آیه 1 و 2 سوره معارج : من هدى القرآن

من هدى القرآن،  ج‏16، ص 340   

بينات من الآيات:
قال الإمام الصادق- عليه السلام-: لمّا نصب رسول اللّه (ص) عليّا يوم غدير خم قال: «من كنت مولاه فعلي مولاه» طار ذلك في البلاد، فقدم على النبي (ص) النعمان بن الحارث الزهري فقال: أمرتنا عن اللّه أن نشهد أن لا إله إلّا اللّه و أنّك رسول اللّه، و أمرتنا بالجهاد و الحج و الصوم و الصلاة و الزكاة فقبلناها، ثم لم ترض حتى نصبت هذا الغلام فقلت: من كنت مولاه فعلي مولاه؟!

فهذا شي‏ء منك أو أمر من عند اللّه؟! فقال: لا و اللّه الذي لا إله إلّا هو إنّ هذا من اللّه، فولّى النعمان بن الحارث و هو يقول: اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ، فرماه اللّه بحجر في رأسه فقتله‏ «1»،

و في رواية أخرى قال أبو بصير عن الصادق (ع): بينما رسول اللّه (ص) جالسا إذ أقبل أمير المؤمنين (ع) فقال له رسول اللّه (ص): إنّ فيك شبها/ 358 من عيسى بن مريم .. قال: فغضب الحارث بن عمرو الفهدي فقال:

«اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ‏ أنّ بني هاشم يتوارثون هرقلا بعد هرقل (اسم ملك الروم أراد بني هاشم يتوارثون ملكا بعد ملك) فأرسل علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم» فأنزل اللّه عليه مقالة الحارث و نزلت هذه الآية: «وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ وَ ما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ‏» ثم قال له: يا عمرو إمّا
______________________________
(1) نور الثقلين/ ج 5 ص 411.

من هدى القرآن، ج‏16، ص 341

تبت و إمّا رحلت، فقال: يا محمّد بل تجعل لساير قريش شيئا ممّا في يديك فقد ذهبت بنو هاشم بمكرمة العرب و العجم، فقال النبي: ليس ذلك إلي، ذلك إلى اللّه تبارك و تعالى، فقال: يا محمد قلبي ما يتابعني على التوبة و لكن أرحل عنك، فدعا براحلته فركبها فلمّا صار بظهر المدينة أتته جندلة (أي حجرة) فرضّت هامته ثم أتى الوحي إلى النبي (ص) فقال: الآيات الاولى من سورة المعارج‏ «1».

سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ‏ و سؤال السائل يكشف ليس عن شك في وعد اللّه عزّ و جلّ و حسب، بل يكشف أيضا حالة من الاستهزاء و التحدي دعته إليهما الثقافة الجاهلية التي جاءت الرسالة لتحرير الإنسان منها، كما دعته إليهما الضغائن الدفينة على الرسول و الرسالة.

و الآية الكريمة- كسائر آيات القرآن- أوسع من حادثة تاريخية، أو مصداق واحد بذاته، بل هي شاملة لكلّ موقف استهزاء بالحق، و تكذيب به./ 359 و لا يصف ربّ العزة عظمة العذاب و مدى هوله، بل يؤكّد واقعيته فيقول:

«واقع»، و ذلك يهدينا إلى حقيقة فطرية و عقلية لا يتردّد في قبولها أحد و هي أنّ جهل الإنسان بالحقائق القائمة في الواقع، أو تجاهله بها (تكذيبه) لا يغيّر من أمرها شيئا. أ ترى أنّ عقيدة الوجوديين الذين زعموا بأنّ الوجود خيال يتراءى للإنسان كالسراب أعدمت الوجود أو غيّرت من الواقع شيئا؟ هل ينفي عدم رؤية الأعمى لما حوله وجوده؟

كلّا .. و إذا قلنا أنّ كلمة «واقع» تدل على الماضي فإنّها تأتي هنا للتأكيد من حيث أنّه حتمي لا شك فيه و لا تردّد في وقوعه، لأنّ اللّه قد قدّره و قضاه تقديرا حتما و قضاء مبرما.
______________________________
(1) المصدر/ ص 412 ذكره أبو عبيدة و الثعلبي و النقاش و سفيان بن عيينة، و أشار إليه الرازي و النيسابوري، و نقل القرطبي نص الرواية في تفسيره و الحسكاني في شواهد التنزيل.
من هدى القرآن، ج‏16، ص 342

و يبدو أنّ السؤال لم يكن سؤال مستفهم، بل سؤال مكذّب مستهزء، و لهذا عدّي الفعل بالباء فأعطى معنى التكذيب، فكأنه قال: سأل سائل مكذّب بعذاب واقع. و هكذا أوحى النص بأنّ الدافع إلى السؤال لم يكن المعرفة و إنّما التشكيك به.

و إذ يقع عذاب اللّه فإنّه- و إن كان- يبدّل وجه الكون و علاقات أجزائه ببعضها فتكون السماء كالمهل و الجبال كالعهن و لا يسأل حميم حميما، إلّا أنّه لا يخرج عن إطار حكمة اللّه و إرادته إلى حالة الفوضى، و إنّما يكون بقدر، و لا يصيب إلّا من يشاء اللّه، فإذا بك تراه و قد حان حينه لا يقع إلّا على الكافرين، الذين لا يجدون ما يدفعونه به عن أنفسهم.

/ 360 لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ‏ يحجزه عنهم و يدفعه عن ساحتهم، و ما عسى أن تبلغ قدرة أحد حتى يكون قادرا على دفع عذاب يصيّر السماء كالمهل و الجبال كالعهن، و يقطع الروابط الحميمة بين الأخلّاء و الأنساب لهوله و شدّته! و الإنسان هناك لا يفكّر إلّا في خلاص نفسه، فلا يسأل عن غيره، فكيف السعي لدفع العذاب عنه؟! بلى. يستطيع الإنسان دفع العذاب عن نفسه يومئذ بفضل اللّه و رحمته، و بعمله الصالح، و لم يترك الكافرون بينهم و بين اللّه صلة كي يرحمهم، بل سدّوا عن أنفسهم كلّ أبواب الرحمة بكفرهم و عتوّهم عن الحق و الرسل، و لم يقدّموا لآخرتهم و مستقبلهم عملا صالحا.

و على ضوء هذه الآية الكريمة ينبغي للإنسان أن يكشف عن نفسه و عقله حجب الضلال و الشرك المتمثلة في العقائد السفيهة التي تجنح به نحو الموبقات و الشهوات و مخالفة الحق، ظنّا بأنّ أحدا من الجن أو الإنس أو الأصنام يخلّصه من عذاب اللّه و سطوته، أو العقيدة الباطلة بأنّ اللّه لن يعذّب عباده لأنّه رحيم ودود، فإذا به يودّ و يطمع أن يدخل الجنة على جناح التمنيات بلا أيّ سعي و عمل!

من هدى القرآن، ج‏16، ص 343

و نفهم من قوله «للكافرين» أنّهم ليس لهم يوم يقع العذاب دافع يدفعه عنهم لا من عند أنفسهم أو من أشركوا بهم و لا من عند اللّه. و أيّ قوّة يمكن أن تتحدى إرادة اللّه العظيم حتى يتشبّث بها الكفّار؟ إنّ العذاب ليس من بشر مثلهم حتى يقدروا على دفعه، و لا من مخلوق./ 361 إنّه من ربّ العزة المتعال الجبّار.

نسخه شناسی 

درباره مولف

کتاب شناسی 

منابع: 

مدرسى سيد محمد تقى‏، من هدى القرآن‏، ج‏16، دار محبى الحسين‏، تهران‏، 1419 ق‏، چاپ اول‏، صص 340 - 343