آیه 1 و 2 سوره معارج : مفاتيح الغيب
مفاتيح الغيب، ج30 ، ص 637
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ (1) لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ (2)
اعلم أن قوله تعالى: سَأَلَ فيه قراءتان منهم من قرأه بالهمزة، و منهم من قرأه بغير همزة، أما الأولون و هم الجمهور فهذه القراءة تحتمل وجوها من التفسير: الأول:
أن النضر بن الحرث لما قال: اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ [الأنفال: 32] فأنزل اللّه تعالى هذه الآية و معنى قوله: سَأَلَ سائِلٌ أي دعا داع بعذاب واقع من قولك دعا بكذا إذا استدعاه و طلبه،
و منه قوله تعالى: يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ [الدخان: 55] قال ابن الأنباري:
و على هذا القول تقدير الباء الإسقاط، و تأويل الآية: سأل سائل عذابا واقعا، فأكد بالباء كقوله تعالى: وَ هُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ [مريم: 25] و قال صاحب الكشاف لما كان سَأَلَ معناه هاهنا دعا لا جرم عدى تعديته كأنه قال دعا داع بعذاب من اللّه الثاني: قال الحسن و قتادة لما بعث اللّه محمد صلى اللّه عليه و سلم و خوف المشركين بالعذاب قال المشركون:
بعضهم لبعض سلوا محمدا لمن هذا العذاب و بمن يقع فأخبره اللّه عنه بقوله: سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ قال ابن الأنباري: و التأويل على هذا القول: سأل سائل عن عذاب و الباء بمعنى عن، كقوله:
فإن تسألوني بالنساء فإنني بصير بأدواء النساء طبيب
و قال تعالى: فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً [الفرقان: 59] و قال صاحب «الكشاف»: سَأَلَ على هذا الوجه في تقدير عنى و اهتم كأنه قيل: اهتم مهتم بعذاب واقع الثالث: قال بعضهم: هذا السائل هو رسول اللّه استعجل بعذاب الكافرين، فبين اللّه أن هذا العذاب واقع بهم، فلا دافع له قالوا: و الذي يدل على صحة هذا التأويل قوله تعالى في آخر الآية: فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلًا [المعارج: 5] و هذا يدل على أن ذلك السائل هو الذي أمره بالصبر الجميل، أما القراءة الثانية و هي (سال) بغير همز فلها وجهان: أحدهما: أنه أراد سَأَلَ بالهمزة فخفف و قلب قال:
سألت قريش رسول اللّه فاحشة | ضلت هذيل بما سالت و لم تصب |
و الوجه الثاني: أن يكون ذلك من السيلان و يؤيده قراءة ابن عباس سال سيل و السيل مصدر في معنى
مفاتيح الغيب، ج30، ص 638
السائل، كالغور بمعنى الغائر، و المعنى اندفع عليهم واد بعذاب، و هذا قول زيد بن ثابت و عبد الرحمن بن زيد قالا: سال واد من أودية جهنم بعذاب واقع. أما سائِلٌ، فقد اتفقوا على أنه لا يجوز فيه غير الهمز لأنه إن كان من سأل المهموز فهو بالهمز، و إن لم يكن من المهموز كان بالهمز أيضا نحو قائل و خائف إلا أنك إن شئت خففت الهمزة فجعلتها بين بين، و قوله تعالى: بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ فيه وجهان.
فخر رازى، محمد بن عمر، مفاتيح الغيب، ج30، دار احياء التراث العربي، بيروت، 1420 ق، چاپ سوم، ص 638