آیه 67، سوره مائده : تفسير الكاشف

تفسير الكاشف،  ج‏3 ، ص  96  

[سورة المائدة (5): آية 67]

يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (67)

المعنى:
يدل ظاهر الآية على ان هناك أمرا هاما نزل على النبي (ص)، و قد أمره اللّه بتبليغه إلى الناس، فضاق النبي به ذرعا، لأنه ثقيل على أنفسهم، فتريث يتحين الظروف و المناسبات تجنبا للاصطدام مع المنحرفين .. و لكن اللّه سبحانه حثه على التبليغ حالا، و دون أن يحسب حسابا لأي اعتبار، و اللّه سبحانه يتولى حمايته و عصمته من كل مكروه.

و تسأل؛ إن قوله تعالى‏ (وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) لا يفيد شيئا يحسن السكوت عليه، حيث جعل جواب الشرط عين فعله، تماما مثل قول القائل:

إن لم تفعل فما فعلت، و إن لم تبلغ فما بلغت .. فما هو الوجه؟

تفسير الكاشف، ج‏3، ص 97

الجواب: إن قوله تعالى: (فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) يشعر بأن هذا الأمر الذي تريث النبي (ص) في تبليغه خوفا من الناس قد بلغ من الأهمية حدا يوازي تبليغه تبليغ الرسالة كلها، بحيث إذا ترك تبليغه فكأنما ترك تبليغ جميع الأحكام، تماما كما تقول لمن كان قد أحسن اليك: إذا لم تفعل هذا فما أنت بمحسن إليّ إطلاقا، و عليه يكون المعنى إن لم تبلغ هذا الأمر فكأنك لم تؤد شيئا من رسالتي، و جازيتك جزاء من كتم جميع أحكامها.

سؤال ثان: ما هو هذا الأمر الذي بلغ من العظمة هذا المبلغ، حتى أناط اللّه تبليغ الرسالة جميعا بتبليغه، و جعل الرسول يتوقف أو يتربث في تبليغه، و هو الحريص على أن يصدع بأمر اللّه مهما كانت النتائج؟
الجواب: بعد أن اتفق المفسرون الشيعة منهم و السنة على تفسير الآية بالمعنى الذي ذكرناه، بعد أن اتفقوا على هذا اختلفوا في تعيين هذا الأمر الذي تريث النبي (ص) في تبليغه، و الذي لم يذكره اللّه صراحة.

قال الشيعة: إن هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب، و ان هذا الأمر الهام هو ولايته على الناس، و ان النبي (ص) تريث في التبليغ لا خوفا على نفسه، كلا، فلقد جابه صناديد قريش بما هو أعظم، فسفه أحلامهم، و سب آلهتهم، و عاب أمواتهم، و هم الأشداء الأقوياء، و أهل العصبية الجاهلية .. أقدم النبي على هذا، و لم يخش فيه لومة لائم يوم لا حول للإسلام و لا طول، فكيف يخشى من تبليغ حكم من الأحكام بعد أن أصبح في حصن حصين من جيش الإسلام و مناعته؟ و إنما خاف النبي (ص) إذا نص على علي بالخلافة أن يتهم بالمحاباة و التحيز لصهره و ابن عمه، و أن يتخذ المنافقون و الكافرون من هذا النص مادة للدعاية ضد النبي (ص) و التشكيك في نبوته و عصمته .. و بديهة ان مثل هذه الدعاية يتقبلها البسطاء و السذج.

هذا ملخص ما قاله الشيعة، و استدلوا عليه بأحاديث رواها السنة في ذلك، و نقل بعضها الرازي و صاحب تفسير المنار.

أما السنة فقد اختلفوا فيما بينهم، فمن قائل: إن النبي سكت عن بعض الأحكام التي تتعلق باليهود، و من قائل: إن الحكم الذي سكت النبي عنه يتصل‏

تفسير الكاشف، ج‏3، ص 98

بقصة زيد و زينب بنت جحش، و قال جماعة من السنة ان الآية نزلت في فضل علي بن أبي طالب، لا في خلافته، و نقل هذا القول الرازي و صاحب تفسير المنار.

قال الرازي: «العاشر- أي القول العاشر-: نزلت الآية في فضل علي بن أبي طالب، و لما نزلت هذه الآية أخذ النبي بيد علي، و قال: «من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه» فلقيه عمر فقال:

هنيئا لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي و مولى كل مؤمن و مؤمنة، و هو قول ابن عباس و البراء بن عازب و محمد بن علي».

صاحب المنار و أهل البيت:
و قال صاحب تفسير المنار: «أما حديث من كنت مولاه فعلي مولاه فقد رواه أحمد في مسنده، و الترمذي، و النسائي، و الضياء في المختار، و ابن ماجة، و حسّنه بعضهم، و صححه الذهبي بهذا اللفظ، و وثّق سند من زاد فيه: اللهم وال من والاه و عاد من عاداه الخ»، و في رواية انه خطب الناس، فذكر أصول الدين، و وصى بأهل بيته، فقال: «إني قد تركت فيكم الثّقلين:

كتاب اللّه، و عترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، اللّه مولاي، و أنا ولي كل مؤمن، ثم أخذ بيد علي و قال- الحديث- أي من كنت مولاه فعلي مولاه.

ثم أطال صاحب تفسير المنار الكلام، و قال فيما قال: المراد بالولاية في الحديث ولاية النصرة و المودة «1» .. و لكنه أتبع هذا التفسير بقوله: «إن مثل هذا الجدل فرق بين المسلمين، و أوقع بينهم العداوة و البغضاء، و ما دامت عصبية المذاهب غالبة على الجماهير فلا رجاء في تحريهم الحق في مسائل الخلاف». هذا صحيح يقره كل عاقل، و لو لا التعصب للباطل لم يقع الخلاف بين المسلمين،
______________________________
(1). انظر تفسير الآية 55 من هذه السورة.

تفسير الكاشف، ج‏3، ص 99

و على افتراض حصوله فإنه لا يستمر هذا الأمد الطويل، و لم تؤلف عشرات الكتب في مسألة واحدة.
ثم قال صاحب تفسير المنار: «أما حديث من كنت مولاه فعلي مولاه فنحن نهتدي به، و نوالي عليا المرتضى، و نوالي من والاهم، و نعادي من عاداهم، و نعد ذلك كموالاة رسول اللّه صلى اللّه عليه و على آله و سلم، و نؤمن بأن عترته (ص) لا تجتمع على مفارقة الكتاب الذي أنزله اللّه عليه، و أن الكتاب و العترة خليفتا الرسول، فقد صح الحديث بذلك في غير قصة الغدير، فإذا أجمعوا على أمر قبلناه و اتبعناه، و إذا تنازعوا في أمر رددناه إلى اللّه و الرسول».

نسخه شناسی

درباره مولف

کتاب شناسی

منابع: 

مغنيه، محمد جواد، تفسير الكاشف‏، تهران‏، دار الكتب الإسلامية، سال چاپ: 1424 ق‏، نوبت چاپ: اول‏، ج‏3 ، صص 96 - 99