آیه 1 و 2 سوره معارج : الكشف و البيان عن تفسير القرآن
الكشف و البيان عن تفسير القرآن، ج10 ، ص 34
سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ قرأ أهل المدينة و الشام سال بغير همز، و قرأ الباقون بالهمز و اختاره أبو عبيد و أبو حاتم، فمن قرأه بالهمز فهو من السؤال لا غير و له وجهان: أحدهما أن تكون الباء في قوله بِعَذابٍ بمعنى عن كقوله سبحانه: فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً «2» أي عنه، و قال علقمة بن عبدة:
فإن تسألوني بالنساء فانّي | بصير بأدواء النساء طبيب «3» |
أي عن النساء.
و معنى الآية: سأل سائل عن عذاب واقع نازل: على من ينزل؟ و لمن هو؟ فقال الله سبحانه مجيبا له:
______________________________
(1) تفسير مجمع البيان: 10/ 116.
(2) سورة الفرقان: 59.
(3) لسان العرب: 1/ 554.
الكشف و البيان عن تفسير القرآن، ج10، ص: 35
لِلْكافِرينَ
و هذا قول الحسن و قتادة قالا: كان هذا بمكّة، لما بعث الله تعالى محمدا صلّى اللّه عليه و سلّم إليهم و خوّفهم بالعذاب و النكال، قال المشركون بعضهم لبعض: من أهل هذا العذاب اسألوا محمدا لمن هو و على من ينزل و بمن يقع، فبيّن الله سبحانه و أنزل سَأَلَ سائِلٌ عذابا واقعا لِلْكافِرينَ أي على الكافرين ، اللام بمعنى على، و هو النضر بن الحرث حيث دعا على نفسه و سأل العذاب
فقال: اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَ لأنّه نزل به ما سأل يوم بدر، فقتل صبرا و لم يقتل من الأسرى يومئذ غيره و غير عقبه بن أبي معيط، و هذا قول ابن عباس و مجاهد،
و سئل سفيان بن عيينة عن قول الله سبحانه: سَأَلَ سائِلٌ فيمن نزلت، فقال: لقد سألتني عن مسألة ما سألني أحد قبلك.
حدّثني أبي عن جعفر بن محمد عن آبائه، فقال: لما كان رسول الله صلّى اللّه عليه و سلّم بغدير خم، نادى بالناس فاجتمعوا، فأخذ بيد عليّ رضي اللّه عنه فقال: «من كنت مولاه فعليّ مولاه» «1».
فشاع ذلك و طار في البلاد، فبلغ ذلك الحرث بن النعمان القهري فأتى رسول الله صلّى اللّه عليه و سلّم على ناقة له حتّى أتى الأبطح، فنزل عن ناقته و أناخها و عقلها، ثمّ أتى النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و هو في ملأ من أصحابه فقال: يا محمد أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلّا الله و أنّك رسول الله فقبلناه منك، و أمرتنا أن نصلّي خمسا فقبلناه منك، و أمرتنا بالزكاة فقبلنا، و أمرتنا بالحجّ فقبلنا، و أمرتنا أن نصوم شهرا فقبلنا، ثمّ لم ترض بهذا حتّى رفعت بضبعي ابن عمّك ففضلته علينا و قلت: من كنت مولاه فعلي مولاه، فهذا شيء منك أم من الله تعالى؟
فقال: «و الّذي لا إله إلّا هو هذا من الله» فولّى الحرث بن النعمان يريد راحلته و هو يقول:
اللهمّ إن كان ما يقوله حقا فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ، أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ، فما وصل إليها حتّى رماه الله بحجر فسقط على هامته و خرج من دبره فقتله، و أنزل الله سبحانه: سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ [32] «2».
و من قرأ بغير همز فله وجهان: أحدهما أنّه لغة في السؤال، تقول العرب: سال سائل و سأل سال مثل نال ينال، و خاف يخاف، و الثاني: أن يكون من السيل، قال زيد بن ثابت و عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، سال واد من أودية جهنم يقال له سائل.
ثعلبى نيشابورى ابو اسحاق احمد بن ابراهيم، الكشف و البيان عن تفسير القرآن، ج10، تحقيق: ابو محمد بن عاشور، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1422 ق، چاپ اول، صص 34 - 35