آیه 3، سوره مائده : الجديد فى تفسير القرآن المجيد

الجديد فى تفسير القرآن المجيد، ج‏2، ص 420   

الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ‏ أي لم يعد لهم أمل أن يبطلوا دينكم أو أن ترجعوا فتحلّلوا هذه المحرمات و أن تعودوا مشركين مثلهم، فاللّه تعالى و في بعهده من إظهار دينه و غلبهم فخابوا و انقلبوا مغلوبين‏ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِي‏ أي لا تخافوهم و خافوا معصيتي و مخالفة أمري فتحل عليكم عقوبتي، فأخلصوا لي الخشية الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ‏ أتممت ما تحتاجون إليه في تكليفكم من الحلال و الحرام و الفرائض و الأحكام‏ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي‏ أكملت فضلي عليكم بولاية علي بن أبي طالب عليه السلام.

ففي المجمع عن الباقر و الصادق عليهما السلام‏ أنه إنما أنزلت بعد أن نصب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عليا عليه السلام علما للأنام يوم غدير خم حين منصرفه من حجة الوداع، و هو آخر فريضة أنزلها اللّه تعالى ثم لم ينزل بعدها فريضة.

و يلاحظ أن: اليوم أكملت لكم دينكم، قد وقعت في غير موردها المعقول، فلما ذا وقعت بين المحرّمات من اللحوم، و بين المستثنى و المستثنى منه، أو المتفرع و المتفرع عليه؟ فلما ذا كان هذا؟

و الجواب أن سور القرآن و آياته ليست مرتبة و لا مجموعة طبق زمان نزولها و لذا نرى كثيرا من السور التي نزلت في المدينة تشتمل على آيات نزلت في مكة، و على العكس نرى آيات نزلت في المدينة و اشتملت عليها السور المكية. و ما نحن فيه نحتمل أن يكون من هذا القسم، لأن سورة المائدة بالإجماع مدنية، و الآية الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ‏ كانت مكية لأنها نزلت في حجة الوداع كما قلنا في غدير خم، و غدير خم من توابع مكة و لواحقها و هو بعيد عن المدينة غاية البعد. فأمر جمع السور، و الترتيب قام به الصحابة، و لذا جاء بعضها غير مناسب لبعض كالذي نحن فيه، و الإشكال يرد على الجامعين و المرتّبين لا على اللّه تعالى الذي أنزل الآيات، و لا على النبي (ص) الذي ما تعرض للترتيب مع علمه بأن عليا (ع) يجمع‏

الجديد فى تفسير القرآن المجيد، ج‏2، ص 421

و يرتب بإملائه (ص) فينبغي أن تكون هذه الآية في ذيل آيات غدير خم لمناسبة الحكم و موضوعه لا أن تكون معترضة بين آيات اللحوم و المحرمات و بلا مناسبة لذكرها سوى الأغراض الشخصية الفاسدة التي سلكت طريق الضلالة و الغواية، أعاذنا اللّه من أن نضل أو أن نضل، و هدانا إلى صراطه المستقيم .. و نحن لا نقول هذا بزعم التحريف و العياذ باللّه، و لكنه من باب وضع الشي‏ء في غير محلّه لصرفه عن وجهه الصحيح بتغيير وضعه المكاني تماما كالذي حدث بالنسبة لآية التطهير التي نزلت في أهل البيت (ع) ثم وضعت بين آيات نساء النبيّ و هي لا تمت لنسائه (ص) بصلة ..

يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ اللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ‏. فإن الذين قصدوا تغيير هذه الآيات عن محالّها و مواضعها، هم ذوو أغراض فاسدة لم تخف على أحد، لأن الآيات كلها- كلها- قد ظهرت معانيها و قد صدق قوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ، وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ .. فليس ها هنا مكان هذه العبارة الشريفة كما يعلم اللّه تعالى. يدل على ذلك أنه- كما قلنا- قد عاد إلى بيان ما أحل و ما حرّم من اللحوم فقال: فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ أي من حكم عليه الاضطرار في مخمصة: أي مجاعة بحيث لم يجد سوى هذه المحرّمات لسد جوعه و حفظ حياته من الهلاك‏ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ‏ يعني غير مائل لإثم،

و في القمي عن الباقر عليه السلام: غير متعمد لإثم، أي أنه لا يأكلها التذاذا و لا لهوى في نفسه، بل انحصر قوام حياته و سدّ جوعته بها فأكل بقدر الحاجة.

فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏ عاف عن ذلك الذنب في تجاوز حدّ من حدود اللّه، لأنه تعالى يرحم عباده و يقدّر حالات اضطرارهم فلا يؤاخذهم بذلك.

نسخه شناسی 

درباره مولف

کتاب شناسی

منابع: 

سبزوارى نجفى محمد بن حبيب الله‏، الجديد فى تفسير القرآن المجيد، بيروت‏، دار التعارف للمطبوعات‏، 1406 ق‏، چاپ اول‏، ج‏2، صص 420 - 421