آیه 1 و 2 سوره معارج : الأمثل فى تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل فى تفسير كتاب الله المنزل، ج‏19، ص 9

التّفسير
العذاب العاجل:
من هنا تبدأ سورة المعارج حيث تقول: سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ‏، هذا السائل كما قلنا في سبب النزول هو النعمان بن الحارث أو النضر بن الحارث و كان هذا بمجرّد تعيين الإمام علي عليه السّلام خليفة و وليّا في (غدير خم) و انتشار هذا الخبر في البلاد، حيث رجع مغتاظا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قال: هل هذا منك أم من عند اللّه؟

فأجابه النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مصرّحا: «من عند اللّه»،

فازداد غيظة و قال: اللّهم إن كان هذا هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء، فرماه اللّه بحجارة من السماء فقتله. «1» هناك تفسير آخر أعم من هذا التّفسير و أعم منه، و هو أنّ سائل سأله لمن هذا العذاب الذي تتحدث عنه؟ فيأتي الجواب في الآية الاخرى: لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ‏.

و حسب تفسير ثالث يكون هذا السائل هو النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الذي دعا على الكافرين بالعذاب فنزل.

و لكن مع أنّ التّفسير الأوّل أكثر ملاءمة للآية فإنّه منطبق تماما على روايات سبب النزول.
______________________________
(1)- الباء في (بعذاب واقع) حسب هذا التفسير باء زائدة للتأكيد و في نظر البعض تعني (عن)، و هذا ممّا يطابق التّفسير الثّاني (يجب الالتفات إلى أنّ السؤال إذا كان بصيغة الطلب يتعدى بمفعولين و إذا كان بمعنى الاستفسار يكون مفعوله الثّاني مع (عن).

الأمثل فى تفسير كتاب الله المنزل، ج‏19، ص 10

ملاحظة:
إشكالات المعاندين الواهية!
كثيرا ما نرى في مورد الآيات أو الرّوايات التي تذكر فضائل أمير المؤمنين عليه السّلام إصرار البعض إلى حدّ ما في أن يغضّ النظر عنها، أو يقوم بتوجيهها توجيها محرّفا و يدقق في أمرها بوسوسة بالغة، في حين أنّ هذه الفضائل لو كانت واردة في الآخرين لقبلوها بسهولة و بساطة.

النموذج الحي الكلام هو الإشكالات السباعية التي ذكرها ابن تيمية في‏
______________________________
(1)- (واقع) صفة للعذاب و (للكافرين) صفة ثانية و (ليس له دافع) صفة ثالثة و قد احتمل أن (الكافرين) له علاقة ب- (العذاب) و إذا كانت (اللام) تعني (على) فإنّها ستتعلق ب- (واقع).

الأمثل فى تفسير كتاب الله المنزل، ج‏19، ص 11

كتابه (منهاج السنّة) في أحاديث مروية في أسباب نزول الآيات المذكورة و هي:

1- حديث قصّة يوم الغدير بعد رجوع الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من حجّة الوداع أي في السنة العاشرة للهجرة، في حين أنّ السورة المعارج من السور المكّية و قد نزلت قبل الهجرة.

الجواب: كما بيّنا من قبل فإنّ كثيرا من السور تسمّى مكّية في حين أنّ بعض آياتها مدنية كما يقول المفسّرون، و بالعكس فإنّ هناك سورا مدنية نزلت بعض آياتها في مكّة.

2- جاء في الحديث أنّ (الحارث بن النعمان) حضر عند النّبي في (الأبطح)، و المعروف أنّ (الأبطح)، واد في مكّة، و هذا لا يتفق مع نزول الآية بعد حادثة الغدير.

الجواب: إنّ كلمة الأبطح وردت في بعض الرّوايات، لا كلّ الرّوايات، كما أنّ الأبطح و البطحاء تعني كل أرض صحراء رملية و تجري فيها السيول، و كذلك هناك مناطق في المدينة تسمّى بالأبطح و البطحاء، و قد أشار العرب إلى ذلك في كثير من أقوالهم و أشعارهم.

3- المشهور أنّ آية: وَ إِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ الجواب: ليس منّا من يقول: إنّ حادثة الغدير هي سبب نزول تلك الآية، بل الحديث هو في آية: سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ‏ و أمّا الآية (33) من سورة الأنفال فهي أنّ الحارث بن النعمان قد استخدمها في كلامه، و هذا لا يرتبط بأسباب النزول، و لكن العصبية المفرطة تجعل الإنسان غافلا عن هذا الموضوع الواضح.

4- يقول القرآن المجيد: وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ وَ ما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ‏ الأنفال الآية (33)، تقول الآية: لم ينزل العذاب أبدا ما دام الرسول فيهم.

الأمثل فى تفسير كتاب الله المنزل، ج‏19، ص 12

الجواب: المعروف أنّ العذاب العام و الجماعي مرفوع عن الأمّة لأجل الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و أمّا العذاب الخاص و الفردي فقد نزل مرارا على بعض الأفراد، و التاريخ الإسلامي شاهد على أنّ أناسا معدودين مثل «أبي زمعة» و «مالك بن طلالة» و «الحكم بن أبي العاص» و غيرهم قد ابتلوا بالعذاب للعن الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلم لهم أو بدون ذلك.

بالإضافة إلى ذلك فإنّ الآية السالفة لها تفاسير أخرى، و طبقا لذلك فإنّ لا يمكن الاستدلال بها في المكان (راجع التّفسير الأمثل ذيل الآية 33 الأنفال).

5- إذا كان سبب النزول هذا صحيحا فلا بدّ أن يكون معروفا كقصّة أصحاب الفيل؟

الجواب: إنّ سبب النزول لهذه الآية معروف و مشهور، كما أشرنا من قبل، إلى حدّ ألّف فيه ثلاثون كتابا من كتب التّفسير و الحديث، و العجيب بعدئذ أن نتوقع من حادثة خاصّة أن تعطي انعكاسا و أثرا كقصّة أصحاب الفيل، في حين أنّ تلك القصّة كانت لها صفة عامّة، و قد استولت على أنحاء مكّة، و أبيدت فيها جيوش كبيرة، و أمّا قصّة الحارث بن النعمان، فإنّها كانت تخصّ فردا واحدا فقط!.

6- ما يستفاد من هذا الحديث هو أنّ الحارث بن النعمان كان معتقدا بأسس و اصول الإسلام، فكيف يمكن لمسلم يعاصر النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن يبتلى بمثل هذا العذاب؟

الجواب: هذا الإحتجاج ناشئ أيضا من التعصب الأعمى، لأنّ الأحاديث المذكورة سلفا تشير إلى أنّه لم ينكر نبوّة الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فحسب، بل أنّه أنكر حتى الشهادة بالوحدانية، و اعترض على الأمر الإلهي الذي صدر للرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في حقّ علي عليه السّلام و هذا يدل على أشدّ مراحل الكفر و الارتداد.

7- لا نجد اسما للحارث بن النعمان في الكتب المشهورة كالاستيعاب الذي جاء فيه ذكر الصحابة.

الأمثل فى تفسير كتاب الله المنزل، ج‏19، ص 13

الجواب: ما جاء في هذا الكتاب و مثله من ذكر الصحابة يرتبط فقط بقسم من الصحابة، فمثلا في كتاب (أسد الغابة) الذي يعدّ من أهم الكتب و فيه يذكر أصحاب الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قد عدّ منهم فقط سبعة آلاف و خمسمائة و أربعة و خمسين صحابيا، في حين أننا نعلم أنّ الجمع الذي كان حاضرا عند النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في حجّة الوداع مائة ألف أو يزيدون، و ممّا لا شك فيه أنّ كثيرا من أصحاب الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لم يأت ذكرهم في هذه الكتب.

نسخه شناسی

درباره مولف

کتاب شناسی 

منابع: 

مكارم شيرازى، ناصر، الأمثل فى تفسير كتاب الله المنزل‏، ج‏19، مدرسه امام على بن ابى طالب‏، قم‏، 1421 ق‏، چاپ اول‏، صص9 - 13