ليِ عَنْ تَبْلِيغِ ذلِكَ إلَيْكُمْ أَيُّهَا النّاسُ لِعِلْمي بِقِلَّةِ الْمُتَّقِينَ وَ كِثْرَةِ المُنَافِقِينَ وَ أدغَالِ‏ «1» اْلآثِمينَ وَ خَتَل‏ «2» المُسْتَهزِئِينَ بِالإسْلامِ الَّذِينَ وَصَفَهُمُ اللَّهُ تَعَالى‏ في كِتَابِهِ بِأَنَّهُمْ‏ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ‏ وَ تَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَ هُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ‏ وَ كَثْرَةِ إذا هُمْ ليِ غَيْرَ مَرَّةٍ حَتّى سَمُّوني أُذُناً وَ زَعَمُوا أنّي كَذلِكَ لِكَثْرَةِ مَلَازِمَتِهِ إيَّايَ وَ إقبالي عَلَيْهِ حَتّى‏ أنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فيِ ذلِكَ‏ وَ مِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ

وَ يَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ‏ اذُنٌ عَلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ‏ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ‏ الآية وَ لَوْ شِئْتَ أنْ أُسمِيَّ بِأَسْمائِهِمْ لَسَمَّيْتُ وَ أنْ أُومِيَ إلَيْهِمْ بِأَعْيَانِهِمْ لأَوْمَأتُ وَ أنْ أدُلَّ عَلَيْهِمْ لَدَلَلَتُ وَ لكِنّي وَ اللَّهِ فيِ أُمُورِهِمْ قَدْ تَكَرَّمْتُ وَ كُلُّ ذلِكَ لَا يَرضى‏ اللَّهُ مِنّي إلّا أنْ أُبَلِّغَ مَا أنْزلَ إلىَّ ثُمَّ تَلَا يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ‏ فيِ عَلي‏ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ‏

فاعْلَمُوا مَعَاشِرَ النَّاسِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ نَصَبَهُ لَكُمْ وَلِيّاً وَ إمَاماً مُفْتَرَضاً طَاعَتُهُ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ وَ اْلأنْصَارِ وَ عَلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإحْسَانٍ وَ عَلَى البَادِي وَ الحَاضِرِ وَ عَلَى الأَعْجَمِيّ وَ الْعَرَبِيّ و الْحُرِّ وَ المَمْلُوكِ و الصَّغِيرِ وَ الكَبِيرِ وَ عَلَى اْلأَبْيَضِ وَ اْلأَسْوَدِ وَ عَلَى‏ كلِّ مُوَحِّدٍ مَاضٍ حُكْمُهُ جَايِزٌ قَوْلُهُ نَافِذٌ أَمْرُهُ مَلْعُونٌ مَنْ خَالَفَهُ مَرْحُومٌ مَنْ تَبِعَهُ وَ مَنْ صَدَّقَهُ فَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَ لِمَنْ سَمِعَ مِنْهُ وَ أطَاعَ لَهُ مَعَاشِرَ النَّاسِ إنَّهُ آخِرُ مَقامٍ أقُومُهُ فيِ هذا الْمَشْهَدِ فَاسْمَعُوا وَ أطِيعُوا وَ انْقادُوا لِأَمْرِ رَبِّكُمْ فَإنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ هُوَ رَبُّكُمْ وَ وَلِيُّكُمْ وَ إلهكُمْ ثُمَّ مِنْ دُونِهِ رَسُولُهُ مُحَمَّدٌ صَلَيّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَم وَلِيُّكُمْ الْقَآئِمُ الْمُخَاطِبُ لَكُمْ ثُمَّ مِنْ بَعْدي عَليُّ صَلَواتُ اللَّهِ وَ سَلَامُهُ عَلَيْهِ‏
______________________________
(1). الدّغل محرّكة دخل في الأمر مفسد و الشجرُ الكبير الملتفّ و اشتباك النّبت و كثرته و الموضع يخاف فيه الاغتيال ج أدغال و دِغال و مكان دغِل ككتِف.
(2). يقال ختله يختله إذا خدعه و راوغه و المخاتلة المخادعة.

تفسير الصافى، ج‏2، ص 59

وَلِيُّكُمْ وَ إمَامُكُمْ بِأَمْرِ اللَّهِ رَبِّكُمْ ثُمَّ اْلإِمَامَةُ فيِ ذُرِّيَتِي مِنْ وُلْدِهِ إلَى‏ يَوْمِ الْقِيَامَةِ يَوْمَ يَلْقَوْنَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ لَا حَلَالَ إلَا مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ وَ لَا حَرَامَ إلَّا مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَرَّفَنِي الحَلَالَ و الحَرَامَ وَ أنَا أفْضَيْتُ‏ «1» بِمَا عَلَّمَنِيِ رَبّي مِنْ كِتَابِهِ وَ حَلَالِهِ وَ حَرَامِهِ إلَيْهِ

مَعَاشِرَ النَّاسِ مَا مِنْ عِلْمٍ إلَّا وَ قَدْ أحْصَاهُ اللَّهُ فيِ كُلّ عِلْمٍ عَلِمْتُهُ فَقَدْ أحْصَيْتُهُ فيِ عَليِّ إمَامِ الْمُتَّقِينَ وَ مَا مِنْ عِلْمٍ إلَّا وَ قَدْ عَلَّمْتُهُ عَلِيَّاً وَ هُوَ الإمَامُ الْمُبِينَ مَعَاشِرَ النَّاسِ لَا تَضِلُّوا عَنْهُ وَ لَا تَنْفِرُوا مِنْهُ وَ لَا تَسْتنْكفُوا مِنْ وِلَايَتِهِ

فَهُوَ الَّذِي يَهْدِي إلىَ الْحَقِّ وَ يَعْمَلُ بِهِ وَ يزْهَقُ الْبَاطِلَ وَ يَنْهَى‏ عَنْهُ وَ لَا تَأَخُذُهُ في اللَّهِ لَوْمَةُ لآئِمٍ ثُمَّ إِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ الَّذِي فَدَى‏ رَسُولَ اللَّهِ صَلَىّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمْ بِنَفْسِهِ وَ الَّذِي كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَىّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمْ وَ لَا أحَدَ يَعْبُدُ اللَّهَ مَعَ رَسُولِهِ مِنَ الرِّجَالِ غَيْرُهُ

مَعَاشِرَ النَّاسِ فَضِّلُوهُ فَقَدْ فَضَّلَهُ اللَّهُ وَ اقْبَلُوهُ فَقَدْ نَصَبَهُ اللَّه مَعَاشِرَ النَّاسِ إِنَّهُ إمَامٌ مِنَ اللَّهِ وَ لَنْ يَتُوبَ اللَّهُ عَلَى‏ أَحَدٍ أنْكَرَ وَلايَتَهُ وَ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُ حَتْماً علَى اللَّهِ أَنْ يَفْعَلَ ذلِكَ ممَّنْ خَالَفَ أمْرَهُ فِيهِ وَ أنْ يُعَذِّبَهُ عَذَاباً نُكْراً أبَدَ الآبَادِ وَ دَهْرَ الدُّهُورِ فَاحْذَرُوا أنْ تُخَالِفُوهُ فَتُصْلَوْا ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ

‏ أَيُّهَا النَّاسِ بِي وَ اللَّهِ بُشِّرَ الأَوَّلُونَ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الْمُرْسَلِينَ وَ أنَا خَاتِمُ الأنْبياء وَ الْمُرْسَلِينَ وَ الْحُجّةُ عَلَى‏ جَمِيعِ الْمَخْلُوقِينَ مِنْ أَهْلِ السَّمَواتِ وَ اْلأَرضِينَ فَمَنْ شَكَّ فيِ ذلِكَ فَهُوَ كَافِر كُفْرَ الْجَاهِلِيَّةَ اْلأُولى وَ مَنْ شَكَّ فيِ شَيْ‏ءٍ مِنْ قَوْليِ هذَا فَقَدْ شَكَّ فيِ الْكُلِّ مِنْهُ وَ الشَّاكُّ فيِ الْكُلِّ فَلَهُ النَّارُ

مَعَاشرَ النَّاس حَبانِيَ‏ «2» اللَّهُ بِهذِهِ الْفَضِيلَةِ مَنّاً مِنْهُ عَلَيَّ وَ إحْسَاناً مِنْهُ إلَيَّ وَ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ مِنّي أبَدَ اْلآبِدِينَ وَ دَهْرَ الدَّاهِرِينَ عَلَى‏ كُلِّ حَالٍ، مَعَاشرَ النَّاس فَضِّلُوا عَلِيّاً فَإنَّهُ أَفْضَلُ النَّاسِ بَعْدِي مِنْ ذَكَر وَ أُنْثَى‏ بِنَا أَنْزَلَ اللَّهُ الرِّزْقَ وَ بَقِي الْخَلْقُ مَلْعُونٌ مَلْعُونٌ مَغْضُوبٌ مَغْضُوبٌ مَنْ رَدَّ قَوْليِ هذَا وَ إنْ لَمْ يُوَافِقْهُ إلَّا إنَّ جَبْرِئِيلَ خَبَّرَنِي عَنْ اللَّهِ تَعَالَى‏ بِذلِكَ وَ يَقُولُ مَنْ عَادَى عَلِيّاً وَ لَمْ يَتَوَلَّهُ فَعَلَيْهِ لَعْنَتي وَ غَضَبِي‏ وَ لْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَ اتَّقُوا اللَّهَ أَنْ تُخَالِفُوهُ فَتَزِلَّ قَدَمٌ‏
______________________________
(1). يقال أفضيت بكذا إلى فلان أي أوصلته إليه و مسته به.
(2). يقال حبوت الرّجل حباءً بالكسر و المدّ أعطيته الشي‏ء بغير عوض و الاسم منه الحبوة بالضمّ و منه بيع المحاباة.

تفسير الصافى، ج‏2، ص 60

بَعْدَ ثُبُوتِهَا إنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ مَعَاشرَ النَّاسِ إِنَّهُ جَنْبُ اللَّهِ نَزَلَ فيِ كِتَابِهِ‏ يا حَسْرَتى‏ عَلى‏ ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ‏

مَعَاشرَ النَّاسِ تَدَبَّرُوا الْقُرْانَ وَ افْهَمُوا آيَاتِهِ وَ انْظرُوا إلَى‏ مُحْكَمَاتِهِ وَ لَا تَتَّبِعُوا مُتَشابِهَهُ فَوَ اللَّهِ لَنْ يُبَيِّنَ لَكُمْ زَوَاجِرَهُ وَ لَا يُوضِحُ لَكُمْ تَفْسِيرَهُ إلَّا الَّذِي أَنَا آخِذٌ بِيَدِهِ وَ مُصْعَدُهُ إلَيَّ وَ شَائِلٌ‏ «1» بِعَضُدِهِ وَ مُعَلِّمُكُمْ أَنَّ مَنْ كُنْتَ مَوْلَاهُ فَهذَا عَلَيٌّ مَوْلَاهُ وَ هُوَ عَليُّ بْنُ أَبِي طَالِبِ عَلَيْهِ السَّلَامْ أَخِي وَ وَصيي وَ مُوَالاتُهُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْزَلَهَا عَلَيَّ

مَعَاشِرَ النَّاسِ إنَّ عَلِيّاً وَ الطَّيِّبِينَ مِنْ وُلْدِي صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ هُوَ الثِّقْلُ اْلأَصْغَرُ وَ الْقُرْآنُ هُوَ الثِّقْلُ اْلأَكْبَرُ فَكُلُّ وَاحِدٍ مُنْبئٌ عَنْ صَاحِبِهِ وَ مُوَافِقٌ لَهُ لَنْ يَفْتَرِقَا حَتّى‏ يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ أُمَنآءُ اللَّهِ فيِ خَلْقِهِ وَ حُكَّامُهُ فيِ أَرْضِهِ أَلَّا وَ قَدْ بَلَّغْتُ ألَا وَ قَدْ أَدَّيْتُ ألَا وَ قَدْ أَسْمَعْتُ ألَّا وَ قَدْ أوْضَحْتُ ألَا وَ إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ قَالَ وَ أنَا قُلْتُ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ألَا إنَّهُ لَيْسَ أمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَ سَلَامُهُ عَلَيْهِ غَيْرَ أخي هذَا وَ لَا تَحِلُّ إمْرَةُ الْمُؤْمِنِينَ لأَحَدٍ غَيْرِهِ ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ إلَى‏ عَضُدِهِ فَرَفَعَهُ وَ كَانَ مُنْذُ أوَّلِ مَا صَعَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَىْ اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمْ شَالَ عَلِيّاً حَتّى‏ صَارَتْ رِجْلُهُ مَعَ رُكْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى‏ اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمْ ثُمَّ قَالَ

مَعَاشرَ النَّاسِ هذَا عَليٌّ أخي وَ وَصِيّي وَ وَاعي عِلْمي وَ خَلِيفَتي عَلَى‏ أُمَّتِي وَ عَلى‏ تَفْسِيِر كتَابِ اللَّهِ وَ الدَّاعِي إِلَيْهِ وَ الْعَامِلُ بِمَا يَرْضَاهُ وَ الْمُحَارِبُ لأَعْدَائِهِ وَ الْمُوَاليِ عَلى طَاعَتِهِ وَ النَّاهِي عَنْ مَعْصِيَتِهِ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلْيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلّمْ وَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَ الإِمَامُ الهَادِي وَ قَاتِلُ النَّاكِثِينَ وَ الْقَاسِطِينَ وَ الْمارِقِينَ بِأَمْرِ اللَّهِ أَقُولُ مَا يُبَدَّلُ القَوْلُ لدَيَّ بِأَمْرِ اللَّهِ رَبِّي أَقُولُ اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ وَ الْعَنْ مَنْ أنْكَرَهُ وَ اغْضَب عَلَى‏ مَنْ جَحَدَ حَقَّهُ

اللَّهُمَّ إنَّكَ أَنْزَلْتَ عَلَيَّ أَنَّ اْلإِمَامَةَ لِعَليِّ وَلِيِّكَ عِنْدَ تِبْياني ذلِكَ وَ نَصبْي إيَّاهُ عَلَماً بِمَا أَكْمَلْتَ لِعِبَادِكَ مِنْ دِينِهِمْ وَ أَتْمَمْتَ عَلَيْهِمْ نِعْمَتَكَ وَ رَضِيتَ لَهُمُ اْلإِسْلَامَ دِيناً فَقُلْتَ‏ وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ‏ اللَّهُمَّ إنِّي أُشْهِدُكَ أنّي قَدْ بَلّغْتُ مَعَاشِرَ النَّاسِ إنَّمَا اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ أكْمَلَ دِينَكُمْ بِإمَامَتِهِ فَمَنْ لَمْ يَأتَمَّ بِهِ وَ بِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ وُلْدِي مِنْ صُلْبِهِ إلى يَوْمِ‏
______________________________
(1). شلت بالجرّة أشول بها شولًا رفعتها و لا تقل شِلتُ و يقال أيضاً اشلت الجرّة فانشالت هي.

تفسير الصافى، ج‏2، ص 61

القِيَامَةِ وَ الْعَرْضِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ‏ أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ‏ وَ فِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ‏ لَا يُخَفِّفُ اللَّهُ عَنْهُمُ الْعَذَابَ وَ لَا هُمْ يُنْظَرُونَ.

مَعَاشِرَ النَّاسِ هذَا عَليٌّ أَنْصَرَكُمْ لِي وَ أَحَقُّكُمْ بِي وَ أَقْرَبُكُمْ إليَّ وَ أَعَزُّكُمْ عَلَيَّ و اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَ أنَا عَنْهُ رَاضِيانِ وَ مَا نَزَلَتْ آيةُ رِضَىً إلَّا فِيهِ وَ مَا خَاطَبَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا إلَّا بَدَأَ بِهِ وَ لَا نَزَلَتْ آيَةُ مَدْحٍ فيِ الْقُرْآنِ إلَّا فِيهِ وَ لَا شَهِدَ اللَّهُ بِالْجَنَّةِ فيِ هَلْ أَتى عَلَى‏ اْلإِنْسَانِ إلَّا لَهُ وَ لَا أَنْزَلَهَا فيِ سِوَاهُ وَ لا مَدَحَ بِهَا غَيْرَهُ.
مَعَاشِرَ النَّاسِ هُوَ نَاصرُ دِينِ اللَّهِ وَ الْمُجَادِلُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَىّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ وَ هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ الْهادي المُهْدي نَبِيُّكُمْ خَيْرُ نَبِيِّ وَ وَصِيُّكُمْ خَيْرُ وَصِيِّ وَ بَنُوهُ خَيْرُ الأَوْصِياءِ.

مَعَاشِرَ النَّاسِ ذُرِّيّةُ كُلِّ نَبِيِّ مِنْ صُلْبِهِ وَ ذُرِّيَتِي مِنْ صُلْبِ عَليِّ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ مَعَاشِرَ النَّاسِ إنَّ إبْلِيسَ أَخْرَجَ آدمَ عَلَيْهِ السَّلامْ مِنَ الْجَنَّةِ بِالْحَسَدِ فَلَا تَحْسُدُوهُ فَتَحْبِطَ أَعْمَالَكُمْ وَ تَزِلَّ أَقْدَامُكُمْ فَإنَّ آدَمَ أُهْبِطَ إلَى اْلأَرْضِ بِخَطيئةٍ وَاحِدَةٍ وَ هُوَ صَفْوَةُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَكَيْفَ بِكُمْ وَ أَنْتُمْ أَنْتُمْ وَ مِنْكُمْ أَعْدَاءُ اللَّهِ ألَّا إنَّهُ لَا يُبْعِضُ عَلِيّاً إلَّا شَقِيٌّ وَ لَا يَتَوَلَّى‏ عَلِيّاً إلَّا تَقِيٌّ وَ لا يُؤْمِنُ بِهِ إلَّا مُؤْمِنٌ مُخْلِصٌ وَ فِي عَليِ وَ اللَّهِ أُنْزِلَ سُوَرَةُ الْعَصْرِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَ الْعَصْرِ إلَى‏ آخِرِهِ.

مَعَاشِرَ النَّاسِ قَدِ اسْتَشْهَدْتُ اللَّهَ وَ بَلَّغْتُكُمْ رِسَالَتِي‏ وَ ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ‏ مَعَاشِرَ النَّاسِ‏ اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَ لا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ‏ مَعَاشِرَ النَّاسِ‏ آمِنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ‏ وَ النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ‏ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى‏ أَدْبارِها مَعَاشِرَ النَّاسِ النُّوُرُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فيَّ ثُمَّ مَسْلُوكٌ فيِ عَليِّ ثُمَّ فِي النَّسْلِ مِنْهُ إلى القَائِمِ الْمَهْدِيّ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَ سَلَامُهُ عَلَيْهِ الَّذِي يَأْخُذُ بِحَقِّ اللَّهِ وَ بِكُلِّ حَقّ هُوَ لَنَا لأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ قَدْ جَعَلَنَا حُجَّةً عَلَى‏ الْمُقُصِرِّينَ وَ الْمُعَانِدِينَ وَ الْمُخَالِفِينَ وَ الْخَائِنِينَ وَ اْلآثِمينَ وَ الظَّالِمِينَ مِنْ جَمِيعِ الْعَالَمِينَ.

مَعَاشِرَ النَّاسِ إنّي أُنْذِرُكُمْ أَنّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْليِ الرُّسُلُ أَفَإنْ مِتُّ أَوْ قُتِلْتُ‏ انْقَلَبْتُمْ عَلى‏ أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى‏ عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً

تفسير الصافى، ج‏2، ص 62

وَ سَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ‏ ألا و إنَّ عَلِيّاً عَلَيْهِ السَّلامْ الْمَوْصُوفُ بِالصَّبْرِ وَ الشُّكْرِ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ وُلْدي مِنْ صُلْبِهِ مَعَاشِرَ النَّاسِ لَا تَمُنُّوا عَلىَ اللَّهِ تَعَالَى‏ إسْلَامَكُمْ فَيُسْخِطَ عَلَيْكُمْ وَ يُصيبَكُمْ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ إِنَّهُ لَبِالْمِرْصَادِ مَعَاشِرَ النَّاسِ سَيَكُونَ مِنْ بَعْدِي أَئِمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى‏ النَّارِ وَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصِرُونَ مَعَاشِرَ النَّاسِ إنَّ اللَّهَ وَ أَنَا بَرِيئانِ مِنْهُمْ.

مَعَاشرَ النَّاسِ إنَّهُمْ وَ أَشْيَاعَهُمُ وَ اتَبْاعَهُمْ وَ أنْصَارَهُمْ فيِ الدَّرْكِ اْلأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَ لَبِئْسَ مَثْوى الْمُتَكَبِّرينَ ألا إنَّهُمْ‏ «1» أَصْحَابُ الصَّحيفَةِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ فيِ صَحِيفَتِهِ قَالَ فَذَهَبَ عَلَى النَّاسِ الا شرذمة منهم أمر الصحيفة

مَعَاشرَ النَّاسِ انِّي أدَعُهَا أَمَانَةً وَ وِرَاثَةً فيِ عَقِبِي إلَى‏ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَ قَدْ بَلَّغْتُ مَا أُمِرْتُ بِتَبْلِيغِهِ حُجَّةً عَلَى‏ كُلِّ حَاضِرٍ وَ غَائِبٍ وَ عَلى‏ كُلِّ أَحَدٍ مِمَّنْ شَهِدَ أَو لَمْ يَشْهَدْ وُلِد أَو لَمْ يُولَدْ فَلْيُبلِغُ الْحَاضرُ الْغَائِبَ وَ الْوَالِدُ الْوَلَدَ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَ سَيَجْعَلُونَهَا مِلْكاً اغْتِصَاباً أَلا لَعنَ اللَّهُ الْغَاصِبِينَ وَ الْمُغْتَصِبِينَ وَ عِنْدَهَا سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ‏ يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَ نُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ‏

مَعَاشِرَ النَّاسِ إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَمْ يَكُنْ يَذَرُكُمْ عَلَى‏ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتّى‏ يَميزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَ مَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ مَعَاشِرَ النَّاسِ إنَّهُ مَا مِنْ قَرْيَةٍ إلَّا وَ اللَّهُ مُهْلِكُهَا بِتَكْذِيبِهَا وَ كَذلِكَ يُهْلِكُ الْقُرَى‏ وَ هِيَ ظَالِمَةٌ كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى‏ وَ هُوَ إمَامِكُمْ وَ وَلِيُّكُمْ وَ هُوَ مَواعِيدُ اللَّهِ وَ اللَّهُ يَصْدُقُ مَا وَعَدَهُ مَعَاشِرَ
______________________________
(1).
قوله صلّى اللَّه عليه و آله: الا انّهم أصحاب الصّحيفة.
أي أئمّة النار الغاصبين لحقّ عليّ (ع) فلينظر أحدكم ...
أي فلينظر بعض منكم في صحيفته التي صنعها و حفظها عنده فيعرف نفسه انه من أئمة النار و أصحابها و يعرف شركاءه في هذا الأمر انهم بأسرهم من رؤساء أهل النار و قضية الصحيفة معروفة مشهورة لا يناسب المقام التعرض لتفصيلها لطولها و اجمالها انّ سبعين رجلًا من رؤوس المعاندين و أصول الكفر و النفاق منهم الأول و الثاني لما عرفوا هذا الأمر من رسول اللَّه (ص) و رغبته في عليّ (ع) قالوا في أنفسهم و بعضهم انّا انّما آمنّا بمحمّد (ص) ظاهراً لجلب الرّياسة و نظم أمر دنيانا و الآن قد تردّ الأمر على ابن عمّه و قطع رجاءنا فما الحيلة و لا يسعنا طاعة عليّ (ع) فتوطئوا أو تحالفوا على دفع هذا الأمر و علاجه و لو تقبل رسول اللَّه (ص) حتى إذا دفعوا السّم اليهما فدسّتا في اللبن و استقاه و اجتمعوا في السقيفة و أوحى إليهم الشّيطان و افسدُوا ما أفسدوا قال يعني الإمام محمّد بن علي الباقر فذهب على الناس إلّا شرذمة منهم آه يعني ضاع و اختفى عليهم أمر الصحيفة فلم يدروا ما في الصحيفة و لم يعرفوا أربابها فاغترّوا بهم بعد وفاة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و اما الشرذمة فهؤلاء المتحالفون و بعض خواصّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله الذين أعلمهم النبيّ بفعل هؤلاء و ما عقدوا عليه و ما يريدون و سيركبونه في تخريب الدّين و افساد أمور المسلمين.

تفسير الصافى، ج‏2، ص 63

النَّاسِ قدْ ضَلَّ قَبْلَكُمْ أكْثَرُ الْأَوَّلِينَ وَ اللَّهُ أَهْلَكَ اْلأَوَّلِينَ وَ هُوَ مُهْلِكُ اْلآخَرِينَ.

مَعَاشرَ النَّاسِ إنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَرَنِي وَ نَهَاني وَ قَدْ أَمَرْتُ عَلِيّاً وَ نَهَيْتُهُ فَعَلِمَ اْلأَمْرَ وَ النَّهْيَ مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَاسْمَعُوا لأَمِرِهِ تَسْلَمُوا وَ أطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَ انْتَهُوا لِنَهْيِهِ تَرْشَدْوا وَ صِيرُوا إلَى‏ مُرَادِهِ وَ لَا تَتَفَرَّقَ بِكُمُ السُّبُلُ عَنْ سَبِيلِهِ أَنَا صِرَاطُ اللَّهِ الْمُسْتَقِيمُ الَّذِي أمَرَكُمْ بِاتِّبَاعِهِ ثُمَّ عَلِيٌّ مِنْ بَعْدِي ثُمَّ وُلْدِي مِنْ صُلْبِهِ‏ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ يَعْدِلُونَ‏ ثُمَّ قَرَأَ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ إلَى‏ آخِرِهَا وَ قَالَ فيِ نَزَلَتْ وَ فِيهِمْ نَزَلَتْ وَ لَهُمْ عَمَّتْ وَ إيَّاهُمْ خَصَّتْ أُولَئِكَ أَوْلِيَآءُ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لَا هُمْ يَحْزَنُونَ ألَا إنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ألَا إنَّ أَعْدَاءَ عَليِ هُمْ أَهْلُ الشِّقَاقِ وَ هُمُ الْعَادُونَ وَ اخِوْانُ الشَّيَاطِينِ الَّذِينَ يُوحِي بَعْضُهُمْ إلَى‏ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُروُراً ألَا إنَّ أَوْلِيَآءَهُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ فيِ كِتَابِهِ

فَقَالَ تَعَالَى‏ لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ‏ إلَى‏ آخِرِ الآيَةِ ألَا إنَّ أَوْلِيَآءَهُمُ الَّذِينَ وَصَفَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فَقَالَ‏ الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَ هُمْ مُهْتَدُونَ‏ ألَا إنَّ أَوْلِيَآءَهُمُ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ آمِنِينَ وَ تَتَلَقَّهُمُ الْمَلآئِكَةُ بِالتَّسْلِيمِ انْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ

ألَا إنَّ أَوْلِيَآءَهُمُ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَ‏ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ‏ ألَا إنَّ أَعْدَائَهُمُ الَّذِينَ يَصْلَوْنَ سَعِيراً ألَا إنَّ أَعْدَائَهُمُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ لِجَهَنَّمَ شَهِيقاً وَ هِيَ تَفُورُ وَ لَهَا زَفِيرٌ كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها الآَيَةَ ألَا إنَّ أَعْدَاءَهُمُ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَ‏ كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَ لَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ الآيَة ألَا إنَّ أَوْلِيَآءَهُمُ‏ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ أَجْرٌ كَبِيرٌ مَعَاشِرَ النَّاسِ شَتَّانَ مَا بَيْنَ السَّعِيرِ وَ الْجَنَّةِ عَدُوُّنَا مَنْ ذَمَّهُ اللَّهُ وَ لَعَنَهُ و وَلِيُّنا مَن أَحَبَّهُ اللَّهِ وَ مَدَحَهُ

مَعَاشِرَ النَّاسِ ألَا وَ إنِّي مُنْذِرٌ عَلِيٌّ هَادٍ مَعَاشرَ النَّاسِ إنِّي نَبِيٌّ وَ عَلِيٌّ وَصِيّي ألَا وَ إنَّ خَاتَمَ اْلأَئِمَّةِ مِنّا الْقَآئِمُ الْمَهْدِيُّ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَ سَلَامُهُ عَلَيْهِ ألَا إنَّهُ الظَّاهِرُ عَلَى الدِّينِ ألَا إِنَّهُ الْمُنْتَقِمُ مِنَ الظَّالمِينَ ألَا إنَّهُ فَاتِحُ الْحُصُونِ وَ هَادِمُهَا ألَا إنَّهُ قَاتِلُ كُلِّ قَبِيلَةٍ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ ألَا إنَّهُ مُدْرِكُ كُلِّ ثَارٍ لأَوْلِيَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ألَا إنَّهُ نَاصِرُ دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ألَا إنَّهُ‏

تفسير الصافى، ج‏2، ص 64

الْغَرَّافُ‏ «1» مِنْ بَحْرٍ عَمِيقٍ ألَا إنَّهُ يَسِمُ‏ «2» كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَ كُلَّ ذِي جَهْلٍ بِجَهْلِهِ ألَا إنَّهُ خِيرَةُ اللَّهِ و مَخُتَارُهُ ألَا إنَّهُ وَارِثُ كُلِّ عِلْمٍ وَ الْمُحِيطُ بِهِ ألَا إنَّهُ الْمُخْبِرُ عَنْ رَبِّهِ عزّ وَ جَلَّ الْمُنَبِّهُ بِأَمْرِ إيمَانِهِ ألَا إنَّهُ الرَّشِيدُ السَّدِيدُ ألَا إنَّهُ الْمُفَوَّضُ إلَيْهِ ألَا إنَّهَ قَدْ بُشِّرَ بِهِ مَنْ سَلَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ ألَا إنَّهُ الْبَاقِيَ حُجَّةً وَ لَا حُجَّةَ بَعْدَهُ وَ لَا حَقَّ إلَّا مَعَهُ وَ لَا نُورَ إلَّا عِنْدَهُ ألَا إنَّهُ لَا غَالِبَ لَهُ وَ لَا مَنْصُورَ عَلَيْهِ ألَا إنَّهُ وَليُّ اللَّهِ فيِ أرْضِهِ وَ حَكَمُهُ فِي خَلْقِهِ وَ أَمِينُهُ فيِ سِرِّهِ وَ عَلَانِيَتِهِ

مَعَاشرَ النَّاسِ قَدْ بَيَّنْتُ لَكُمْ وَ أفْهَمْتُكُمْ وَ هذَا عَلِىّ يُفْهِمُكُمْ بَعْدِي ألَا وَ إنَّ عِنْدَ انْقِضَاءِ خُطْبَتي أَدْعُوكُمْ إلَى مُصافَقَتِي عَلَى‏ بَيْعَتِهِ وَ اْلإِقْرَار بِهِ ثُمَّ مُصَافَقَتِهِ مِنْ بَعْدِي ألَا وَ إنِّي قَدْ بَايَعْتُ اللَّهَ وَ عَلِيٌّ قَدْ بَايَعَنِي وَ أنَا آخِذُكُم بِالْبِيْعَةِ لَهُ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ‏ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى‏ نَفْسِهِ‏ الآية مَعَاشِرَ النَّاس إنَّ الْحَجَّ وَ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ وَ الْعُمْرَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ الآيَة.

مَعَاشِرَ النَّاسِ حِجُّوا الْبَيْتَ فَمَا وَ رَدَهُ أَهْلُ بَيْتٍ إلَّا اسْتَغْنَوْا وَ لَا تَخلَّفُوا عَنْهُ إلّا افْتَقَرُوا مَعَاشرَ النَّاسِ مَا وَقَفَ بِالْمُوْقِفِ مُؤْمِنٌ إلَّا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا سَلَفَ مِنْ ذَنْبِهِ إلَى‏ وَقْتِهِ ذلِكَ فَإذَا انْقَضَتْ حَجَّتُهُ اسْتُأنِفَ عَمَلُهُ مَعَاشرَ النَّاسِ الحُجّاج مُعَانُون وَ نَفَقَاتُهُمْ مُخَلَّفَةٌ وَ اللَّهُ لَا يُضَيِّعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ.

مَعَاشِرَ النَّاسِ حِجُّوا الْبَيْتَ بِكَمَالِ الدِّينِ وَ التَّفَقُّهِ وَ لَا تَنْصَرِفُوا عَنِ الْمَشَاهِدِ إلَّا بِتَوْبَةٍ وَ اقْلَاعٍ مَعَاشرَ النَّاسِ أَقِيمُوا الصَّلَوةَ وَ آتُوا الزَّكْوَةَ كَمَا أَمَرَكُمْ اللَّهُ تَعَالَى‏ لَئِن طَالَ عَلَيْكُمُ اْلأَمَدُ فَقَصُرْتُمْ أَوْ نَسِيتُمْ فَعَلِيٌّ وَلِيٌّكُمْ وَ مُبَيِّنُ لَكُمْ الَّذِي نَصَبَهُ اللَّهُ عَزّ وَ جَلَّ بَعْدِي وَ مَنْ خَلَفَهُ اللَّهُ مِنِّي وَ مِنْهُ يُخْبِرُكُمْ بِمَا تَسْألُونَ عَنْهُ وَ يُبَيِّنُ لَكُمْ مَا لا تَعْلَمُونَ ألَا إنَّ الْحَلَالَ وَ الْحَرَامَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ أُحْصِيهُمَا وَ أُعَرِّفَهُمَا فَآمُر بالْحَلَال وَ أنْهَى عَنْ الْحَرَام في مَقَامٍ‏ «3» وَاحِدٍ فَأمَرْتُ أَنْ آخُذَ الْبَيْعَةَ عَلَيْكُمْ وَ الصَّفْقَةَ لَكُمْ بِقُبُولِ مَا
______________________________
(1). الغراف كشداد نهر بين واسط و البصرة عليه كورة كبيرة و فرس البرّاء بن قيس و من الأنهر الكثير الماء قاله الفيروزآبادي و المراد به هنا المعنى الأخير أي هو النهر العظيم المنشق من عميق بحر الولاية.
(2). قوله تعالى‏ سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ‏ أي سنجعل له سمة أهل النَّار و هي أن سودَّ وجهه و قوله أنّه يسم ... يمكن ان يكون من هذا القبيل بأن يجعل سمة الفضل و الجهل على أربابهما و وسِمه وسماً وسِمَة إذا اثر فيه بسمة و كي و وسمت في الشي‏ء وسماً من باب وعد علميّة و من هذين أيضاً يناسب اخذه.
(3). قوله في مقام واحد أي في مرتبةٍ واحدة.

تفسير الصافى، ج‏2، ص 65

جِئْتُ بِهِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى‏ في عَليّ أمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَ اْلأَئِمَّةَ مِنْ بَعْدِهِ صَلَواتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ الَّذِينَ هُمْ مِنِّي وَ مِنْهُ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ وَ مِنْهُمُ الْمَهْدِيّ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ إلَى‏ يَوْمِ الْقِيَامَةِ الَّذِي يَقْضِي بالْحَقِّ مَعَاشرَ النَّاسِ وَ كُلُّ حَلَالٍ دَلَلْتُكُمْ عَلَيْهِ وَ كُلُّ حَرَامٍ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَإِنِّي لَمْ أَرْجعْ عَنْ ذلِكَ وَ لَمْ أُبدّل ألا فاذْكُرُوا ذلِكَ‏ «1» وَ احْفَظُوهُ وَ تَواصَوْا به وَ لا تُبَدِّلُوهُ وَ لَا تُغَيِّرُوهُ ألَا و إِنّي أُجَدِّدُ الْقَوْلَ ألَا فَأقِيمُوا الصَلوةَ وَ آتوا الزَّكوة و أمُرُوا بالْمَعْرُوفِ وَ انْهَوْا عَن الْمُنْكَر

ألَا و إِنَّ رأسَ الأَمْر بالْمَعْرُوفِ أن تَنْتَهُوا إلَى‏ قَوْليِ وَ تْبَلِّغُوهُ مَنْ لَمْ يَحْضُرْهُ وَ تَأمُرُوهُ بِقَبُولِهِ وَ تَنْهَوْهُ عَنْ مُخَالَفَتِهِ فَإنَّهُ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ مِنِّي وَ لَا أَمْرَ بِمَعْرُوفٍ وَ لَا نَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ إلَّا مَعَ إمَامٍ مَعْصُومٍ

مَعَاشرَ النَّاسِ الْقُرْآنُ يُعَرِّفُكُمْ أَنَّ اْلأَئِمَّةَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ مِنْ بَعْدِهِ وُلْدُهُ وَ عَرَّفْتُكُمْ أَنَّهُمْ مِنِّي وَ مِنْهُ حَيْثُ يَقُولُ اللَّهُ‏ وَ جَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ‏ وَ قُلْتُ لَنْ تَضِلُّوا مَا إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا مَعَاشرَ النَّاسِ التَّقْوَى‏ التَّقْوَى‏ احْذَرُوا السَّاعَةَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْ‏ءٌ عَظِيمٌ‏ أُذْكُرُوا الْمَمَاتَ وَ الْحِسَابَ وَ الْمَوازِينَ وَ الْمُحَاسَبَةَ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَ الثّوابَ وَ الْعِقَابَ فَمَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ أُثِيبَ وَ مَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَيْسَ لَهُ فيِ الْجِنَانِ نَصِيبٌ.

مَعَاشرَ النَّاسِ إنَّكُمْ أكْثَرُ مِنْ أن تُصافِقُوني بِكَفٍ وَاحِدَةٍ وَ أَمَرَني اللَّهُ أَنْ آخُذَ مِنْ الْسِنَتِكُمْ اْلإقْرَارَ بِمَا عَقَدْتُ لِعَليّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ إمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ وَ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُ مِنَ اْلأَئِمَّةِ مِنِّي وَ مِنْهُ عَلَى‏ مَا أَعْلَمْتُكُمْ أَنَّ ذُرِّيَتي مِنْ صُلْبِهِ فَقُولُوا بِأَجْمَعِكُمْ

إنَّا سَامِعُونَ مُطِيعُونَ رَاضُونَ مُنْقَادُونَ لِمَا بَلَّغْتَ عَنْ رَبِّنَا وَ رَبِّكَ فيِ أَمْرِ عَلِيّ وَ أَمْرِ وُلْدِهِ مِنْ صُلْبِهِ مِنَ اْلأَئِمَّةِ نُبَايِعُكَ عَلَى‏ ذلِكَ بِقُلُوبِنَا وَ أَنْفُسِنَا وَ أَلْسِنَتِنَا وَ أَيْدِيَنَا عَلَى‏ ذلِكَ نَحْيى وَ نَمُوتُ وَ نُبْعَثُ وَ لَا نُغَيِّرُ وَ لَا نُبَدِّلُ وَ لَا نَشُكُّ وَ لَا نَرْتَابُ وَ لَا نَرْجِعُ عَنْ عَهْدٍ وَ لَا نَنْقُضُ الْمِيثَاقَ وَ نُطِيعُ اللَّهَ وَ نُطِيعُكَ وَ عَلِيّاً أمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَ وُلْدَهُ اْلأَئِمَّةَ عَلَيْهُمُ السَّلَامُ الَّذِينَ ذَكَرْتَهُمْ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ مِنْ صُلْبِهِ بَعْدَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ الَّذِينَ قَدْ عَرَّفْتُكُمْ مَكَانَهُمَا مِنِّي وَ مَحَلَّهُمَا عِنْدِي وَ مَنْزِلَتَهُمَا مِنْ رَبِّي فَقَدْ أَدَّيْتُ ذلِكَ‏
______________________________
(1). أي يوصي بعضكم إلى بعض.

تفسير الصافى، ج‏2، ص 66

إلَيْكُمْ وَ إنهمَا سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَ إنَّهُمَا الامَامَانُ بَعْدَ أبِيهمَا عَليّ وَ أنَا أبُوهما قَبْلَهُ وَ قُولُوا أطَعْنَا اللَّهَ بِذلِكَ وَ إيَّاكَ وَ عَلِيّاً وَ الْحَسَنَ وَ الْحُسَيْنَ وَ اْلأَئِمَّةَ صَلَوَاتُ اللَّه عَلَيْهِمْ الَّذِينَ ذَكَرْتَ عَهْداً وَ مِيثَاقاً مَأخُوذاً لأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامَ مِنْ قُلُوبنا وَ أَنْفُسِنَا وَ ألْسِنَتِنَا وَ مُصافَقَةِ أيْدِينَا مَنْ أَدْرَكَهُمَا بِيَدِهِ وَ أقَرَّ بِهِمَا بِلِسَانِهِ لَا نَبْتَغِي بذلِك بَدَلًا وَ لَا نَرَى‏ مِنْ أَنْفُسِنَا عَنْهُ حِوَلًا أَبَداً أشْهَدْنَا اللَّهَ وَ كَفى باللَّهِ شَهِيداً وَ أنْتَ بِهِ عَلَينا شَهِيدٌ وَ كُلُّ مَنْ أَطَاعَ مِمَّنْ ظَهَرَوا و اسْتَتَرَ وَ مَلَائِكَةِ اللَّهِ وَ جُنُودِهِ وَ عَبِيدِهِ وَ اللَّهُ أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَهِيد.

مَعَاشرَ النَّاسِ مَا تَقُولُونَ فَإنَّ اللَّه يَعْلَمُ كُلَّ صَوْتٍ وَ خَافِيَةَ كُلِّ نَفْسٍ فَمَن اهْتَدَى‏ فَلِنَفْسِهِ وَ مَنْ ضَلَّ فَإنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَ مَنْ بَايَعَ فَإنَّمَا يُبَايِعُ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْق أيْدِيهِمْ مَعَاشرَ النَّاسِ فَاتَّقُوا اللَّهَ و بَايِعُوا عَلِيّاً صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِين وَ الْحَسَنَ وَ الْحُسَيْنَ وَ اْلأَئِمَّةَ عَلَيْهِمْ السَّلَام كَلِمَةً بَاقِيَةً يُهْلِكُ اللَّهُ مَنْ غَدَرَ وَ يَرْحَمُ اللَّه مَنْ وَ وَفَى‏ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى‏ نَفْسِهِ‏ الآية.

مَعَاشرَ النَّاسِ قُولُوا الَّذِي قُلْتُ لَكُمْ وَ سَلِّمُوا عَلَى‏ عَلِيّ عَلَيْهِ الصَّلْوةُ و السَّلَام بِأمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ وَ قولُوا سَمِعْنا وَ أَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَ إِلَيْكَ الْمَصِيرُ وَ قُولُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَ ما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللَّهُ‏

مَعَاشرَ النَّاسِ إنَّ فَضَائِلَ عَلَيِّ بْنِ أبِي طَالِبٍ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ قَدْ أَنْزَلَهَا عَلِيّ فيِ الْقُرانِ أكْثَرَ مِنْ أنْ أُحْصِيهَا فيِ مَكَان وَاحِدٍ فَمَنْ أَنْبَاكُمْ بِهَا وَ عَرَّفَهَا فَصَدِّقُوهُ

مَعَاشرَ النَّاسِ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ عَلِيّاً وَ اْلأَئِمَّةَ الَّذِينَ ذَكَرَتُمْ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً مَعَاشرَ النَّاسِ السَّابِقُونَ إلَى‏ مُبَايَعَتِهِ وَ مُوَالاتِهِ وَ التَّسْلِيمِ عَلَيْهِ بِإمْرَةَ الْمُؤْمِنِينَ أُولئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ في جَنَّاتِ النَّعِيمِ مَعَاشرَ النَّاسِ قُولُوا مَا يَرْضَى‏ اللَّهُ بِهِ عَنْكُمْ مِنَ الْقَوْلِ فَإنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَ مَنْ فِي اْلأَرْضِ جَمِيعاً فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِنَاتِ وَ اغْضَبْ عَلَى‏ الْكَافِرِينَ وَ الْحَمْدُ للَّه رَبِّ الْعَالَمينَ.

فَناداهُ الْقَوْمُ نَعَمْ سَمِعْنَا وَ أطَعْنَا عَلَى‏ أَمْرِ اللَّهِ وَ أَمْرِ رَسُولِهِ بِقُلوُبِنَا وَ ألْسِنَتِنَا وَ أَيْدِينَا،

تفسير الصافى، ج‏2، ص 67

و تداكّوا «1» على رسولِ اللَّهِ صلّى اللَّهُ عليه و آله و سلم و على‏ عَليّ و صَافَقُوا «2» بأيديهم فكان أوّل من صافق رسول اللَّهِ الأوّل و الثاني و الثالث و الرابع و الخامس و باقي المهاجرين و الأنصار و باقي الناسِ عن آخرهم على طبقاتهم و قدر منازلهم الى أن صلّيت العشاء و العتمة في وقت واحد و واصلوا البيعة و المصافقة ثلاثاً و رسولُ اللَّهِ صلىّ اللَّه عليه و آله و سلم يقول كلّما بايع قوم الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى‏ جَمِيعِ الْعالَمينَ و صارت المصافقة سنّة و رسماً يستعملها من ليس له حقّ فيها.

و القمّيّ قال: نزلت هذه الآية في منصرف رسول اللَّه من حجّة الوداع و حجّ رسول اللَّه صلىّ اللَّه عليه و آله و سلم حجّة الوداع لتمام عشر حجج من مقدمه المدينة و كان من قوله في خطبته بمنى‏ أن أحمد للَّه و أثنى‏ عليه ثمّ قال:

أيّها النّاس اسمعوا قولي و اعقلوه عنّي فانّي لا أدري لعليّ لا ألقاكم بعد عامي هذا ثمّ قال هل تعلمون أيّ يوم أعظم حرمة.
قال النّاس هذا اليوم.
قال فأيّ شهر.
قال النّاس هذا الشهر.
قال: و أيّ بلد أعظم حرمة؟
قالوا بلدنا هذا.

قال: فإنّ دماءكم و أموالكم و أعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربّكم فيسألكم عن أعمالكم ألا هل بلّغت أيها الناس قالوا نعم.
قال اللَّهُمَ اشهد ثمّ قال أَلا كلّ مأثرة «3» أو بدع كانت في الجاهلية أو دم أو مال فهو
______________________________
(1). تداك عليه الناي أي اجتمعوا.
(2). يقال صفقت له بالبيعة صفقاً أي ضربت بيدي على يده و كانت العرب إذا وجب البيع ضربت أحدهما يده على يد صاحبه ثمّ انتقلت الصفقة في العقد فقيل بارك اللَّه لك في صفقة يدك.
(3). المأثرة بضم الثاء المكرمة لأنّها تؤثر و تتحدّث بها.

تفسير الصافى، ج‏2، ص 68

تحت‏ «1» قدميّ هاتين ليس أحدكم أكرم من أحد الّا بالتّقوى‏ ألا هل بلّغت؟ قالوا: نعم.
قال: اللَّهم اشهد ثمّ قال: ألا و كلّ رباً «2» كان في الجاهلية فهو موضوع و أوّل موضوع منه رباء العبّاس بن عبد المطّلب الا و كلّ دمٍ كان في الجاهلية فهو موضوع و أوّل موضوع منه دم ربيعة أَلا هل بلّغت؟

قالوا نعم قال اللَّهمّ اشهد ثمّ قال ألا و انّ الشّيطانَ قَدْ يئس أن يعبد بأرضكم هذه و لكنه راض بما تحتقرون من أعمالكم ألا و انّه إذا أطيع فقد عبد ألّا أيّها الناس انّ المسلم أخ المسلم حقّاً و لا يحلّ لامرئ مسلم دم امرئ مسلم و ماله الّا ما أعطاه بطيبة نفس منه و انّي أمرت أن أقاتل النّاس حتّى‏ يقولوا لَا إله إلا اللَّه فإذا

قالوها فقد عصمُوا منّي دماءهم و أموالهم الّا بحقّها و حسابهم على اللَّه ألا فهل بلّغت أيّها الناس قالوا نعم قال اللَّهم اشهد ثمّ قال أيّها الناس احفظوا قولي تنتفعُوا به بعدي و افقهوه تنتعشوا «3» الا لا ترجعوا بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض بالسّيف على الدنيا فان أنتم فعلتم ذلك و لتفعلنّ لتجدوني في كتيبة «4» بين جبرئيل و ميكائيل اضرب وجوهكم بالسّيف.

ثمّ التفت عن يمينه و سكت ساعة ثمّ قال إن شاء اللَّه أو عليّ بن أبي طالب ثمّ قال الا و انّي قد تركت فيكم أمرين إنْ أخذتم بهما لن تضلّوا كتاب اللَّه و عترتي أهل بيتي صلوات اللَّه عليهم فانّه قد نبّأني اللطيف الخبير أنّهما لن يفترقا حتّى‏ يردا عليّ الحوض أَلا فمن اعتصم بهما فقد نجا و من خالفهما فقد هلك ألا هل بلّغت قالوا نعم قال اللَّهم اشهد ثمّ قال ألا و انّه سيرد عليّ الحوض منكم رجال فيعرفون فيدفعون عني فأقول ربّ‏
______________________________
(1). قوله تحت قدمي أي مضمحلّ و مشفٍ و موهون كالشّي‏ء الّذي يقع تحت القدمين فانّه ليس شي‏ء أهون منه و نسبه الى نفسه لأنّه الّذي أزال حرمته.
(2). لما تعارف بينهم في الجاهلية أكل الربا و ممّن كان يكثر هذه المعاملة العبّاس عمّه أو كان ذمّة كثير منهم مشغولة بالمنافع الربويّة للعبّاس بمقتضى المعاملات الصّادرة منه معهم في الجاهلية و قد حرّمها اللَّه فحينئذٍ إذا سروا العبّاس و منْ عليه النّبي بالفداء شرط عليه بخصوصه و إن كان من لوازم الإسلام أيضاً ان لا يطالب بها و يقنع بالأصل و يترك الفرع فأشار (ص) في خطبته الى هذا الأمر و إلى أنّه لا خصوصية في هذا للعباس بل هو حكم عام للمسلمين.
(3). و في الدعاء أسألك نعمةً تنعشني بها و عيالي أي ترفعني بها عن مواطن الذلّ من قولهم نعشه اللَّه ينعشه نعشاً رفعه.
(4). الكتيبة على فعيلة الطّائفة من الجيش و الجمع الكتائب.

تفسير الصافى، ج‏2، ص 69

أصحابي فيقال يا محمّد إنّهم قد أحدثوا بعدك و غيّروا سنّتك فأقول سحقاً «1» سحقاً فلّما كان آخر يوم من أيّام التّشريق أنزل اللَّه تعالى‏ إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَ الْفَتْحُ‏ فقال رسول اللَّه صلىّ اللَّه عليه و آله و سلم نُعيتُ‏ «2» إلى نفسي ثمّ نادى‏ الصّلوة جامعة في مسجد الخيف

فاجتمع الناس فحمد اللَّه و أثنى‏ عليه ثمّ قال نضر اللَّه‏ «3» امرءً سمع مقالتي فوعاها و بلّغها لمن لم يسمعها فربّ حامل فقه غير فقيه و ربّ حامل فقه إلى‏ من هو افقه منه، ثلاث لا يغلّ عليهنّ قلب امرئ مسلم إخلاص العمل للَّه و النّصيحة «4» لأئمّة المسلمين و لزوم جماعتهم فان دعوته‏ «5» محيطة من ورائهم المؤمنون اخوة تكافي دماءهم يسعى‏ بذمتهم أدناهم و هم يد على‏ من سواهم أيّها النّاس إنّي تارك فيكم الثقلين. قالوا: يا رسول اللَّه و ما الثّقلان؟

فقال كتاب اللَّه و عترتي أهل بيتي فانّه قد نبّأني اللّطيف الخبير أنّهما لن يفترقا حتى‏ يردا عليَّ الحوض كاصبعيّ هاتين و جمع بين سبابتيه و لا أقول كهاتين و جمع بين سبابتيه و الوسطى‏ فتفضل هذه على‏ هذه فاجتمع قوم من أصحابه و قالوا يريد محمّد صلىّ اللَّه عليه و آله و سلم أن يجعل الإمامة في أهل بيته فخرج منهم أربعة نفر إلى مكّة و دخلوا الكعبة و تعاهدوا و تعاقدوا و كتبوا فيما بينهم كتاباً إنْ أمات اللَّه محمّداً صلىّ اللَّه عليه و آله و سلم أو قتله ان لا يردّ هذا الأمر في أهل بيته أبداً فأنزل اللَّهُ على‏ نبيّه في ذلك‏ أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ‏ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَ نَجْواهُمْ بَلى‏ وَ رُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ‏ فَخَرَج رسول اللَّه صلىّ اللَّه عليه و آله و سلم من مكّة يريد المدينة حتّى‏ نزل منزلًا يقال له‏
______________________________
(1). قوله تعالى‏ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ أي بعداً يقال سحق المكان فهو سحيق مثل بعد فهو بعيد لفظاً و معنىً.
(2). يقال نعيت الميت من باب نفع إذا اخبر بموته و هو منعيّ و نعى إليه نفسه أخبر بموته.
(3). نضر وجهه من باب قتل أي حسن و نضّر اللَّه وجهه يتعدى و لا يتعدى و يقال نضّر اللَّه وجهه بالتشديد و أنضر اللَّه وجهه بمعناه و في الخبر نضّر اللَّه امرأ سمع مقالتي ... أي حسنه بالسّرور و البهجة لما رزق بعلمه و معرفته من القدر و المنزلة بين النّاس و نعمة في الأخرى‏ حتّى يرى عليه رونق الرخاء و رفيق النعمة.
(4). أي ترك الغش و ركوب الصّفا و الصدق و إخلاص لطاعة.
(5). أي دعوة اللَّه و هي الموت محيطة من ورائهم أي محيطة بالناس بعد انقضاء اجالهم أي من كان عاقبة أمره الموت ينبغي أن لا يترك هذه الخصال الثلاث.

تفسير الصافى، ج‏2، ص 70

غدير خمّ و قد علّم الناس مناسكهم و أوعز «1» إليهم وصيّته إذ أنزل اللَّه عليه هذه الآية يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ‏ الآية فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلم فقال تهديد و وعيد فحمد اللَّه و أثنى‏ عليه ثمّ قال: أيها الناس هل تعلمون من وليّكم؟ قالوا: نعم اللَّه و رسوله.

قال ألستم تعلمون أنّي أولى‏ بكم منكم بأنفسكم؟ قالوا: بلى‏ قال: اللّهم اشهد فأعاد ذلك عليهم ثلاثاً كلّ ذلك يقول مثل قوله الأوّل و يقول النّاس كذلك و يقول اللّهم اشهد ثمّ أخذ بيد أمير المؤمنين صلوات اللَّه و سلامه عليه فرفعه حتّى‏ بدا للنّاس بياض إبطيه ثمّ قال ألا من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه اللّهمّ والِ من والاه و عاد من عاداه و انصر من نصره و اخذل من خذله و أحبّ من أحبّه ثمّ قال: اللّهمّ اشهد عليهم و أنا من الشاهدين فاستفهمه عمر بين أصحابه فقال: يا رسول اللَّه هذا من اللَّه أو من رسوله؟

فقال رسول اللَّه صلىّ اللَّه عليه و آله و سلم نعم هذا من اللَّه و من رسوله إنّه أمير المؤمنين و إمام المتّقين و قائد الغُرِّ المحجّلين يقعده اللَّه يوم القيامة على الصّراط فيدخل أولياءه الجنّة و أعداءه النّار فقال أصحابه الذين ارتدّوا بعده قال محمّد صلىّ اللَّه عليه و آله و سلم في مسجد الخيف ما قال و قال هاهنا ما قال و ان رجع إلى المدينة يأخذنا بالبيعة له

فاجتمع أربعة عشر نفراً و توامروا على‏ قتل رسول اللَّه صلىّ اللَّه عليه و آله و سلم و قعدوا له في العقبة و هي عقبة هرشى‏ «2» بين جحفة و الإيواء فقعدوا سبعة عن يمين العقبة و سبعة عن يسارها لينفروا ناقة رسول اللَّه صلىّ اللَّه عليه و آله و سلم فلّما جنّ عليه الليل تقدّم رسول اللَّه صلىّ اللَّه عليه و آله و سلم في تلك الليلة العسكر فأقبل ينعس على‏ ناقته فلما دنا من العقبة ناداه جبرئيل يا محمّد إنّ فلاناً قعدوا لك فنظر رسول اللَّه صلىّ اللَّه عليه و آله و سلم فقال من هذا خلفي فقال حذيفة بن اليمان أنا حذيفة بن اليمان يا رسول اللَّه قال سمعت ما سمعت قال بلى‏ قال فاكتم ثمّ دنا رسول اللَّه صلىّ اللَّه عليه‏
______________________________
(1). او عزت إليه بكذا تقدّمت و كذلك و عزّت إليه توعيزاً قال في ص و قد يخفّف.
(2). هرشى كسكرى ثنية قرب الجحفة.

تفسير الصافى، ج‏2، ص 71

و آله و سلم منهم فناداهم بأسمائهم فلما سمعوا نداءَ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلم مرّوا و دخلوا في غمار الناس و قد كانوا عقلوا رواحلهم فتركوها و لحق الناس برسول اللَّه صلىّ اللَّه عليه و آله و سلم و طلبوهم

و انتهى‏ رسول اللَّه صلىّ اللَّه عليه و آله و سلم إلى رواحلهم فعرفها فلما نزل قال ما بال أقوام تحالفوا في الكعبة إن أمات اللَّه محمّداً أو قتله ان لا يردّوا هذا الأمر من ذلك شيئاً و لم يريدوه و لم يهمّوا بشي‏ء في رسول اللَّه صلّى اللَّه فحلفوا أنهّم لم يقولوا من ذلك شيئاً و لم يريدوه و لم يهمّوا بشي‏ء في رسول اللَّه صلىّ اللَّه عليه و آله و سلم

فأنزل اللَّه‏ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا ان لا يردّوا هذا الأمر في أهل بيت رسول اللَّه صلىّ اللَّه عليه و آله و سلم‏ وَ لَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَ كَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَ هَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا من قتل رسول اللَّه صلىّ اللَّه عليه و آله و سلم‏ وَ ما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ‏ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَ إِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ ما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لا نَصِيرٍ فرجع رسول اللَّه صلىّ اللَّه عليه و آله و سلم إلى المدينة و بقي بها المحرّم و النّصف من صفر لا يشتكي شيئاً ثمّ ابتدأ به الوَجَعَ الّذي توفّى فيه.

و في المجمع روي: أنّ النّبيّ صلىّ اللَّه عليه و آله و سلم لّما نزلت هذه الآية قال لحرّاس من أصحابه يحرسونه الحقوا بملاحقكم فإنّ اللَّه عصمني من النّاس.
 

نسخه شناسی

درباره مولف

کتاب شناسی

منابع: 

فيض كاشانى ملا محسن‏، تفسير الصافى‏، تحقيق: حسين اعلمى‏تهران‏، انتشارات الصدر، 1415 ق‏، چاپ دوم، ‏ ج‏2، صص 51 - 71