آیه 1 و 2 سوره معارج : الجامع لأحكام القرآن

الجامع لأحكام القرآن،ج ‏18، ص 278  

قوله تعالى: (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ) قرأ نافع و- ابن عامر سَأَلَ سائِلٌ‏ بغير همزة. الباقون بالهمز. فمن همز فهو من السؤال. و- الباء يجوز أن تكون زائدة، و- يجوز أن تكون بمعنى عن. و- السؤال بمعنى الدعاء، أي دعا داع بعذاب، عن ابن عباس وغيره. يقال: دعا على فلان بالويل، و- دعا عليه بالعذاب.

و- يقال: دعوت زيدا، أي التمست إحضاره. أي التمس ملتمس عذابا للكافرين، و- هو واقع بهم لا محالة يوم القيامة. و- على هذا فالباء زائدة، كقوله تعالى: تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ‏ «1» [المؤمنون: 20]، و- قوله. وَ- هُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ «2» [مريم: 25] فهي تأكيد. أي سأل سائل عذابا واقعا. (لِلْكافِرينَ) أي على الكافرين.

و- هو النضر ابن الحارث حيث قال: اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ‏ «3» [الأنفال: 32] فنزل سؤاله، و- قتل يوم بدر صبرا «4» هو و- عقبة بن أبي معيط، لم يقتل صبرا غيرهما، قاله ابن عباس و- مجاهد.

و- قيل: إن السائل هنا هو الحارث بن النعمان الفهري. و- ذلك أنه لما بلغه قول النبي صلي الله عليه و- سلم في علي رضي الله عنه: (من كنت مولاه فعلي مولاه) ركب ناقته فجاء حتى أناخ راحلته بالأبطح ثم قال: يا محمد، أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله‏

الجامع لأحكام القرآن، ج‏18، ص 279

إلا الله و- أنك رسول الله فقبلناه منك، وأن نصلي خمسا فقبلناه منك، و- نزكي أموالنا فقبلناه منك، وأن نصوم شهر رمضان في كل عام فقبلناه منك، وأن نحج فقبلناه منك، ثم لم ترض بهذا حتى فضلت ابن عمك علينا! أ فهذا شي منك أم من الله؟! فقال النبي صلي الله عليه و- سلم: (و- الله الذي لا إله إلا هو ما هو إلا من الله) فولى الحارث و- هو يقول: اللهم إن كان ما يقول محمد حقا فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم. فوالله ما وصل إلى ناقته حتى رماه الله بحجر فوقع على دماغه فخرج من دبره فقتله، فنزلت: سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ‏ الآية.

و- قيل: إن السائل هنا أبو جهل و- هو القائل لذلك، قاله الربيع.

و- قيل: إنه قول جماعة من كفار قريش. و- قيل: هو نوح عليه السلام سأل العذاب على الكافرين. و- قيل: هو رسول الله صلي الله عليه و- سلم أي دعا عليه السلام بالعقاب و- طلب أن يوقعه الله بالكفار، و- هو واقع بهم لا محالة. و- أمتد الكلام إلى قوله تعالى: فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلًا [المعارج: 5] أي لا تستعجل فإنه قريب. و- إذا كانت الباء بمعنى عن- و- هو قول قتادة- فكأن سائلا سأل عن العذاب بمن يقع أو متى يقع. قال الله تعالى: فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً «1» [الفرقان: 59] أي سل عنه.

و- قال علقمة: 

فإن تسألوني بالنساء فإنني‏  بصير بأدواء النسا طبيب‏

أي عن النساء. و- يقال: خرجنا نسأل عن فلان و- بفلان. فالمعنى سألوا بمن يقع العذاب و- لمن يكون فقال الله: لِلْكافِرين‏

الجامع لأحكام القرآن، ج‏18، ص 281   

قال أبو علي وغيره: و- إذا كان من السؤال فأصله أن يتعدى إلى مفعولين و- يجوز الاقتصار على أحدهما. و- إذا اقتصر على أحدهما جاز أن يتعدى إليه بحرف جر، فيكون التقدير سأل سائل النبي صلي الله عليه و- سلم أو المسلمين بعذاب أو عن عذاب. و- من قرأ بغير همز فله وجهان:

أحدهما: أنه لغة في السؤال وهي لغة قريش، تقول العرب: سال يسال، مثل نال ينال و- خاف يخاف. و- الثاني أن يكون من السيلان، و- يؤيده قراءة ابن عباس" سال سيل". قال عبد الرحمن بن زيد: سال واد من أودية جهنم يقال له:
______________________________
(1). راجع ج 13 ص 63.

الجامع لأحكام القرآن، ج‏18، ص 280

سائل، و- هو قول زيد بن ثابت. قال الثعلبي: و- الأول أحسن، كقول الأعشى‏ «1» في تخفيف الهمزة:

سالتاني الطلاق إذ رأتاني‏ قل مالي قد جئتماني بنكر

وفي الصحاح: قال الأخفش: يقال خرجنا نسأل عن فلان و- بفلان. وقد تخفف همزته فيقال: سال يسال. و- قال:

و- مرهق سال إمتاعا بأصدته‏ لم يستعن و حوامي الموت تغشاه‏ «2»

المرهق: الذي أدرك ليقتل. و الأصدة بالضم: قميص صغير يلبس تحت الثوب. المهدوي: من قرأ" سال" جاز أن يكون خفف الهمزة بإبدالها ألفا، و- هو البدل على غير قياس. و- جاز أن تكون الالف منقلبة عن واو على لغة من قال: سلت أسال، كخفت أخاف. النحاس: حكى سيبويه سلت أسال، مثل خفت أخاف، بمعنى سألت. و- أنشد:

سالت هذيل رسول الله فاحشة ضلت هذيل بما سالت و- لم تصب‏ «3»

 و- يقال: هما يتساولان. المهدوي: و- جاز أن تكون مبدلة من ياء، من سال يسيل. و- يكون سائل واديا في جهنم، فهمزه سائل على القول الأول أصلية، و- على الثاني بدل من واو، و- على الثالث بدل من ياء. القشيري: وسائل مهموز، لأنه إن كان من سأل بالهمز فهو مهموز، و إن كان من غير الهمز كان مهموزا أيضا، نحو قائل و- خائف، لان العين اعتل في الفعل و- اعتل في اسم الفاعل أيضا. و- لم يكن الاعتلال بالحذف لخوف الالتباس، فكان بالقلب إلى الهمزة، و- لك تخفيف الهمزة حتى تكون بين بين. واقِعٍ‏ أي يقع بالكفار بين‏
______________________________
(1). لم تجد البيت في شعر الاعشين. وفى كتاب سيبويه (ج 1 ص 291، ج 2 ص 170) أنه لزيد بن عمرو ابن نفيل القرشي. و- علق عليه الأعلم الشنتمرى أنه يروى لنبيه بن الحجاج.

(2). لم يستعن، أي لم يحلق عانته. و حوامى الموت و حوائمه: أسبابه. قال ابن برى: أنشده أبو على الباهلي غيث بن عبد الكريم لبعض العرب يصف رجلا شريفا، ارتث في بعض المعارك فسألهم أن يمتعوه بقميصه، أي لا يسلب.
(3). البيت لحسان بن ثابت.

الجامع لأحكام القرآن، ج‏18، ص 281

أنه من الله ذي المعارج. و- قال الحسن أنزل الله تعالى: سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ‏ فقال لمن هو؟ فقال للكافرين، فاللام في الكافرين متعلقة ب واقِعٍ‏.

الجامع لأحكام القرآن، ج‏18، ص 281   

و- قال الفراء: التقدير بعذاب للكافرين واقع، فالواقع من نعت العذاب و- اللام دخلت للعذاب لا للواقع، أي هذا العذاب للكافرين في الآخرة لا يدفعه عنهم أحد. و- قيل إن اللام بمعنى على، و- المعنى: واقع على الكافرين‏

نسخه شناسی 

درباره مولف

کتاب شناسی 

منابع: 

قرطبى محمد بن احمد، الجامع لأحكام القرآن‏، ج‏18، انتشارات ناصر خسرو، تهران‏، 1364 ش‏، چاپ اول‏، صص 278- 281