آیه 67، سوره مائده : مختصر الميزان فى تفسير القرآن

مختصر الميزان فى تفسير القرآن،  ج‏2 ، ص   166   

قوله تعالى: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ‏ خاطبه صلّى اللّه عليه و آله و سلم بالرسالة لكونها أنسب الصفات الى ما تتضمنه الآية من الأمر بالتبليغ لحكم اللّه النازل فهو كالبرهان على وجوب التبليغ الذي تظهره الآية و تقرعه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم فإن الرسول لا شأن له إلا تبليغ ما حمل من الرسالة فتحمل الرسالة يفرض عليه القيام بالتبليغ.

و لم يصرح باسم هذا الذي أنزل اليه من ربه بل عبر عنه بالنعت و أنه شي‏ء أنزل اليه، إشعارا بتعظيمه و دلالة على أنه أمر ليس فيه لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم صنع، و لا له من أمره شي‏ء

مختصر الميزان فى تفسير القرآن، ج‏2، ص 167

ليكون كبرهان آخر على عدم خيرة منه صلّى اللّه عليه و آله و سلم في كتمانه و تأخيره تبليغه، و يكون له عذرا في إظهاره على الناس، و تلويحا الى أنه صلّى اللّه عليه و آله و سلم مصيب في ما تفرسه منهم و تخوف عليه، و إيماء الى أنه مما يجب أن يظهر من ناحيته صلّى اللّه عليه و آله و سلم و بلسانه و بيانه.

قوله تعالى: وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ‏ المراد بقوله‏ «رِسالَتَهُ» و قرى‏ء «رسالاته» كما تقدم مجموع رسالات اللّه سبحانه التي حملها رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم، و قد تقدم أن الكلام يفيد أهمية هذا الحكم المرموز اليه، و أن له من المكانة ما لو يبلغه كان كأن لم يبلغ شيئا من الرسالات التي حملها.
فالكلام موضوع في صورة التهديد، و حقيقته بيان أهمية الحكم، و أنه بحيث لو لم يصل الى الناس، و لم يراع حقه كان كأن لم يراع حق شي‏ء من أجزاء الدين فقوله‏ «وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ» جملة شرطية سيقت لبيان أهمية الشرط وجودا و عدما لترتب الجزاء الأهم عليه وجودا و عدما.

و ليست شرطية مسوقة على طبع الشرطيات الدائرة عندنا فإنا نستعمل «إن» الشرطية طبعا فيما نجهل تحقق الجزاء للجهل بتحقق الشرط، و حاشا ساحة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم من أن يقدر القرآن في حقه احتمال ان يبلغ الحكم النازل عليه من ربه و أن لا يبلغ، و قد قال تعالى: اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ‏ (الأنعام/ 124).

فالجملة أعني قوله: «وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ» الخ؛ إنما تفيد التهديد بظاهرها و تفيد إعلامه عليه السّلام و إعلام غيره ما لهذا الحكم من الأهمية، و أن الرسول معذور في تبليغه.

قوله تعالى: وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ‏ قال الراغب: العصم (بالفتح فالسكون) الإمساك و الاعتصام الاستمساك- الى أن قال- و العصام (بالكسر) ما يعتصم به أي يشد، و عصمة الأنبياء حفظه إياهم أولا بما خصهم به من صفاء الجوهر، ثم بما أولاهم من الفضائل الجسمية و النفسية، ثم بالنصرة و بتثبيت أقدامهم، ثم‏

مختصر الميزان فى تفسير القرآن، ج‏2، ص 168

بإنزال السكينة عليهم و بحفظ قلوبهم و بالتوفيق قال تعالى: «وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ».
و العصمة شبه السوار، و المعصم موضعها من اليد، و قيل للبياض بالرسغ عصمة تشبيها، و ذلك كتسمية البياض بالرجل تحجيلا، و على هذا قيل: غراب أعصم، انتهى.

و ما ذكره من معنى عصمة الأنبياء حسن لا بأس به غير أنه لا ينطبق على الآية «وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» بل لو انطبق فإنما ينطبق على مثل قوله: وَ ما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْ‏ءٍ وَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ عَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَ كانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (النساء/ 113).

و أما قوله: «وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» فإن ظاهره أنها عصمة بمعنى الحفظ و الوقاية من شر الناس المتوجه الى نفس النبي الشريفة أو مقاصده الدينية أو نجاح تبليغه و فلاح سعيه، و بالجملة المعنى المناسب لساحته المقدسة.

و كيف كان فالمتحصل من موارد استعمال الكلمة أنها بمعنى الإمساك و القبض فاستعماله في معنى الحفظ من قبيل استعارة اللازم لملزومه فإن الحفظ يلزمه القبض.

و كان تعليق العصمة بالناس من دون بيان أن العصمة من أي شأن من شؤن الناس كتعدياتهم بالايذاء في الجسم من قتل أو سم أو أي اغتيال، أو بالقول كالسب و الافتراء، أو بغير ذلك كتقليب الامور بنوع من المكر و الخديعة و المكيدة و بالجملة السكوت عن تشخيص ما يعصم منه لإفادة نوع من التعميم، و لكن الذي لا يعدو عنه السياق هو شرهم الذي يوجب انقلاب الأمر على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم بحيث يسقط بذلك ما رفعه من أعلام الدين.

و الناس مطلق من وجد فيه معنى الإنسانية من دون أن يعتبر شي‏ء من خصوصياته الطبيعية التكوينية كالذكورة و الإنوثة أو غير الطبيعية كالعلم و الفضل و الغنى و غير ذلك.

و لذلك قل ما ينطبق على غير الجماعة، و لذلك أيضا ربما دل على الفضلاء من الإنسان اذا كان الفضل روعي فيه وجود معنى الانسانية كقوله تعالى: «إِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ» أي‏

مختصر الميزان فى تفسير القرآن، ج‏2، ص 169

الذين وجد فيهم معنى الإنسانية، و هو ملاك درك الحق و تمييزه من الباطل.
و ربما كان دالا على نوع من الخسة و سقوط الحال، و ذلك اذا كان الأمر الذي يتكلم فيه مما يحتاج الى اعتبار شي‏ء من الفضائل الانسانية التي اعتبرت زائدة على أصل معنى النوع كقوله‏ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ‏ (الروم/ 30) و كقولك:

لا تثق بمواعيد الناس، و لا تستظهر بسوادهم نظرا منك الى أن الوثوق و الاستظهار يجب أن يتعلقا بالفضلاء من الانسان ذوي ملكة الوفاء بالعهد و الثبات على العزيمة لا على من ليس له إلا مجرد صدق اسم الانسانية،

و ربما لم يفد شيئا من مدح أو ذم اذا تعلق الغرض بما لا يزيد على أصل معنى الإنسانية كقوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَ أُنْثى‏ وَ جَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَ قَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ‏ (الحجرات/ 13).

و لعل قوله: «وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» أخذ فيه لفظ الناس اعتبارا بسواد الأفراد الذي فيه المؤمن و المنافق و الذي في قلبه مرض، و قد اختلطوا من دون تمايز، فاذا خيف خيف من عامته، و ربما أشعر به قول‏ «إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ» فإن الجملة في مقام التعليل لقوله‏ «وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» و قد تقدم أيضا أن الآية نزلت بعد الهجرة و ظهور شوكة الاسلام، و كان السواد الأعظم من الناس مسلمين بحسب الظاهر و إن كان فيهم المنافقون و غيرهم.

فالمراد بالقوم الكافرين قوم هم في الناس مذكوري النعت ممحوي الاسم وعد اللّه سبحانه أن يبطل كيدهم و يعصم رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم من شرهم.

و الظاهر أيضا أن يكون المراد بالكفر الكفر بآية من آيات اللّه و هو الحكم المراد بقوله‏ «ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ»، كما في قوله في آية الحج: وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ‏ (آل عمران/ 97)، و أما الكفر بمعنى الاستكبار عن أصل الشهادتين فإنه مما لا يناسب مورد الآية البتة إلا على القول بكون المراد بقوله‏ «أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ» مجموع رسالات الدين، و قد عرفت عدم استقامته.

مختصر الميزان فى تفسير القرآن، ج‏2، ص 170

و المراد بعدم هدايته تعالى هؤلاء القوم الكافرين عدم هدايته إياهم في كيدهم و مكرهم، و منعه الأسباب الجارية أن تنقاد لهم في سلوكهم الى ما يرومونه من الشر و الفساد نظير قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ‏ (المنافقون/ 6)، و قوله تعالى: وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ‏ (البقرة/ 258)، و قد تقدم البحث عنه في الجزء الثاني من هذا الكتاب.

و أما كون المراد بعدم الهداية هو عدم الهداية الى الإيمان فغير صحيح البتة لمنافاته أصل التبليغ و الدعوة فلا يستقيم أن يقال: ادعهم الى اللّه أو الى حكم اللّه و أنا لا أهديهم اليه إلا في مورد إتمام الحجة محضا.

على أن اللّه سبحانه قد هدى و لا يزال يهدي كثيرين من الكفار بدليل العيان، و قد قال أيضا وَ اللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ‏ (البقرة/ 213).

فتبين أن المراد بعدم هداية الكافرين عدم تخليتهم لينالوا ما يهمون به من إبطال كلمة الحق و إطفاء نور الحكم المنزل فإن الكافرين و كذا الظالمين و الفاسقين يريدون بشآمة أنفسهم و ضلال رأيهم أن يبدلوا سنة اللّه الجارية في الخلقة و سياقة الأسباب السالكة الى مسبباتها و يغيروا مجاري الأسباب الحقة الظاهرة عن سمة عصيان رب العالمين الى غايتهم الفاسدة مقاصدهم الباطلة اللّه رب العالمين لن يعجزه قواهم الصورية التي لم يودعها فيهم و لم يقدرها في بناهم إلا هو.

فهم ربما تقدموا في مساعيهم أحيانا، و نالوا ما راموه أوينات و استعلوا و استقام أمرهم برهة لكنه لا يلبث دون أن يبطل أخيرا و ينقلب عليهم مكرهم و لا يحيق المكر السي‏ء إلا بأهله، و كذلك يضرب اللّه الحق و الباطل فأما الباطل فيذهب جفاء، و أما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.

و على هذا فقوله‏ «إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ» تفسير قوله: «وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» بالتصرف في سعة إطلاقه، و يكون المراد بالعصمة عصمته صلّى اللّه عليه و آله و سلم من أن يناله الناس‏
مختصر الميزان فى تفسير القرآن، ج‏2، ص 171

بسوء دون أن ينال بغيته في تبليغ هذا الحكم و تقريره بين الامة كأن يقتلوه دون أن يبلغه أو يثوروا عليه و يقلبوا عليه الامور أو يتهموه بما يرتد به المؤمنون عن دينه، أو يكيدوا كيدا يميت هذا الحكم و يقبره بل اللّه يظهر كلمة الحق و يقيم الدين على ما شاء و أينما شاء و متى ما شاء و فيمن شاء، قال تعالى: إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَ يَأْتِ بِآخَرِينَ وَ كانَ اللَّهُ عَلى‏ ذلِكَ قَدِيراً (النساء/ 133).

و أما أخذ الآية أعني قوله: «وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» بإطلاقه على ما فيه من السعة و الشمول فمما ينافيه القرآن و المأثور من الحديث و التاريخ القطعي، و قد نال صلّى اللّه عليه و آله و سلم من امته أعم من كفارهم و مؤمنيهم و منافقيهم من المصائب و المحن و أنواع الزجر و الأذى ما ليس في وسع أحد أن يتحمله إلا نفسه الشريفة، و قد قال صلّى اللّه عليه و آله و سلم- كما في الحديث المشهور- ما اوذي نبي مثل ما اوذيت قط.

مختصر الميزان فى تفسير القرآن،  ج‏2 ، ص  171   

بحث روائي:
في تفسير العياشي عن أبي صالح، عن ابن عباس و جابر بن عبد اللّه قالا: أمر اللّه تعالى نبيه محمدا صلّى اللّه عليه و آله و سلم أن ينصب عليا علما في الناس ليخبرهم بولايته فتخوف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم أن يقولوا: خابى‏ «1» ابن عمه و أن يطعنوا «2» في ذلك عليه. قال: فأوحى اللّه اليه هذه الآية «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» فقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم بولايته يوم غدير خم.

و فيه عن حنان بن سدير، عن أبيه عن أبي جعفر عليه السّلام قال: لما نزل جبرئيل على عهد رسول‏
______________________________
(1). جاءنا، خ ل.
(2). يطغوا، خ ل.

مختصر الميزان فى تفسير القرآن، ج‏2، ص 172

اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم في حجة الوداع بإعلان أمر علي بن أبي طالب عليه السّلام‏ «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ» الى آخر الآية. قال: فمكث النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم ثلاثا حتى أتى الجحفة فلم يأخذ بيده فرقا من الناس.

فلما نزل الجحفة يوم غدير في مكان يقال له «مهيعة» فنادى: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم: من أولى بكم من أنفسكم؟ فجهروا فقالوا: اللّه و رسوله ثم قال لهم الثانية، فقالوا: اللّه و رسوله، ثم قال لهم الثالثة، فقالوا: اللّه و رسوله.

فأخذ بيد علي عليه السّلام فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه و عاد من عاداه، و انصر من نصره، و اخذل من خذله فإنه مني و أنا منه، و هو مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي.

و فيه عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: لما أنزل اللّه على نبيه صلّى اللّه عليه و آله و سلم‏ «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ» قال: فأخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم بيد علي عليه السّلام فقال: يا أيها الناس إنه لم يكن نبي من الأنبياء ممن كان قبلي إلا و قد عمر ثم دعاه فأجابه، و أوشك أن أدعى فاجيب، و أنا مسؤل و أنتم مسؤولون فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت و نصحت و أديت ما عليك فجزاك اللّه أفضل ما جزى المرسلين، فقال: اللهم اشهد.

ثم قال: يا معشر المسلمين ليبلغ الشاهد الغائب أوصي من آمن بي و صدقني بولاية علي، ألا إن ولاية علي ولايتي عهدا عهده إلي ربي و أمرني أن ابلغكموه، ثم قال: هل سمعتم؟- ثلاث مرات يقولها- فقال قائل: قد سمعنا يا رسول اللّه.

و في البصائر بإسناده عن الفضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السّلام في قوله: «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ» قال: هي الولاية.

أقول: و روى نزول الآية في أمر الولاية و قصة الغدير معه الكليني في الكافي بإسناده، عن‏

مختصر الميزان فى تفسير القرآن، ج‏2، ص 173

أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السّلام في حديث طويل، و روى هذا المعنى الصدوق في المعاني بإسناده عن محمد بن الفيض بن المختار، عن أبيه عن ابي جعفر عليه السّلام في حديث طويل، و رواه العياشي أيضا عن أبي الجارود في حديث طويل، و بإسناده عن عمرو بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام مختصرا.

و عن تفسير الثعلبي قال: قال جعفر بن محمد: معنى قوله: «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ» في فضل علي، فلما نزلت هذه أخذ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم بيد علي فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه.

و عنه بإسناده عن الكلبي عن ابي صالح عن ابن عباس في هذه الآية قال: نزلت في علي بن أبي طالب، أمر اللّه النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم أن يبلغ فيه فأخذ بيد علي فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه، و عاد من عاداه.

و في تفسير البرهان، عن إبراهيم الثقفي بإسناده عن الخدري، و بريدة الأسلمي و محمد بن علي: نزلت يوم الغدير في علي.

و من تفسير الثعلبي في معنى الآية قال: قال أبو جعفر محمد بن علي: معناه بلغ ما أنزل اليك من ربك في علي.

و في تفسير المنار عن تفسير الثعلبي: أن هذا القول من النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم في موالاة علي شاع و طار في البلاد فبلغ الحارث بن النعمان الفهري فأتى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم على ناقته، و كان بالأبطح فنزل و عقل ناقته، و قال للنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم- و هو في ملأ من أصحابه-: يا محمد أمرتنا من اللّه أن نشهد أن لا إله إلا اللّه و أنك رسول اللّه؛

فقبلنا منك- ثم ذكر سائر أركان الاسلام- ثم لم ترض بهذا حتى مددت بضبعي ابن عمك، و فضلته علينا، و قلت: «من كنت مولاه فعلي مولاه» فهذا منك أم من اللّه؟ فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلم: و اللّه الذي لا إله إلا هو هو أمر اللّه، فولى الحارث يريد راحلته، و هو يقول: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو

مختصر الميزان فى تفسير القرآن، ج‏2، ص 174

ائتنا بعذاب اليم.
فما وصل الى راحلته حتى رماه اللّه بحجر فسقط على هامته و خرج من دبره، و أنزل اللّه تعالى: سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ‏ الحديث.

أقول: قال في المنار بعد نقل هذا الحديث ما لفظه: و هذه الرواية موضوعة، و سورة المعارج هذه مكية، و ما حكاه اللّه من قول بعض كفار قريش (اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك) كان تذكيرا بقول قالوه قبل الهجرة، و هذا التذكير في سورة الأنفال، و قد نزلت بعد غزوة بدر قبل نزول المائدة ببضع سنين، و ظاهر الرواية أن الحارث بن النعمان هذا كان مسلما فارتد و لم يعرف في الصحابة، و الأبطح بمكة و النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم لم يرجع من غدير خم الى مكة بل نزل فيه منصرفه من حجة الوداع الى المدينة، انتهى.

و أنت ترى ما في كلامه من التحكم: أما قوله: [إن الرواية موضوعة، و سورة المعارج هذه مكية] فيعول في ذلك على ما في بعض الروايات عن ابن عباس و ابن الزبير أن سورة المعارج نزلت بمكة، و ليت شعري ما هو المرجح لهذه الرواية على تلك الرواية، و الجميع آحاد؟

سلمنا أن سورة المعارج مكية كما ربما تؤيده مضامين معظم آياته فما هو الدليل على أن جميع آياتها مكية؟ فلتكن السورة مكية، و الآيتان خاصة غير مكيتين كما أن سورتنا هذه أعني سورة المائدة مدنية نازلة في آخر عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم،

و قد وضعت فيها الآية المبحوث عنها أعني قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ» الآية؛ و هو كعدة من المفسرين مصرون على أنها نزلت بمكة في أول البعثة، فاذا جاز وضع آية مكية (آية: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ‏) في سورة مدنية (المائدة) فليجز وضع آية مدنية (آية: سَأَلَ سائِلٌ‏) في سورة مكية (سورة المعارج).

و أما قوله: [و ما حكاه اللّه من قول بعض كفار قريش‏] الى آخره، فهو في التحكم كسابقه؛ فهب إن سورة الأنفال نزلت قبل المائدة ببضع سنين فهل يمنع ذلك أن يوضع عند التأليف بعض‏

مختصر الميزان فى تفسير القرآن، ج‏2، ص 175

الآيات النازلة بعدها فيها كما وضعت آيات الربا و آية وَ اتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ‏ (البقرة/ 281)، و هي آخر ما نزل على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم عندهم في سورة البقرة النازلة في أوائل الهجرة و قد نزلت قبلها ببضع سنين.

ثم قوله: [إن آية وَ إِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَ‏ الآية؛ تذكير لما قالوه قبل الهجرة] تحكم آخر من غير حجة لو لم يكن سياق الآية حجة على خلافه فإن العارف بأساليب الكلام لا يكاد يرتاب في أن هذا أعني قوله: اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ‏ لاشتماله على قوله:

إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ‏ بما فيه من اسم الإشارة و ضمير الفصل و الحق المحلى باللام و قوله: مِنْ عِنْدِكَ‏ ليس كلام وثني مشرك يستهزى‏ء بالحق و يسخر منه، و إنما هو كلام من أذعن بمقام الربوبية،

و يرى أن الامور الحقة تتعين من لدنه، و أن الشرائع مثلا تنزل من عنده، ثم إنه يتوقف في أمر منسوب الى اللّه تعالى يدّعي مدع أنه الحق لا غيره، و هو لا يتحمل ذلك و يتحرج منه فيدعو على نفسه دعاء منزجر ملول سئم الحياة.

و أما قوله: [و ظاهر الرواية أن الحارث بن النعمان هذا كان مسلما فارتد و لم يعرف في الصحابة] تحكم آخر؛ فهل يسع أحدا أن يدعي أنهم ضبطوا أسماء كل من رأى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و آمن به أو آمن به فارتد؟ و إن يكن شي‏ء من ذلك فليكن هذا الخبر من ذلك القبيل.

و أما قوله: [و الأبطح بمكة و النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم لم يرجع من غدير خم الى مكة] فهو يشهد على أنه أخذ لفظ الأبطح اسما للمكان الخاص بمكة و لم يحمله على معناه العام و هو كل مكان ذي رمل، و لا دليل على ما حمله عليه بل الدليل على خلافه و هو القصة المسرودة في الرواية و غيرها، و ربما استفيد من مثل قوله:

نجوت و قد بل المرادي سيفه‏  من ابن أبي شيخ الأباطح طالب‏
 

أن مكة و ما والاها كانت تسمى الأباطح.

مختصر الميزان فى تفسير القرآن، ج‏2، ص 176

قال في مراصد الاطلاع: أبطح بالفتح ثم السكون و فتح الطاء و الحاء المهملة كل مسيل فيه رقاق الحصى فهو أبطح، و قال ابن دريد: الأبطح و البطحاء السهل المنبسط على وجه الأرض، و قال أبو زيد: الأبطح أثر المسيل ضيقا كان أو واسعا، و الأبطح يضاف الى مكة و الى منى لأن مسافته منهما واحدة، و ربما كان الى منى أقرب و هو المحصب، و هي خيف بني كنانة، و قد قيل: إنه ذو طوى، و ليس به، انتهى.

على أن الرواية بعينها رواها غير الثعلبي و ليس فيه ذكر من الأبطح و هي ما يأتي من رواية المجمع من طريق الجمهور و غيرها.

و بعد هذا كله فالرواية من الآحاد، و ليست من المتواترات و لا مما قامت على صحتها قرينة قطعية، و قد عرفت من أبحاثنا المتقدمة أنا لا نعول على الآحاد في غير الأحكام الفرعية على طبق الميزان العام العقلائي الذي عليه بناء الإنسان في حياته، و إنما المراد بالبحث الآنف بيان فساد ما استظهر به من الوجوه التي استنتج منها أنها موضوعة.

و في المجمع: أخبرنا السيد أبو الحمد قال: حدثنا الحاكم أبو القاسم الحسكاني قال: أخبرنا أبو عبد اللّه الشيرازي قال: أخبرنا أبو بكر الجرجاني قال: أخبرنا أبو أحمد البصري قال:

حدثنا محمد بن سهل قال: حدثنا زيد بن إسماعيل مولى الأنصار قال: حدثنا محمد بن أيوب الواسطي قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن جعفر بن محمد الصادق عن آبائه قال: لما نصب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم عليا يوم غدير خم قال:

من كنت مولاه فهذا علي مولاه، فقال (فطار، ظ) ذلك في البلاد فقدم على النبي النعمان بن الحارث الفهري فقال: أمرتنا من اللّه أن نشهد أن لا إله إلا اللّه، و أنك رسول اللّه، و أمرتنا بالجهاد و بالحج و بالصوم و الصلاة و الزكاة فقبلنا، ثم لم ترض حتى نصبت هذا الغلام فقلت: من كنت مولاه فعلي مولاه فهذا شي‏ء منك أو أمر من اللّه تعالى؟

فقال: بلى و اللّه الذي لا إله إلا هو إن هذا من اللّه.
فولى النعمان بن الحارث و هو يقول: اللهم إن كانت هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا

مختصر الميزان فى تفسير القرآن، ج‏2، ص 177

حجارة من السماء فرماه اللّه بحجر على رأسه فقتله، فأنزل اللّه‏ سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ‏.
أقول: و هذا المعنى مروي في الكافي أيضا.

و عن كتاب نزول القرآن للحافظ أبي نعيم يرفعه الى علي بن عامر، عن أبي الحجاف، عن الأعمش، عن عطية قال: نزلت هذه الآية على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم في علي بن أبي طالب‏ «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ» و قد قال اللّه تعالى‏ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً.

و عن الفصول المهمة للمالكي قال: روى الإمام أبو الحسن الواحدي في كتابه المسمى بأسباب النزول رفعه بسنده الى أبي سعيد الخدري رضى اللّه عنه قال: نزلت هذه الآية «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ» يوم غدير خم في علي ابن أبي طالب.

أقول: و رواه في فتح القدير عن ابن أبي حاتم و ابن مردويه و ابن عساكر عن أبي سعيد الخدري و كذلك في الدر المنثور.

و قوله: «بغدير خم» هو بضم الخاء المعجمة و تشديد الميم مع التنوين اسم لغيطة على ثلاثة أميال من الجحفة عندها غدير مشهور يضاف الى الغيطة، هكذا ذكره الشيخ محيي الدين النووي.
و في فتح القدير أخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال: كنا نقرؤ على عهد رسول صلّى اللّه عليه و آله و سلم:

يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ» إن عليا مولى المؤمنين و إن لم تفعل فما بلغت رسالته و اللّه يعصمك من الناس.

أقول: و هذه نبذة من الأخبار الدالة على نزوله قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ» الخ؛ في حق علي عليه السّلام يوم غدير خم، و أما حديث الغدير أعني قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم «من كنت مولاه فعلي مولاه» فهو حديث متواتر منقول من طرق الشيعة و أهل السنة بما يزيد على مائة طريق.

مختصر الميزان فى تفسير القرآن، ج‏2، ص 178

و قد روي عن جمع كثير من الصحابة منهم البراء بن عازب، و زيد بن أرقم، و أبو أيوب الأنصاري، و عمر بن الخطاب، و علي بن ابي طالب، و سلمان الفارسي، و أبو ذر الغفاري، و عمار بن ياسر، و بريدة، و سعد بن أبي وقاص، و عبد اللّه بن عباس، و أبو هريرة، و جابر بن عبد اللّه، و أبو سعيد الخدري، و أنس بن مالك، و عمران بن الحصين، و ابن أبي أوفى، و سعدانة، و امرأة زيد بن أرقم.

و قد أجمع عليه أئمة أهل البيت عليهم السّلام، و قد ناشد علي عليه السّلام الناس بالرحبة في الحديث فقام جماعة من الصحابة حضروا المجلس، فشهدوا أنهم سمعوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم يقوله يوم الغدير.

و في كثير من هذه الروايات أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم قال: أيها الناس ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى، قال: من كنت مولاه فعلي مولاه كما في عدة من الأخبار التي رواها أحمد بن حنبل في مسنده أو رواها غيره، و قد افردت لإحصاء طرقها و البحث في متنها تآليف من أهل السنة و الشيعة بحثوا فيها بما لا مزيد عليه.

و عن كتاب السمطين للحمويني بإسناده عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: ليلة اسري بي الى السماء السابعة سمعت نداء من تحت العرش: إن عليا آية الهدى، و حبيب من يؤمن بي، بلغ عليا عليه السّلام، فلما نزل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم من السماء أنسي ذلك فأنزل اللّه عز و جل‏ «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ».

و في فتح القدير: أخرج ابن أبي حاتم عن جابر بن عبد اللّه قال: لما غزا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم بني أنمار نزل ذات الرقيع بأعلى نخل فبينما هو جالس على رأس بئر قد دلى رجليه فقال الوارث من بني النجار: لأقتلن محمدا، فقال له أصحابه: كيف تقتله؟ قال: أقول له: أعطني سيفك فاذا أعطانيه قتلته به، فأتاه فقال: يا محمد أعطني سيفك أشمه فأعطاه إياه فرعدت يده حتى سقط السيف من يده فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: حال اللّه بينك و بين ما تريد، فأنزل اللّه سبحانه‏ «يا أَيُّهَا

مختصر الميزان فى تفسير القرآن، ج‏2، ص 179

الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ» الآية.
أقول: ثم ذكر في فتح القدير أن ابن حبان أخرجه في صحيحه و أخرجه أيضا ابن مردويه عن أبي هريرة نحو هذه القصة و لم يسم الرجل، و أخرج ابن جرير من حديث محمد بن كعب القرظي نحوه، و قصة غورث بن الحارث ثابتة في اصحيح، و هي معروفة مشهورة (انتهى)، و لكن الشأن تطبيق القصة على المحصل من معنى الآية، و لن تنطبق أبدا.

و في الدر المنثور و فتح القدير و غيرهما عن ابن مردويه و الضياء في المختارة عن ابن عباس:
أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم سئل: أي آية انزلت من السماء أشد عليك؟ فقال: كنت بمنى أيام موسم فاجتمع مشركوا العرب و أفناء الناس في الموسم فانزل علي جبريل فقال‏ «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ» الآية.

قال: فقمت عند العقبة فناديت: يا أيها الناس من ينصرني على أن ابلغ رسالة ربي و له الجنة؟ أيها الناس قولوا: لا إله إلا اللّه و أنا رسول اللّه إليكم تفلحوا و تنجحوا و لكم الجنة.

قال: فما بقي رجل و لا امرأة و لا صبي إلا يرمون بالتراب و الحجارة، و يبزقون في وجهي و يقولون: كذاب صابى‏ء فعرض علي عارض فقال: يا محمد إن كنت رسول اللّه فقد آن لك أن تدعو عليهم كما دعا نوح على قومه بالهلاك، فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم: اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون.
فجاء العباس عمه فأنقذهم منه و جردهم عنه.

أقول: الآية بتمامها لا ينطبق على هذه القصة على ما عرفت تفصيل القول فيه.
اللهم إلا أن تحمل الرواية على نزول قطعة من الآية- و هي قوله: «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ»- في ذلك اليوم، و ظاهر الرواية يأباه، و نظيرها ما يأتي.

و في الدر المنثور و فتح القدير: أخرج عبد بن حميد و ابن جرير و ابن أبي حاتم و أبو الشيخ عن مجاهد قال: لما نزلت‏ «بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ» قال: يا رب إنما أنا واحد كيف أصنع؟

مختصر الميزان فى تفسير القرآن، ج‏2، ص 180

يجتمع علي اناس فنزلت‏ «وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ».
و فيها عن الحسن: أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم قال: إن اللّه بعثني برسالته فضقت بها ذرعا، و عرفت أن الناس مكذبي فوعدني لابلغن أو ليعذبني فأنزل‏ «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ».

أقول: الروايتان على ما فيهما من القطع و الإرسال فيهما ما في سابقتهما، و نظيرتهما في هذا التشويش بعض ما ورد في أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم كان يحترس برجال فلما نزلت الآية فرقهم و قال عليه السّلام: إن ربي وعدني أن يعصمني.

و في تفسير المنار: روى أهل التفسير المأثور و الترمذي و أبو الشيخ و الحاكم و أبو نعيم و البيهقي و الطبراني عن بضعة رجال من الصحابة: أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم كان يحرس في مكة قبل نزول هذه الآية فلما نزلت ترك الحرس، و كان أبو طالب أول الناس اهتماما بحراسته، و حرسه العباس أيضا.

و فيه: و مما روي في ذلك عن جابر و ابن عباس أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم كان يحرس، و كان يرسل معه عمه أبو طالب كل يوم رجالا من بني هاشم حتى نزلت الآية فقال: يا عم إن اللّه قد عصمني لا حاجة لي الى من يبعث.

اقول: و الروايتان- كما ترى- تدلان على ان الآية نزلت في أواسط إقامة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم بمكة و انه صلّى اللّه عليه و آله و سلم بلغ رسالته زمانا و اشتد عليه أمر إيذاء الناس و تكذيبهم حتى خاف على نفسه منهم فترك التبليغ و الدعوة فامر ثانيا بالتبليغ، و هدّد من جانب اللّه سبحانه، و وعد بالعصمة، فاشتغل ثانيا بما كان يشتغل به اولا، و هذا شي‏ء يجل عنه ساحة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم.

و في الدر المنثور و فتح القدير: أخرج عبد بن حميد و الترمذي و ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و أبو الشيخ و الحاكم و ابن مردويه و أبو نعيم و البيهقي كلاهما في الدلائل عن عائشة قالت: كان رسول اللّه يحرس حتى نزلت‏ «وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» فأخرج رأسه من القبة

مختصر الميزان فى تفسير القرآن، ج‏2، ص 181

فقال: أيها الناس انصرفوا فقد عصمني اللّه.
اقول: و الرواية- كما ترى- ظاهرة في نزولها بالمدينة.

و في تفسير الطبري عن ابن عباس في قوله: «وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ» يعني إن كتمت آية انزل اليك لم تبلغ رسالته.
اقول: إن كان المراد به آية معينة أي حكم معين مما أنزل الى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم فله وجه صحة، و إن كان المراد به التهديد في أي آية فرضت أو حكم قدر فقد عرفت فيما تقدم أن الآية لا تلائمه بمضمونها.

نسخه شناسی

درباره مولف

کتاب شناسی

منابع: 

طباطبايى، سيد محمد حسين، الياس كلانترى‏، مختصر الميزان فى تفسير القرآن‏، تهران‏، اسوه (وابسته به سازمان اوقاف و امور خيريه)، 1421 ق‏، چاپ اول‏، ج‏2 ، صص 166 – 181