آیه 3، سوره مائده : تأويل الآيات الظاهرة

تأويل الآيات الظاهرة ، ص 151

منها قوله تعالى‏ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ....

تأويله‏ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ‏ فرائضي و حدودي و حلالي و حرامي بتنزيل أنزلته و إثبات أثبته لكم فلا زيادة و لا نقصان عنه بالنسخ بعد هذا اليوم و هو يوم الغدير

عَلَى مَا رَوَاهُ الرِّجَالُ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: إِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بَعْدَ نَصْبِ النَّبِيِّ عَلِيّاً ص بِغَدِيرِ خُمٍّ بَعْدَ مُنْصَرَفِهِ‏ «1» مِنْ حِجَّةِ الْوَدَاعِ وَ هِيَ آخِرُ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى‏ «2».

وَ رَوَى أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ رِجَالِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِ‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص دَعَا النَّاسَ إِلَى عَلِيٍّ ع يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ وَ أَمَرَ بِقَلْعِ مَا تَحْتَ الشَّجَرِ مِنَ الشَّوْكِ وَ قَامَ فَدَعَا عَلِيّاً ع فَأَخَذَ بِضَبْعَيْهِ‏ «3» حَتَّى نَظَرَ النَّاسُ إِلَى إِبْطَيْهِ وَ قَالَ مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ وَ انْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ وَ اخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ ثُمَّ لَمْ يَفْتَرِقَا حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَ‏ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ‏
______________________________
(1) في م: «بعد انصرافها».
(2) مجمع البيان: ج 3 ص 159.
(3) الضبع- بالفتح-: وسط العضد، الابط.

تأويل الآيات الظاهرة، ص: 152

الْإِسْلامَ دِيناً فَقَالَ النَّبِيُّ ص اللَّهُ أَكْبَرُ عَلَى إِكْمَالِ الدِّينِ وَ إِتْمَامِ النِّعْمَةِ وَ رِضَا الرَّبِّ بِرِسَالَتِي وَ بِوَلَايَةِ عَلِيٍّ مِنْ بَعْدِي‏ «1».

و قوله تعالى‏ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ ابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ....

تأويله‏ وَ ابْتَغُوا أي اطلبوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ و الوسيلة درجة هي أفضل درجات الجنة

ذَكَرَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبْرِسِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَفْسِيرِهِ قَالَ رَوَى سَعْدُ بْنُ طَرِيفٍ عَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَهَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ع أَنَّهُ قَالَ: فِي الْجَنَّةِ لُؤْلُؤَتَانِ إِلَى بُطْنَانِ الْعَرْشِ إِحْدَاهُمَا بَيْضَاءُ وَ الْأُخْرَى صَفْرَاءُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا سَبْعُونَ غُرْفَةً «2» أَبْوَابُهَا وَ أَلْوَانُهَا «3» مِنْ عِرْقٍ وَاحِدَةٍ فَالْوَسِيلَهُ الْبَيْضَاءُ «4» لِمُحَمَّدِ وَ أَهْلِ بَيْتِهِ ص وَ الصَّفْرَاءُ لِإِبْرَاهِيمَ وَ أَهْلِ بَيْتِهِ ع‏ «5».

و روى الرواة «6» حديثا في معنى الوسيلة

كُلٌّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص‏ إِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ لِي الْوَسِيلَةَ قَالَ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ ص عَنِ الْوَسِيلَةِ قَالَ هِيَ دَرَجَتِي فِي الْجَنَّةِ وَ هِيَ أَلْفُ مِرْقَاةٍ مَا بَيْنَ الْمِرْقَاةِ إِلَى الْمِرْقَاةِ حُضْرُ الْفَرَسِ الْجَوَادِ شَهْراً وَ هِيَ مَا بَيْنَ مِرْقَاةِ جَوْهَرٍ إِلَى مِرْقَاةِ زَبَرْجَدٍ وَ مِرْقَاةِ يَاقُوتٍ إِلَى مِرْقَاةِ ذَهَبٍ إِلَى مِرْقَاةِ فِضَّةٍ فَيُؤْتَى بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى تُنْصَبَ مَعَ دَرَجَاتِ النَّبِيِّينَ فَهِيَ بَيْنَ دَرَجَ النَّبِيِّينَ‏
______________________________
(1) راجع شواهد التنزيل: ج 1 ص 158.
(2) في المصدر: «سبعون ألف غرفة».
(3) في المصدر: «أكوابها».
(4) في المصدر: «فالبيضاء الوسيلة».
(5) مجمع البيان: ج 3 ص 189.
(6) معاني الأخبار: ص 116، و أمالي الصدوق: المجلس 24 الحديث الآخر، و أورده في البحار عن القمّيّ بإسناده الى الصادق عليه السّلام.

تأويل الآيات الظاهرة، ص: 153

كَالْقَمَرِ بَيْنَ الْكَوَاكِبِ فَلَا يَبْقَى يَوْمَئِذٍ نَبِيٌّ وَ لَا صِدِّيقٌ وَ لَا شَهِيدٌ إِلَّا قَالَ طُوبَى لِمَنْ كَانَتْ هَذِهِ الدَّرَجَةُ دَرَجَتَهُ فَيَأْتِي النِّدَاءُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَيُسْمِعُ النَّبِيِّينَ وَ جَمِيعَ الْخَلْقِ هَذِهِ دَرَجَةُ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ فَأُقْبِلُ وَ أَنَا يَوْمَئِذٍ مُتَّزِرٌ بِرَيْطَةٍ «1» مِنْ نُورٍ عَلَى تَاجِ الْمُلْكِ وَ إِكْلِيلِ الْكَرَامَةِ وَ أَخِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَمَامِي وَ بِيَدِهِ لِوَائِي وَ هُوَ لِوَاءُ الْحَمْدِ مَكْتُوبٌ عَلَيْهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمُفْلِحُونَ هُمُ الْفَائِزُونَ بِاللَّهِ فَإِذَا مَرَرْنَا بِالنَّبِيِّينَ قَالُوا هَذَانِ مَلَكَانِ مُقَرَّبَانِ لَمْ نَعْرِفْهُمَا وَ لَمْ نَرَهُمَا وَ إِذَا مَرَرْنَا بِالْمَلَائِكَةِ قَالُوا هَذَانِ نَبِيَّانِ مُرْسَلَانِ حَتَّى أَعْلَوْ الدَّرَجَةَ وَ عَلِيٌّ يَتْبَعُنِي حَتَّى إِذَا صِرْتُ فِي أَعْلَى دَرَجَةٍ وَ عَلِيٌّ أَسْفَلُ مِنِّي بِدَرَجَةٍ فَلَا يَبْقَى يَوْمَئِذٍ نَبِيٌّ وَ لَا صِدِّيقٌ وَ لَا شَهِيدٌ إِلَّا قَالَ طُوبَى لِهَذَيْنِ الْغُلَامَيْنِ‏ «2» مَا أَكْرَمَهُمَا عَلَى اللَّهِ فَيَأْتِي النِّدَاءُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ يُسْمِعُ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَدَاءَ هَذَا حَبِيبِي مُحَمَّدٌ وَ هَذَا وَلِيِّي عَلِيٌّ طُوبَى لِمَنْ أَحَبَّهُ وَ وَيْلٌ لِمَنْ أَبْغَضَهُ وَ كَذَّبَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص فَلَا يَبْقَى يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ أَحَبَّكَ يَا عَلِيُّ إِلَّا اسْتَرَاحَ إِلَى هَذَا الْكَلَامِ وَ ابْيَضَّ وَجْهُهُ وَ فَرِحَ قَلْبُهُ وَ لَا يَبْقَى يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ عَادَاكَ أَوْ نَصَبَ لَكَ حَرْباً أَوْ جَحَدَ لَكَ حَقّاً إِلَّا اسْوَدَّ وَجْهُهُ وَ اضْطَرَبَ قَلْبُهُ فَبَيْنَا أَنَا كَذَلِكَ إِذَا مَلَكَانِ قَدْ أَقْبَلَا إِلَيَّ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَرِضْوَانُ خَازِنُ الْجَنَّةِ وَ أَمَّا الْآخَرُ فَمَالِكُ خَازِنُ النَّارِ فَيَدْنُو رِضْوَانُ فَيَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَحْمَدُ فَأَقُولُ وَ عَلَيْكَ السَّلَامُ أَيُّهَا الْمَلِكُ مَنْ أَنْتَ فَمَا أَحْسَنَ وَجْهَكَ وَ أَطْيَبَ رِيحَكَ فَيَقُولُ أَنَا رِضْوَانُ خَازِنُ الْجَنَّةِ وَ هَذِهِ مَفَاتِيحُ الْجَنَّةِ بَعَثَ بِهَا رَبُّ الْعِزَّةِ فَخُذْهَا يَا أَحْمَدُ فَأَقُولُ قَدْ قَبِلْتُ ذَلِكَ مِنْ رَبِّي فَلَهُ الْحَمْدُ عَلَى مَا فَضَّلَنِي بِهِ فَآخُذُهَا وَ أَدْفَعُهَا إِلَى عَلِيٍّ ثُمَّ يَرْجِعُ رِضْوَانُ فَيَدْنُو مَالِكٌ فَيَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَحْمَدُ فَأَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ مَنْ أَنْتَ فَمَا أَقْبَحَ وَجْهَكَ وَ أَنْكَرَ رُؤْيَتَكَ فَيَقُولُ أَنَا مَالِكٌ‏
______________________________
(1) الريطة- بالفتح فالسكون-: كلّ ثوب يشبه الملحفة.
(2) في م و المصادر الثلاثة. «العبدين».

تأويل الآيات الظاهرة، ص: 154

خَازِنُ النَّارِ وَ هَذِهِ مَقَالِيدُ النَّارِ بَعَثَ بِهَا إِلَيْكَ رَبُّ الْعِزَّةِ فَخُذْهَا يَا أَحْمَدُ فَأَقُولُ قَدْ قَبِلْتُ ذَلِكَ مِنْ رَبِّي فَلَهُ الْحَمْدُ عَلَى مَا فَضَّلَنِي بِهِ فَآخُذُهَا فَأَدْفَعُهَا إِلَى عَلِيٍّ ثُمَّ يَرْجِعُ مَالِكٌ فَيُقْبِلُ عَلِيٌّ يَوْمَئِذٍ وَ مَعَهُ مَفَاتِيحُ الْجَنَّةِ وَ مَقَالِيدُ النَّارِ حَتَّى يَقِفَ عَلَى حُجْرَةِ «1» جَهَنَّمَ وَ قَدْ تَطَايَرَ شِرَارُهَا وَ عَلَا زَفِيرُهَا وَ اشْتَدَّ حَرُّهَا وَ عَلِيٌّ ع آخِذٌ بِزِمَامِهَا فَتَقُولُ جَهَنَّمُ جُزْنِي يَا عَلِيُّ أَطْفَأَ نُورُكَ لَهَبِي فَيَقُولُ عَلِيٌّ ع قِرِّي يَا جَهَنَّمُ خُذِي هَذَا عَدُوِّي وَ اتْرُكِي هَذَا وَلِيِّي فَلَجَهَنَّمُ يَوْمَئِذٍ أَشَدُّ مُطَاوِعَةً لِعَلِيٍّ ع مِنْ غُلَامِ أَحَدِكُمْ لِصَاحِبِهِ فَإِنْ شَاءَ يُذْهِبُهَا يَمْنَةً وَ إِنْ شَاءَ يُذْهِبُهَا يَسْرَةً فَهِيَ أَشَدُّ مُطَاوَعَةً لِعَلِيٍّ فِيمَا يَأْمُرُهَا بِهِ مِنْ جَمِيعِ الْخَلَائِقِ.

و قوله تعالى‏ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ لا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ‏.

معنى تأويله قوله‏ مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ‏ أي يرجع عن دين الإيمان الحديث إلى دين الكفر القديم فإن الله سبحانه لا يخلي دينه من أعوان و أنصار يحمونه و يذبون عنه و إن تمادى الأمد فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ‏ ليبين‏ «2» عليهم رحماء بينهم‏ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ‏ أي عزيزين عليهم و ذلك من جهة السلطان و الشدة و البأس و السطوة يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏
______________________________
(1) كذا في الخطّية، و في المصادر: «عجزة» و هي مؤخّر الشي‏ء.
(2) كذا في الخطّية و الظاهر أنّه تصحيف «ليّنين». قال في المجمع: (أذلّة) هو من الذلّ الذي هو للين لا من الذلّ الذي هو الهوان.

تأويل الآيات الظاهرة، ص: 155

لإعلاء كلمته و إعزاز دينه‏ وَ لا يَخافُونَ‏ في ذلك‏ «1» لومة لائم يلومهم عليه و إذا انتقدنا الناس فلم نر من له هذه الصفات إلا أمير المؤمنين ص لما

ذَكَرَهُ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبْرِسِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ قَالَ: إِنَّ الْمَعْنِيَّ بِهِ هُوَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع وَ أَصْحَابُهُ الْمُقَاتِلُونَ مَعَهُ النَّاكِثِينَ وَ الْقَاسِطِينَ وَ الْمَارِقِينَ قَالَ‏ وَ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَ حُذَيْفَةَ وَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَ هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع‏ قَالَ وَ يُؤَيِّدُ هَذَا قَوْلُ النَّبِيِّ ص يَوْمَ خَيْبَرَ لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَداً رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يُحِبُّهُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ كَرَّاراً غَيْرَ فَرَّارٍ لَا يَرْجِعُ حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ.

وَ بِقَوْلِهِ ص‏ لَتَنْتَهِيَنَّ مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أَوْ لَيَبْعَثَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ رَجُلًا يَضْرِبُ رِقَابَكُمْ عَلَى تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ كَمَا ضَرَبْتُكُمْ عَلَى تَنْزِيلِهِ فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ مَنْ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَبُو بَكْرٍ قَالَ لَا قَالَ فَعُمَرُ قَالَ لَا وَ لَكِنَّهُ خَاصِفُ النَّعْلِ فِي الْحُجْرَةِ وَ كَانَ عَلِيٌّ ع يَخْصِفُ نَعْلَ رَسُولِ اللَّهِ ص.

وَ رُوِيَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ الْبَصْرَةِ مَا قُوتِلَ أَهْلُ هَذِهِ الْآيَةِ حَتَّى الْيَوْمِ‏ «2».
يعني أنهم الذين ارتدوا عن الدين و هو و أصحابه القوم الذين يحبون الله و يحبهم فافهم ذلك.

تأويل الآيات الظاهرة ، ص  167   

و ذكر علي بن إبراهيم رحمه الله أن المخاطبة لقوله عز و جل‏ مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ‏ لأصحاب النبي ص الذين ارتدوا بعد وفاته و غصبوا آل محمد حقوقهم و قوله‏ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ‏ الآية فإنها نزلت في القائم ع من آل محمد ص‏ «3».

و يدل على ذلك قوله‏ فَسَوْفَ يَأْتِي‏ في المستقبل و أن المعني به غير موجود في زمن النبي ص بل منتظر و هو القائم المنتظر صلى الله عليه و على آبائه السادة الغرر ما ارتفع سحاب و همر و غاب نجم و ظهر.
______________________________
(1) في د: «في اللّه».
(2) مجمع البيان: ج 3 ص 208.
(3) تفسير القمّيّ: ج 1 ص 170.

تأويل الآيات الظاهرة، ص: 156

و اعلم أنه لما أخبر الله سبحانه أصحاب النبي ص بأن الذي يرتد عن دينه أن سوف يأتي الله بقوم ثم وصفهم بصفات ليست في المرتدين منهم ثم إن النبي ص عرفهم من القوم المعنيون و أنهم علي أمير المؤمنين و ذريته الطيبون فقال سبحانه للمرتدين إن شئتم أو أبيتم ولاية أمير المؤمنين أيها المرتدون.

إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ وَ مَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ‏.

معنى تأويله أنه لما أراد الله سبحانه أن يبين لخلقه من الأولياء قال‏ إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا فالولي هنا هو الأولى بالتصرف لقوله تعالى‏ النَّبِيُّ أَوْلى‏ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ‏ «1» و الولي أيضا هو الذي تجب طاعته و من تجب طاعته تجب معرفته لأنه لا يطاع إلا من يعرف و لأن الولي‏ «2» ولي النعمة و المنعم يجب شكره و لا يتم شكره إلا بعد معرفته.

فلما بين سبحانه الأولياء بدأ بنفسه ثم ثنى برسوله ثم ثلث بالذين آمنوا فلما علم سبحانه أن الأمر يشتبه على الناس وصف الذين آمنوا بصفات خاصة لم يشركهم بها أحد فقال‏ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ‏.

و اتفقت روايات العامة و الخاصة أن المعني بالذين آمنوا أنه أمير المؤمنين ع لأنه لم يتصدق أحد و هو راكع غيره و جاء في ذلك روايات‏

مِنْهَا مَا ذَكَرَهُ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبْرِسِيُّ رَحِمَهُ اللَّهِ بِحَذْفِ الْإِسْنَادِ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ قَالَ: بَيْنَا
______________________________
(1) الأحزاب: 6.
(2) في م: «المولى».

تأويل الآيات الظاهرة، ص: 157

عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ جَالِسٌ عَلَى شَفِيرِ زَمْزَمَ وَ هُوَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ مُعْتَمٌّ بِعِمَامَةٍ فَجَعَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا قَالَ ذَلِكَ الرَّجُلُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ سَأَلْتُكَ بِاللَّهِ مَنْ أَنْتَ فَكَشَفَ الْعِمَامَةَ عَنْ وَجْهِهِ وَ قَالَ أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ عَرَفَنِي فَقَدْ عَرَفَنِي وَ مَنْ لَمْ يَعْرِفْنِي فَأَنَا جُنْدَبُ بْنُ جُنَادَةَ الْبَدْرِيُّ أَبُو ذَرٍّ الْغِفَارِيُّ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص بِهَاتَيْنِ وَ إِلَّا صَمَّتَا وَ رَأَيْتُهُ بِهَاتَيْنِ وَ إِلَّا فَعَمِيَتَا يَقُولُ عَلِيٌّ قَائِدُ الْبَرَرَةِ قَاتَلُ الْكَفَرَةِ مَنْصُورٌ مَنْ نَصَرَهُ مَخْذُولٌ مَنْ خَذَلَهُ أَمَا إِنِّي صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ص يَوْماً مِنَ الْأَيَّامِ صَلَاةَ الظُّهْرِ فَسَأَلَ سَائِلٌ فِي الْمَسْجِدِ فَلَمْ يُعْطِهِ أَحَدٌ شَيْئاً فَرَفَعَ السَّائِلُ يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي سَأَلْتُ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ ص فَلَمْ يُعْطِنِي أَحَدٌ شَيْئاً وَ كَانَ عَلِيٌّ رَاكِعاً فَأَوْمَى بِخِنْصِرِهِ الْيُمْنَى وَ كَانَ يَتَخَتَّمُ فِيهَا فَأَقْبَلَ السَّائِلُ حَتَّى أَخَذَ الْخَاتَمَ مِنْ خِنْصِرِهِ وَ ذَلِكَ بِعَيْنِ رَسُولِ اللَّهِ ص فَلَمَّا فَرَغَ النَّبِيُّ مِنْ صَلَاتِهِ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَ قَالَ اللَّهُمَّ أَخِي مُوسَى سَأَلَكَ فَقَالَ‏ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَ يَسِّرْ لِي أَمْرِي وَ احْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي وَ اجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَ أَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي‏ «1» فَأَنْزَلْتَ عَلَيْهِ قُرْآناً نَاطِقاً سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَ نَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما «2» اللَّهُمَّ وَ أَنَا مُحَمَّدٌ صَفِيُّكَ وَ نَبِيُّكَ فَ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَ يَسِّرْ لِي أَمْرِي‏ ... وَ اجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي‏ عَلِيّاً أَخِي‏ اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي‏ قَالَ أَبُو ذَرٍّ فَوَ اللَّهِ مَا اسْتَتَمَّ الْكَلَامَ حَتَّى نَزَلَ عَلَيْهِ جَبْرَائِيلُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ اقْرَأْ قَالَ وَ مَا أَقْرَأُ قَالَ اقْرَأْ إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ‏ «3».
______________________________
(1) طه: 25 الى 32.
(2) القصص: 35.
(3) مجمع البيان: ج 3 ص 210.

تأويل الآيات الظاهرة، ص: 158

وَ مِنْهَا مَا رَوَاهُ الشَّيْخُ الصَّدُوقُ مُحَمَّدُ بْنُ بَابَوَيْهِ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَاتِمٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع‏ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ‏ إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ‏ الْآيَةَ قَالَ إِنَّ رَهْطاً مِنَ الْيَهُودِ أَسْلَمُوا مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَّامٍ وَ أَسَدٌ وَ ثَعْلَبَةُ وَ ابْنُ يَامِينَ وَ ابْنُ صُورِيَا فَأَتَوُا النَّبِيَّ ص فَقَالُوا يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّ مُوسَى ع أَوْصَى إِلَى يُوشَعَ بْنِ نُونٍ فَمَنْ وَصِيُّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَ مَنْ وَلِيُّنَا بَعْدَكَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص قُومُوا فَقَامُوا فَأَتَوُا الْمَسْجِدَ فَإِذَا سَائِلٌ خَارِجٌ فَقَالَ يَا سَائِلُ أَ مَا أَعْطَاكَ أَحَدٌ شَيْئاً قَالَ نَعَمْ هَذَا الْخَاتَمَ قَالَ مَنْ أَعْطَاكَ قَالَ أَعْطَانِيهِ ذَلِكَ الرَّجُلُ الَّذِي يُصَلِّي قَالَ عَلَى أَيِّ حَالٍ أَعْطَاكَ قَالَ كَانَ رَاكِعاً فَكَبَّرَ النَّبِيُّ ص وَ كَبَّرَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ فَقَالَ النَّبِيُّ ص عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَلِيُّكُمْ بَعْدِي قَالُوا رَضِينَا بِاللَّهِ رَبّاً وَ بِالْإِسْلَامِ دِيناً وَ بِمُحَمَّدٍ نَبِيّاً وَ بِعَلِيٍّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَلِيّاً فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَ‏ وَ مَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ‏.

فَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: وَ اللَّهِ لَقَدْ تَصَدَّقْتُ بِأَرْبَعِينَ خَاتَماً وَ أَنَا رَاكِعٌ لِيَنْزِلَ فِيَّ مَا نَزَلَ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ع فَمَا نَزَلَ‏ «1».

وَ رَوَى الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَأْوِيلًا طَرِيفاً «2» عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ بِإِسْنَادِهِ عَنْ رِجَالِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عِيسَى عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع‏ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ‏ إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ‏ قَالَ‏ إِنَّما وَلِيُّكُمُ‏ يَعْنِي أَوْلَى بِكُمْ وَ أَحَقُّ بِأُمُورِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ وَ أَمْوَالِكُمْ‏ وَ الَّذِينَ آمَنُوا يَعْنِي عَلِيّاً وَ أَوْلَادَهُ الْأَئِمَّةَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ وَصَفَهُمُ‏
______________________________
(1) أمالي الصدوق: المجلس 26 ص 109.
(2) في م: «ظريفا».

تأويل الآيات الظاهرة، ص: 159

اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فَقَالَ‏ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ‏ وَ كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع يُصَلِّي الظُّهْرَ وَ قَدْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَ هُوَ رَاكِعٌ وَ عَلَيْهِ حُلَّةٌ قِيمَتُهَا أَلْفُ دِينَارٍ وَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص قَدْ كَسَاهُ إِيَّاهَا وَ كَانَ النَّجَاشِيُّ قَدْ أَهْدَاهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ص فَجَاءَ سَائِلٌ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَلِيَّ اللَّهِ وَ مَنْ هُوَ أَوْلى‏ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ‏ تَصَدَّقَ عَلَى مِسْكِينٍ فَطَرَحَ الْحُلَّةَ وَ أَوْمَى إِلَيْهِ أَنِ احْمِلْهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ هَذِهِ الْآيَةَ وَ صَيَّرَهَا نِعْمَةً وَ قَرَنَ أَوْلَادَهُ بِنِعْمَتِهِ‏ «1» فَكُلُّ مَنْ بَلَغَ مِنْ أَوْلَادِهِ مَبْلَغَ الْإِمَامَةِ يَكُونُ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ مِثْلَهُ فَيَتَصَدَّقُونَ وَ هُمْ رَاكِعُونَ وَ السَّائِلُ الَّذِي سَأَلَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ كَانَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَ كَذَلِكَ الَّذِي يَسْأَلُ‏ «2» أَوْلَادَهُ يَكُونُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ «3».

اعلم أن الله سبحانه لما بين للناس من الأولياء و وكدهم و بينهم و عرفهم أن من يتولاهم يكون من حزب الله قال‏ وَ مَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ‏ لأعدائهم المخالفين لهم في الولاية أي هم الظاهرون عليهم و الظافرون بهم و هذا البيان يدل على أن المراد بالذين آمنوا أمير المؤمنين و ذريته الطيبون و يكون لفظ الجمع مطابقا للمعنى و إن كان المراد بالجمع الإفراد و الذين آمنوا أمير المؤمنين خاصة و ذلك جائز و قد جاء في الكتاب العزيز و كثير منه على جهة التعظيم‏ «4» مثل قوله تعالى‏ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ‏ «5» و أما بيان أن المراد بالذين آمنوا أمير المؤمنين و ذريته الطيبون ما تقدم من خبر الحلة و لأن الله سبحانه لما قال‏ إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ‏ خاطب بذلك جميع المؤمنين و دخل في الخطاب النبي ص فلما قال‏ رَسُولُهُ‏ خرج الرسول من جملتهم لكونه مضافا إلى ولايته و لما قال‏ وَ الَّذِينَ آمَنُوا
______________________________
(1) أي جعل نعمة أولاده ملصقة بنعمته، فأتى بصيغة الجمع.
(2) في م، د: «سأل».
(3) الكافي: ج 1 ص 288.
(4) في د: «وجه التعظيم».
(5) يوسف: 3.

تأويل الآيات الظاهرة، ص: 160

أوجب أن يكون المخاطب بهذه الآية غير الذي حصلت له الولاية و إلا لكان كل واحد من المؤمنين ولى نفسه و هو محال فلم يبق إلا أن يكون المعني به أمير المؤمنين و ذريته الطاهرين الذين اختارهم الله‏ عَلى‏ عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ‏ و فضلهم على الخلق أجمعين صلى الله عليهم صلاة باقية إلى يوم الدين.

و قوله تعالى‏ وَ لَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَ الْإِنْجِيلَ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ‏.

تأويله‏
مَا رَوَاهُ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع‏ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَ‏ وَ لَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَ الْإِنْجِيلَ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ‏ قَالَ الْوَلَايَةُ «1».

معنى هذا التأويل أن الضمير في‏ أَنَّهُمْ‏ يرجع إلى بني إسرائيل لأنهم أهل التوراة و الإنجيل الذين كانوا في زمن النبي ص أي لو أنهم أقاموا هذين الكتابين و ما أنزل إليهم من ربهم فيها و لم يحرفوها لوجدوا «2» فيها ذكر محمد و صفته و أنه رسول الله حقا و ذكر علي وصيه‏ «3» و أن ولايته حق و فرض أوجبها الله على الخلق و قد جاء فيما تقدم في سورة البقرة في تفسير الإمام العسكري ع كثير من هذا.
______________________________
(1) الكافي: ج 1 ص 413.
(2) الضمائر الثلاثة هكذا مفردا، و الظاهر أنّها راجعة إلى جميع الآيات النازلة في الكتابين، و يمكن أن تكون تصحيف «هما».
(3) في م، د: «و ذكر عليّا و صفته».

تأويل الآيات الظاهرة، ص: 161

وَ يُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ أَيْضاً مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ «1» عَنْ سَلَمَةَ الْخَطَّابِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ سَيْفٍ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقٍ الْغُمْشَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: وَلَايَتُنَا وَلَايَةُ اللَّهِ لَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ نَبِيّاً إِلَّا بِهَا «2».

وَ رُوِيَ أَيْضاً عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ ع قَالَ: وَلَايَةُ عَلِيٍّ مَكْتُوبَةٌ فِي جَمِيعِ صُحُفِ الْأَنْبِيَاءِ وَ لَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ رَسُولًا إِلَّا بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ وَ وَصِيَّةِ عَلِيٍّ ص‏ «3».

و قوله‏ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ‏ بإرسال السماء عليهم مدرارا وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ‏ بإعطاء الأرض خيراتها و بركاتها و مثله‏ وَ أَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً «4»

و قوله تعالى‏ يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ‏.

تأويله أن الله سبحانه أمر رسوله ص بالتبليغ و توعده إن لم يفعل و وعده العصمة و النصرة فقال‏ يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ‏ أي أوصل إلى أمتك‏ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ‏ في ولاية علي ع و طاعته و النص عليه بالخلافة العامة الجليلة «5» من غير خوف و لا تقية وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ‏ ذلك‏ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ‏
______________________________
(1) في المصدر: «محمّد بن يحيى».
(2 و 3) الكافي: ج 1 ص 437.
(4) الجن: 16.
(5) في م: «الجليّة» و جعله في د نسخة بدل منه.

تأويل الآيات الظاهرة، ص: 162

لأن هذه الرسالة من أعظم الرسائل التي بها كمل الدين و تمت نعمة رب العالمين و انتظمت أمور المسلمين فإن‏ «1» لم تبلغها لم تتم الغرض بالتبليغ لغيرها فكأنك ما بلغت شيئا من رسالاته جميعا لأن هذه الفريضة آخر فريضة نزلت و هذا تهديد عظيم لا تحتمله‏ «2» الأنبياء.

و قد جاء في هذه الآية الكريمة خمسة أشياء أولها إكرام و إعظام بقوله‏ يا أَيُّهَا الرَّسُولُ‏ و ثانيها أمر بقوله‏ بَلِّغْ‏ و ثالثها حكاية بقوله‏ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ‏ و رابعها عزل و نفي بقوله‏ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ‏ و خامسها عصمة بقوله‏ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ‏.

و قصة الغدير مشهورة من طريق الخاصة و العامة و لنورد مختصرا من ذلك‏

وَ هُوَ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ‏ «3» بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِ‏ أَنَّ النَّبِيَّ ص دَعَا النَّاسَ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ وَ أَمَرَ بِمَا تَحْتَ الشَّجَرَةِ مِنْ الشَّوْكِ فَقُمَ‏ «4» وَ ذَلِكَ يَوْمَ الْخَمِيسِ ثُمَّ دَعَا النَّاسَ إِلَى عَلِيٍّ فَأَخَذَ بِضَبْعَيْهِ ثُمَّ رَفَعَهُمَا «5» حَتَّى بَانَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ وَ قَالَ مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ وَ انْصُرْ مِنْ نَصَرَهُ وَ اخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ قَالَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ هَنِيئاً لَكَ يَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ أَصْبَحْتَ وَ أَمْسَيْتَ مَوْلَايَ وَ مَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ وَ مُؤْمِنَةٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

وَ رَوَى الشَّيْخُ الصَّدُوقُ مُحَمَّدُ بْنُ بَابَوَيْهِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي أَمَالِيهِ حَدِيثاً صَحِيحاً لَطِيفاً يَتَضَمَّنُ قِصَّةَ الْغَدِيرِ مُخْتَصَراً قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَرْقِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ خَلَفِ بْنِ حَمَّادٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْعَبْدِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَعْمَشِ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ‏
______________________________
(1) في ق: «فإذا».
(2) في م، د: «لا تحمله».
(3) راجع المسند: ج 1 ص 118، 119، 152، و ج 4 ص 281، 368، 370، 372 و ج 5 ص 370.
(4) أي جمع.
(5) في م: «بضبعه ثمّ رفعها».

تاويل الآيات الظاهرة، ص: 163

بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص لَمَّا أُسْرِيَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ انْتَهَى بِهِ جَبْرَئِيلُ إِلَى نَهَرٍ يُقَالُ لَهُ النُّورُ وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ‏ وَ جَعَلَ الظُّلُماتِ وَ النُّورَ «1» فَلَمَّا انْتَهَى بِهِ إِلَى ذَلِكَ النَّهَرِ قَالَ لَهُ جَبْرَئِيلُ يَا مُحَمَّدُ اعْبُرْ عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ فَقَدْ نَوَّرَ اللَّهُ لَكَ بَصَرَكَ وَ مَدَّ لَكَ أَمَامَكَ فَإِنَّ هَذَا نَهَرٌ لَمْ يَعْبُرْهُ أَحَدٌ لَا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَ لَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ غَيْرَ أَنَّ لِي فِي كُلِّ يَوْمٍ اغْتِمَاسَةً فِيهِ أَخْرُجُ مِنْهُ فَأُنَفِّضُ أَجْنِحَتِي فَلَيْسَ مِنْ قَطْرَةٍ تَقْطُرُ مِنْ أَجْنِحَتِي إِلَّا خَلَقَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى مِنْهَا مَلَكاً مُقَرَّباً لَهُ عِشْرُونَ أَلْفَ وَجْهٍ وَ أَرْبَعُونَ أَلْفَ لِسَانٍ كُلُّ لِسَانِ بِلَفْظٍ وَ لُغَةٍ لَا يَفْقَهُهَا اللِّسَانُ الْآخَرُ «2» فَعَبَرَ رَسُولُ اللَّهِ ص حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْحُجُبِ وَ الْحُجُبُ خَمْسُمِائَةِ حِجَابٍ مِنَ الْحِجَابِ إِلَى الْحِجَابِ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ جَبْرَئِيلُ تَقَدَّمْ أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ فَقَالَ لَهُ يَا جَبْرَئِيلُ وَ لِمَ لَا تَكُونُ مَعِي قَالَ لَيْسَ لِي أَنْ أَجُوزَ هَذَا الْمَكَانَ فَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ص مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ حَتَّى سَمِعَ مَا قَالَ لَهُ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى قَالَ أَنَا الْمَحْمُودُ وَ أَنْتَ مُحَمَّدٌ شَقَقْتُ اسْمَكَ مِنْ اسْمِي فَمَنْ وَصَلَكَ وَصَلْتُهُ وَ مَنْ قَطَعَكَ قَطَعْتُهُ‏ «3» انْزِلْ إِلَى عِبَادِي فَأَخْبِرْهُمْ بِكَرَامَتِي إِيَّاكَ وَ أَنِّي لَمْ أَبْعَثْ نَبِيّاً إِلَّا جَعَلْتُ لَهُ وَزِيراً وَ أَنَّكَ رَسُولِي وَ أَنَّ عَلِيّاً وَزِيرُكَ فَهَبَطَ رَسُولُ اللَّهِ ص فَكَرِهَ أَنْ يُحَدِّثَ النَّاسَ بِشَيْ‏ءٍ كَرَاهَةَ أَنْ يَتَّهِمُوهُ لِأَنَّهُمْ كَانُوا حَدِيثِي عَهْدٍ بِالْجَاهِلِيَّةِ حَتَّى مَضَى لِذَلِكَ سِتَّةُ أَيَّامٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى‏ فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى‏ إِلَيْكَ وَ ضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ‏ فَاحْتَمَلَ‏ «4» رَسُولُ اللَّهِ ص ذَلِكَ حَتَّى كَانَ الْيَوْمَ الثَّامِنَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى‏ يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ‏
______________________________
(1) الأنعام: 1.
(2) في م: «كلّ لسان يلفظ بلغة لا يفهمها اللسان الآخر».
(3) في ق: «بتتّه» و في خ ل «بتكته» و هما بمعنى قطعته.
(4) هود: 12.

تأويل الآيات الظاهرة، ص: 164

لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ‏ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص تَهْدِيدٌ بَعْدَ وَعِيدٍ لَأُمْضِيَنَّ أَمْرَ رَبِّي فَإِنْ يَتَّهِمُونِي وَ يُكَذِّبُونِي أَهْوَنُ عَلَيَّ مِنْ أَنْ يُعَاقِبَنِي الْعُقُوبَةَ الْمُوجِعَةَ فِي الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ قَالَ وَ سَلَّمَ جَبْرَئِيلُ عَلَى عَلِيٍّ ع بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ عَلِيٌّ ع يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْمَعُ الْكَلَامَ وَ لَا أُحْسِنُ‏ «1» الرُّؤْيَةَ فَقَالَ يَا عَلِيُّ هَذَا جَبْرَئِيلُ أَتَانِي مِنْ قِبَلِ رَبِّي بِتَصْدِيقِ مَا وَعَدَنِي ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ص رَجُلًا فَرَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ أَنْ يُسَلِّمُوا عَلَيْهِ بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ ثُمَّ قَالَ يَا بِلَالُ نَادِ فِي النَّاسِ أَنْ لَا يَبْقَى أَحَدٌ إِلَّا عَلِيلٌ إِلَّا خَرَجَ إِلَى غَدِيرِ خُمٍّ فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ص بِجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ بِرِسَالَةِ وَ إِنِّي ضِقْتُ بِهَا ذَرْعاً مَخَافَةَ أَنْ تَتَّهِمُونِي وَ تُكَذِّبُونِي فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَعِيداً بَعْدَ وَعِيدٍ فَكَانَ تَكْذِيبُكُمْ إِيَّايَ أَيْسَرَ عَلَيَّ مِنْ عُقُوبَةِ اللَّهِ إِيَّايَ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى أَسْرَى بِي وَ أَسْمَعَنِي وَ قَالَ يَا مُحَمَّدُ أَنَا الْمَحْمُودُ وَ أَنْتَ مُحَمَّدٌ شَقَقْتُ اسْمَكَ مِنْ اسْمِي فَمَنْ وَصَلَكَ وَصَلْتُهُ وَ مَنْ قَطَعَكَ بَتَكْتُهُ انْزِلْ إِلَى عِبَادِي فَأَخْبِرْهُمْ بِكَرَامَتِي إِيَّاكَ وَ أَنِّي لَمْ أَبْعَثْ نَبِيّاً إِلَّا جَعَلْتُ لَهُ وَزِيراً وَ أَنَّكَ رَسُولِي وَ أَنَّ عَلِيّاً وَزِيرُكَ ثُمَّ أَخَذَ ص بِيَدِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ع فَرَفَعَهَا حَتَّى نَظَرَ النَّاسُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِمَا وَ لَمْ يُرَ قَبْلَ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى مَوْلَايَ وَ أَنَا مَوْلَى الْمُؤْمِنِينَ فَمَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ وَ انْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ وَ اخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ فَقَالَ الشُّكَّاكُ وَ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ نَبْرَأُ «2» إِلَى اللَّهِ مِنْ مَقَالَتِهِ لَيْسَ بِحَتْمٍ وَ لَا نَرْضَى‏ «3» أَنْ يَكُونَ عَلِيٌّ وَزِيرَهُ وَ هَذِهِ مِنْهُ عَصَبِيَّةٌ فَقَالَ سَلْمَانُ وَ الْمِقْدَادُ وَ أَبُو ذَرٍّ
______________________________
(1) في المصدر: «أحسّ الرؤية».
(2) في د: «نتبرّأ».
(3) في م: «لن نختم و لن نرضى».

تأويل الآيات الظاهرة، ص: 165

وَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَ اللَّهِ مَا بَرِحْنَا الْعَرْصَةَ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فَكَرَّرَ رَسُولُ اللَّهِ ص ذَلِكَ ثَلَاثاً ثُمَّ قَالَ إِنَّ كَمَالَ الدِّينِ وَ تَمَامَ النِّعْمَةِ وَ رِضَا الرَّبِّ بِرِسَالَتِي إِلَيْكُمْ وَ بِالْوَلَايَةِ بَعْدِي لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ‏ «1».

صلوات الله عليهما و على ذريتهما ما دامت المشارق و المغارب و هبت الجنوب و ثارت السحائب‏ «2».
و قوله تعالى‏ وَ حَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَ صَمُّوا ثُمَّ تابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَ صَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَ اللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ‏.

تأويله‏
مَا ذَكَرَهُ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي تَفْسِيرِهِ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ الضَّبِّيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع‏ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى‏ فَعَمُوا وَ صَمُّوا حَيْثُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ‏ ثُمَّ عَمُوا وَ صَمُّوا حِينَ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ ص ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ حِينَ أَقَامَ عَلِيّاً ع فَعَمُوا وَ صَمُّوا حَتَّى السَّاعَةِ «3».

توجيه هذا التأويل أن ظاهر القول أنه في بني إسرائيل لكن الإمام ع وجه معناه إلى صحابة النبي ص لأنهم حذوا حذو بني إسرائيل‏

كَمَا أَخْبَرَ ص‏ أَنَّ أُمَّتِي لَتَحْذُو حَذْوَ بَنِي إِسْرَائِيلَ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ‏ «4».
فقوله ع حيث كان بين أظهرهم‏
______________________________
(1) أمالي الصدوق: المجلس 56 ص 316.
(2) في م: «و هبّت الجنوب و الشمال و فارت السحائب».
(3) راجع تفسير القمّيّ: ج 1 ص 175.
(4) في م في الموردين: «النّصل». و راجع الباب الأوّل من المجلّد الثامن من البحار.

تأويل الآيات الظاهرة، ص 166

أي عموا من نور هدايته و صموا عن سماع وصيته في عترته و قوله حين قبض و أقام عليا أي أن النبي ص بصرهم أولا ما عملوا عنه و جلا عن أبصارهم سدف العمى‏ «1» و أسمعهم الموعظة في وصيته و كشف عن أسماعهم غشاوة الصمم ثم بعد ذلك كله عموا و صموا حتى الساعة أي إلى قيام القيامة «2».
و قوله تعالى‏ وَ أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ احْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى‏ رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ‏.

تأويله‏
مَا رَوَاهُ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ نُعَيْمٍ الصَّحَّافِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ‏ وَ أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ احْذَرُوا الْآيَةِ فَقَالَ أَمَا وَ اللَّهِ مَا هَلَكَ مَنْ قَبْلَكُمْ وَ لَا هَلَكَ مِنْكُمْ وَ لَا يَهْلِكُ مَنْ بَعْدَكُمْ إِلَّا فِي تَرْكِ وَلَايَتِنَا وَ جُحُودِ حَقِّنَا وَ مَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ص مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى أَلْزَمَ رِقَابَ هَذِهِ الْأُمَّةِ حَقَّنَا وَ اللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ‏ «3».

معنى هذا التأويل أن السائل لما سأل الإمام ع أجابه بهذا الجواب و توجيهه أن الله سبحانه أمر الخلق بطاعته و طاعة رسوله فيما يأمرهم به من الولاية و ينهاهم عن مخالفته في تركها فإن خالفوه و أبوا إلا تركها و جحودها فقد ألزم الله و رسوله رقاب هذه الأمة بها و فرضها عليهم إن شاءوا ذلك أو أبوا فَإِنَّما عَلى‏ رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ‏ و قد بلغ ما عليه في عدة مواطن و آخرها غدير خم فعليه‏
______________________________
(1) السدف- بفتحتين-: الظلمة.
(2) في د: «الى يوم القيامة».
(3) الكافي: ج 1 ص 426.
تأويل الآيات الظاهرة، ص: 167
و على آله الكرام أفضل التحية و السلام.

نسخه شناسی

درباره مولف

کتاب شناسی

منابع: 

حسينى استرآبادى سيد شرف الدين على‏، تأويل الآيات الظاهرة، تحقيق: حسين استاد ولى‏، قم‏، دفتر انتشارات اسلامى جامعه ‏ى مدرسين حوزه علميه قم‏، 1409 ق‏، چاپ اول‏، صص 151- 166