آیه 67، سوره مائده : تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب،  ج‏4 ، ص  166   

يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ‏، يعني: في عليّ- عليه السّلام- فعنهم- عليهم السّلام- كذا نزلت.
وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ‏، أي: إن تركت تبليغ ما انزل إليك في‏
______________________________
(1) من المصدر.
(2) المصدر: يعقوب بن زيد.
(3) الأعراف/ 181.
(4) تأويل الآيات الباهرة، مخطوط، ص 57- 58.
(5) ليس في المصدر.
(6) المصدر: علي بن سيف.
(7) المصدر: «أحمد بن زرقا الغمشاني» و لعل الصواب: «احمد بن رزق الغشاني» ر. تنقيح المقال 1/ 61، رقم 361.
(8) نفس المصدر و الموضع.
(9) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج‏4، ص 167

ولاية عليّ- عليه السّلام- و كتمته، كنت كأنّك لم تبلّغ شيئا من رسالات ربّك في استحقاق العقوبة.
و قرئ: «رسالته» على التّوحيد «1».
وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ‏: يمنعك من أن ينالوك بسوء.
إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ‏ (67):

في الجوامع‏ «2»: عن ابن عبّاس و جابر بن عبد اللّه‏: أنّ اللّه أمر نبيّه- صلّى اللّه عليه و آله- أن ينصّب عليّا- عليه السّلام- للنّاس و يخبرهم بولايته، فتخوّف- عليه السّلام- أن يقولوا: حابى ابن عمّه. و أن يشقّ ذلك على جماعة من أصحابه، فنزلت هذه الآية. فأخذه بيده يوم غدير خمّ و قال: من كنت مولاه، فعليّ مولاه.

[و العياشي، عنهما، ما في معناه‏ «3»] «4».
و رواه في المجمع‏ «5»، عن الثعلبيّ و الحسكانيّ و غيرهما من العامّة.
و في أصول الكافي‏ «6»: [محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، و محمّد بن الحسين جميعا، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن منصور بن يونس، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- و ذكر حديثا طويلا، و فيه يقول- عليه السّلام-:] «7» ثمّ نزلت الولاية، و إنّما أتاه ذلك في يوم الجمعة بعرفة، أنزل اللّه- تعالى-: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي‏. و كان كمال الدّين بولاية عليّ بن أبي طالب- صلوات اللّه عليه-.

فقال عند ذلك رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: أمّتي حديثو عهد بالجاهليّة، و متى أخبرتهم بهذا في ابن عمّي يقول قائل و يقول قائل، فقلت في نفسي من غير أن ينطق به لساني، فأتتني عزيمة من اللّه بتلة أوعدني إن لم أبلّغ أن يعذّبني، فنزلت:
______________________________
(1) مجمع البيان 1/ 222.
(2) جوامع الجامع/ 114.
(3) تفسير العياشي 1/ 331، ح 152.
(4) من أ.
(5) مجمع البيان 2/ 223.
(6) الكافي 1/ 290، ح 6.
(7) ليس في أ. و فيه: «عن الباقر- عليه السلام- في حديث» بدلا.

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج‏4، ص 168

يا أَيُّهَا الرَّسُولُ‏ (الآية).
فأخذ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- بيد عليّ فقال: يا أيّها النّاس، إنّه لم يكن نبيّ من الأنبياء ممّن كان قبلي إلّا و قد عمّره اللّه، ثمّ دعاه فأجابه. فأوشك أن أدعى، فأجيب. و أنا مسؤول، و أنتم مسؤولون. فما ذا أنتم قائلون؟

فقالوا: نشهد أنّك قد بلّغت و نصحت و أدّيت ما عليك، فجزاك اللّه أفضل جزاء المرسلين.
فقال: اللّهمّ اشهد- ثلاث مرّات- ثمّ قال: يا معشر المسلمين، هذا وليّكم من بعدي، فليبلّغ الشّاهد منكم الغائب.
قال أبو جعفر- عليه السّلام-: كان و اللّه عليّ أمين اللّه على خلقه، و غيبه، و دينه الّذي ارتضاه لنفسه.

[عليّ بن إبراهيم، عن أبيه‏ «1»، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن زرارة و الفضيل بن يسار و بكير بن أعين و محمّد بن مسلم و بريد بن معاوية و أبي الجارود جميعا، عن أبي جعفر- عليه السّلام-] «2» قال‏: أمر اللّه- عزّ و جلّ- رسوله‏ «3» بولاية عليّ- عليه السّلام- و أنزل عليه: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ‏ (الآية) و فرض ولاية أولي الأمر، فلم يدروا ما هي.

فأمر اللّه محمّدا- صلّى اللّه عليه و آله- أن يفسّر لهم الصّلاة و الزّكاة و الصّوم و الحجّ. فلمّا أتاه ذلك من اللّه، ضاق بذلك صدر رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- و تخوّف أن يرتدّوا عن دينهم، و أن يكذّبوه. فضاق صدره و راجع ربّه- عزّ و جلّ- فأوحى اللّه- عزّ و جلّ- إليه: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ‏ (الآية) فصدع بأمر اللّه- تعالى ذكره- فقام بولاية عليّ- عليه السّلام- يوم غدير خمّ فنادى الصّلاة جامعة. و أمر النّاس أن يبلّغ الشّاهد الغائب.

قال- عليه السّلام-: و كانت الفريضة تنزل بعد الفريضة الأخرى، و كان الولاية آخر الفرائض. فأنزل اللّه- عزّ و جلّ-: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي‏
______________________________
(1) نفس المصدر 1/ 289، ح 4.
(2) ليس في «أ».
(3) ليس في المصدر.

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج‏4، ص 169

 قال: يقول اللّه- عزّ و جلّ-: لا أنزل عليكم بعدها فريضة، قد أكملت لكم الفرائض.

[محمّد بن الحسين و غيره، عن سهل‏ «1»، عن محمّد بن عيسى و محمّد بن يحيى و محمّد بن الحسين جميعا عن محمّد بن سنان، عن إسماعيل بن جابر، و عبد الكريم بن عمرو، عن عبد الحميد بن أبي الدّيلم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام-: فلمّا رجع رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- من حجّة الوداع نزل عليه جبرئيل- عليه السّلام-

فقال: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ‏ فنادى النّاس، فاجتمعوا. و أمر بسمرات فقمّ شوكهنّ. ثمّ قال- صلّى اللّه عليه و آله-: يا أيّها النّاس، من وليّكم و أولى النّاس بكم من أنفسكم؟

فقالوا: اللّه و رسوله.

فقال: من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ وال من والاه و عاد من عاداه- ثلاث مرّات- فوقعت حسكة النّفاق في قلوب القوم و قالوا: و ما أنزل اللّه- جلّ ذكره- هذا على محمّد قطّ، و ما يريد إلّا أن يرفع بضبع ابن عمّه.] «2».

و في كتاب الاحتجاج‏ «3» [للطّبرسيّ- رحمه اللّه- بإسناده إلى محمّد بن عليّ الباقر-] «4» عليه السّلام- أنّه قال‏: حجّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- من المدينة، و قد بلّغ جميع الشّرائع قومه غير الحجّ و الولاية. فأتاه جبرئيل- عليه السّلام-

فقال له: يا محمّد، إنّ اللّه- عزّ و جلّ- يقرئك السّلام و يقول لك: إنّي لم أقبض نبيّا من أنبيائي و لا رسولا من رسلي، إلّا بعد إكمال ديني و تأكيد حجّتي، و قد بقي عليك من ذلك فريضتان ممّا يحتاج أن تبلّغهما قومك: فريضة الحجّ و فريضة الولاية و الخلافة من بعدك. فإنّي لم أخل أرضي من حجّة و لن أخليها أبدا. فإنّ اللّه يأمرك أن تبلّغ قومك الحجّ، تحجّ و يحجّ معك‏
______________________________
(1) نفس المصدر 1/ 295، ضمن حديث أوّله في ص 293.
(2) ما بين المعقوفتين ليس في أ.
(3) الاحتجاج 1/ 66- 86.
(4) ليس في أ. و فيه: «عنه» بدلا.

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج‏4، ص 170

كلّ‏ «1» من استطاع إليه سبيلا من أهل الحضر و الأطراف و الأعراب، و تعلّمهم من معالم حجتهم مثل ما علّمتهم من صلاتهم و زكاتهم و صيامهم، و توقفهم من ذلك على مثال الّذي أوقفتهم عليه من جميع ما بلّغتهم من الشّرائع.

فنادى منادي رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- في النّاس: ألا إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- يريد الحجّ، و أن يعلّمكم من ذلك مثل الّذي علّمكم من شرائع دينكم، و يوقفكم من ذلك على ما أوقفكم عليه من غيره. فخرج [رسول اللّه‏] «2»- صلّى اللّه عليه و آله-

و خرج معه النّاس، و أصغوا إليه لينظروا ما يصنع فيصنعوا مثله، فحجّ بهم. و بلغ من حجّ مع رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- من أهل المدينة و أهل الأطراف و الأعراب، سبعين ألف إنسان أو يزيدون، على نحو عدد أصحاب موسى- عليه السّلام- السّبعين ألف الّذين أخذ عليهم بيعة هارون- عليه السّلام- فنكثوا و اتّبعوا العجل و السّامريّ.

و كذلك [أخذ] «3» رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- البيعة «4» لعليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- بالخلافة على عدد أصحاب موسى- عليه السّلام- فنكثوا البيعة و اتّبعوا العجل [السّامريّ‏] «5» سنّة بسنّة، و مثلا بمثل. و اتّصلت التّلبية ما بين مكّة و المدينة.

فلمّا وقف بالموقف أتاه جبرئيل- عليه السّلام- عن اللّه- تعالى- فقال:
يا محمّد إنّ اللّه- عزّ و جلّ- يقرئك السّلام، و يقول لك: إنّه قد دنا أجلك و مدّتك و أنا مستقدمك على ما لا بدّ منه و لا عنه محيص. فاعهد عهدك، و قدّم وصيّتك، و اعمد إلى ما عندك من العلم و ميراث علوم الأنبياء من قبلك و السّلاح و التّابوت و جميع ما عندك من آيات الأنبياء- عليهم السّلام- فسلّمها «6» إلى وصيّك و خليفتك من بعدك حجّتي البالغة على خلقي عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-. فأقمه للنّاس علما. و جدّد عهده و ميثاقه و بيعته. و ذكّرهم ما أخذت عليهم من بيعتي و ميثاقي الّذي واثقتهم به و عهدي الّذي‏
______________________________
1 و 2- ليس في المصدر.
(3) من المصدر.
(4) النسخ: أخذ البيعة.
(5) من المصدر.
(6) المصدر: فسلّمه.

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج‏4، ص 171

عهدت إليهم من ولاية وليّي و مولاهم و مولى كلّ مؤمن و مؤمنة عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-. فإنّي لم أقبض نبيّا من الأنبياء، إلّا من بعد إكمال ديني‏ «1» و إتمام نعمتي بولاية أوليائي و معاداة أعدائي. و ذلك كمال توحيدي و ديني و إتمام نعمتي على خلقي، باتّباع وليّي و طاعته.

و ذلك أنّي لا أترك أرضي بغير [وليّ و لا] «2» قيّم، ليكون حجّة لي على خلقي. ف الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ‏ (الآية) «3» بولاية وليّي و مولى كلّ مؤمن و مؤمنة. عليّ عبدي، و وصي نّبييّ، و الخليفة من بعده، و حجّتي البالغة على خلقي مقرون طاعته بطاعة محمّد نبيّي و مقرون طاعته مع طاعة محمّد بطاعتي.

من أطاعه فقد أطاعني، و من عصاه فقد عصاني. جعلته علما بيني و بين خلقي، من عرفه كان مؤمنا، و من أنكره كان كافرا، و من أشرك ببيعته كان مشركا، و من لقيني بولايته دخل الجنّة، و من لقيني بعداوته دخل النّار. فأقم يا محمّد عليّا علما، و خذ عليهم البيعة، و جدد عليهم‏ «4» عهدي و ميثاقي لهم الّذي واثقتهم عليه. فإنّي قابضك إليّ و مستقدمك عليّ.

فخشي رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- قومه و أهل النّفاق و الشّقاق، أن يتفرّقوا و يرجعوا جاهليّة «5» لما عرف من عداوتهم و لما تنطوي عليه أنفسهم لعليّ- عليه السّلام- من العداوة و البغضاء «6».

و سأل جبرئيل- عليه السّلام- أن يسأل ربّه العصمة من النّاس، و انتظر أن يأتيه جبرئيل بالعصمة من النّاس عن اللّه- جلّ اسمه- فأخّر ذلك إلى أن بلغ مسجد الخيف. فأتاه جبرئيل- عليه السّلام- في مسجد الخيف. فأمره أن يعهد عهده، و يقيم عليّا [علما] «7» للنّاس [يهتدون به.] «8» و لم يأته بالعصمة من اللّه- جلّ جلاله- بالذي أراد، حتّى بلغ‏ «9» كراع الغميم بين مكّة و المدينة. فأتاه جبرئيل- عليه‏
______________________________
(1) المصدر: إكمال ديني و حجتي.
(2) من المصدر.
(3) ذكر في المصدر الآية بطولها بدل «الآية.»
(4) ليس في المصدر.
(5) المصدر: إلى جاهلية.
(6) هكذا في المصدر. و في النسخ: «البغضة» بدل «العداوة و البغضاء».
7 و 8- من المصدر.
(9) هكذا في المصدر. و في النسخ: أتى.

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج‏4، ص 172

السلام- و أمره بالّذي أتاه به من قبل اللّه‏ «1»، و لم يأته بالعصمة.

فقال: يا جبرئيل، إنّي أخشى قومي أن يكذّبوني، و لا يقبلوا قولي في علي‏ «2».
فرحل، فلمّا بلغ غدير خمّ قبل الجحفة بثلاثة أميال أتاه جبريل- عليه السّلام- على خمس ساعات مضت من النّهار بالزّجر و الانتهار «3» و العصمة من الناس.

فقال: يا محمّد، إنّ اللّه- عزّ و جلّ- يقرئك السّلام، و يقول لك: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ‏ في عليّ‏ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ‏.

و كان أوائلهم قريب‏ «4» من الجحفة. فأمر «5» بأن يردّ من تقدّم منهم، و يحبس‏ «6» من تأخّر عنهم في ذلك المكان، ليقيم عليا للنّاس‏ «7»، و يبلّغهم ما أنزل اللّه- تعالى- في عليّ- عليه السّلام- و أخبره بأنّ اللّه- عزّ و جلّ- قد عصمه من النّاس.

فأمر رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- عند ما جاءته العصمة مناديا ينادي في النّاس بالصّلاة جامعة، و يرد من تقدّم منهم، و يحبس من تأخّر. فتنحّى عن يمين الطّريق إلى جنب مسجد الغدير، أمره بذلك جبرئيل- عليه السّلام- عن اللّه- عزّ و جلّ- و [كان‏] في الموضع سلمات، فأمر رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- أن يقمّ ما تحتهنّ و ينصب له أحجار كهيئة المنبر ليشرف على النّاس. فتراجع النّاس، و احتبس أواخرهم في ذلك المكان لا يزالون.

فقام رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- فوق تلك الأحجار. ثمّ حمد اللّه- تعالى- و أثنى عليه. فقال: الحمد للّه الّذي علا في توحّده، و دنا في تفرّده، و جلّ في سلطانه،
______________________________
(1) المصدر: «أتاه فيه قبل اللّه» بدل «أتاه به من قبل اللّه.»
(2) يوجد في المصدر بعد هذه العبارة: [فسأل جبرئيل كما سأل بنزول آية العصمة فأخّره ذلك.]
(3) هكذا في المصدر. و في النسخ: الانتهاء.
(4) هكذا في المصدر. و في النسخ: قربت.
(5) هكذا في المصدر. و في النسخ: فأمره.
(6) ليس في المصدر.
(7) المصدر: علما للناس.

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج‏4، ص 173

و يحيي، و يفقر و يغني، و يضحك و يبكي [و يدني و يقصي‏] «1» و يمنع و يؤتي. له الملك و له الحمد، بيده الخير، و هو على كلّ شي‏ء قدير. يولج اللّيل في النّهار، و يولج النّهار في اللّيل. لا إله إلّا هو العزيز الغفّار.

مجيب الدّعاء «2»، و مجزل العطاء. محصي الأنفاس، و ربّ الجنّة و النّاس. لا يشتكل عليه شي‏ء، و لا يضجره صراخ المستصرخين، و لا يبرمه إلحاح الملحّين. العاصم للصّالحين، و الموفّق للمفلحين، و مولى العالمين. الّذي استحقّ من كلّ [من‏] «3» خلق أن يشكره و يحمده.

[أحمده‏] «4» على السّرّاء و الضّرّاء و الشّدّة و الرّخاء. و أؤمن به و بملائكته و كتبه و رسله. أسمع أمره. و أطيع و أبادر إلى كلّ ما يرضاه، و أستسلم لقضائه رغبة في طاعته و خوفا من عقوبته لأنّه اللّه الّذي لا يؤمن مكره و لا يخاف جوره.

[و] «5» أقرّ له على نفسي بالعبوديّة، و أشهد له بالرّبوبيّة. و أؤدّي ما أوحي إليّ، حذرا من أن أفعل فتحلّ بي منه قارعة، لا يدفعها عنّي أحد و إن عظمت حيلته. لا إله إلّا هو، لأنّه قد أعلمني أنّي إن لم أبلّغ ما أنزل إليّ فما بلّغت رسالته. و قد ضمن لي- تبارك و تعالى- العصمة.

و هو [اللّه‏] «6» الكافي الكريم. فأوحى إليّ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*، يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ‏ في علي‏ «7» وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ‏.

معاشر النّاس، ما قصّرت في تبليغ ما أنزل اللّه- تعالى- إلي‏ «8». و أنا مبيّن لكم سبب نزول هذه الآية: إنّ جبرئيل- عليه السّلام- هبط إليّ مرارا ثلاثا يأمرني عن السّلام ربّي و هو السّلام، أن أقوم في هذا المشهد، فأعلم كلّ أبيض و أسود، أنّ عليّ بن أبي طالب أخي و وصيّي و خليفتي و الإمام من بعدي، الّذي محلّه منّي محلّ هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي، و هو وليّكم بعد اللّه و رسوله. و قد أنزل اللّه- تبارك و تعالى-
______________________________
(1) ليس في المصدر.
(2) هكذا في المصدر. و في النسخ: مستجيب الدعاء.
3 و 4 و 5- من المصدر.
(6) من المصدر.
(7) يوجد في المصدر بعد هذه العبارة: [يعني في الخلافة لعليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-.]
(8) هكذا في المصدر. و في النسخ: «أنزله» بدل «أنزل اللّه تعالى إليّ.»

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج‏4، ص 174

و عظم في أركانه، و أحاط بكلّ شي‏ء علما و هو في مكانه، و قهر جميع الخلق بقدرته و برهانه، مجيدا لم يزل محمودا، لا يزال بارئ المسموكات، و داحي المدحوّات، و جبّار الأرضين و السّموات. سبّوح قدّوس‏ «1» ربّ الملائكة و الرّوح.

متفضّل على جميع من برأه، متطوّل على من أنشأه. «2» يلحظ كلّ عين، و العيون لا تراه. كريم حليم ذو أناة. قد وسع كلّ شي‏ء برحمته‏ «3»،

و منّ عليهم بنعمته. لا يعجل بانتقامه، و لا يبادر إليهم بما استحقّوا من عذابه. قد فهم السّرائر، و علم الضّمائر، و لم تخف عليه المكنونات، و لا اشتبهت عليه الخفيّات. له الإحاطة بكلّ شي‏ء، و الغلبة على كلّ شي‏ء، و القوّة في كلّ شي‏ء، و القدرة على كلّ شي‏ء. ليس مثله شي‏ء،

و هو منشئ الشي‏ء حين لا شي‏ء. دائم قائم بالقسط، لا إله إلّا هو العزيز الحكيم. جلّ عن أن تدركه الأبصار، و هو يدرك الأبصار، و هو اللّطيف الخبير. لا يلحق أحد وصفه من معاينة، و لا يجد أحد كيف هو من سرّ و علانية إلّا بما دلّ- عزّ و جلّ- على نفسه.

و أشهد أنّه اللّه الّذي ملأ الدّهر قدسه، و الّذي يغشى الأبد نوره، و الّذي ينفذ أمره بلا مشاورة مشير و لا معه شريك في تقدير و لا تفاوت في تدبير.

صوّر ما أبدع على غير مثال، و خلق ما خلق بلا معونة من أحد و لا تكلّف و لا احتيال. أنشأها فكانت، و برأها فبانت. فهو اللّه الّذي لا إله إلّا هو، المتقن الصّنعة، الحسن الصّنيعة، العدل الّذي لا يجور، و الأكرم الّذي ترجع إليه الأمور.

و أشهد أنّه الّذي تواضع كلّ شي‏ء لقدرته، و خضع كلّ شي‏ء لهيبته. مالك الأملاك‏ «4»، و مفلك الأفلاك، و مسخّر الشّمس و القمر كلّ يجري لأجل مسمّى. يكوّر اللّيل على النّهار و يكوّر النّهار على اللّيل، يطلبه حثيثا. قاصم كلّ جبّار عنيد، و مهلك كلّ شيطان مريد. لم يكن معه ضدّ و لا ندّ. أحد صمد، لم يلد و لم يولد، و لم يكن له كفوا أحد. إله واحد، و ربّ ماجد. يشاء فيمضي، و يريد فيقضي، و يعلم فيحصي، و يميت‏
______________________________
(1) المصدر: قدّوس سبّوح.
(2) هكذا في المصدر. و في النسخ: أدناه.
(3) المصدر: رحمته.
(4) المصدر: ملك الأملاك.

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج‏4، ص 175

عليّ بذلك آية من كتابه‏ «1»: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ‏ و عليّ بن أبي طالب أقام الصّلاة و آتى الزّكاة و هو راكع، يريد اللّه- عزّ و جلّ- في كلّ حال.

و سألت جبرئيل- عليه السّلام- أن يستعفي لي عن تبليغ ذلك إليكم- أيّها النّاس- لعلمي بقلّة المتّقين، و كثرة المنافقين، و إدغال الآثمين، و ختل المستهزئين بالإسلام. الّذين وصفهم اللَّه في كتابه، بأنّهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم و يحسبونه هيّنا و هو عند اللّه عظيم. و كثرة أذاهم لي في غير مرّة حتّى سمّوني: أذنا.

و زعموا أنّي كذلك لكثرة ملازمته إيّاي و إقبالي عليه، حتّى أنزل اللّه- عزّ و جلّ- في ذلك قرآنا «2»: وَ مِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَ يَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ‏ على الّذين يزعمون أنّه أذن‏ خَيْرٌ لَكُمْ. (الآية) و لو شئت أن أسمّي بأسمائهم لسمّيت، و أن أومئ إليهم بأعيانهم لأومأت، و أن أدلّ عليهم لدللت.

و لكنّي- و اللّه- في أمورهم قد تكرّمت. و كلّ ذلك لا يرضى اللّه منّي إلّا أن أبلغ ما أنزل إليّ. ثمّ تلا- عليه السّلام-: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ‏- في علي- وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ‏.

فاعلموا معاشر النّاس، أنّ اللّه قد نصّبه لكم وليّا و إماما. مفترضا طاعته، على المهاجرين و الأنصار، و على التّابعين لهم بإحسان، و على البادي و الحاضر، و على الأعجميّ و العربيّ و الحر و المملوك و الصّغير و الكبير، و على الأبيض و الأسود، و على كلّ موحّد ماض حكمه جائز قوله نافذ أمره. ملعون من خالفه، مرحوم من تبعه. و من صدّقه‏ «3» فقد غفر اللّه له و لمن سمع منه و أطاع له.

معاشر النّاس، إنّه آخر مقام أقومه في هذا المشهد. فاسمعوا و أطيعوا، و انقادوا لأمر ربّكم. فإنّ اللّه- عزّ و جلّ- هو ربّكم و وليّكم‏ «4» و إلهكم، ثمّ من دونه محمّد
______________________________
(1) المائدة/ 55.
(2) التوبة/ 61.
(3) المصدر: «مؤمن من صدّقه» بدل «و من صدّقه.»
(4) المصدر: «مولاكم» بدل «ربّكم و وليّكم.»

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج‏4، ص 176

وليكم‏ «1» القائم المخاطب لكم، ثمّ من بعدي عليّ وليّكم و إمامكم بأمر اللّه‏ «2» ربّكم، ثم الإمامة في ذريّتي من ولده إلى يوم [القيامة، يوم‏] «3» تلقون اللّه و رسوله. لا حلال إلّا ما أحلّه اللّه، و لا حرام إلّا ما حرّمه اللّه. عرّفني الحلال و الحرام، و أنا أمضيت بما علّمني ربّي من كتابه و حلاله و حرامه إليه.

معاشر النّاس، ما من علم إلّا و قد أحصاه اللّه فيّ، و كلّ علم علمته‏ «4» فقد أحصيته في علي‏ «5» إمام المتّقين. ما من علم، إلّا [و قد] «6» علّمته عليّا. و هو الإمام المبين.

معاشر النّاس، لا تضلّوا عنه، و لا تنفروا منه، و لا تستنكفوا «7» من ولايته. فهو الّذي يهدي إلى الحقّ و يعمل به، و يزهق الباطل و ينهى عنه، و لا تأخذه في اللّه لومة لائم. ثمّ أنّه أوّل من آمن باللّه و رسوله، و [هو] «8» الذي فدى رسول اللّه‏ «9» بنفسه، و [هو] «10» الّذي كان مع رسول اللّه و لا أحد يعبد اللّه مع رسوله من الرّجال غيره.

معاشر النّاس، فضّلوه فقد فضّله اللّه، و اقبلوه فقد نصّبه اللّه.

معاشر النّاس، إنّه إمام من اللّه. و لن يتوب اللّه على أحد أنكر ولايته، و لن يغفر اللّه له حتما، على اللّه أن يفعل ذلك بمن خالف أمره فيه، و أن يعذبه عذابا نكرا «11» أبد الآباد و دهر الدّهور «فاحذروا أن تخالفوه فتصلوا نارا وقودها الناس و الحجارة اعدّت للكافرين». «12» أيّها النّاس، بي- و اللّه- بشّر الأوّلون من النّبيّين و المرسلين. و أنا خاتم الأنبياء و المرسلين، و الحجّة على جميع المخلوقين من أهل السّماوات و الأرضين. فمن شكّ في ذلك فهو كافر، كفر الجاهليّة الأولى. و من شكّ في شي‏ء من قولي هذا فقد شك في الكلّ منه،
______________________________
(1) هكذا في المصدر. و في النسخ: «رسوله محمد ولي» بدل «محمد وليكم.»
2 و 3- ليس في المصدر.
(4) المصدر: علمت.
5 و 6- ليس في المصدر.
(7) المصدر: و لا تستكبروا.
(8) من المصدر.
(9) المصدر: رسوله.
(10) من المصدر.
(11) المصدر: عذابا شديدا نكرا.
(12) إشارة إلى آية 24، من سورة البقرة.

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج‏4، ص 177

و الشّاكّ في الكلّ‏ «1» فله النّار.

[معاشر النّاس، حباني اللّه بهذه الفضيلة منّا منه عليّ، و إحسانا منه إليّ. و لا إله إلّا هو له الحمد منّي أبد الآبدين و دهر الدّاهرين على كلّ حال.] «2».

معاشر النّاس، فضّلوا عليّا، فإنّه أفضل النّاس بعدي من ذكر و أنثى، بنا أنزل اللّه الرّزق و بقي الخلق، ملعون ملعون، مغضوب مغضوب من ردّ قولي هذا و لم يوافقه. ألا إنّ جبرئيل خبّرني عن اللّه- تعالى- بذلك و يقول: من عادى عليّا و لم يتولّه، فعليه لعنتي و غضبي‏ وَ لْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ «3» و اتّقوا اللّه أن تخالفوه، فتزلّ قدم بعد ثبوتها، إنّ اللّه خبير بما تعلمون.

معاشر النّاس، إنّه جنب اللّه الّذي نزل‏ «4» في كتابه [فقال تعالى‏ «5»: أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ‏] «6» يا حَسْرَتى‏ عَلى‏ ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ..

معاشر النّاس، تدبّروا القرآن، و افهموا آياته، و انظروا إلى محكماته، و لا تتّبعوا متشابهه. فو اللّه لن يبيّن‏ «7» لكم زواجره و لا يوضّح لكم تفسيره، إلّا الّذي أنا آخذ بيده و مصعده إليّ و شائل بعضده و معلمكم: ألا من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه. و هو عليّ بن أبي طالب أخي و وصيّي. و موالاته من اللّه- عزّ و جلّ- أنزلها عليّ.

معاشر النّاس، إنّ عليّا و الطّيّبين من ولدي هم الثّقل الأصغر، و القرآن هو الثّقل الأكبر: فكلّ واحد منبئ عن صاحبه و موافق له. لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض. هم أمناء اللّه في خلقه، و حكّامه‏ «8» في أرضه. [ألا و قد أدّيت، ألا و قد بلّغت،] «9» ألا و قد أسمعت، ألا و قد أوضحت، ألا و إنّ اللّه- عزّ و جلّ- قال و أنا قلت عن اللّه- عزّ و جلّ- ألا إنّه ليس أمير المؤمنين غير أخي هذا، و لا تحلّ إمرة المؤمنين بعدي لأحد غيره. ثمّ ضرب‏
______________________________
(1) المصدر: في ذلك.
(2) ليس في أ.
(3) الحشر/ 18.
(4) المصدر: ذكر.
(5) الزمر/ 56.
(6) ليس في ر.
(7) هكذا في المصدر. و في النسخ: لئن يبيّن.
(8) المصدر: حكمائه.
(9) ليس في أ.

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج‏4، ص 178

بيده إلى عضده، فرفعه. و كان منذ أوّل ما صعد رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- مثال عليّا حتّى صارت رجله مع ركبة رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-.

ثمّ قال: معاشر النّاس، هذا عليّ أخي و وصيّي و واعي علمي، و خليفتي على أمّتي و على تفسير كتاب اللّه- عزّ و جلّ- و الدّاعي إليه، و العامل بما يرضاه، و المحارب لأعدائه، و الموالي على طاعته، و النّاهي عن معصيته. خليفة رسول اللّه، و أمير المؤمنين، و الإمام الهادي، و قاتل النّاكثين و القاسطين و المارقين بأمر اللّه.

أقول: ما يبدّل القول لديّ [بأمر اللّه‏ «1» ربّي. أقول: اللّهمّ، وال من والاه، و عاد من عاداه، و العن من أنكره، و اغضب‏] «2» على من جحد حقّه. اللّهمّ، إنّك أنزلت عليّ أنّ الإمامة [بعدي‏] «3» لعليّ وليّك، عند تبياني ذلك و نصبي إيّاه، بما أكملت لعبادك من دينهم و أتممت عليهم نعمتك‏ «4» و رضيت لهم الإسلام دينا، فقلت‏ «5»: وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ‏. اللّهمّ إنّي أشهدك [و كفى بك شهيدا] «6» أنّي قد بلّغت.

معاشر النّاس، إنّما أكمل اللّه- عزّ و جلّ- «7» دينكم بإمامته. فمن لم يأتمّ به و بمن يقوم مقامه من ولدي من صلبه إلى يوم القيامة و العرض على اللّه- عزّ و جلّ- فأولئك الّذين حبطت أعمالهم و في النّار هم [فيها] «8» خالدون لا يخفّف اللّه‏ «9» عنهم العذاب و لا هم ينظرون.

معاشر النّاس، هذا عليّ أنصركم لي، و أحقّكم بي، و أقربكم إليّ، و أعزّكم عليّ. و اللّه- عزّ و جلّ- و أنا عنه راضيان. و ما نزلت آية رضى إلّا فيه، و ما خاطب اللّه الّذين آمنوا إلّا بدأ به، و لا نزلت آية مدح في القرآن إلّا فيه. و لا شهد اللّه‏ «10» بالجنّة في‏
______________________________
(1) ليس في المصدر.
(2) ليس في أ.
(3) من المصدر.
(4) المصدر: بنعمتك.
(5) آل عمران/ 85.
(6) من المصدر.
(7) هكذا في المصدر. و في النسخ: اللّه- عزّ و جلّ- أكمل.
(8) من المصدر.
9 و 10- ليس في المصدر.

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج‏4، ص 179

هَلْ أَتى‏ عَلَى الْإِنْسانِ. «1» إلّا له، و لا أنزلها في سواه [، و لا مدح بها غيره.
معاشر النّاس، هو ناصر دين اللّه، و المجادل عن رسول اللّه، و هو التّقي النّقي الهادي المهديّ‏] «2» نبيّكم خير نبيّ، و وصيّكم خير وصيّ، و بنوه خير الأوصياء.

معاشر النّاس، ذرّيّة كلّ نبيّ من صلبه، و ذرّيّتي من صلب عليّ.
معاشر النّاس، إنّ إبليس أخرج آدم من الجنّة بالحسد، فلا تحسدوه فتحبط أعمالكم و تزلّ أقدامكم. فإنّ آدم- عليه السّلام- أهبط إلى الأرض بخطيئة واحدة و هو صفوة اللّه- عزّ و جلّ- فكيف بكم و أنتم أنتم؟ و منكم أعداء اللّه. ألا إنّه لا يبعض عليّا إلّا شقي، و لا يتولّى عليّا إلّا نقيّ، و لا يؤمن به إلّا مؤمن مخلص. و في عليّ- و اللّه- أنزلت سورة العصر: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، وَ الْعَصْرِ إلى آخره.

معاشر النّاس، قد استشهدت اللّه و بلّغتكم رسالتي‏ وَ ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ‏ «3»..
معاشر النّاس، اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَ لا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ‏ «4»..
معاشر النّاس، «آمنوا باللّه و رسوله و النّور الّذي أنزل معه‏ «5»». «من قبل أن نطمس وجوها فنردّها على أدبارها «6»».

معاشر النّاس، النّور من اللّه- عزّ و جلّ- فيّ، ثمّ مسلوك‏ «7» في عليّ- عليه السّلام- ثمّ في النّسل منه إلى القائم المهديّ، الّذي يأخذ بحقّ اللّه و بكلّ حقّ هو لنا. لأنّ اللّه- عزّ و جلّ- قد جعلنا حجّة على المقصّرين و المعاندين و المخالفين و الخائنين و الآثمين و الظّالمين من جميع العالمين.
معاشر النّاس، إنّي أنذركم «أنّي رسول اللّه إليكم قد خلت من قبلي الرّسل أ فإن متّ أو قتلت انقلبتم على أعقابكم و من ينقلب على عقبيه فلن يضرّ اللّه شيئا
______________________________
(1) و هي سورة الإنسان (76)
(2) ما بين المعقوفتين ليس في أ.
(3) المائدة/ 99.
(4) آل عمران/ 102.
(5) إشارة إلى آية 8، من سورة التغابن.
(6) إشارة إلى آية 47، من سورة النساء
(7) المصدر: مسلوك ثم.

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج‏4، ص 180

و سيجزي اللّه الشّاكرين‏ «1».» ألا و إنّ عليّا [هو] «2» الموصوف بالصّبر و الشّكر، ثمّ من بعده ولدي من صلبه.

معاشر النّاس، «لا تمنّوا على اللّه تعالى إسلامكم‏ «3»» فيسخط عليكم و يصيبكم بعذاب من عنده «إنّه لبالمرصاد «4»».

معاشر النّاس، [، إنّه‏] سيكون من بعدي أئمّة يدعون إلى النّار، و يوم القيامة لا ينصرون.
معاشر النّاس، إنّ اللّه و أنا بريئان منهم.
معاشر النّاس، إنّهم و أشياعهم و أتباعهم و أنصارهم في الدّرك الأسفل من النّار، و لبئس مثوى المتكبّرين. ألا إنّهم أصحاب الصّحيفة، فلينظر أحدكم في صحيفته.
قال: فذهب على النّاس- إلّا شر ذمة منهم- أمر الصّحيفة.

معاشر النّاس، إنّي أدعها إمامة و وراثة في عقبي إلى يوم القيامة. و قد بلّغت ما أمرت بتبليغه حجّة على كلّ حاضر و غائب، و على كلّ أحد، و ممّن شهد أو لم يشهد، ولد أو لم يولد. فليبلّغ الحاضر الغائب، و الوالد الولد إلى يوم القيامة. و سيجعلونها ملكا و اغتصابا. ألا لعن اللّه الغاصبين و المغتصبين. و عندها سنفرغ لكم أيّها الثّقلان فيرسل عليكما شواظ من نار و نحاس فلا تنتصران.
معاشر النّاس، «إنّ اللّه- عزّ و جلّ- لم يكن يذركم على ما أنتم عليه حتّى يميز الخبيث من الطّيّب و ما كان اللّه ليطلعكم على الغيب‏ «5».».

معاشر النّاس، «إنّه ما من قرية إلّا و اللّه مهلكها بتكذيبها «6»» «و كذلك يهلك القرى و هي ظالمة» «7» كما ذكر اللّه- تعالى- و هذا إمامكم و وليّكم. و هو مواعيد اللّه.
______________________________
(1) إشارة إلى آية 144، من سورة آل عمران.
(2) من المصدر.
(3) إشارة إلى آية 17، من سورة الحجرات.
(4) إشاره إلى آية 14، من سورة الفجر.
(5) إشارة إلى آية 179، من سورة آل عمران.
(6) إشارة إلى آية 208، من سورة الشعراء.
(7) إشارة إلى آية 11، من سورة الأنبياء و آية 45، من سورة الحج.

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج‏4، ص 181

و اللّه يصدق ما وعده.
معاشر النّاس، قد ضلّ قبلكم أكثر الأوّلين. و اللّه لقد أهلك الأوّلين، و هو مهلك الآخرين [. قال اللّه تعالى‏ «1»: أَ لَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ.] «2».

معاشر النّاس، إنّ اللّه قد أمرني و نهاني، و قد أمرت عليّا و نهيته فعلم الأمر و النّهي من ربّه- عزّ و جلّ- فاسمعوا لأمره تسلموا، و أطيعوه تهتدوا، و انتهوا لنهيه ترشدوا، و صيروا إلى مراده و لا تتفرّق بكم السّبل عن سبيله.

[معاشر النّاس،] «3» أنا صراط اللّه المستقيم الّذي أمركم باتّباعه، ثمّ عليّ من بعدي، ثمّ ولدي من صلبه. أئمّة يهدون بالحقّ‏ «4» و به يعدلون. ثمّ قرأ- صلّى اللّه عليه و آله و سلم- الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ إلى آخرها.

و قال: فيّ نزلت، و فيهم نزلت، و لهم عمّت، و إيّاهم خصّت، أولئك «أولياء اللّه لا خوف عليهم و لا هم يحزنون‏ «5».» ألا إن‏ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ‏ «6». ألا إنّ أعداء عليّ هم أهل الشّقاق [و النّفاق و الحادون، و هم‏] «7» العادون و إخوان الشّياطين الّذين يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا «8».

ألا إنّ أولياءهم المؤمنون، الّذين ذكرهم اللّه في كتابه فقال- عزّ و جلّ- «9»: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ‏ (إلى آخر الآية.) ألا إنّ أولياءهم الّذين وصفهم اللّه- عزّ و جلّ- فقال‏ «10»: الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَ هُمْ مُهْتَدُونَ. ألا إنّ [الّذين وصفهم اللّه- عزّ و جلّ- فقال‏ «11»:] «12» الّذين يدخلون‏
______________________________
(1) المرسلات/ 16- 19.
(2) من المصدر.
(3) من المصدر.
(4) المصدر: إلى الحق.
(5) إشارة إلى آية 62، من سورة يونس.
(6) المجادلة/ 22.
(7) من المصدر.
(8) إشارة إلى آية 112، من سورة الانعام.
(9) المجادلة/ 22.
(10) الأنعام/ 82.
(11) إشارة إلى آية 46، من سورة الحجر.
(12) من المصدر.

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج‏4، ص 182

الجنّة آمنين «و تتلقّاهم الملائكة بالتّسليم أن طبتم فادخلوها خالدين‏ «1»» ألا إنّ أولياءهم الّذين قال [لهم‏] «2»- عزّ و جلّ- «3»: يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ [يُرْزَقُونَ فِيها] «4» بِغَيْرِ حِسابٍ‏ ألا إنّ أعداءهم الّذين يصلون سعيرا «5». ألا إنّ أعداءهم الّذين يسمعون «لجهنم شهيقا و هي تفور «6»» «و لها زفير» «7»

[ألا إن أعداءهم الذين قال الله فيهم‏ «8»:] «9» كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها (الآية) ألا إنّ أعداءهم الّذين قال اللّه- عزّ و جلّ- «10». كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَ لَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ «11» (الآية) إنّ أولياءهم‏ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ أَجْرٌ كَبِيرٌ «12»..

معاشر النّاس شتّان ما بين السّعير و الجنّة. عدوّنا من ذمّه اللّه و لعنه، و وليّنا من أحبّه اللّه و مدحه.
معاشر النّاس، ألا «و إنّي منذر، و عليّ هاد «13»».

معاشر النّاس، إنّي نبيّ و عليّ وصيّي. ألا أنّ خاتم الأئمّة منّا القائم المهديّ [صلوات اللّه عليه.] «14» ألا إنّه الظّاهر على الدّين. ألا إنّه المنتقم من الظّالمين. ألا إنّه فاتح الحصون و هادمها. ألا إنّه قاتل كلّ قبيلة من أهل الشّرك. ألا أنّه مدرك بكلّ ثأر لأولياء اللّه- عزّ و جلّ-. ألا إنّه ناصر دين اللّه- عزّ و جلّ- «15». ألا إنّه الغرّاف في بحر عميق.

ألا إنّه يسم كلّ ذي فضل بفضله، و كلّ ذي جهل بجهله. ألا إنّه خيرة اللّه و مختاره. ألا
______________________________
(1) إشارة إلى آية 102- 103، من سورة الأنبياء.
(2) من المصدر.
(3) الزمر/ 40.
(4) من القرآن المجيد.
(5) لعل إشارته- صلّى اللّه عليه و آله- إلى آية 12، من سورة الانشقاق.
(6) إشارة إلى آية 7، من سورة الملك.
(7) إشارة إلى آية 106، من سورة هود.
(8) الأعراف/ 38.
(9) من المصدر.
(10) الملك/ 8.
(11) المصدر: إلى قوله تعالى «في ضلال مبين.»
(12) الملك/ 12.
(13) إشارة إلى آية 7، من سورة الرعد.
(14) ليس في المصدر.
(15) المصدر: الناصر لدين دين اللّه- عزّ و جلّ-.

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج‏4، ص 183

إنّه وارث كلّ علم، و المحيط به. ألا إنّه المخبر عن ربّه- عزّ و جلّ- المنبّه بأمر إيمانه. ألا إنّه الرّشيد السّديد. ألا إنّه المفوّض إليه. ألا إنّه قد بشّر به من سلف بين يديه. ألا إنّه الباقي حجّة و لا حجّة بعده، و لا حقّ إلّا معه، و لا نور إلّا عنده. ألا إنّه لا غالب له، و لا منصور عليه. ألا إنّه وليّ اللّه في أرضه، و حكمه في خلقه، و أمينه في سرّه و علانيته.

معاشر النّاس، قد بيّنت لكم و أفهمتكم، و هذا عليّ يفهمكم بعدي. ألا و إنّي عند انقضاء خطبتي أدعوكم إلى مصافحتي على بيعته و الإقرار به، ثمّ مصافحته من بعدي. ألا و إنّي قد بايعت اللّه، و عليّ قد بايعني، و أنا آخذكم بالبيعة له عن اللّه- عزّ و جلّ- فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى‏ نَفْسِهِ‏ «1» (الآية).

معاشر النّاس‏ إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ «2» مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ «3» (الآية).
معاشر النّاس، حجوا البيت، فما ورده أهل بيت‏ «4» إلّا استغنوا، و لا تخلّفوا عنه إلّا افتقروا.
معاشر النّاس، ما وقف بالموقف مؤمن إلّا غفر اللّه له ما سلف من ذنبه إلى وقته ذلك، فإذا انقضت حجّته استؤنف عمله.

معاشر النّاس، الحجّاج معانون و نفقاتهم مختلفة، و اللّه لا يضيع أجر المحسنين.
معاشر النّاس، حجّوا البيت بكمال الدّين و التّفقّه، و لا تنصرفوا عن المشاهد إلّا بتوبة و إقلاع.
معاشر النّاس، أقيموا الصّلاة و آتوا الزّكاة كما أمركم اللّه- عزّ و جلّ- لئن طال عليكم الأمد فقصّرتم أو نسيتم، فعليّ وليّكم و مبيّن لكم. الّذي نصّبه اللّه- عزّ و جلّ- بعدي، و من خلّفه اللّه منّي و أنا منه، يخبركم بما تسألون منه و يبيّن لكم ما لا تعلمون. ألا إنّ الحلال و الحرام أكثر من أن أحصيهما أو أعرّفهما، فآمر بالحلال و أنهى‏
______________________________
(1) الفتح/ 10.
(2) المصدر و النسخ: المروة و العمرة.
(3) البقرة/ 158.
(4) هكذا في المصدر. و في النسخ: أهل البيت.

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج‏4، ص 184

عن الحرام في مقام واحد. فأمرت أن آخذ البيعة منكم‏ «1» و الصّفقة لكم بقبول ما جئت به عن اللّه- عزّ و جلّ- في علي أمير المؤمنين و الأئمّة من بعده، الّذين هم منّي. و منه أئمّة قائمة منهم المهديّ إلى يوم القيامة، الّذي يقضي بالحقّ.

معاشر النّاس، و كلّ حلال دللتكم عليه و كلّ‏ «2» حرام نهيتكم عنه، فإني لم أرجع عن ذلك و لم أبدّل. ألا فاذكروا ذلك، و احفظوه، و تواصوا به، و لا تبدّلوه و لا تغيّروه. ألا و إنّي أجدّد القول، ألا فأقيموا الصّلاة و آتوا الزّكاة و أمروا بالمعروف و انهوا عن المنكر. ألا و إنّ رأس الأمر بالمعروف [و النّهي عن المنكر،] «3» أن تنتهوا إلى قولي و تبلّغوه من لم يحضره و تأمروه بقبوله و تنهوه عن مخالفته، فإنّه أمر من اللّه- عزّ و جلّ- و منّي. و لا أمر بمعروف و لا نهي عن منكر. إلّا مع إمام معصوم.

معاشر النّاس، القرآن يعرّفكم أنّ الأئمّة من بعده ولده، و عرّفتكم أنّهم‏ «4» منّي و منه. حيث يقول اللّه- عزّ و جلّ- [في كتابه‏ «5»:] «6» وَ جَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ.
و قلت: لن تضلّوا ما إن تمسكتم بهما.

معاشر النّاس، التّقوى. التّقوى. احذروا السّاعة كما قال اللّه- تعالى- «7»:
إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْ‏ءٌ عَظِيمٌ. اذكروا الممات و الحساب، و الموازين و المحاسبة بين يدي ربّ العالمين، و الثّواب و العقاب. فمن جاء بالحسنة أثيب، و من جاء بالسّيّئة فليس له في الجنان نصيب.

معاشر النّاس، إنّكم أكثر من أن تصافقوني بكفّ واحدة، و قد أمرني اللّه- عزّ و جلّ- أن آخذ من ألسنتكم الإقرار بما عقدت لعليّ من إمرة المؤمنين و من جاء بعده من الأئمّة منّي و منه، على ما أعلمتكم أنّ ذرّيّتي من صلبه. فقولوا بأجمعكم: إنّا سامعون مطيعون، راضون منقادون لما «8» بلّغت عن ربّنا و ربّك في أمر عليّ- صلوات اللّه عليه-
______________________________
(1) هكذا في المصدر. و في النسخ: عليكم.
(2) المصدر: «أو» بدل «و كلّ».
(3) من المصدر.
(4) المصدر: أنّه.
(5) الزخرف/ 28.
(6) من المصدر.
(7) الحج/ 1.
(8) هكذا في المصدر. و في النسخ: بما.

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج‏4، ص 185

و أمر ولده من صلبه من الأئمّة، نبايعك على ذلك بقلوبنا و أنفسنا و ألسنتنا و أيدينا، على ذلك نحيى و نموت و نبعث، و لا نغيّر و لا نبدّل و لا نشكّ و لا نرتاب، و لا نرجع عن عهد، و لا ننقض الميثاق، و نطيع اللّه و نطيعك و عليا أمير المؤمنين و ولده الأئمّة الّذين ذكرتهم من ذرّيّتك من صلبه بعد الحسن و الحسين، اللّذين قد عرّفتكم مكانهما منّي و محلّهما عندي و منزلتهما من ربّي- عزّ و جلّ- فقد أدّيت ذلك إليكم، و أنّهما سيّدا شباب أهل الجنّة، و أنّهما الإمامان بعد أبيهما عليّ، و أنا أبوهما قبله.

و قولوا: أطعنا اللّه بذلك و إيّاك و عليّا و الحسن و الحسين و الأئمّة الّذين ذكرت عهدا و ميثاقا، مأخوذا لأمير المؤمنين من قلوبنا و أنفسنا و ألسنتنا و مصافقة أيدينا من أدركهما بيده و أقرّ بهما بلسانه و لا نبتغي بذلك بدلا و لا نرى من أنفسنا عنه حولا أبدا. أشهدنا اللّه و كفى باللّه شهيدا، و أنت علينا به شهيد، و كلّ من أطاع ممّن ظهر و استتر، و ملائكة اللّه و جنوده و عبيده، و اللّه أكبر من كلّ شهيد.

معاشر النّاس، ما تقولون؟ فإنّ اللّه يعلم كلّ صوت، و خافية كلّ نفس‏ فَمَنِ اهْتَدى‏ فَلِنَفْسِهِ وَ مَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها «1» «و من بايع فإنّما يبايع اللّه- عزّ و جلّ- يد اللّه فوق أيديهم‏ «2».».

معاشر النّاس، فاتّقوا اللّه و بايعوا عليّا أمير المؤمنين و الحسن و الحسين و الأئمّة، كلمة [طيّبة] «3» باقية. يهلك اللّه من غدر، و يرحم اللّه من و في‏ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى‏ نَفْسِهِ. «4» (الآية).

معاشر النّاس، قولوا الّذي قلت لكم، و سلّموا على عليّ بإمرة المؤمنين و قولوا:
سَمِعْنا وَ أَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَ إِلَيْكَ الْمَصِيرُ «5» و قولوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَ ما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللَّهُ. «6».

[معاشر النّاس، إنّ فضائل عليّ بن أبي طالب عند اللّه- عزّ و جلّ- و قد أنزلها
______________________________
(1) الزمر/ 39.
(2) إشارة إلى آية 10، من سورة الفتح.
(3) من المصدر.
(4) الفتح/ 10.
(5) البقرة/ 285.
(6) الأعراف/ 43.

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج‏4، ص 186

في القرآن أكثر من أن أحصيها في مكان واحد، فمن أبناكم بها و عرّفها فصدّقوه.] «1».
معاشر النّاس، «من يطع اللّه و رسوله و عليّا و الأئمّة الّذين ذكرتهم فقد فاز فوزا عظيما «2»» «3».
معاشر النّاس، السّابقون‏ «4» إلى مبايعته و موالاته و التّسليم عليه بإمرة المؤمنين «أولئك هم الفائزون في جنّات النّعيم‏ «5»».

معاشر النّاس، قولوا ما يرضى اللّه به عنكم من القول «فإن تكفروا أنتم و من في الأرض جميعا فلن يضرّوا اللّه شيئا.» «6» اللّهمّ اغفر للمؤمنين [و المؤمنات‏] «7» و اغضب على الكافرين [و الكافرات‏] «8» و الحمد للّه ربّ العالمين.

فناداه القوم: نعم‏ «9»، سمعنا و أطعنا على أمر اللّه و أمر رسوله بقلوبنا و ألسنتنا و أيدينا. و تداكّوا على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- و على عليّ فصافقوا بأيديهم. فكان أوّل من صافق رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- الأوّل و الثّاني و الثّالث و الرّابع و الخامس، و باقي المهاجرين و الأنصار، و باقي النّاس على طبقاتهم و قدر منازلهم إلى أن صلّيت المغرب‏ «10» و العتمة في وقت واحد. و واصلوا «11» البيعة و المصافقة ثلاثا، و رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- يقول كلّما بايع قوم: الحمد للّه الّذي فضّلنا على جميع العالمين. و صارت المصافقة سنّة و رسما. و ربّما يستعملها من ليس له حقّ فيها.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «12» قال‏: نزلت هذه الآية في منصرف رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- من حجّة الوداع. و حجّ رسول اللّه حجّة الوداع لتمام عشر حجج من‏
______________________________
(1) ليس في أ.
(2) هكذا في ر و هامش الأصل بدلا. و في سائر النسخ و المصدر: مبينا.
(3) إشارة إلى آية 72، من سورة النساء.
(4) المصدر: السابقون السابقون.
(5) إشارة إلى آيتي 20- 21، من سورة التوبة.
(6) إشارة إلى آيتي 176- 177، من سورة آل عمران.
7 و 8 و 9- ليس في المصدر.
(10) هكذا في المصدر. و في النسخ: العشاء.
(11) المصدر: وصلوا.
(12) تفسير القمي 1/ 171- 175.

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج‏4، ص 187

مقدمه المدينة. و كان من قوله [في خطبته‏] «1» بمنى، أن حمد اللّه و أثنى عليه، ثمّ قال: أيّها النّاس، اسمعوا قولي و اعقلوه عنّي، فإنّي لا أدري لعلّي لا ألقاكم بعد عامي هذا.
ثمّ قال: هل تعلمون أيّ يوم أعظم حرمة؟
قال النّاس: هذا اليوم.
قال: فأيّ شهر؟
قال النّاس: هذا الشّهر «2».
قال: و أيّ بلد أعظم حرمة؟
قالوا: بلدنا هذا.
قال: فإنّ دماءكم و أموالكم و أعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا إلى يوم تلقون ربّكم فيسألكم عن أعمالكم. ألا هل بلّغت أيّها النّاس؟
قالوا: نعم.

قال: اللّهمّ أشهد. ثمّ قال: ألا و كلّ مأثرة أو بدعة «3» كانت في الجاهليّة أو دم أو مال، فهو تحت قدمي هاتين. ليس أحدكم أكرم من أحد إلّا بالتّقوى. ألا هل بلّغت؟
قالوا: نعم.

قال: اللّهمّ اشهد. ثمّ قال: ألا و كلّ ربا كان في الجاهليّة فهو موضوع، و أوّل موضوع منه ربا العبّاس بن عبد المطلب. ألا و كلّ دم كان في الجاهليّة فهو موضوع، و أول موضوع منه دم ربيعة. ألا هل بلّغت؟
قالوا: نعم.

قال: اللّهمّ اشهد. ثمّ قال: ألا و إنّ الشّيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم هذه، و لكنّه راض بما تحتقرون من أعمالكم. ألا و إنّه إذا أطيع فقد عبد. ألا أيّها النّاس، إنّ المسلم أخ المسلم حقّا، و لا يحلّ لامرئ مسلم دم امرئ مسلم و ماله إلّا ما أعطاه بطيبة نفس منه. و إنّي أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يقولوا: لا إله إلّا اللّه. فإذا قالوها فقد
______________________________
(1) ليس في المصدر.
(2) ليس في المصدر.
(3) هكذا في المصدر. و في النسخ: بدع.

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج‏4، ص 188

عصموا منّي دماءهم و أموالهم إلّا بحقّها، و حسابهم على اللّه ألا هل بلّغت أيّها النّاس؟
قالوا: نعم.

قال: اللّهمّ أشهد. ثمّ قال: أيّها النّاس، احفظوا قولي تنتفعوا به بعدي، و افقهوه‏ «1» تنتعشوا. لا ترجعوا بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض بالسّيف على الدّنيا، فإن أنتم‏ «2» فعلتم ذلك- و لتفعلنّ- لتجدوني في كتيبة بين جبرئيل و ميكائيل أضرب وجوهكم بالسّيف. ثمّ التفت عن يمينه و سكت ساعة. ثمّ قال: إن شاء اللّه، أو عليّ بن أبي طالب.

ثمّ قال: ألا و إنّي قد تركت فيكم أمرين. إن أخذتم بهما لن تضلّوا: كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي. فإنّه نبّأني اللّطيف الخبير، أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض. ألا فمن اعتصم بهما فقد نجا، و من خالفهما فقد هلك ألا هل بلّغت؟
قالوا: نعم.

قال: اللّهمّ اشهد. ثمّ قال: ألا و إنّه سيرد عليّ الحوض منكم رجال فيعرفون‏ «3» فيدفعون عنّي، فأقول: يا ربّ أصحابي. فيقال: يا محمّد، إنّهم قد أحدثوا بعدك و غيّروا سنّتك. فأقول: سحقا سحقا.

فلمّا كان آخر يوم من أيّام التّشريق، أنزل اللّه- تعالى-: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَ الْفَتْحُ. فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: نعيت إليّ نفسي. ثمّ نادى الصّلاة جامعة في مسجد الخيف، فاجتمع النّاس. فحمد اللّه و أثنى عليه، ثمّ قال: نصر اللّه امرأ سمع مقالتي فوعاها، و بلغها من‏ «4» لم يسمعها. فربّ حامل فقه غير فقيه، و ربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه. ثلاث لا يغلّ عليهنّ قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل للّه، و النّصيحة لأئمّة المسلمين، و لزوم جماعتهم فإنّ دعوته محيطة من ورائهم. المؤمنون إخوة تتكافأ دماؤهم، يسعى بذمّتهم أدناهم، و هم يد على من سواهم.
أيّها النّاس، إنّي تارك فيكم الثّقلين.
______________________________
(1) المصدر: و افهموه.
(2) ليس في المصدر.
(3) ليس في المصدر.
(4) هكذا في المصدر. و في النسخ: لمن.

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج‏4، ص 189

قالوا: يا رسول اللّه، و ما الثّقلان؟
فقال: كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي. فإنّه قد نبّأني اللّطيف الخبير، أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض، كاصبعيّ هاتين- و جمع بين سبّابتيه- و لا أقول: كهاتين- و جمع بين سبّابته و الوسطى- فيتفضّل هذه على هذه.

فاجتمع قوم من أصحابه و قالوا: يريد محمّد أن يجل الإمامة في أهل بيته. فخرج منهم أربعة نفر إلى مكّة، و دخلوا الكعبة و تعاهدوا و تعاقدوا، و كتبوا فيما بينهم كتابا:

إن أمات اللّه محمّدا أو قتله‏ «1»، أن لا يردّوا هذا الأمر في أهل بيته أبدا. فأنزل اللّه على نبيّه في ذلك‏ «2»: أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَ نَجْواهُمْ بَلى‏ وَ رُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ.

فخرج رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- من مكّة يريد المدينة، حتّى نزل منزلا يقال له: غدير خمّ. و قد علّم النّاس مناسكهم و أو عز إليهم وصيّته، إذ أنزل اللّه عليه هذه الآية: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ‏ (الآية) فقام رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- فقال: تهديد و وعيد. فحمد اللّه‏ «3» و أثنى عليه، ثمّ قال:
أيّها النّاس، هل تعلمون من وليّكم؟

قالوا: نعم و اللّه و رسوله.
قال: ألستم تعلمون أنّي أولى بكم من أنفسكم؟
قالوا: بلى.

قال: اللّهمّ أشهد. فأعاد ذلك عليهم ثلاثا. كلّ ذلك يقول مثل قوله الأوّل، و يقول النّاس كذلك، و يقول: اللّهمّ اشهد.

ثمّ أخذ بيد أمير المؤمنين- عليه السّلام- فرفعه حتّى بدا للنّاس بياض إبطيه. ثمّ قال: ألا من كنت مولاه [فهذا عليّ مولاه.] «4» اللّهمّ وال من والاه، و عاد من عاداه، و انصر من نصره، و اخذل من خذله، و أحبّ من أحبّه. ثمّ [رفع رأسه إلى السّماء] «5»
______________________________
(1) المصدر: «مات محمّد أو قتل» بدل «أمات اللّه محمدا أو قتله.»
(2) الزخرف/ 79- 80.
(3) المصدر: «بعد أن حمد اللّه» بدل «تهديد و وعيد فحمد اللّه.»
4 و 5- ليس في أ.

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج‏4، ص 190

فقال: اللّهمّ أشهد عليهم، و أنا من الشاهدين.
فاستفهمه عمر من بين أصحابه‏ «1»، فقال: يا رسول اللّه، هذا من اللّه أو «2» من رسوله؟
فقال رسول اللّه: نعم، من اللّه و من رسوله. إنّه أمير المؤمنين، و إمام المتّقين، و قائد الغرّ المحجّلين، يقعده اللّه يوم القيامة على الصّراط فيدخل أولياءه الجنة و أعداءه النّار.

فقال أصحابه الّذين ارتدّوا بعده: قد قال محمّد في مسجد الخيف ما قال و قال هاهنا ما قال. و إن رجع إلى المدينة يأخذنا بالبيعة له. فاجتمع أربعة عشر نفرا و تآمروا على قتل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- و قعدوا له في العقبة- و هي عقبة حرشي‏ «3» بين الجحفة و الأبواء- فقعدوا، سبعة عن يمين العقبة و سبعة عن يسارها، لينفّروا ناقة رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- فلما جنّ اللّيل تقدّم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- في تلك اللّيلة العسكر فأقبل ينعس على ناقته، فلمّا دنا من العقبة ناداه جبرئيل: يا محمّد، إنّ فلانا و فلانا و فلانا «4» قد قعدوا لك. فنظر رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- فقال: من هذا خلفي؟

فقال حذيفة بن اليمان: أنا حذيفة بن اليمان، يا رسول اللّه.
قال: سمعت ما سمعت؟
قال: بلى.

قال: فاكتم. ثمّ دنا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- منهم فناداهم بأسمائهم، فلمّا سمعوا نداء رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- فرّوا و دخلوا في غمار النّاس، و قد كانوا عقلوا رواحلهم فتركوها، و لحق النّاس برسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- و طلبوهم، و انتهى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- إلى رواحلهم‏
______________________________
(1) المصدر: فقام من بين أصحابه.
(2) المصدر: «و» بدل «أو».
(3) النسخ و المصدر: هرشي.
(4) ليس في المصدر.

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج‏4، ص 191

فعرفهم‏ «1». فلمّا نزل قال: ما بال أقوام تحالفوا في الكعبة «إن أمات اللّه محمّدا «2» أو قتله‏ «3» أن لا يردّوا هذا الأمر في أهل بيته أبدا.».

فجاءوا إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- فحلفوا، أنّهم لم يقولوا من ذلك شيئا و لم يريدوه و لم يهمّوا بشي‏ء في رسول اللّه‏ «4». فأنزل اللّه‏ «5»: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا أن لا يردّوا هذا الأمر في أهل بيت رسول اللّه‏ وَ لَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَ كَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَ هَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا «6» من قتل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- وَ ما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَ إِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ ما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لا نَصِيرٍ. «7».

فرجع رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- إلى المدينة، و بقي فيها المحرّم‏ «8» و النّصف من صفر لا يشتكي شيئا: ثمّ ابتدأ به الوجع الّذي توفّي فيه- صلّى اللّه عليه و آله-.

[فحدثني أبي‏ «9»، عن مسلم بن خالد، عن محمّد بن جابر، عن ابن مسعود قال:
قال لي رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- لمّا رجع من حجّة الوداع: يا ابن مسعود، قد قرب الأجل و نعيت إليّ نفسي، فمن لذلك بعدي؟ فأقبلت أعدّ عليه رجلا رجلا، فبكى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- ثمّ قال: ثكلتك الثّواكل، فأين أنت [عن‏] «10» عليّ بن أبي طالب، لم [لا] «11» تقدمه على الخلق أجمعين؟ يا ابن مسعود، إنّه إذا كان يوم القيامة رفعت لهذه الأمّة أعلام، فأوّل الأعلام لوائي الأعظم مع عليّ ابن أبي طالب و النّاس جميعا تحت لوائي، ينادي مناد، هذا الفضل يا ابن أبي طالب.
حدّثني أبي‏ «12» عن ابن أبي عمير، عن ابن سنان، عن أبي عبد اللّه‏
______________________________
(1) المصدر: «فعرفهم» أ: فعرفها.
هكذا في المصدر. و في أ: «فعرفها.» و في سائر النسخ: فوقها.
(2) المصدر: مات محمد.
(3) المصدر: قتل.
(4) المصدر: «و لم يكتموا شيئا من رسول اللّه» بدل «و لم يهمّوا بشي‏ء في رسول اللّه».
5 و 6- التوبة/ 74.
(7) التوبة/ 74.
(8) المصدر: و بقي بها محرم.
(9) نفس المصدر 1/ 175.
10 و 11- من المصدر.
(12) نفس المصدر 2/ 201.

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج‏4، ص 192

- عليه السّلام- قال‏: لمّا أمر اللّه نبيّه- صلّى اللّه عليه و آله- أن ينصّب أمير المؤمنين- عليه السّلام- للنّاس في قوله: «يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك في عليّ.» بغدير خمّ، فقال: من كنت مولاه فعليّ مولاه. فجاءت الأبالسة إلى إبليس الأكبر و حثّوا التّراب على رؤوسهم.

فقال [لهم‏] «1» إبليس: ما لكم؟ فقالوا: إنّ هذا الرّجل [قد] «2» عقد اليوم عقدة لا يحلّها شي‏ء إلى يوم القيامة. فقال لهم إبليس: كلا، إنّ الّذين حوله قد وعدوني فيه عدة لن يخلفوني. فأنزل اللّه على نبيّه‏ «3»: وَ لَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ‏ (الآية).

و في عيون الأخبار «4»: حدّثنا الحاكم أبو عليّ الحسين بن أحمد البيهقيّ قال:
حدّثني محمّد بن يحيى الصّوليّ قال: حدّثني سهل بن القاسم النّوشجانيّ قال‏: قال رجل للرّضا- عليه السّلام-: يا ابن رسول اللّه، إنّه يروى عن عروة بن الزّبير أنّه قال: توفّي النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- و هو في تقيّة.
فقال: أمّا بعد قوله- تعالى-: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ. فإنّه أزال كلّ تقيّة بضمان اللّه- عزّ و جلّ- و بيّن أمر اللّه، و لكنّ قريش فعلت ما اشتهت بعده. و أمّا قبل نزول هذه الآية، فلعلّه.

و في تهذيب الأحكام‏ «5»، في الدّعاء بعد صلاة الغدير، المسند إلى الصّادق- عليه السّلام-: ربّنا، إنّنا سمعنا بالنّداء «6»، و صدّقنا المنادي رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- [إذ] «7» نادى بنداء عنك بالّذي أمرته به، أن يبلّغ ما أنزلت إليه من ولاية وليّ أمرك، فحذّرته و أنذرته إن لم يبلّغ أن تسخط عليه، و إنّه إن بلّغ رسالاتك عصمته من النّاس. فنادى مبلّغا وحيك و رسالاتك: ألا من كنت مولاه فعليّ مولاه، و من كنت وليّه فعليّ وليّه، و من كنت نبيّه فعليّ أميره.
______________________________
1 و 2- من المصدر.
(3) سبأ/ 20.
(4) عيون أخبار الرضا- عليه السّلام- 2/ 130، ح 10.
(5) تهذيب الأحكام 3/ 144.
(6) هكذا في المصدر. و في النسخ: بالمنادي.
(7) من المصدر.

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج‏4، ص 193

و في أمالي الصّدوق‏ «1»، بإسناده إلي النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- حديث طويل، يقول فيه لعليّ- عليه السّلام-: و لقد أنزل اللّه- عزّ و جلّ-: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ‏، يعني: في ولايتك يا عليّ. وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ‏ و لو لم أبلّغ ما أمرت به من ولايتك لحبط عملي.

و في تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي‏ «2» قال: حدّثنا الحسين بن الحكم معنعنا، عن عبد اللّه بن عطا قال‏: كنت جالسا عند أبي جعفر- عليه السّلام- قال: أوحى اللّه إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- قل للنّاس: من كنت مولاه فعليّ مولاه. فأبلغ بذلك و خاف النّاس، فأوحى اللّه إليه: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ. فأخذ يد عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- يوم الغدير و قال: من كنت مولاه فعليّ مولاه.

و في شرح الآيات الباهرة «3»: روى الشّيخ الصّدوق محمّد بن بابويه القمّي- رحمه اللّه- في أماليه حديثا صحيحا لطيفا يتضمّن قصّة الغدير مختصرة «4» قال: حدّثني أبي- رضي اللّه عنه- قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن أحمد بن عبد اللّه البرقيّ، عن أبيه، عن خلف بن حمّاد «5»، عن أبي الحسن العبديّ، عن سليمان الأعمش، عن عباءة بن ربعي‏ «6»، عن عبد اللّه بن عبّاس [قال‏:] «7» إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- لمّا اسري به إلى السّماء انتهى به [جبرئيل إلى نهر يقال له: النّور. و هو قول اللّه- عزّ و جلّ-: وَ جَعَلَ الظُّلُماتِ وَ النُّورَ. فلمّا انتهى به‏] «8» إلى ذلك النّهر فقال له جبرئيل: يا محمّد، أعبر على بركة اللّه- عزّ و جلّ- فقد نوّر اللّه لك بصرك، و مدّ لك‏
______________________________
(1) أمالي الصدوق/ 400، في ذيل حديث.
(2) تفسير فرات/ 36.
(3) تأويل الآيات الباهرة، مخطوط، ص 58- 59.
(4) هكذا في المصدر. و في النسخ: مختصرا.
(5) هكذا في المصدر. و في النسخ: الخلف بن حمّاد.
(6) هكذا في المصدر. و في النسخ: «عناية بن ربيع» و هي خطأ. ر. تنقيح المقال 2/ 125، رقم 6190 و نفس المصدر و المجلد، ص 131، رقم 6252.
(7) من المصدر.
(8) ليس في المصدر.

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج‏4، ص 194

أمامك. فإنّ هذا نهر لم يعبره أحد لا ملك مقرّب أو نبيّ مرسل، غير أنّ لي في كلّ [يوم‏] «1» اغتماسة فيه فأخرج‏ «2» منه فأنفض أجنحتي، فليس من قطرة تقطر من أجنحتي إلّا خلق اللّه- تبارك و تعالى- منها ملكا مقرّبا، له عشرون ألف وجه و أربعون ألف لسان، كلّ لسان بلفظ و لغة لا يفقهها اللّسان الآخر. فعبر رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- حتّى انتهى إلى الحجب. و الحجب خمسمائة حجاب. من الحجاب إلى الحجاب سيرة خمسمائة عام. ثمّ قال له جبرئيل: تقدّم يا محمّد.

فقال له: يا جبرئيل، و لم لا تكون معي؟
قال: ليس لي أن أجوز [هذا] «3» المكان. فتقدّم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- ما شاء اللّه أن يتقدّم، حتّى سمع ما قال الرّب- تبارك و تعالى- أنا المحمود، و أنت محمّد. شققت أسمك من اسمي. فمن وصلك وصلته. و من قطعك بتتّه. انزل إلى عبادي، فأخبرهم بكرامتي إيّاك. و إنّي لم ابعث نبيّا إلّا جعلت له وزيرا. و إنّك رسولي، و إنّ عليّا وزيرك.

فهبط رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- فكره أن يحدّث النّاس بشي‏ء كراهة أن يتهموه. لأنّهم كانوا حديثي عهد بالجاهليّة. حتّى مضى لذلك ستّة أيّام، فأنزل اللّه- تبارك و تعالى‏ «4»-: فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى‏ إِلَيْكَ وَ ضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ. فاحتمل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- ذلك حتّى كان اليوم الثامن، فأنزل اللّه- تبارك و تعالى-: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ..

فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: تهديد بعد وعيد، لأمضينّ‏ «5» أمر ربّي.
فإنّ يتّهموني و يكذّبوني، أهون عليّ من أن يعاقبني العقوبة الموجعة في الدّنيا و الآخرة.
______________________________
(1) من المصدر.
(2) هكذا في المصدر. و في النسخ: «اغتمس فيه اغتماسه أخرج» بدل «اغتماسه فيه فأخرج.»
(3) من المصدر.
(4) هود/ 12.
(5) المصدر: لأمضي.

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج‏4، ص 195

قال: و سلّم جبرئيل على عليّ- عليه السّلام- بإمرة المؤمنين.
فقال عليّ- عليه السّلام-: يا رسول اللّه، أسمع الكلام و لا أحسّ الرّؤية.
فقال: يا عليّ، هذا جبرئيل أتاني من قبل ربّي بتصديق ما وعدني. ثمّ أمر رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- رجلا فرجلا من أصحابه، أن يسلّموا عليه بإمرة المؤمنين ثمّ قال: يا بلال، ناد في النّاس أن لا يبقى أحد إلّا عليل إلّا خرج إلى غدير خمّ.

فلمّا كان من الغد، خرج رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- بجماعة من أصحابه. فحمد اللّه و أثنى عليه، ثمّ قال: أيّها النّاس، إنّ اللّه- تبارك و تعالى- أرسلني إليكم برسالة. و إنّي ضقت بها ذرعا، مخافة أن تتّهموني و تكذّبوني‏ «1». فأنزل اللّه- تعالى- وعيدا بعد وعيد. فكان تكذيبكم إيّاي، أيسر عليّ من عقوبة اللّه إيّاي. إنّ اللّه- تبارك و تعالى- أسرى بي و أسمعني، و قال: يا محمّد، أنا المحمود، و أنت محمّد.
شققت اسمك من اسمي. فمن وصلك وصلته. و من قطعك بتتّه. انزل إلى عبادي، فأخبرهم بكرامتي إيّاك. و إنّي لم أبعث نبيّا إلّا جعلت له وزيرا. و إنّك رسولي، و إنّ عليّا وزيرك.

ثمّ أخذ- عليه السّلام- بيد عليّ- عليه السّلام- فرفعها حتّى نظر النّاس بياض إبطيهما، و لم ير قبل ذلك. ثمّ قال: أيّها النّاس، إنّ اللّه- تبارك و تعالى- مولاي و أنا مولى المؤمنين. من كنت مولاه فعليّ مولاه. اللّهمّ وال من والاه، و عاد من عاداه، و انصر من نصره، و اخذل من خذله.

فقال الشّكّاك و المنافقون الّذين في قلوبهم مرض: نبرأ إلى اللّه من مقاله ليس بحتم‏ «2»، و لا نرضى أن يكون عليّ وزيره، و هذه منه عصبيّة.

فقال سلمان و المقداد و أبو ذرّ و عمّار بن ياسر: و اللّه ما برحنا العرصة حتّى نزلت هذه الآية: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً. فكرّر رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- ثلاثا، ثمّ قال: إنّ كمال الدّين و تمام‏
______________________________
(1) هكذا في المصدر. و في النسخ: يتّهموني و يكذّبوني.
(2) المصدر: «مقالته لم تختم» بدل «مقاله ليس بحتم.»

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج‏4، ص 196

النّعمة و رضى الرّبّ برسالتي إليكم، و بالولاية بعدي لعليّ بن أبي طالب- صلوات اللّه عليهما و على ذرّيّتهما- ما دامت المشارق و المغارب وهبت الجنوب [و الشّمال‏] «1» و ثارت السّحاب.] «2».
و في مجمع البيان‏ «3»: روي‏ أنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- لمّا نزلت هذه الآية قال لحرّاس من أصحابه يحرسونه: الحقوا بملاحقكم، فإنّ اللّه- تعالى- عصمني من النّاس.

نسخه شناسی 

درباره مولف

کتاب شناسی

منابع: 

قمى مشهدى محمد بن محمدرضا، تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب‏، تحقيق: حسين درگاهى‏، تهران، سازمان چاپ وانتشارات وزارت ارشاد اسلامى‏، 1368 ش‏، چاپ اول‏، ج‏4 ، ص 166 - 196