آیه 1 و 2 سوره معارج : روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم
روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج15 ، ص 62
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ أي دعا داع به فالسؤال بمعنى الدعاء و لذا عدي بالباء تعديته بها في قوله تعالى: يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ [الدخان: 55] و المراد استدعاء العذاب و طلبه و ليس من التضمين في شيء.
و قيل الفعل مضمن معنى الاهتمام و الاعتناء أو هو مجاز عن ذلك فلذا عدي بالباء. و قيل إن الباء زائدة و قيل إنها بمعنى عن كما في قوله تعالى فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً [الفرقان: 59] و السائل هو النضر بن الحارث كما روى النسائي و جماعة و صححه الحاكم عن ابن عباس.
و روي ذلك عن ابن جريج و السدي و الجمهور حيث قال إنكارا و استهزاء اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ [الأنفال: 32] و قيل هو أبو جهل حيث قال فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ [الشعراء: 187] و
قيل هو الحارث بن النعمان الفهري و ذلك أنه لما بلغه قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم في علي كرم اللّه تعالى وجهه: «من كنت مولاه فعلي مولاه» قال: اللهم إن كان ما يقول محمد صلّى اللّه عليه و سلم حقا فأمطر علينا حجارة من السماء فما لبث حتى رماه اللّه تعالى بحجر فوقع على دماغه فخرج من أسفله فهلك من ساعته.
روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج15، ص 63
و أنت تعلم أن ذلك القول منه عليه الصلاة و السلام في أمير المؤمنين كرم اللّه تعالى وجهه كان في غدير خم و ذلك في أواخر سني الهجرة فلا يكون ما نزل مكيا على المشهور في تفسيره.
و قد سمعت ما قيل في مكية هذه السورة و قيل هو الرسول صلّى اللّه عليه و سلم استعجل عذابهم و قيل هو نوح عليه السلام سأل عذاب قومه. و قرأ نافع و ابن عامر «سال» بألف كقال سايل بياء بعد الألف فقيل يجوز أن يكون قد أبدلت همزة الفعل ألفا و هو بدل على غير قياس و إنما قياس هذا بين بين و يجوز أن يكون على لغة من قال سلت أسال حكاها سيبويه و في الكشاف هو من السؤال و هو لغة قريش يقولون سلت تسال و هما يتسايلان و أراد أنه من السؤال المهموز معنى لا اشتقاقا بدليل و هما يتسايلان و فيه دلالة على أنه أجوف يأتي و ليس من تخفيف الهمزة في شيء.
و قيل السؤال بالواو الصريحة مع ضم السين و كسرها و قوله يتسايلان صوابه يتساولان فتكون ألفه منقلبة عن واو كما في قال و خاف و هو الذي ذهب إليه أبو علي في الحجة و ذكر فيها أن أبا عثمان حكى عن أبي زيد أنه سمع من العرب من يقول هما يتساولان ثم إن في دعوى كون سلت تسال لغة قريش ترددا و الظاهر خلاف ذلك و أنشدوا لورود سال قول حسان يهجو هذيلا لما سألوا النبيّ صلّى اللّه عليه و سلم أن يبيح لهم الزنا:
سالت هذيل رسول اللّه فاحشة ضلت هذيل بما قالت و لم تصب
و قول آخر:
سالتاني الطلاق أن رأتاني | قل مالي قد جئتماني بنكر |
و جوز أن يكون سال من السيلان و أيد بقراءة ابن عباس «سال سيل» فقد قال ابن جني السيل هاهنا الماء السائل و أصله المصدر من قولك سال الماء سيلا إلّا أنه أوقع على الفاعل كما في قوله تعالى إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً [الملك: 30] أي غائرا و قد تسومح في التعبير عن ذلك بالوادي فقيل:
المعنى اندفع واد بعذاب واقع و التعبير بالماضي قيل للدلالة على تحقيق وقوع العذاب إما في الدنيا و هو عذاب يوم بدر و قد قتل يومئذ النضر و أبو جهل.
و إما في الآخرة و هو عذاب النار و عن زيد بن ثابت أن سائلا اسم واد في جهنم و أخرج ابن المنذر و عبد بن حميد عن ابن عباس ما يحتمله لِلْكافِرينَ صفة أخرى لعذاب أي كائن لِلْكافِرينَ أو صلة لواقع و اللام للتعليل أو بمعنى على و يؤيده قراءة أبيّ «على الكافرين»
و إن صح ما روي عن الحسن و قتادة أن أهل مكة لما خوفهم النبيّ صلّى اللّه عليه و سلم بعذاب سألوا عنه على ما ينزل و بمن يقع فنزلت كان هذا ابتداء كلام جوابا للسائل أي هو للكافرين و قوله تعالى لَيْسَ لَهُ دافِعٌ صفة أخرى لعذاب أو حال منه لتخصيصه بالصفة أو بالعمل أو من الضمير في لِلْكافِرينَ على تقدير كونه صفة لعذاب على ما قيل أو استئناف أو جملة مؤكدة لهو لِلْكافِرينَ على ما سمعت آنفا فلا تغفل و قوله سبحانه مِنَ اللَّهِ متعلق بدافع و مِنَ ابتدائية أي ليس له دافع يرده من جهته عزّ و جلّ لتعلق إرادته سبحانه به
و قيل متعلق بواقع فقيل إنما يصح على غير قول الحسن و قتادة و عليه يلزم الفصل بالأجنبي لأن لِلْكافِرينَ على ذلك جواب سؤال ثم إن التعلق ب واقِعٍ على ما عدا قولهما إن جعل للكافرين من صلته أيضا كان أظهر و إلا لزم الفصل بين المعمول و عامله بما ليس من تتمته لكن ليس أجنبيا من كل وجه ذِي الْمَعارِجِ هي لغة الدرجات و المراد بها على ما روي عن ابن عباس السماوات تعرج فيها الملائكة من سماء إلى سماء و لم يعينها بعضهم
فقال أي ذي المصاعد التي تصعد فيها الملائكة بالأوامر و النواهي و قيل هي مقامات معنوية تكون فيها الأعمال و الاذكار أو مراتب في السلوك كذلك يترقى فيها المؤمنون السالكون أو مراتب الملائكة عليهم السلام.
آلوسى، سيد محمود ، روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج15، تحقيق: على عبدالبارى عطية، دارالكتب العلميه، بيروت، 1415 ق، چاپ اول، صص 62 - 63