آیه 3، سوره مائده: فتح القدير
فتح القدير، ج2، ص 13
قوله: الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ المراد اليوم الذي نزلت فيه الآية، و هو يوم فتح مكة لثمان بقين من رمضان سنة تسع و قيل: سنة ثمان؛ و قيل المراد باليوم الزمان الحاضر و ما يتصل به، و لم يرد يوما معينا. و يئس فيه لغتان ييئس بياءين يأسا، و أيس يأيس إياسا و إياسة.
قاله النضر بن شميل. أي حصل لهم اليأس من إبطال دينكم و أن يردوكم إلى دينهم كما كانوا يزعمون فَلا تَخْشَوْهُمْ أي لا تخافوا منهم أن يغلبوكم أو يبطلوا دينكم وَ اخْشَوْنِ فأنا القادر على كل شيء إن نصرتكم فلا غالب لكم، و إن خذلتكم لم يستطع غيري أن ينصركم. قوله: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ جعلته
فتح القدير، ج2، ص 14
كاملا غير محتاج إلى إكمال لظهوره على الأديان كلها و غلبته لها و لكمال أحكامه التي يحتاج المسلمون إليها من الحلال و الحرام و المشتبه، و وفى ما تضمنه الكتاب و السنة من ذلك، و لا يخفى ما يستفاد من تقديم قوله:
لَكُمْ. قال الجمهور: المراد بالإكمال هنا: نزول معظم الفرائض و التحليل و التحريم. قالوا: و قد نزل بعد ذلك قرآن كثير كآية الربا و آية الكلالة و نحوهما. و المراد باليوم المذكور هنا هو يوم الجمعة، و كان يوم عرفة بعد العصر في حجة الوداع سنة عشر، هكذا ثبت في الصحيح من حديث عمر بن الخطاب؛ و قيل:
إنها نزلت في يوم الحجّ الأكبر. قوله: وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي بإكمال الدين المشتمل على الأحكام و بفتح مكة و قهر الكفار و إياسهم عن الظهور عليكم كما وعدتكم بقولي: وَ لِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ «1». قوله:
وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً أي أخبرتكم برضاي به لكم فإنه سبحانه لم يزل راضيا لأمة نبيه صلّى اللّه عليه و سلّم بالإسلام فلا يكون لاختصاص الرضا بهذا اليوم كثير فائدة إن حملناه على ظاهره، و يحتمل أن يريد رضيت لكم الإسلام الذي أنتم عليه اليوم دينا باقيا إلى انقضاء أيام الدنيا. و دينا منتصب على التمييز، و يجوز أن يكون مفعولا ثانيا.
شوكانى محمد بن على، فتح القدير، دمشق، بيروت، دار ابن كثير، دار الكلم الطيب، 1414 ق، چاپ اول، ج 2، صص 13 - 14