آیه 67، سوره مائده : تفسير بيان السعادة فى مقامات العبادة

تفسير بيان السعادة فى مقامات العبادة، ج‏2، ص 96   

يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ‏ عنهم (ع) كان هناك: في علىّ؛ فأسقطوه‏ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ‏ خوفا من افتتان أمّتك و فتنتك بهم‏ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ‏ لانّ الولاية غاية الرّسالة فان لم تحصل كانت الرّسالة كأن لم تحصل‏ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ‏ فلا يكن خوف فتنتك منهم مانعا من التّبليغ‏ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ‏ الى مرادهم من السّوء بك يعنى لا يخلّى بينهم و بين مرادهم. هذه الآية و آية الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ‏ قد

روى من طريق الخاصّة بطرق كثيرة انّهما في ولاية علىّ (ع) و نزولهما كان في حجّة الوداع قبل منصرفه (ص) أو بعده (ص) الى غدير خمّ،

و هذه السّورة بتمام آيها آخر ما نزلت و لم ينزل بعدها شي‏ء من القرآن، و الخطب الّتى خطب النّبىّ (ص) بها في مكّة و مسجد الخيف و غدير خمّ مذكورة من طريقهم في المفصّلات من التّفاسير و غيرها، و متأخّروا مفسّرى العامّة اكتفوا في تفسير هذه الآية بظاهر اللّفظ و فسّروها هكذا يا ايّها الرّسول بلّغ جميع ما انزل إليك من ربّك و ان لم تفعل اى تبليغ الجميع فما بلّغت شيئا من رسالته على قراءة رسالته بالافراد أو ما بلّغت جميع رسالاته على قراءة رسالاته بالجمع،

و نزول الآية لو كان في اوّل التّبليغ كان لهذا التّفسير وجه، و لمّا كان نزول الآية في آخر التّبليغ كما عليه الشّيعة أو بعد الهجرة كما عليه الكلّ لم يكن لهذا التّفسير موقع، لانّه قبل نزول الآية كان قد بلّغ أكثر التّكاليف و بقي بعضها فان كان الباقي مثل ما بلّغ سابقا من احكام القالب لم يكن يخاف من التّبليغ و لا يتأمّل فيه حتّى يصير معاتبا بتركه، لانّه كان قد بلّغ أكثر الأحكام حين الانغمار و غلبة المشركين و لم يخف منهم فكيف يخاف حين ظهور سلطانه و قبول احكامه،

فينبغي ان يكون خوفه من أمّته و افتتان اتباعه و لا يكون الّا إذا كان الأمر المأمور هو بتبليغه امرا عظيما ثقيلا على اسماع الامّة، حتّى يخاف (ص) من عدم قبولهم و ارتدادهم و يخاف على نفسه أيضا من الأذى و القتل،

و يتأمّل في التّبليغ و يتردّد فيه فيصحّ من اللّه مجي‏ء العزيمة و الأمر البتّى‏ «1» فيه و العتاب و التّهديد على تركه و وعد العصمة من النّاس في تبليغه، و من أنصف من نفسه علم انّ هذا الأمر لا يكون من جنس الصّوم و الصّلوة و لا الحجّ و الزّكاة و لا الخمس و الجهاد و لا سائر العقود و المعاملات بل امرا خارجا من جنس تلك الأحكام و لا يتصوّر الّا ان يكون ذلك الأمر نصب شخص للامارة عليهم بعده و ادخالهم تحت حكمه مع كونه مبغوضا لهم، و ما ادّعى هذا لأحد الّا لعلىّ (ع) و قد

قال (ص) باتّفاق الفريقين: من كنت مولاه فعلىّ مولاه‏
، و تأويلهم هذا بالمحبّ كما أوّلوه بعيد عن الإنصاف غاية البعد، و كلامنا مع المنصف لا مع المتعصّب المنحرف فانّه لا كلام لنا معه و لا كتاب و اللّه المتفضّل بالتّوفيق و الصّواب. هذا مع قطع النّظر عمّا ثبت و ورد بطريق الخاصّة و العامّة في حقّه (ع) ممّا يدلّ على استحقاقه (ع) خلافة النّبىّ (ص)
______________________________
(1) بتّ الأمر أمضاه و بتّ النيّة جزمها.

تفسير بيان السعادة فى مقامات العبادة، ج‏2، ص 97

دون غيره من كونه لم يشرك باللّه طرفة عين و لم يعبد وثنا بخلاف غيره و من دعاء الرّسول (ص) له الى الإسلام و تكليفه (ص) البيعة معه و اجابته (ع) له (ص) حين كونه (ع) ابن تسع سنين، فانّه ان كان في ذلك الزّمان مستعدّا لتعلّق التّكليف به و مستحقّا لدعوة الرّسول و قابلا للتّوبة على يده و البيعة معه، كفى به شرفا لانّه لا خلاف في انّه اوّل من بايع الرّسول (ص) و انّه كان حين بايع ابن تسع سنين، و ان لم يكن أهلا للدّعوة و البيعة و مع ذلك دعاه محمّد (ص) و بايعه كان مرتكبا للّغو و هو بحكمته الكاملة اجلّ من ان يفعل اللّغو.

و من مبيته على فراش الرّسول (ص) و فداءه بنفسه ليلة المبيت، و من استخلافه له بمكّة في اهله، و في ردّ أمانات النّاس، و من حمله الفواطم و منهنّ فاطمة بنت رسول اللّه (ص) بعده الى المدينة، و من كونه بمنزله نفسه (ص) كما سبق في آية المباهلة، و نقلنا هناك اتّفاق الخاصّة و العامّة على انّه لم يكن معه (ص) حين الخروج الى المباهلة أحد من الصّحابة سوى الحسنين و فاطمة و علىّ (ع) و نقلنا هناك عن بعض مفسّريهم و رواتهم انّه قال: لم يكن معه غير هؤلاء، و هو يدلّ على انّه لم يكن اعزّ عليه من هؤلاء؛

و الفضل ما شهدت به الأعداء. و من كونه قتّال ابطال العرب لحماية الدّين و لطاعة سيّد المرسلين (ص) و كفى به فضلا و شرفا، حيث بذل نفسه و أهلك انانيّته لا مر ربّه و أقدم على ما لم يقدم عليه أحد من اقرانه الّذين أرادوا بالدّين و بالبيعة مع سيّد المرسلين (ص) إبقاء انانيّاتهم و جذب الخير لأنفسهم، و من‏
قوله (ص) في حقّه (ع): لاعطينّ الرّاية غدا رجلا يحبّ اللّه و رسوله و يحبّه اللّه و رسوله‏،

و من قوله (ص): انّى تارك فيكم الثّقلين كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي و انّهما لن يفترقا حتّى يردا علىّ الحوض‏

، و لم يدّع أحد من مدّعى الخلافة كونه من أهل بيته و من عترته،

و من قوله (ص): انا مدينة العلم و علىّ بابها
، و من كونه اعلم الصّحابة و أقضاهم و أشجعهم و اغزاهم، و من رجوع الخلفاء اليه في معضلاتهم و قولهم: قضيّة و لا بأحسن لها، صار مثلا بينهم و قد تيمنّت بما ذكرت و الّا فمناقبه المشهورة المذكورة بين العامّة و الخاصّة قد بلغت من الوضوح مبلغ الشّمس في رابعة النّهار غنيّة عن الوصف و الإظهار، و من الكثرة بحيث ملأت الخافقين لا يمكن احصاؤها مع انّ أعداءه كتموها حسدا و بغيا و احبّاؤه ضنّة و خوفا.

و قد اغنى ابن ابى الحديد الشّيعة عن ذكر مناقبه بما ذكر في شرحه لنهج البلاغة، و ان كان مع اطرائه لم يبلغ قطرة من بحار مناقبه و قد ذكر صريحا و تلويحا مثالبهم في ضمن اوصافهم، و كان ابن ابى الحديد من مشايخهم و علمائهم و ذكر في شرح نهج البلاغة ما مضمونه:

انّ رجلا من أهل البصرة كان يوم الغدير بمشهد علىّ (ع) و سمع من الرّفضة رفض الخلفاء و بعض الصّحابة و سبّهم و مثالبهم، فرجع الى البصرة و دخل على قاضيها و قال للقاضي رأيت العجب في مشهد علىّ قال: ما رأيت؟- قال: رأيت الشّيعة يسبّون الخلفاء، قال القاضي: هذا ما علّمهم صاحب القبر، قال: فما لنا نحبّه و نحبّهم؟! فقام القاضي و خرج من الباب الّذى يلي داره و قال:

لعن اللّه الفاعل ابن الفاعلة ان كان يعلم جواب هذى المسئلة، فان كان علىّ بإقرارهم علّم شيعته سبّ الخلفاء كان مبغضا لهم فان كنت محبّا له فاقتضاء محبّته ان تبغض الخلفاء و ان كنت محبّا لهم فاقتضاء محبّتهم ان تبغض عليّا فما لك تحبّه و تحبّهم، فاخرج من عصبيّتك و انظر الى آثار كبار ملّتك و خذ من دنياك لآخرتك.

و للتيمّن بقوله (ص) في خلافة خليفته (ع) نذكر شطرا من الخطب الّتى خطب بها في حجّة الوداع، فنقول:

نسب الى ابن عبّاس و الثّعلبىّ و غيرهما من العامّة انّهم قالوا: انّ اللّه امر نبيّه ان ينصب عليّا علما للنّاس و يخبرهم بولايته، فتخوّف ان يقولوا حابى ابن عمّه و ان يشقّ ذلك على جماعة من أصحابه،

فنزلت هذه الآية فأخذ بيده يوم غدير خمّ و قال: من كنت مولاه فعلىّ مولاه، و قرأ الآية

، و نسب الى الباقر (ع) انّه قال: قد حجّ رسول اللّه (ص) من المدينة و قد بلّغ جميع الشّرائع قومه غير الحجّ و الولاية، فأتاه جبرئيل فقال له يا محمّد

تفسير بيان السعادة فى مقامات العبادة، ج‏2، ص 98

انّ اللّه عزّ و جلّ يقرئك السّلام و يقول لك: انّى لم اقبض نبيّا من انبيائى و لا رسولا من رسلي الّا بعد إكمال ديني و تأكيد حجّتى، و قد بقي عليك من ذلك فريضتان ممّا يحتاج ان تبلّغهما قومك فريضة الحجّ و فريضة الولاية و الخلافة من بعدك، فانّى لم اخل ارضى من حجّتى و لن أخليها أبدا،

فانّ اللّه يأمرك ان تبلّغ قومك الحجّ، تحجّ و يحجّ معك كلّ من استطاع اليه سبيلا من أهل الحضر و الأطراف و الاعراب و تعلّمهم من حجّهم مثل ما علّمتهم من صلوتهم و زكوتهم و صيامهم، و توقّفهم من ذلك على مثال الّذى أوقفتهم عليه من جميع ما بلّغتهم من الشّرائع،

فنادى منادى رسول اللّه (ص) في النّاس الا انّ رسول اللّه (ص) يريد الحجّ و ان يعلّمكم من ذلك مثل الّذى علّمكم من شرائع دينكم و يوقفكم من ذلك على ما أوقفكم عليه من غيره، فخرج رسول اللّه (ص) و خرج معه النّاس و اصغوا اليه لينظروا ما يصنع فيصنعوا مثله، فحجّ بهم و بلغ من حجّ مع رسول اللّه (ص) من أهل المدينة و أهل الأطراف و الاعراب سبعين الف إنسان أو يزيدون،

على نحو عدد أصحاب موسى (ع) سبعين ألفا الّذين أخذ عليهم بيعة هارون (ع) فنكثوا و اتّبعوا العجل و السّامرىّ، و كذلك رسول اللّه (ص) أخذ البيعة لعلىّ بن أبى طالب (ع) بالخلافة على عدد أصحاب موسى (ع) فنكثوا البيعة و اتّبعوا العجل سنّة بسنّة و مثلا بمثل، و اتّصلت التبلية ما بين مكّة و المدينة فلمّا وقف بالموقف أتاه جبرئيل عن اللّه تعالى فقال: يا محمّد،

انّ اللّه تعالى يقرئك السّلام و يقول لك: انّه قد دنا أجلك و مدّتك، و انا مستقدمك على ما لا بدّ منه و لا عنه محيص فاعهد عهدك و قدّم وصيّتك و اعمد الى ما عندك من العلم و ميراث علوم الأنبياء من قبلك،

و السّلاح و التّابوت و جميع ما عندك من آيات الأنبياء، فسلّمها الى وصيّتك و خليفتك من بعدك حجّتى البالغة على خلقي علىّ بن أبى طالب، فأقمه للنّاس علما و جدّد عهده و ميثاقه و بيعته و ذكّرهم ما أخذت عليهم من بيعتي و ميثاقي الّذى واثقتهم به و عهدي الّذى عهدت إليهم من ولاية ولييّ و مولاهم و مولى كلّ مؤمن و مؤمنة علىّ بن أبى طالب.

فانّى لم اقبض نبيّا من الأنبياء الّا من بعد إكمال ديني و إتمام نعمتي بولاية أوليائي و معاداة أعدائي، و ذلك كمال توحيدي و ديني و إتمام نعمتي على خلقي باتّباع ولييّ و طاعته، و ذلك انّى لا أترك ارضى بغير قيّم ليكون حجّة لي على خلقي، ف الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ‏ (الآية) بولاية ولييّ و مولى كلّ مؤمن و مؤمنة علىّ عبدي و وصىّ نبيّي و الخليفة من بعده و حجّتى البالغة على خلقي مقرون طاعته بطاعة محمّد نبيّي و مقرون طاعته محمّد بطاعتي، من أطاعه فقد أطاعني و من عصاه فقد عصاني،

جعلته علما بيني و بين خلقي من عرفه كان مؤمنا و من أنكره كان كافرا، و من أشرك ببيعته كان مشركا، و من لقيني بولايته دخل الجنّة، و من لقيني بعداوته دخل النّار؛ فأقم يا محمّد عليّا علما و خذ عليهم البيعة و جدّد عليهم عهدي و ميثاقي لهم الّذى واثقتهم عليه، فانّى قابضك الىّ و مستقدمك علىّ. فخشي رسول اللّه (ص) قومه و أهل النّفاق و الشّقاق ان يتفرّقوا و يرجعوا جاهليّة لما عرف من عداوتهم، و لما ينطوي عليه أنفسهم لعلىّ من البغضة،

و سأل جبرئيل، ان يسأل ربّه العصمة من النّاس و انتظر ان يأتيه (ص) جبرئيل بالعصمة من النّاس من اللّه جلّ اسمه فأخرّ ذلك الى ان بلغ مسجد الخيف، فأتاه جبرئيل في مسجد الخيف فأمره ان يعهد عهده و يقيم عليّا (ع) للنّاس و لم يأته بالعصمة من اللّه جلّ جلاله الّذى أراد، حتّى أتى كراع الغميم بين مكّة و المدينة فأتاه جبرئيل و أمره بالّذى أتاه من قبل و لم يأته بالعصمة، فقال (ص): يا جبرئيل انّى أخشى قومي ان يكذّبونى و لا يقبلوا قولي في علىّ،

فرحل فلمّا بلغ غدير خمّ قبل الجحفة بثلاثة أميال أتاه جبرئيل على خمس ساعات مضت من النّهار بالزّجر و الانتهار و العصمة من النّاس، يا محمّد، انّ اللّه تعالى يقرئك السّلام و يقول لك: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ‏

تفسير بيان السعادة فى مقامات العبادة، ج‏2، ص 99

بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ‏ من ربّك في علىّ‏ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ، و كان اوائلهم قربت من الجحفة فأمره بان يردّ من تقدّم منهم و يحبس من تأخّر عنهم في ذلك المكان ليقيم عليّا للنّاس و يبلّغهم ما انزل اللّه تعالى في علىّ و أخبره بانّ اللّه عزّ و جلّ قد عصمه من النّاس، فأمر رسول اللّه عند ما جاءته العصمة مناديا ينادى في النّاس بالصّلوة جامعة،

و يردّ من تقدّم منهم و يحبس من تأخّر فتنحّى عن يمين الطّريق الى جنب مسجد الغدير امره بذلك جبرئيل عن اللّه عزّ و جلّ، و في الموضع سلمان فأمر رسول اللّه (ص) ان يقمّ ما تحتهنّ و ينصب له أحجار كهيئة المنبر ليشرف على النّاس، فتراجع النّاس و احتبس أواخرهم في ذلك المكان لا يزالون فقام رسول اللّه (ص) فوق تلك الأحجار،

ثمّ حمد اللّه تعالى و أثنى عليه بما أثنى (الى ان قال) و أو من به و بملائكته و كتبه و رسله، اسمع أمره و أطيع و أبادر الى كلّ ما يرضاه و استسلم لقضائه رغبة في طاعته و خوفا من عقوبته، اقرّ له على نفسي بالعبوديّة و اشهد له بالرّبوبيّة و أودّى ما أوحى الىّ حذرا من ان لا افعل فتحلّ بى منه قارعة لا يدفعها عنّى أحد و ان عظمت حيلته،

لا اله الّا هو لانّه قد أعلمنى انّى ان لم ابلّغ ما أنزل الىّ فما بلّغت رسالته، فقد ضمن لي تبارك و تعالى العصمة و هو اللّه الكافي الكريم، فأوحى الىّ‏ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ‏ في علىّ‏ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ‏؛ معاشر النّاس، ما قصّرت في تبليغ ما أنزله و انا مبيّن لكم سبب هذه الآية انّ جبرئيل هبط الىّ مرارا ثلاثا يأمرني عن السّلام ربّى و هو السّلام ان أقوم في هذا المشهد،

فأعلم كلّ أبيض و أسود انّ علىّ بن أبى طالب أخى و وصيّي و خليفتي و الامام من بعدي الّذى محلّه منّى محلّ هارون من موسى الّا انّه لا نبىّ بعدي و هو وليّكم بعد اللّه و رسوله و قد أنزل اللّه تعالى علىّ بذلك آية من كتابه‏ إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ،

و علىّ بن أبى طالب أقام الصّلوة و آتى الزّكاة و هو راكع يريد اللّه عزّ و جلّ في كلّ حال و سألت جبرئيل ان يستعفينى عن تبليغ ذلك إليكم ايّها النّاس، لعلمي بقلّة المتّقين و كثرة المنافقين و إدغال الآثمين و حيل المستهزئين بالإسلام، الّذين وصفهم اللّه في كتابه، بأنّهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم و يحسبونه هيّنا هو عند اللّه عظيم،

و كثرة أذاهم لي غير مرّة حتّى سمّونى إذنا و زعموا انّى كذلك لكثرة ملازمته ايّاى و إقبالي عليه، حتّى انزل اللّه عزّ و جلّ في ذلك:

وَ مِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَ يَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ‏ على الّذين يزعمون انّه اذن‏ خَيْرٍ لَكُمْ‏ (الآية) و لو شئت ان اسمىّ بأسمائهم لسميّت و ان أومي إليهم بأعيانهم لاومأت و ان ادلّ عليهم لدللّت، و لكنّى و اللّه في أمورهم قد تكرّمت و كلّ ذلك لا يرضى اللّه منّى الّا ان ابلّغ ما انزل الىّ ثمّ تلا: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ‏ في علىّ‏ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ،

فاعلموا، معاشر النّاس، انّ اللّه قد نصبه لكم وليّا و إماما مفترضا طاعته على المهاجرين و الأنصار و على التّابعين لهم بإحسان و على البادي و الحاضر و على الاعجمىّ و العربىّ و الحرّ و المملوك و الصّغير و الكبير و على الأبيض و الأسود و على كلّ موجود ماض حكمه جائز قوله نافذ امره، ملعون من خالفه مرحوم من تبعه، و من صدّقه فقد غفر اللّه له و لمن سمع منه و أطاع له،

معاشر النّاس انّه آخر مقام أقومه في هذا المشهد، فاسمعوا و أطيعوا و انقادوا لأمر ربّكم، فانّ اللّه عزّ و جلّ هو ربّكم و وليّكم و إلهكم، ثمّ من دونه رسوله محمّد وليّكم القائم المخاطب لكم، ثمّ من بعدي علىّ وليّكم و إمامكم بأمر اللّه ربّكم، ثمّ الامامة في ذرّيّتى من ولده الى يوم القيامة يوم يلقون اللّه و رسوله، لا حلال الّا ما أحلّه اللّه و لا حرام الّا ما حرّمه اللّه، عرّفنى الحلال و الحرام و انا أفضيت بما علّمنى ربّى من‏
كتابه و حلاله و حرامه اليه.

تفسير بيان السعادة فى مقامات العبادة، ج‏2، ص 100

معاشر النّاس، ما من علم الّا و قد أحصاه اللّه فيّ و كلّ علم علّمته فقد أحصيته في علىّ امام المتّقين ما من علم الّا و قد علّمته عليّا و هو الامام المبين، معاشر النّاس، لا تضلّوا عنه و لا تنفروا منه و لا تستنكفوا من ولايته فهو الّذى يهدى الى الحقّ و يعمل به و يزهق الباطل و ينهى عنه و لا تأخذه في اللّه لومة لائم، انّه اوّل من آمن باللّه و رسوله، و الّذى فدى رسول اللّه بنفسه، و الّذى كان مع رسول اللّه و لا أحد يعبد اللّه مع رسوله من الرّجال غيره، معاشر النّاس، فضّلوه فقد فضّله اللّه و اقبلوه فقد نصبه اللّه،

معاشر النّاس، انّه امام من اللّه و لن يتوب اللّه على أحد أنكر ولايته و لن يغفر اللّه له حتما على اللّه ان يفعل ذلك بمن خالف أمره فيه و ان يعذّبه عذابا نكرا أبد الآباد و دهر الدّهور، فاحذروا ان تخالفوه فتصلوا نارا وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ،

ايّها النّاس، بى و اللّه بشّر الاوّلون من النّبيّين و المرسلين و انا خاتم الأنبياء و المرسلين و الحجّة على جميع- المخلوقين من أهل السّماوات و الأرضين، فمن شكّ في ذلك فهو كافر كفر الجاهليّة الاولى و من شكّ في شي‏ء من قولي هذا فقد شكّ في الكلّ منه و الشّاكّ في الكلّ فله النّار،

معاشر النّاس، حباني اللّه بهذه الفضيلة منّا منه علىّ و إحسانا منه الىّ، و لا اله الّا هو له الحمد منّى أبد الآبدين و دهر الدّاهرين على كلّ حال،

معاشر النّاس، فضّلوا عليّا فانّه أفضل النّاس بعدي من ذكر و أنثى، بنا انزل اللّه الرّزق و بقي الخلق، ملعون ملعون مغضوب مغضوب من ردّ قولي هذا و ان لم يوافقه، الا انّ جبرئيل خبّرنى عن اللّه تعالى بذلك و يقول: من عادى عليّا و لم يتولّه فعليه لعنتي و غضبى،

فلتنظر نفس ما قدّمت لغد و اتّقوا اللّه ان تخالفوه فتزلّ قدم بعد ثبوتها انّ اللّه خبير بما تعملون، معاشر النّاس، انّه جنب اللّه نزل في كتابه: يا حَسْرَتى‏ عَلى‏ ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ‏،

معاشر النّاس، تدبّروا القرآن و افهموا آياته و انظروا الى محكماته و لا تتّبعوا متشابهه فو اللّه لن يبيّن لكم زواجره و لا يوضح لكم تفسيره الّا الّذى انا آخذ بيده و مصعده الىّ و شائل بعضده، و معلّمكم انّ من كنت مولاه فهذا علىّ مولاه و هو علىّ بن أبى طالب، أخي و وصيّي، و موالاته من اللّه عزّ و جلّ أنزلها علىّ،

معاشر الناس، انّ عليّا و الطّيّبين من ولدي هم الثّقل الأصغر و القرآن هو الثّقل الأكبر فكلّ واحد منبئ عن صاحبه و موافق له لن يفترقا حتّى يردا علىّ الحوض، أمناء اللّه في خلقه و حكّامه في أرضه الا و قد أدّيت، الا و قد بلّغت، الا و قد أسمعت، الا و قد أوضحت، الا و انّ اللّه عزّ و جلّ قال و انا قلته عن اللّه عزّ و جلّ، الا انّه ليس أمير المؤمنين غير أخي هذا و لا تحلّ إمرة المؤمنين بعدي لأحد غيره. ثمّ ضرب بيده الى عضده فرفعه و كان منذ اوّل ما صعد رسول اللّه شال عليّا حتّى صار رجله مع ركبة رسول اللّه ثمّ قال:

معاشر النّاس، هذا علىّ أخي و وصيّي و واعى علمي و خليفتي على أمّتي و علىّ تفسير كتاب اللّه و الدّاعى اليه، و العامل بما يرضيه، و المحارب لاعدائه، و الموالي على طاعته و النّاهى عن معصيته خليفة رسول اللّه و أمير المؤمنين و الامام الهادي و قاتل النّاكثين و القاسطين و المارقين، بأمر اللّه أقول ما يبدّل القول لدىّ، بأمر اللّه ربّى أقول: اللّهمّ وال من والاه و عاد من عاداه، و العن من أنكره و اغضب على من جحد حقّه، اللّهمّ انّك أنزلت علىّ انّ الامامة لعلىّ وليّك عند تبياني ذلك و نصبي ايّاه، بما أكملت لعبادك من دينهم و أتممت عليهم نعمتك و رضيت لهم الإسلام دينا.

فقلت: وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ‏ اللّهمّ انّى أشهدك انّى قد بلّغت، معاشر النّاس، انّما اللّه عزّ و جلّ أكمل دينكم بإمامته فمن لم يأتمّ به و بمن يقوم مقامه من ولدي من صلبه الى يوم القيامة، و العرض على اللّه عزّ و جلّ فأولئك الّذين حبطت أعمالهم و في النّار هم خالدون لا يخفّف اللّه عنهم العذاب و لا هم ينظرون، معاشر النّاس، هذا علىّ أنصركم لي، و احقّكم بى، و أقربكم الىّ و أعزّكم علىّ‏

تفسير بيان السعادة فى مقامات العبادة، ج‏2، ص 101

و اللّه عزّ و جلّ و انا عنه راضيان و ما نزلت آية رضى الّا فيه، و ما خاطب اللّه الّذين آمنوا الّا بدء به، و لا نزلت آية مدح في القرآن الّا فيه، و لا شهد اللّه بالجنّة في‏ هَلْ أَتى‏ عَلَى الْإِنْسانِ‏ الّا و له و لا أنزلها في سواه و لا مدح بها غيره،

معاشر النّاس، هو ناصر دين اللّه، و المجادل عن رسول اللّه، و التّقىّ النّقىّ الهادي المهدىّ نبيّكم خير نبىّ و وصيّكم خير وصىّ، و بنوه خير الأوصياء، معاشر النّاس، ذرّيّة كلّ نبىّ من صلبه و ذرّيّتى من صلب علىّ،

معاشر النّاس، انّ إبليس أخرج آدم من الجنّة بالحسد فلا تحسدوه فتحبط أعمالكم و تزلّ أقدامكم؛ فانّ آدم اهبط الى الأرض بخطيئة واحدة و هو صفوة اللّه عزّ و جلّ فكيف بكم و أنتم أنتم و منكم أعداء اللّه، الا انّه لا يبغض عليّا الّا شقىّ و لا يتولّى عليّا الّا تقىّ و لا يؤمن به الّا مؤمن مخلص، و في علىّ و اللّه انزل سورة العصر بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَ الْعَصْرِ الى آخره،

معاشر النّاس قد استشهدت اللّه و بلّغتكم رسالتي‏ وَ ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ‏، معاشر النّاس، اتّقوا اللّه حقّ تقاته فلا تموتنّ الّا و أنتم مسلمون، معاشر النّاس، آمنوا باللّه و رسوله و النّور الّذى انزل معه من قبل ان نطمس وجوها فنردّها على ادبارها،

معاشر النّاس، النّور من اللّه عزّ و جلّ فيّ، ثمّ مسلوك في علىّ، ثمّ في النّسل منه الى القائم المهدىّ الّذى يأخذ بحقّ اللّه و بكلّ حقّ، هو لنا لانّ اللّه عزّ و جلّ قد جعلنا حجّة على المقصّرين و المعاندين و المخالفين و الخائبين و الآثمين و الظّالمين من جميع العالمين. معاشر النّاس، انّى أنذركم انّى رسول اللّه إليكم قد خلت من قبلي الرّسل أ فإن متّ أو قتلت‏ انْقَلَبْتُمْ عَلى‏ أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى‏ عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَ سَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ‏، الا و انّ عليّا الموصوف بالصّبر و الشّكر ثمّ من بعده ولدي من صلبه،

معاشر النّاس، لا تمنّوا على اللّه إسلامكم فيسخط عليكم و يصيبكم بعذاب من عنده انّه لبالمرصاد، معاشر النّاس، سيكون من بعدي ائمّة يدعون الى النّار و يوم القيامة لا ينصرون، معاشر النّاس، انّ اللّه و انا بريئان منهم،

معاشر النّاس، انّهم و أشياعهم و اتباعهم و أنصارهم في الدّرك الأسفل من النّار و لبئس مثوى المتكبّرين، الا انّهم أصحاب الصّحيفة فلينظر أحدكم في صحيفته (قال: فذهب على النّاس الّا شر ذمة امر الصّحيفة)

معاشر النّاس، انّى ادعها إمامة و وراثة في عقبى الى يوم القيامة، و قد بلّغت ما أمرت بتبليغه حجّة على كلّ حاضر و غائب و على كلّ أحد ممّن شهد أو لم يشهد ولد أو لم يولد، فليبلغ الحاضر الغائب و الوالد الولد الى يوم القيامة و سيجعلونها ملكا اغتصابا، الا لعن اللّه الغاصبين و المغتصبين و عندها سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ‏ ف يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَ نُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ‏،

معاشر النّاس، انّ اللّه عزّ و جلّ لم يكن يذركم على ما أنتم عليه حتّى يميز الخبيث من الطيّب و ما كان اللّه ليطلعكم على الغيب، معاشر النّاس، انّه ما من قرية الّا و اللّه مهلكها بتكذيبها و كذلك يهلك القرى و هي ظالمة كما ذكر اللّه تعالى، و هذا إمامكم و وليّكم و هو مواعيد اللّه و اللّه يصدق ما وعده،

معاشر النّاس، قد ضلّ قبلكم أكثر الاوّلين و اللّه لقد أهلك الاوّلين و هو مهلك الآخرين، معاشر النّاس، انّ اللّه قد أمرنى و نهاني و قد أمرت عليّا و نهيته فعلم الأمر و النّهى من ربّه عزّ و جلّ فاسمعوا لأمره تسلموا، و أطيعوه تهتدوا، و انتهوا لنهيه ترشدوا، و صيروا الى مراده و لا يتفرّق بكم السّبل عن سبيله، انا صراط اللّه المستقيم الّذى أمركم باتّباعه ثمّ علىّ من بعدي ثمّ ولدي من صلبه ائمّة يهدون بالحقّ و به يعدلون.

ثمّ قرأ (ص) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ (الى آخرها) و قال، فيّ نزلت و فيهم نزلت و لهم عمّت و ايّاهم خصّت، أولئك‏ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ‏ الا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ‏، الا انّ أعداء علىّ هم أهل الشّقاق العادون، و اخوان الشّياطين‏

تفسير بيان السعادة فى مقامات العبادة، ج‏2، ص 102

الّذين يوحى بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا، الا انّ أولياء اللّه هم المؤمنون الّذين ذكرهم اللّه في كتابه فقال عزّ و جلّ: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ، (الى آخر الآية)

الا انّ أولياء اللّه هم الّذين وصفهم اللّه عزّ و جلّ فقال: الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَ هُمْ مُهْتَدُونَ‏، الا انّ أولياء اللّه هم الّذين يدخلون الجنّة آمنين و تتلقّاهم الملائكة بالتّسليم ان طبتم فادخلوها خالدين،

الا انّ أولياء اللّه هم الّذين قال اللّه عزّ و جلّ: يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ‏، الا انّ أعداءهم الّذين يصلون سعيرا، الا انّ أعداءهم الّذين قال اللّه عزّ و جلّ‏ كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَ لَمْ يَأْتِكُمْ‏ (الآية)،

الا انّ أولياء اللّه هم الّذين يخشون ربّهم بالغيب لهم مغفرة و أجر كبير، معاشر النّاس، شتّان ما بين السّعير و الجنّة، عدوّنا من ذمّه اللّه و لعنه و وليّنا من أحبّه اللّه و مدحه، الا و انّى منذر و علىّ هاد،

معاشر النّاس، انّى نبىّ و علىّ وصيّي الا و انّ خاتم الائمّة منّا القائم المهدىّ، الا انّه الظّاهر على الدّين، الا انّه المنتقم من الظّالمين، الا انّه فاتح الحصون و هادمها، الا انّه قاتل كلّ قبيلة من أهل الشّرك، الا انّه مدرك كلّ ثأر لأولياء اللّه عزّ و جلّ،

الا انّه ناصر دين اللّه عزّ و جلّ، الا انّه الغرّاف من بحر عميق، الا انّه يسمّ كلّ ذي فضل بفضله و كلّ ذي جهل بجهله، الا انّه خيرة اللّه و مختاره، الا انّه وارث كلّ علم و المحيط به، الا انّه المخبر عن ربّه عزّ و جلّ المنبّه بأمر ايمانه، الا انّه الرّشيد السّديد،

الا انّه المفوّض اليه، الا انّه قد بشّر به من سلف بين يديه، الا انّه الباقي حجّة و لا حجّة بعده و لا حقّ الّا معه و لا نور الّا عنده، الا انّه لا غالب له و لا منصور عليه، الا انّه ولىّ اللّه في أرضه، و حكمه في خلقه، و أمينه في سرّه و علانيته.

معاشر النّاس، قد بيّنت لكم و أفهمتكم و هذا علىّ يفهمكم بعدي، الا و انّ عند انقضاء خطبتي أدعوكم الى مصافقتي على بيعته و الإقرار به ثمّ مصافقته من بعدي، الا و انّى قد بايعت اللّه و علىّ قد بايعنى و انا آخذكم بالبيعة له عن اللّه عزّ و جلّ، و فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى‏ نَفْسِهِ‏ (الآية).

معاشر النّاس، انّ الحجّ و الصّفا و المروة و العمرة مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ (الآية)،

معاشر النّاس، حجّوا البيت فما ورده أهل بيت الّا استغنوا و لا تخلّفوا عنه الّا افتقروا، معاشر النّاس، ما وقف بالموقف مؤمن الّا غفر اللّه له ما سلف من ذنبه الى وقته ذلك، فاذا انقضت حجّته استأنف عمله،

معاشر النّاس، الحجّاج معانون و نفقاتهم مخلّفة و اللّه لا يضيع أجر المحسنين، معاشر النّاس، حجّوا البيت بكمال الدّين و التّفقه و لا تنصرفوا عن المشاهد الّا بتوبة و إقلاع، معاشر النّاس، أقيموا الصّلوة و آتوا الزّكاة كما أمركم اللّه عزّ و جلّ لئن طال عليكم الأمد فقصّرتم أو نسيتم فعلىّ وليّكم و مبيّن لكم، الّذى نصبه اللّه عزّ و جلّ بعدي و من خلّفه اللّه منّى و منه يخبركم بما تسألون منه و يبيّن لكم ما لا تعلمون،

الا انّ الحلال و الحرام أكثر من أحصيهما و اعرّفهما، فآمر بالحلال و أنهى عن الحرام في مقام واحد فأمرت ان أخذ البيعة عليكم و الصّفقة لكم بقبول ما جئت به عن اللّه عزّ و جلّ في علىّ أمير المؤمنين، و الائمّة من بعده الّذين هم منّى و منه أمّة قائمة و منهم المهدىّ الى يوم القيامة الّذى يقضى بالحقّ، معاشر النّاس، و كلّ حلال دللتكم عليه و كلّ حرام نهيتكم عنه فانّى لم ارجع عن ذلك و لم- ابدّل، الا فاذكروا ذلك و احفظوه و تواصوا به و لا تبدّلوه و لا تغيّروه، الا و انّى اجدّد القول، الا فأقيموا الصّلوة و آتوا الزّكاة و أمروا بالمعروف و انهوا عن المنكر، الا و انّ رأس الأمر بالمعروف ان تنتهوا الى قولي و تبلّغوه من لم يحضره و تأمروه بقبوله و تنهوه عن مخالفته فانّه امر من اللّه عزّ و جلّ و منّى، و لا امر بمعروف و لا نهى عن منكر الّا مع امام، معاشر النّاس، القرآن يعرّفكم انّ الائمّة من بعده ولده و عرّفتكم انّهم منّى و منه‏

تفسير بيان السعادة فى مقامات العبادة، ج‏2، ص 103

حيث يقول اللّه و جعلها كلمة باقية في عقبه و قلت: لن تضلّوا ما ان تمسّكتم بهما، معاشر النّاس، التّقوى التّقوى احذروا السّاعة كما قال اللّه تعالى، إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْ‏ءٌ عَظِيمٌ‏، اذكروا الممات و الحساب و الموازين و المحاسبة بين يدي ربّ العالمين، و الثّواب و العقاب فمن جاء بالحسنة أثيب، و من جاء بالسيّئة فليس له في الجنان نصيب،

معاشر النّاس، انّكم أكثر من ان تصافقوني بكفّ واحدة و أمرني اللّه عزّ و جلّ ان أخذ من ألسنتكم الإقرار بما عقدت لعلىّ من إمرة المؤمنين و من جاء بعده من الائمّة منّى و منه على ما أعلمتكم انّ ذرّيّتى من صلبه فقولوا بأجمعكم انّا سامعون مطيعون راضون منقادون لما بلّغت عن ربّنا و ربّك في امر علىّ و امر ولده من صلبه من الائمّة نبايعك على ذلك بقلوبنا و أنفسنا و ألسنتنا و أيدينا،

على ذلك نحيى و نموت و نبعث و لا نغيّر و لا نبدّل و لا نشكّ و لا نرتاب و لا نرجع عن عهد و لا ننقض الميثاق و نطيع اللّه و نطيعك و عليّا أمير المؤمنين و ولده الائمّة الّذين ذكرتهم من ذرّيّتك من صلبه بعد الحسن و الحسين، الّذين قد عرّفتكم مكانهما منّى و محلّهما عندي و منزلتهما من ربّى عزّ و جلّ، فقد ادّيت ذلك إليكم و انّهما سيّدا شباب أهل الجنّة و انّهما الامامان بعد أبيهما علىّ و انا أبوهما قبله و قولوا أطعنا اللّه بذلك و إياك و عليّا و الحسن و الحسين

و الائمّة الّذين ذكرت عهدا و ميثاقا مأخوذا لأمير المؤمنين من قلوبنا و أنفسنا و ألسنتنا و مصافقة أيدينا من أدركهما و اقرّ بهما بلسانه لا نبتغي بذلك بدلا و لا نرى من أنفسنا عنه حولا أبدا، أشهدنا اللّه و كفى به شهيدا و أنت علينا به شهيد، و كلّ من أطاع ممّن ظهر و استتر و ملائكة اللّه و جنوده و عبيده و اللّه أكبر من كلّ شهيد.

معاشر النّاس، ما تقولون فانّ اللّه يعلم كلّ صوت و خافية كلّ نفس فمن اهتدى فلنفسه و من ضلّ فانّما يضلّ عليها و من بايع فانّما يبايع اللّه عزّ و جلّ، يد اللّه فوق أيديهم، معاشر النّاس، فاتّقوا اللّه و بايعوا عليّا أمير المؤمنين و الحسن و الحسين و الائمّة كلمة باقية يهلك اللّه من غدر و يرحم اللّه من وفى، و من نكث فانّما ينكث على نفسه، الآية،

معاشر النّاس، قولوا الّذى قلت لكم و سلّموا على علىّ بامرة المؤمنين و قولوا سَمِعْنا وَ أَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَ إِلَيْكَ الْمَصِيرُ، و قولوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَ ما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللَّهُ‏،

معاشر النّاس، انّ فضائل علىّ بن ابى طالب عند اللّه عزّ و جلّ و قد أنزلها علىّ في القرآن أكثر من ان أحصيها في مكان واحد فمن أنبأكم بها و عرّفها فصدّقوه، معاشر النّاس، من يطع اللّه و رسوله و عليّا و الائمّة الّذين ذكرتهم فقد فاز فوزا مبينا،

معاشر النّاس، السّابقون الى مبايعته و موالاته و التّسليم عليه بامرة المؤمنين أولئك هم الفائزون في جنّات النّعيم، معاشر النّاس، قولوا ما يرضى اللّه به عنكم من القول فان تكفروا أنتم و من في الأرض جميعا فلن يضرّ اللّه شيئا، اللّهمّ اغفر للمؤمنين و المؤمنات و اغضب على الكافرين و الكافرات و الحمد للّه ربّ العالمين.

فناداه القوم، نعم سمعنا و أطعنا على أمر اللّه و أمر رسوله بقلوبنا و ألسنتنا و أيدينا و تداكّوا على رسول اللّه (ص) و على علىّ (ع) و صافقوا بأيديهم فكان اوّل من صافق رسول اللّه (ص) الاوّل و الثّانى و الثّالث و الرّابع و الخامس و باقي المهاجرين و الأنصار و باقي النّاس على طبقاتهم و قدر منازلهم الى ان صلّيت العشاء و العتمة في وقت واحد، و واصلوا البيعة و المصافقة ثلاثا و رسول اللّه يقول كلّما بايع قوم: الحمد للّه الّذى فضّلنا على جميع العالمين و صارت المصافقة سنّة و رسما يستعملها من ليس له حقّ فيها.

نسخه شناسی

درباره مولف

کتاب شناسی 

منابع: 

گنابادى سلطان محمد، تفسير بيان السعادة فى مقامات العبادة، بيروت‏، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات‏، 1408 ق‏، چاپ دوم‏، ج‏2، صص 96 - 103