آیه 67، سوره مائده : تفسير القمي

تفسير القمي،  ج‏1، ص  171   

و قوله‏ يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ‏ قال نزلت هذه الآية في علي‏ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ- وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ‏

قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي مُنْصَرَفِ رَسُولِ اللَّهِ ص مِنْ حِجَّةِ الْوَدَاعِ وَ حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ ص حِجَّةَ الْوَدَاعِ لِتَمَامِ عَشْرِ حِجَجٍ مِنْ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ فَكَانَ مِنْ قَوْلِهِ بِمِنًى أَنْ حَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ:

«أَيُّهَا النَّاسُ اسْمَعُوا قَوْلِي وَ اعْقِلُوهُ عَنِّي فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَلْقَاكُمْ بَعْدَ عَامِي هَذَا، ثُمَّ قَالَ هَلْ تَعْلَمُونَ أَيُّ يَوْمٍ أَعْظَمُ حُرْمَةً قَالَ النَّاسُ هَذَا الْيَوْمُ، قَالَ فَأَيُّ شَهْرٍ قَالَ النَّاسُ هَذَا، قَالَ وَ أَيُّ بَلَدٍ أَعْظَمُ حُرْمَةً قَالُوا بَلَدُنَا هَذَا، قَالَ فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَ أَمْوَالَكُمْ وَ أَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ- كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا- فِي بَلَدِكُمْ هَذَا إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ- فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ أَيُّهَا النَّاسُ قَالُوا نَعَمْ، قَالَ اللَّهُمَّ اشْهَدْ، ثُمَّ قَالَ أَلَا وَ كُلُّ مَأْثُرَةٍ أَوْ بِدْعَةٍ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَوْ دَمٍ أَوْ مَالٍ فَهُوَ تَحْتَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ، لَيْسَ أَحَدٌ أَكْرَمَ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِالتَّقْوَى، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ قَالُوا نَعَمْ، قَالَ اللَّهُمَّ اشْهَدْ، ثُمَّ قَالَ أَلَا وَ كُلُّ رِبًا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ مَوْضُوعٌ، وَ أَوَّلُ مَوْضُوعٍ مِنْهُ رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ،

تفسير القمي، ج‏1، ص 172

أَلَا وَ كُلُّ دَمٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ مَوْضُوعٌ، وَ أَوَّلُ مَوْضُوعٍ دَمُ رَبِيعَةَ، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ قَالُوا نَعَمْ، قَالَ اللَّهُمَّ اشْهَدْ، ثُمَّ قَالَ أَلَا وَ إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ أَنْ يُعْبَدَ بِأَرْضِكُمْ هَذِهِ- وَ لَكِنَّهُ رَاضٍ بِمَا تَحْتَقِرُونَ مِنْ أَعْمَالِكُمْ، أَلَا وَ إِنَّهُ إِذَا أُطِيعَ فَقَدْ عُبِدَ، أَلَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ الْمُسْلِمَ أَخُو الْمُسْلِمِ حَقّاً، لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مُسْلِمٍ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ وَ مَالُهُ- إِلَّا مَا أَعْطَاهُ بِطِيبَةِ نَفْسٍ مِنْهُ، وَ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ- حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ-

فَإِذَا قَالُوهَا فَقَدْ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَ أَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وَ حِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ أَيُّهَا النَّاسُ قَالُوا نَعَمْ، قَالَ اللَّهُمَّ اشْهَدْ، ثُمَّ قَالَ أَيُّهَا النَّاسُ احْفَظُوا قَوْلِي تَنْتَفِعُوا بِهِ بَعْدِي- وَ افْهَمُوهُ تَنْعَشُوا- أَلَا لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّاراً- يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ بِالسَّيْفِ عَلَى الدُّنْيَا، فَإِنْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ وَ لَتَفْعَلُنَّ- لَتَجِدُونِي فِي كَتِيبَةٍ بَيْنَ جَبْرَئِيلَ وَ مِيكَائِيلَ أَضْرِبُ وُجُوهَكُمْ بِالسَّيْفِ،

ثُمَّ الْتَفَتَ عَنْ يَمِينِهِ فَسَكَتَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ- إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، ثُمَّ قَالَ أَلَا وَ إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ- إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا كِتَابَ اللَّهِ وَ عِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي فَإِنَّهُ قَدْ نَبَّأَنِي اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ- أَنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ، أَلَا فَمَنِ اعْتَصَمَ بِهِمَا فَقَدْ نَجَا- وَ مَنْ خَالَفَهُمَا فَقَدْ هَلَكَ-

أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ قَالُوا نَعَمْ، قَالَ اللَّهُمَّ اشْهَدْ، ثُمَّ قَالَ أَلَا وَ إِنَّهُ سَيَرِدُ عَلَيَّ الْحَوْضَ مِنْكُمْ رِجَالٌ فَيُدْفَعُونَ عَنِّي، فَأَقُولُ رَبِّ أَصْحَابِي، فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّهُمْ أَحْدَثُوا بَعْدَكَ وَ غَيَّرُوا سُنَّتَكَ- فَأَقُولُ سُحْقاً سُحْقاً «1».
______________________________
(1). وَ فِي لَفْظِ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ: إِنَّ أُنَاساً مِنْ أَصْحَابِي يُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ فَأَقُولُ أَصْحَابِي أَصْحَابِي! فَيُقَالُ إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ، وَ فِي لَفْظِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ: أَقُولُ إِنَّهُمْ مِنِّي فَيُقَالُ إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ سُحْقاً سُحْقاً لِمَنْ بَدَّلَ بَعْدِي، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي ذَيْلِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ (أَيْ أَحَادِيثِ الْحَوْضِ): قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَحَادِيثُ الْحَوْضِ صَحِيحَةٌ وَ الْإِيمَانُ بِهِ فَرْضٌ وَ التَّصْدِيقُ بِهِ مِنَ الْإِيمَانِ، مُتَوَاتِرُ النَّقْلِ رَوَاهُ خَلَائِقُ مِنَ الصَّحَابَةِ رَاجِعْ صَحِيحَ الْبُخَارِيِّ ج 2 145- 159 وَ ج 3 79 وَ ج 4 87 (بَابَ الْحَوْضِ) وَ صَحِيحَ مُسْلِمٍ ج 2 249- 252. ج. ز.

تفسير القمي، ج‏1، ص 173

فَلَمَّا كَانَ آخِرُ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْزَلَ: اللَّهُ‏ إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَ الْفَتْحُ‏، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص نُعِيَتْ إِلَيَّ نَفْسِي- ثُمَّ نَادَى الصَّلَاةَ جَامِعَةً فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ فَاجْتَمَعَ النَّاسُ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ- ثُمَّ قَالَ نَصَرَ اللَّهُ امْرَأً، سَمِعَ مَقَالَتِي- فَوَعَاهَا وَ بَلَّغَهَا مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرُ فَقِيهٍ،

وَ رُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ- قَلْبُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ أخلص [إِخْلَاصُ‏] الْعَمَلِ لِلَّهِ، وَ النَّصِيحَةُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَ لزم [لُزُومُ‏] جَمَاعَتِهِمْ- فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ مُحِيطَةٌ مِنْ وَرَائِهِمْ، الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَ هُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ.

أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَ مَا الثَّقَلَانِ قَالَ كِتَابُ اللَّهِ وَ عِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي، فَإِنَّهُ قَدْ نَبَّأَنِي اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ- أَنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ كَإِصْبَعَيَّ هَاتَيْنِ، وَ جَمَعَ بَيْنَ سَبَّابَتَيْهِ وَ لَا أَقُولُ كَهَاتَيْنِ- وَ جَمَعَ سَبَّابَتِهِ وَ الْوُسْطَى، فَتَفْضُلَ هَذِهِ عَلَى هَذِهِ،

فَاجْتَمَعَ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَ قَالُوا- يُرِيدُ مُحَمَّدٌ أَنْ يَجْعَلَ الْإِمَامَةَ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ فَخَرَجَ أَرْبَعَةُ نَفَرٍ مِنْهُمْ إِلَى مَكَّةَ وَ دَخَلُوا الْكَعْبَةَ وَ تَعَاهَدُوا وَ تَعَاقَدُوا وَ كَتَبُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ كِتَاباً- إِنْ مَاتَ مُحَمَّدٌ أَوْ قُتِلَ أَنْ لَا يَرُدُّوا هَذَا الْأَمْرَ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ أَبَداً- فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ فِي ذَلِكَ «أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَ نَجْواهُمْ بَلى‏- وَ رُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ‏ «1»» فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ص مِنْ مَكَّةَ يُرِيدُ الْمَدِينَةَ حَتَّى نَزَلَ مَنْزِلًا يُقَالُ لَهُ غَدِيرُ خُمٍّ، وَ قَدْ
______________________________
(1). الزخرف 79.

تفسير القمي، ج‏1، ص 174

عَلَّمَ النَّاسَ مَنَاسِكَهُمْ- وَ أَوْعَزَ إِلَيْهِمْ وَصِيَّتَهُ- إِذْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ- وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ- وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ‏» فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ص فَقَالَ بَعْدَ أَنْ حَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ- ثُمَّ قَالَ أَيُّهَا النَّاسُ هَلْ تَعْلَمُونَ مَنْ وَلِيُّكُمْ فَقَالُوا نَعَمْ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ، ثُمَّ قَالَ أَ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي أَوْلَى بِكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ قَالُوا بَلَى، قَالَ اللَّهُمَّ اشْهَدْ فَأَعَادَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ ثَلَاثاً- كُلَّ ذَلِكَ يَقُولُ مِثْلَ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ- وَ يَقُولُ النَّاسُ كَذَلِكَ وَ يَقُولُ اللَّهُمَّ اشْهَدْ،

ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع فَرَفَعَهَا حَتَّى بَدَا لِلنَّاسِ بَيَاضُ إِبْطَيْهِمَا ثُمَّ قَالَ «أَلَا مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَهَذَا عَلِيٌّ مَوْلَاهُ- اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ- وَ انْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ وَ اخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ- وَ أَحِبَّ مَنْ أَحَبَّهُ- ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ- اللَّهُمَّ اشْهَدْ عَلَيْهِمْ وَ أَنَا مِنَ الشَّاهِدِينَ» فَاسْتَفْهَمَهُ عُمَرُ فَقَامَ مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِهِ- فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا مِنَ اللَّهِ وَ مِنْ رَسُولِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص نَعَمْ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ إِنَّهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَ إِمَامُ الْمُتَّقِينَ وَ قَائِدُ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ، يُقْعِدُهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى الصِّرَاطِ فَيُدْخِلُ أَوْلِيَاءَهُ الْجَنَّةَ وَ أَعْدَاءَهُ النَّارَ،.

فَقَالَ أَصْحَابُهُ الَّذِينَ ارْتَدُّوا بَعْدَهُ- قَدْ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ مَا قَالَ- وَ قَالَ هَاهُنَا مَا قَالَ- وَ إِنْ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ يَأْخُذُنَا بِالْبَيْعَةِ لَهُ فَاجْتَمَعُوا أَرْبَعَةَ عَشَرَ نَفَراً- وَ تَآمَرُوا عَلَى قَتْلِ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ قَعَدُوا فِي الْعَقَبَةِ، وَ هِيَ عَقَبَةُ هَرْشَى [أَرْشَى‏] بَيْنَ الْجُحْفَةِ وَ الْأَبْوَاءِ،

فَقَعَدُوا سَبْعَةٌ عَنْ يَمِينِ الْعَقَبَةِ وَ سَبْعَةٌ عَنْ يَسَارِهَا لِيَنْفِرُوا نَاقَةَ رَسُولِ اللَّهِ ص فَلَمَّا جَنَّ اللَّيْلُ- تَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ص فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ الْعَسْكَرَ- فَأَقْبَلَ يَنْعُسُ عَلَى نَاقَتِهِ، فَلَمَّا دَنَا مِنَ الْعَقَبَةِ نَادَاهُ جَبْرَئِيلُ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ فُلَاناً وَ فُلَاناً [وَ فُلَاناً] قَدْ قَعَدُوا لَكَ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ ص فَقَالَ مَنْ هَذَا خَلْفِي- فَقَالَ حُذَيْفَةُ الْيَمَانِيُّ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ، قَالَ سَمِعْتَ مَا سَمِعْتُ قَالَ بَلَى قَالَ فَاكْتُمْ، ثُمَّ دَنَا رَسُولُ اللَّهِ ص مِنْهُمْ فَنَادَاهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ، فَلَمَّا سَمِعُوا نِدَاءَ رَسُولِ اللَّهِ ص فَرُّوا وَ دَخَلُوا فِي غُمَارِ النَّاسِ- وَ قَدْ كَانُوا عَقَلُوا

تفسير القمي، ج‏1، ص 175

رَوَاحِلَهُمْ فَتَرَكُوهَا- وَ لَحِقَ النَّاسُ بِرَسُولِ اللَّهِ ص وَ طَلَبُوهُمْ- وَ انْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ ص إِلَى رَوَاحِلِهِمْ فَعَرَفَهُمْ، فَلَمَّا نَزَلَ قَالَ مَا بَالُ أَقْوَامٍ تَحَالَفُوا فِي الْكَعْبَةِ إِنْ مَاتَ مُحَمَّدٌ أَوْ قُتِلَ- أَلَّا يَرُدُّوا هَذَا الْأَمْرَ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ أَبَداً، فَجَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ص فَحَلَفُوا أَنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا مِنْ ذَلِكَ شَيْئاً- وَ لَمْ يُرِيدُوهُ وَ لَمْ يَكْتُمُوا شَيْئاً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ص،

فَأَنْزَلَ اللَّهُ «يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا» أَنْ لَا يَرُدُّوا هَذَا الْأَمْرَ فِي أَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ ص «وَ لَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَ كَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ- وَ هَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا» مِنْ قَتْلِ رَسُولِ اللَّهِ ص «وَ ما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ- فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ- وَ إِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذاباً أَلِيماً- فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ- وَ ما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لا نَصِيرٍ «1»» فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ ص إِلَى الْمَدِينَةِ وَ بَقِيَ بِهَا محرم [الْمُحَرَّمَ‏] وَ النِّصْفَ مِنْ صَفَرٍ لَا يَشْتَكِي شَيْئاً- ثُمَّ ابْتَدَأَ بِهِ الْوَجَعُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ ص.

فَحَدَّثَنِي أَبِي عَنْ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَابِرٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ص لَمَّا رَجَعَ مِنْ حِجَّةِ الْوَدَاعِ يَا ابْنَ مَسْعُودٍ قَدْ قَرُبَ الْأَجَلُ وَ نُعِيَتْ إِلَيَّ نَفْسِي فَمَنْ لِذَلِكَ بَعْدِي فَأَقْبَلْتُ أَعُدُّ عَلَيْهِ رَجُلًا رَجُلًا، فَبَكَى رَسُولُ اللَّهِ ص ثُمَّ قَالَ- ثَكِلَتْكَ الثَّوَاكِلُ فَأَيْنَ أَنْتَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ لِمَ لَا تُقَدِّمُهُ عَلَى الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ، يَا ابْنَ مَسْعُودٍ إِنَّهُ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ رُفِعَتْ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ أَعْلَامٌ، فَأَوَّلُ الْأَعْلَامِ لِوَائِيَ الْأَعْظَمُ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَ النَّاسُ أَجْمَعِينَ تَحْتَ لِوَائِهِ- يُنَادِي مُنَادٍ هَذَا الْفَضْلُ يَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ.

نسخه شناسی

درباره مولف

کتاب شناسی

منابع: 

قمى، على بن ابراهيم‏، تفسير القمي‏، تحقيق: طيب موسوى جزايرى‏، قم، دار الكتاب‏، 1363 ش‏، چاپ سوم‏، ج‏1، صص 171 - 175