آیه 67، سوره مائده : زبدة التفاسير

زبدة التفاسير،  ج‏2، ص  295

[سورة المائدة (5): آية 67]
يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (67)

ثمّ أمر سبحانه نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالتبليغ، و وعده العصمة و النصرة، ليأمن من مكر المكرة من أهل الكفر و النفاق، فقال: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ‏ هذا نداء تشريف و تعظيم‏ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ‏ جميع ما أنزل إليك غير مراقب أحدا و لا خائف مكروها، أي: ممّا أمرت بتبليغه من مصالح العباد، لا جميع ما أنزل كائنا ما كان، فإنّ من الأسرار الإلهيّة ما يحرم إفشاؤه.

وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ‏ و إن لم تبلّغ جميع ما أمرت بتبليغه‏ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ‏ فما أدّيت شيئا منها، لأنّ كتمان بعضها يضيّع ما أدّى منها، كترك أركان الصلاة، فإنّ غرض الدعوة ينتقض به. أو: فكأنّك ما بلّغت شيئا منها، كقوله:
______________________________
(1) الجن: 16.
(2) الطلاق: 2- 3.

زبدة التفاسير، ج‏2، ص 296

فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً «1» من حيث إنّ كتمان البعض و الكلّ سواء في الشناعة و استجلاب العقاب.
و قرأ نافع و ابن عامر و أبو بكر عن عاصم: رسالاته.

وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ‏ عدة و ضمان من اللّه بعصمته من تعرّض الأعادي، و إزاحة لمعاذيره. و المعنى: و اللّه يضمن لك العصمة من أن ينالوك بسوء، فما عذرك في مراقبتهم؟
إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ‏ يريد أن لا يمكّنهم ممّا يريدون بك من مكروه. الآية نزلت بعد وقعة أحد و حنين.

و روى العيّاشي في تفسيره بإسناده عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس و جابر بن عبد اللّه قالا: «إنّ اللّه تعالى أمر نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن ينصب عليّا عليه السّلام علما للناس ليخبرهم بولايته. فتخوّف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن يقولوا حامى ابن عمّه، و أن يطعنوا في ذلك عليه، و أن يشقّ ذلك على جماعة من أصحابه، فنزلت هذه الآية. فأخذ بيده يوم الغدير و قال: من كنت مولاه فعليّ مولاه» «2».

و على هذا، من قرأ: «فما بلغت رسالاته» معناه: إن لم تبلّغ هذه الرسالة فما بلّغت إذن ما كلّفت به من الرسالات، و كنت كأنّك لم تؤدّ منها شيئا قطّ، لأنّك إذا لم تؤدّها فكأنّك أغفلت أداءها جميعا.

و هذا الخبر بعينه قد حدّث به السيّد أبو الحمد، عن الحاكم أبي القاسم الحسكاني، بإسناده عن ابن أبي عمير إلى آخره، في كتاب شواهد التنزيل‏ «3» لقواعد التفضيل.
______________________________
(1) المائدة: 32.
(2) تفسير العيّاشي 1: 331 ح 152.
(3) شواهد التنزيل 1: 255 ح 249.

زبدة التفاسير، ج‏2، ص 297

و فيه أيضا بالإسناد المرفوع إلى حيّان بن علي العنزي، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس قال: «نزلت هذه الآية في عليّ عليه السّلام، فأخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بيده فقال:
من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ وال من والاه، و عاد من عاداه» «1».

و قد أورد هذا الخبر أبو إسحاق أحمد بن محمّد بن إبراهيم الثعلبي في تفسيره، بإسناده مرفوعا إلى ابن عبّاس قال: «نزلت هذه الآية في عليّ عليه السّلام، أمر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن يبلّغ فيه، فأخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بيد عليّ فقال: من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ وال من والاه، و عاد من عاداه».

و قد اشتهرت الروايات عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام، أنّ اللّه تعالى أوحى إلى نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن يستخلف عليّا، فكان يخاف أن يشقّ ذلك على جماعة من أصحابه، فأنزل اللّه هذه الآية تشجيعا له على القيام بما أمره بأدائه.

و المعنى: إن تركت تبليغ ما أنزل إليك و كتمته، كنت كأنّك لم تبلّغ من رسالات ربّك في استحقاق العقوبة.

و عن أنس: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يحرس حتّى نزلت هذه الآية، فأخرج رأسه من قبّة أدم فقال لحرّاس من أصحابه- منهم سعد و حذيفة-: الحقوا بملاحقكم، فإنّ اللّه تعالى عصمني من الناس.

نسخه شناسی 

درباره مولف

کتاب شناسی 

منابع: 

كاشانى ملا فتح الله‏، زبدة التفاسير، تحقيق: بنياد معارف اسلامى‏، قم‏، بنياد معارف اسلامى‏، 1423 ق‏، چاپ اول‏، ج‏2، ص 295 - 297