تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج‏4، ص: 169

و في كتاب الاحتجاج‏  [للطّبرسيّ- رحمه اللّه- بإسناده إلى محمّد بن عليّ الباقر-]  عليه السّلام- أنّه قال‏: حجّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- من المدينة، و قد بلّغ جميع الشّرائع قومه غير الحجّ و الولاية. فأتاه جبرئيل- عليه السّلام- فقال له: يا محمّد، إنّ اللّه- عزّ و جلّ- يقرئك السّلام و يقول لك: إنّي لم أقبض نبيّا من أنبيائي و لا رسولا من رسلي، إلّا بعد إكمال ديني و تأكيد حجّتي، و قد بقي عليك من ذلك فريضتان ممّا يحتاج أن تبلّغهما قومك: فريضة الحجّ و فريضة الولاية و الخلافة من بعدك. فإنّي لم أخل أرضي من حجّة و لن أخليها أبدا. فإنّ اللّه يأمرك أن تبلّغ قومك الحجّ، تحجّ و يحجّ معك‏ كلّ‏  من استطاع إليه سبيلا من أهل الحضر و الأطراف و الأعراب، و تعلّمهم من معالم حجتهم مثل ما علّمتهم من صلاتهم و زكاتهم و صيامهم، و توقفهم من ذلك على مثال الّذي أوقفتهم عليه من جميع ما بلّغتهم من الشّرائع.
فنادى منادي رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- في النّاس: ألا إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- يريد الحجّ، و أن يعلّمكم من ذلك مثل الّذي علّمكم من شرائع دينكم، و يوقفكم من ذلك على ما أوقفكم عليه من غيره. فخرج [رسول اللّه‏] - صلّى اللّه عليه و آله- و خرج معه النّاس، و أصغوا إليه لينظروا ما يصنع فيصنعوا مثله، فحجّ بهم. و بلغ من حجّ مع رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- من أهل المدينة و أهل الأطراف و الأعراب، سبعين ألف إنسان أو يزيدون، على نحو عدد أصحاب موسى- عليه السّلام- السّبعين ألف الّذين أخذ عليهم بيعة هارون- عليه السّلام- فنكثوا و اتّبعوا العجل و السّامريّ. و كذلك [أخذ]  رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- البيعة  لعليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- بالخلافة على عدد أصحاب موسى- عليه السّلام- فنكثوا البيعة و اتّبعوا العجل [السّامريّ‏]  سنّة بسنّة، و مثلا بمثل. و اتّصلت التّلبية ما بين مكّة و المدينة.
فلمّا وقف بالموقف أتاه جبرئيل- عليه السّلام- عن اللّه- تعالى- فقال:
يا محمّد إنّ اللّه- عزّ و جلّ- يقرئك السّلام، و يقول لك: إنّه قد دنا أجلك و مدّتك و أنا مستقدمك على ما لا بدّ منه و لا عنه محيص. فاعهد عهدك، و قدّم وصيّتك، و اعمد إلى ما عندك من العلم و ميراث علوم الأنبياء من قبلك و السّلاح و التّابوت و جميع ما عندك من آيات الأنبياء- عليهم السّلام- فسلّمها  إلى وصيّك و خليفتك من بعدك حجّتي البالغة على خلقي عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-. فأقمه للنّاس علما. و جدّد عهده و ميثاقه و بيعته. و ذكّرهم ما أخذت عليهم من بيعتي و ميثاقي الّذي واثقتهم به و عهدي الّذي‏
عهدت إليهم من ولاية وليّي و مولاهم و مولى كلّ مؤمن و مؤمنة عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-. فإنّي لم أقبض نبيّا من الأنبياء، إلّا من بعد إكمال ديني‏  و إتمام نعمتي بولاية أوليائي و معاداة أعدائي. و ذلك كمال توحيدي و ديني و إتمام نعمتي على خلقي، باتّباع وليّي و طاعته. و ذلك أنّي لا أترك أرضي بغير [وليّ و لا]  قيّم، ليكون حجّة لي على خلقي. ف الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ‏ (الآية)  بولاية وليّي و مولى كلّ مؤمن و مؤمنة. عليّ عبدي، و وصي نّبييّ، و الخليفة من بعده، و حجّتي البالغة على خلقي مقرون طاعته بطاعة محمّد نبيّي و مقرون طاعته مع طاعة محمّد بطاعتي. من أطاعه فقد أطاعني، و من عصاه فقد عصاني. جعلته علما بيني و بين خلقي، من عرفه كان مؤمنا، و من أنكره كان كافرا، و من أشرك ببيعته كان مشركا، و من لقيني بولايته دخل الجنّة، و من لقيني بعداوته دخل النّار. فأقم يا محمّد عليّا علما، و خذ عليهم البيعة، و جدد عليهم‏  عهدي و ميثاقي لهم الّذي واثقتهم عليه. فإنّي قابضك إليّ و مستقدمك عليّ.
فخشي رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- قومه و أهل النّفاق و الشّقاق، أن يتفرّقوا و يرجعوا جاهليّة  لما عرف من عداوتهم و لما تنطوي عليه أنفسهم لعليّ- عليه السّلام- من العداوة و البغضاء . و سأل جبرئيل- عليه السّلام- أن يسأل ربّه العصمة من النّاس، و انتظر أن يأتيه جبرئيل بالعصمة من النّاس عن اللّه- جلّ اسمه- فأخّر ذلك إلى أن بلغ مسجد الخيف. فأتاه جبرئيل- عليه السّلام- في مسجد الخيف. فأمره أن يعهد عهده، و يقيم عليّا [علما]  للنّاس [يهتدون به.]  و لم يأته بالعصمة من اللّه- جلّ جلاله- بالذي أراد، حتّى بلغ‏  كراع الغميم بين مكّة و المدينة. فأتاه جبرئيل- عليه‏
السلام- و أمره بالّذي أتاه به من قبل اللّه‏ ، و لم يأته بالعصمة.
فقال: يا جبرئيل، إنّي أخشى قومي أن يكذّبوني، و لا يقبلوا قولي في علي‏ .
فرحل، فلمّا بلغ غدير خمّ قبل الجحفة بثلاثة أميال أتاه جبريل- عليه السّلام- على خمس ساعات مضت من النّهار بالزّجر و الانتهار  و العصمة من الناس.
فقال: يا محمّد، إنّ اللّه- عزّ و جلّ- يقرئك السّلام، و يقول لك: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ‏ في عليّ‏ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ‏.
و كان أوائلهم قريب‏  من الجحفة. فأمر  بأن يردّ من تقدّم منهم، و يحبس‏  من تأخّر عنهم في ذلك المكان، ليقيم عليا للنّاس‏ ، و يبلّغهم ما أنزل اللّه- تعالى- في عليّ- عليه السّلام- و أخبره بأنّ اللّه- عزّ و جلّ- قد عصمه من النّاس.
فأمر رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- عند ما جاءته العصمة مناديا ينادي في النّاس بالصّلاة جامعة، و يرد من تقدّم منهم، و يحبس من تأخّر. فتنحّى عن يمين الطّريق إلى جنب مسجد الغدير، أمره بذلك جبرئيل- عليه السّلام- عن اللّه- عزّ و جلّ- و [كان‏] في الموضع سلمات، فأمر رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- أن يقمّ ما تحتهنّ و ينصب له أحجار كهيئة المنبر ليشرف على النّاس. فتراجع النّاس، و احتبس أواخرهم في ذلك المكان لا يزالون.
فقام رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- فوق تلك الأحجار. ثمّ حمد اللّه- تعالى- و أثنى عليه. فقال: الحمد للّه الّذي علا في توحّده، و دنا في تفرّده، و جلّ في سلطانه،
و يحيي، و يفقر و يغني، و يضحك و يبكي [و يدني و يقصي‏]  و يمنع و يؤتي. له الملك و له الحمد، بيده الخير، و هو على كلّ شي‏ء قدير. يولج اللّيل في النّهار، و يولج النّهار في اللّيل. لا إله إلّا هو العزيز الغفّار. مجيب الدّعاء ، و مجزل العطاء. محصي الأنفاس، و ربّ الجنّة و النّاس. لا يشتكل عليه شي‏ء، و لا يضجره صراخ المستصرخين، و لا يبرمه إلحاح الملحّين. العاصم للصّالحين، و الموفّق للمفلحين، و مولى العالمين. الّذي استحقّ من كلّ [من‏]  خلق أن يشكره و يحمده.
[أحمده‏]  على السّرّاء و الضّرّاء و الشّدّة و الرّخاء. و أؤمن به و بملائكته و كتبه و رسله. أسمع أمره. و أطيع و أبادر إلى كلّ ما يرضاه، و أستسلم لقضائه رغبة في طاعته و خوفا من عقوبته لأنّه اللّه الّذي لا يؤمن مكره و لا يخاف جوره. [و]  أقرّ له على نفسي بالعبوديّة، و أشهد له بالرّبوبيّة. و أؤدّي ما أوحي إليّ، حذرا من أن أفعل فتحلّ بي منه قارعة، لا يدفعها عنّي أحد و إن عظمت حيلته. لا إله إلّا هو، لأنّه قد أعلمني أنّي إن لم أبلّغ ما أنزل إليّ فما بلّغت رسالته. و قد ضمن لي- تبارك و تعالى- العصمة. و هو [اللّه‏]  الكافي الكريم. فأوحى إليّ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*، يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ‏ في علي‏  وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ‏.
معاشر النّاس، ما قصّرت في تبليغ ما أنزل اللّه- تعالى- إلي‏ . و أنا مبيّن لكم سبب نزول هذه الآية: إنّ جبرئيل- عليه السّلام- هبط إليّ مرارا ثلاثا يأمرني عن السّلام ربّي و هو السّلام، أن أقوم في هذا المشهد، فأعلم كلّ أبيض و أسود، أنّ عليّ بن أبي طالب أخي و وصيّي و خليفتي و الإمام من بعدي، الّذي محلّه منّي محلّ هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي، و هو وليّكم بعد اللّه و رسوله. و قد أنزل اللّه- تبارك و تعالى- و عظم في أركانه، و أحاط بكلّ شي‏ء علما و هو في مكانه، و قهر جميع الخلق بقدرته و برهانه، مجيدا لم يزل محمودا، لا يزال بارئ المسموكات، و داحي المدحوّات، و جبّار الأرضين و السّموات. سبّوح قدّوس‏  ربّ الملائكة و الرّوح. متفضّل على جميع من برأه، متطوّل على من أنشأه.  يلحظ كلّ عين، و العيون لا تراه. كريم حليم ذو أناة. قد وسع كلّ شي‏ء برحمته‏ ، و منّ عليهم بنعمته. لا يعجل بانتقامه، و لا يبادر إليهم بما استحقّوا من عذابه. قد فهم السّرائر، و علم الضّمائر، و لم تخف عليه المكنونات، و لا اشتبهت عليه الخفيّات. له الإحاطة بكلّ شي‏ء، و الغلبة على كلّ شي‏ء، و القوّة في كلّ شي‏ء، و القدرة على كلّ شي‏ء. ليس مثله شي‏ء، و هو منشئ الشي‏ء حين لا شي‏ء. دائم قائم بالقسط، لا إله إلّا هو العزيز الحكيم. جلّ عن أن تدركه الأبصار، و هو يدرك الأبصار، و هو اللّطيف الخبير. لا يلحق أحد وصفه من معاينة، و لا يجد أحد كيف هو من سرّ و علانية إلّا بما دلّ- عزّ و جلّ- على نفسه.
و أشهد أنّه اللّه الّذي ملأ الدّهر قدسه، و الّذي يغشى الأبد نوره، و الّذي ينفذ أمره بلا مشاورة مشير و لا معه شريك في تقدير و لا تفاوت في تدبير. صوّر ما أبدع على غير مثال، و خلق ما خلق بلا معونة من أحد و لا تكلّف و لا احتيال. أنشأها فكانت، و برأها فبانت. فهو اللّه الّذي لا إله إلّا هو، المتقن الصّنعة، الحسن الصّنيعة، العدل الّذي لا يجور، و الأكرم الّذي ترجع إليه الأمور.
و أشهد أنّه الّذي تواضع كلّ شي‏ء لقدرته، و خضع كلّ شي‏ء لهيبته. مالك الأملاك‏ ، و مفلك الأفلاك، و مسخّر الشّمس و القمر كلّ يجري لأجل مسمّى. يكوّر اللّيل على النّهار و يكوّر النّهار على اللّيل، يطلبه حثيثا. قاصم كلّ جبّار عنيد، و مهلك كلّ شيطان مريد. لم يكن معه ضدّ و لا ندّ. أحد صمد، لم يلد و لم يولد، و لم يكن له كفوا أحد. إله واحد، و ربّ ماجد. يشاء فيمضي، و يريد فيقضي، و يعلم فيحصي، و يميت‏ عليّ بذلك آية من كتابه‏ : إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ‏ و عليّ بن أبي طالب أقام الصّلاة و آتى الزّكاة و هو راكع، يريد اللّه- عزّ و جلّ- في كلّ حال.
و سألت جبرئيل- عليه السّلام- أن يستعفي لي عن تبليغ ذلك إليكم- أيّها النّاس- لعلمي بقلّة المتّقين، و كثرة المنافقين، و إدغال الآثمين، و ختل المستهزئين بالإسلام. الّذين وصفهم اللَّه في كتابه، بأنّهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم و يحسبونه هيّنا و هو عند اللّه عظيم. و كثرة أذاهم لي في غير مرّة حتّى سمّوني: أذنا.
و زعموا أنّي كذلك لكثرة ملازمته إيّاي و إقبالي عليه، حتّى أنزل اللّه- عزّ و جلّ- في ذلك قرآنا : وَ مِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَ يَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ‏ على الّذين يزعمون أنّه أذن‏ خَيْرٌ لَكُمْ. (الآية) و لو شئت أن أسمّي بأسمائهم لسمّيت، و أن أومئ إليهم بأعيانهم لأومأت، و أن أدلّ عليهم لدللت. و لكنّي- و اللّه- في أمورهم قد تكرّمت. و كلّ ذلك لا يرضى اللّه منّي إلّا أن أبلغ ما أنزل إليّ. ثمّ تلا- عليه السّلام-: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ‏- في علي- وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ‏.
فاعلموا معاشر النّاس، أنّ اللّه قد نصّبه لكم وليّا و إماما. مفترضا طاعته، على المهاجرين و الأنصار، و على التّابعين لهم بإحسان، و على البادي و الحاضر، و على الأعجميّ و العربيّ و الحر و المملوك و الصّغير و الكبير، و على الأبيض و الأسود، و على كلّ موحّد ماض حكمه جائز قوله نافذ أمره. ملعون من خالفه، مرحوم من تبعه. و من صدّقه‏  فقد غفر اللّه له و لمن سمع منه و أطاع له.
معاشر النّاس، إنّه آخر مقام أقومه في هذا المشهد. فاسمعوا و أطيعوا، و انقادوا لأمر ربّكم. فإنّ اللّه- عزّ و جلّ- هو ربّكم و وليّكم‏  و إلهكم، ثمّ من دونه محمّد وليكم‏  القائم المخاطب لكم، ثمّ من بعدي عليّ وليّكم و إمامكم بأمر اللّه‏  ربّكم، ثم الإمامة في ذريّتي من ولده إلى يوم [القيامة، يوم‏]  تلقون اللّه و رسوله. لا حلال إلّا ما أحلّه اللّه، و لا حرام إلّا ما حرّمه اللّه. عرّفني الحلال و الحرام، و أنا أمضيت بما علّمني ربّي من كتابه و حلاله و حرامه إليه.
معاشر النّاس، ما من علم إلّا و قد أحصاه اللّه فيّ، و كلّ علم علمته‏  فقد أحصيته في علي‏  إمام المتّقين. ما من علم، إلّا [و قد]  علّمته عليّا. و هو الإمام المبين.
معاشر النّاس، لا تضلّوا عنه، و لا تنفروا منه، و لا تستنكفوا  من ولايته. فهو الّذي يهدي إلى الحقّ و يعمل به، و يزهق الباطل و ينهى عنه، و لا تأخذه في اللّه لومة لائم. ثمّ أنّه أوّل من آمن باللّه و رسوله، و [هو]  الذي فدى رسول اللّه‏  بنفسه، و [هو]  الّذي كان مع رسول اللّه و لا أحد يعبد اللّه مع رسوله من الرّجال غيره.
معاشر النّاس، فضّلوه فقد فضّله اللّه، و اقبلوه فقد نصّبه اللّه.
معاشر النّاس، إنّه إمام من اللّه. و لن يتوب اللّه على أحد أنكر ولايته، و لن يغفر اللّه له حتما، على اللّه أن يفعل ذلك بمن خالف أمره فيه، و أن يعذبه عذابا نكرا  أبد الآباد و دهر الدّهور «فاحذروا أن تخالفوه فتصلوا نارا وقودها الناس و الحجارة اعدّت للكافرين».  أيّها النّاس، بي- و اللّه- بشّر الأوّلون من النّبيّين و المرسلين. و أنا خاتم الأنبياء و المرسلين، و الحجّة على جميع المخلوقين من أهل السّماوات و الأرضين. فمن شكّ في ذلك فهو كافر، كفر الجاهليّة الأولى. و من شكّ في شي‏ء من قولي هذا فقد شك في الكلّ منه، و الشّاكّ في الكلّ‏  فله النّار.
[معاشر النّاس، حباني اللّه بهذه الفضيلة منّا منه عليّ، و إحسانا منه إليّ. و لا إله إلّا هو له الحمد منّي أبد الآبدين و دهر الدّاهرين على كلّ حال.] .
معاشر النّاس، فضّلوا عليّا، فإنّه أفضل النّاس بعدي من ذكر و أنثى، بنا أنزل اللّه الرّزق و بقي الخلق، ملعون ملعون، مغضوب مغضوب من ردّ قولي هذا و لم يوافقه. ألا إنّ جبرئيل خبّرني عن اللّه- تعالى- بذلك و يقول: من عادى عليّا و لم يتولّه، فعليه لعنتي و غضبي‏ وَ لْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ  و اتّقوا اللّه أن تخالفوه، فتزلّ قدم بعد ثبوتها، إنّ اللّه خبير بما تعلمون.
معاشر النّاس، إنّه جنب اللّه الّذي نزل‏  في كتابه [فقال تعالى‏ : أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ‏]  يا حَسْرَتى‏ عَلى‏ ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ.. معاشر النّاس، تدبّروا القرآن، و افهموا آياته، و انظروا إلى محكماته، و لا تتّبعوا متشابهه. فو اللّه لن يبيّن‏  لكم زواجره و لا يوضّح لكم تفسيره، إلّا الّذي أنا آخذ بيده و مصعده إليّ و شائل بعضده و معلمكم: ألا من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه. و هو عليّ بن أبي طالب أخي و وصيّي. و موالاته من اللّه- عزّ و جلّ- أنزلها عليّ.
معاشر النّاس، إنّ عليّا و الطّيّبين من ولدي هم الثّقل الأصغر، و القرآن هو الثّقل الأكبر: فكلّ واحد منبئ عن صاحبه و موافق له. لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض. هم أمناء اللّه في خلقه، و حكّامه‏  في أرضه. [ألا و قد أدّيت، ألا و قد بلّغت،]  ألا و قد أسمعت، ألا و قد أوضحت، ألا و إنّ اللّه- عزّ و جلّ- قال و أنا قلت عن اللّه- عزّ و جلّ- ألا إنّه ليس أمير المؤمنين غير أخي هذا، و لا تحلّ إمرة المؤمنين بعدي لأحد غيره. ثمّ ضرب‏ بيده إلى عضده، فرفعه. و كان منذ أوّل ما صعد رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- مثال عليّا حتّى صارت رجله مع ركبة رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-.
ثمّ قال: معاشر النّاس، هذا عليّ أخي و وصيّي و واعي علمي، و خليفتي على أمّتي و على تفسير كتاب اللّه- عزّ و جلّ- و الدّاعي إليه، و العامل بما يرضاه، و المحارب لأعدائه، و الموالي على طاعته، و النّاهي عن معصيته. خليفة رسول اللّه، و أمير المؤمنين، و الإمام الهادي، و قاتل النّاكثين و القاسطين و المارقين بأمر اللّه. أقول: ما يبدّل القول لديّ [بأمر اللّه‏  ربّي. أقول: اللّهمّ، وال من والاه، و عاد من عاداه، و العن من أنكره، و اغضب‏]  على من جحد حقّه. اللّهمّ، إنّك أنزلت عليّ أنّ الإمامة [بعدي‏]  لعليّ وليّك، عند تبياني ذلك و نصبي إيّاه، بما أكملت لعبادك من دينهم و أتممت عليهم نعمتك‏  و رضيت لهم الإسلام دينا، فقلت‏ : وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ‏. اللّهمّ إنّي أشهدك [و كفى بك شهيدا]  أنّي قد بلّغت.
معاشر النّاس، إنّما أكمل اللّه- عزّ و جلّ-  دينكم بإمامته. فمن لم يأتمّ به و بمن يقوم مقامه من ولدي من صلبه إلى يوم القيامة و العرض على اللّه- عزّ و جلّ- فأولئك الّذين حبطت أعمالهم و في النّار هم [فيها]  خالدون لا يخفّف اللّه‏  عنهم العذاب و لا هم ينظرون.
معاشر النّاس، هذا عليّ أنصركم لي، و أحقّكم بي، و أقربكم إليّ، و أعزّكم عليّ. و اللّه- عزّ و جلّ- و أنا عنه راضيان. و ما نزلت آية رضى إلّا فيه، و ما خاطب اللّه الّذين آمنوا إلّا بدأ به، و لا نزلت آية مدح في القرآن إلّا فيه. و لا شهد اللّه‏  بالجنّة في‏ هَلْ أَتى‏ عَلَى الْإِنْسانِ.  إلّا له، و لا أنزلها في سواه [، و لا مدح بها غيره.
معاشر النّاس، هو ناصر دين اللّه، و المجادل عن رسول اللّه، و هو التّقي النّقي الهادي المهديّ‏]  نبيّكم خير نبيّ، و وصيّكم خير وصيّ، و بنوه خير الأوصياء.
معاشر النّاس، ذرّيّة كلّ نبيّ من صلبه، و ذرّيّتي من صلب عليّ.
معاشر النّاس، إنّ إبليس أخرج آدم من الجنّة بالحسد، فلا تحسدوه فتحبط أعمالكم و تزلّ أقدامكم. فإنّ آدم- عليه السّلام- أهبط إلى الأرض بخطيئة واحدة و هو صفوة اللّه- عزّ و جلّ- فكيف بكم و أنتم أنتم؟ و منكم أعداء اللّه. ألا إنّه لا يبعض عليّا إلّا شقي، و لا يتولّى عليّا إلّا نقيّ، و لا يؤمن به إلّا مؤمن مخلص. و في عليّ- و اللّه- أنزلت سورة العصر: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، وَ الْعَصْرِ إلى آخره.
معاشر النّاس، قد استشهدت اللّه و بلّغتكم رسالتي‏ وَ ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ‏ ..
معاشر النّاس، اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَ لا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ‏ ..
معاشر النّاس، «آمنوا باللّه و رسوله و النّور الّذي أنزل معه‏ ». «من قبل أن نطمس وجوها فنردّها على أدبارها ».
معاشر النّاس، النّور من اللّه- عزّ و جلّ- فيّ، ثمّ مسلوك‏  في عليّ- عليه السّلام- ثمّ في النّسل منه إلى القائم المهديّ، الّذي يأخذ بحقّ اللّه و بكلّ حقّ هو لنا. لأنّ اللّه- عزّ و جلّ- قد جعلنا حجّة على المقصّرين و المعاندين و المخالفين و الخائنين و الآثمين و الظّالمين من جميع العالمين.
معاشر النّاس، إنّي أنذركم «أنّي رسول اللّه إليكم قد خلت من قبلي الرّسل أ فإن متّ أو قتلت انقلبتم على أعقابكم و من ينقلب على عقبيه فلن يضرّ اللّه شيئا و سيجزي اللّه الشّاكرين‏ .» ألا و إنّ عليّا [هو]  الموصوف بالصّبر و الشّكر، ثمّ من بعده ولدي من صلبه.
معاشر النّاس، «لا تمنّوا على اللّه تعالى إسلامكم‏ » فيسخط عليكم و يصيبكم بعذاب من عنده «إنّه لبالمرصاد ».
معاشر النّاس، [، إنّه‏] سيكون من بعدي أئمّة يدعون‏ إلى‏ النّار، و يوم‏ القيامة لا ينصرون‏.
معاشر النّاس، إنّ اللّه و أنا بريئان منهم.
معاشر النّاس، إنّهم و أشياعهم و أتباعهم و أنصارهم في الدّرك الأسفل من النّار، و لبئس مثوى المتكبّرين. ألا إنّهم أصحاب الصّحيفة، فلينظر أحدكم في صحيفته.
قال: فذهب على النّاس- إلّا شر ذمة منهم- أمر الصّحيفة.
معاشر النّاس، إنّي أدعها إمامة و وراثة في عقبي إلى يوم القيامة. و قد بلّغت ما أمرت بتبليغه حجّة على كلّ حاضر و غائب، و على كلّ أحد، و ممّن شهد أو لم يشهد، ولد أو لم يولد. فليبلّغ الحاضر الغائب، و الوالد الولد إلى يوم القيامة. و سيجعلونها ملكا و اغتصابا. ألا لعن اللّه الغاصبين و المغتصبين. و عندها سنفرغ لكم أيّها الثّقلان فيرسل عليكما شواظ من نار و نحاس فلا تنتصران. ... ))
 

معرفی کتاب:

نام كتاب: تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب‏

نويسنده: قمي مشهدي، محمد بن محمدرضا ، تاريخ وفات مؤلف: 1125

محقق / مصحح: درگاهى، حسين‏

موضوع: تفسير

زبان: عربى‏

تعداد جلد: 14

ناشر: وزارت فرهنگ و ارشاد اسلامى، سازمان چاپ و انتشارات‏

مكان چاپ: تهران‏

سال چاپ: 1368 ش‏

نوبت چاپ: اول‏