آیه 55، سوره مائده : التفسير الموضوعى للقرآن الكريم

التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج‏7 ، ص  176

فالقول إن وقوع الآية بعد آية النهي عن ولاية اليهود والنصارى قد تحوّل تلك الولاية إلى عامتها بين عامة المؤمنين، معاكسة للولاية المحظورة بالولاية المحبورة، إنه مردود أوّلًا بان السياق- إن كان- ليس ليعارض النص المقيّد للولاية هنا بغير النصرة والمحبة، وأن وقوع هذه بعد تلك في ترتيب التأليف لا يدل على أنها واقعة بعدها- كذلك- في ترتيب التنزيل.

ذلك، والولاية المنهي عنها في السابقة تعم سائر الولاية إلى ولاية السلطة، بل هي المقصودة العليا من سلبية الولاية، فإن ولاية الحب هنا منفية بقضية الإيمان، وولاية النصرة هي عوان بينهما.

هذا، وحتى إن كانت هذه الآية نازلة بعد الناهية عن ولاية الكفار، فقد أريد بهذه الولاية خصوص السلطة والأولولية الحفيظة على كيان المؤمنين كيلا يتفلُّوا إلى الكفار في أية ولاية، حيث السلطة المعصومة المستمرة منذ الرسول صلى الله عليه و آله إلى ما بعد إرتحاله هي العاصمة عن أمثال هذه الفلتات المدمرة المزمجرة الهدامة لصرح الإيمان فردياً وجماعياً.

فالمؤمنون- طول التاريخ- هم بحاجة إلى تحزب صامد دفعاً عن كل سلطة كافرة عليهم و «مَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا» هكذا «فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ»

التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج‏7، ص 177

على سائر الأحزاب التي ليست فيها ولاية اللَّه الموحدة المثلثة، وذكر/ «وَلِيُّكُمُ» هناك‏ «وَ مَنْ يَتَوَلَّ» هنا مرة واحدة، دليل وحدة هذه الولاية المثلثة الزوايا.

ذلك، وكما القول إن لفظ الجمع لا يناسب عناية الفرد منه وهنا «وَ الَّذِينَ آمَنُوا ...» فكيف تعني شخصاً واحداً علياً عليه السلام أم سواه، وقد قدمنا وجهاً له وكما نجد جموعاً في القرآن عني منها الفرد بحسب المصداق كآية المباهلة في‏ «أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ» و «تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ» «1» والقصد إلى حاضر مصداقها وهو حاطب بن ابي بلتعة في مكاتبته قريشاً، و «يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ» «2» والقائل هو عبداللَّه بن أبي سلول، و «يَقُولُونَ نَخْشى‏ أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ» كما مضت قريباً والقصد- حسب ما في أسباب النزول- هو القائل نفسه.

ذلك، ومن السر في جميعة التعبير هنا وهناك أن القصد في الكل هو إعطاء حكم كلي مهما كان حاضر المصداق واحداً، وحيث المعني من هذه الولاية الخاصة هم جمع المعصومين عليهم السلام، فقد كان من المفروض عنايتهم بصيغة الجمع، مهما كان العنوان المشير له مصداقاً واحداً اتفق عليه أنه هو علي أمير المؤمنين عليه السلام.

ولو كان التعبير بصيغة الجمع في أمثال هذه الموارد خلاف اللغة أو الفصاحة- وليس- فكيف اتفق أهل النقل على نقله دون أي نقد من القدامى، اللّهم إلّا شذاذ من المتأخرين والمتحذلقين المتذوقين بذوقية المذهبية والعصبية العمياء!.

وهكذا قيلتهم إن الصدقة بالخاتم لا تسمى زكاة؟ والزكاة في مصطلح القرآن هي كل ما ينفق في سبيل اللَّه حالًا ومالًا، فرضاً أو ندباً وأفضلها ندبها في أهم حالات الصلاة.

فالزكاة بصورة طليقة هي ما تزكي الحال والمال، وتزكي الفرد والمجتمع، تزكي القلب والقالب، وقد جمعها كلها هذه الزكاة المؤتاه في ركوع الصلاة كماً وكيفاً وحالة وهالة قدسية.

ذلك كله في نصوح البيان ونصوعه العيان، ولكي لا يخفى على الخفافيش والمؤولين‏
______________________________
(1)). 60: 1
(2)). 63: 8

التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج‏7، ص 178

تلك الولاية الخاصة، يؤمر الرسول عليه السلام بتبليغها يوم الغدير وقد بلّغ بصراح القول: «أ لست أولى بكم من أنفسكم قالوا بلى قال فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله ...» «1» وقد مضى شطر من البحث عنها على ضوء آية تكميل الدين وإتمام النعمة ويأتي شطر آخر على ضوء آية التبليغ.

وفي رجعة أخرى إلى الآية فقد نجد «وَلِيُّكُمُ» دون «أولياءكم» تعني ولاية واحدة ثم‏ «اللَّهُ» ومعه‏ «وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا» هم حملة هذه الولاية الواحدة المنحصرة فيهم ب «إِنَّما» وحيث لا يصح الحصر لولاية المحبة والنصرة فيهم، فإنما هي ولاية الأولوية بالأنفس والأموال، فقد نتبين أنهاهيه مهما كانت ولاية اللَّه هي الأولى الأصيلة المفيضة إلى الآخرين، والمزيدة على ولايته في التكوين والتشريع وسائر الولايات الربانية.
______________________________
(1)). نور الثقلين 1: 642 في كتاب كمال الدين وتمام النعمة باسناده إلى سليم بن قيس الهلالي عن أمير المؤمنين عليه السلام انه‏قال في اثناء كلام له في جمع من المهاجرين والأنصار في المسجد أيام خلافة عثمان: فأنشدكم اللَّه عزوجل اتعلمون حيث نزلت‏ «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» وحيث نزلت‏ «وَ لَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ لا رَسُولِهِ وَ لَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً» قال الناس يا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله هذه خاصة في بعض المؤمنين ام عامة لجميعهم؟ فأمر اللَّه عزوجل نبيه صلى الله عليه و آله ان يعلمهم ولاة أمرهم وان يفسر لهم من الولاية ما فسر لهم من صلاتهم وزكاتهم وصومهم وحجهم فنصبني للناس بغدير خم ثم خطب فقال:

ايها الناس ان اللَّه ارسلني برسالة ضاق بها صدري وظنت ان الناس يفتتنون بها فأوعدني لأبلغنها أو ليعذبني ثم أمر فنودي الصلاة جامعة ثم خطب الناس فقال: ايها الناس اتعلمون ان اللَّه عزوجل مولاي ومولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم؟ قالوا: بلى يا رسول اللَّه، قال: قم يا علي فقمت فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه ... فقام سلمان فقال: يا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ولاء كماذا؟ فقال صلى الله عليه و آله: ولاء كولائي من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه فأنزل اللَّه تبارك وتعالى: اليوم اكملت لكم ...،

وكبر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وقال: اللَّه اكبر تمام نبوتي وتمام ديني دين اللَّه عزوجل وولاية علي بعدي فقام أبوبكر وعمر فقالا يا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله هذه الآيات خاصة في علي عليه السلام فقال: بلى خاصة فيه وفي اوصيائي الى يوم القامية قالا يا رسول اللَّه بينهم لنا، قال صلى الله عليه و آله: علي اخي ووزيري ووارثي ووصيي وخليفتي في امتي وولي كل مؤمن بعدي ثم ابني الحسن ثم ابني الحسين ثم تسعة من ولد الحسين واحد بعد واحد القرآن معهم وهم مع القرآن لا يفارقونه ولا يفارقهم حتى يردوا على حوضي، قالوا: اللّهم نعم قد سمعنا ذلك وشهدنا كما قلت سواء وقال بعضهم: قد جفظنا جلّ ما قلت ولم نحفله كله وهؤلاء الذين حفظوا أخيارنا وأفاضلنا فقال علي عليه السلام صدقتم ليس كل الناس يتسارون في الحفظ.

وفيه في اصول الكافي بسند متصل عن احمد بن عيسى قال حدثني جعفر بن محمد عن جده عليهم السلام في قوله عزوجل‏ «يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها» قال عليه السلام: لما نزلت‏ «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ ...» اجتمع نفر من اصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في مسجد المدينة فقال بعضهم لبعض: ما تقولون في هذه الآية؟ فقال بعضهم: ان كفرنا بهذه الآية نكفر بسائر وان آمنا فان هذا ذل حين يسلط علينا ابن ابي طالب فقالوا: قد علمنا ان محمداً صلى الله عليه و آله صادق فيما يقول ولكنا نتولاه ولا نطيع علياً فيما امرنا، قال: فنزلت هذه الآية «يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها» يعرفون ولاية علي عليه السلام واكثرهم الكافرون بالولاية

التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج‏7، ص 179

فلو كانت الولاية المشتركة هنا مختلفة المعنى في المشتركين لكان المفروض إما «أولياؤكم» أن تفرد الولاية للَّه‏ثم للآخرين تأميناً عن اللبس في معناها والمقام مقام الحصر.

فما أفصحه تعبيراً وأبلغة تفسيراً إفراد الولاية بالذكر ثم عطف الرسول والذين آمنوا به دون فصل، وليست عناية غير ولاية اللَّه للآخرين إلّا ثلمة في صرح الفصاحة وفتّاً في عضد البلاغة.

ومن الإحتضار بعد الإياس عن تلك الاحتمالات المختلفة المتخلفة عن شؤون الفصاحة والبلاغة القول إن‏ «وَ هُمْ راكِعُونَ» لا يعني غاية الخضوع والتسليم للَّه، حيث الركوع في مصطلح القرآن والسنة هو الهيئة الخاصة لركن خاص من الصلاة، ولا يعبر عن غاية الخضوع والتسليم إلّا بالسجود حيث هو في وجه عام غاية الخضوع.

ثم‏ «وَ مَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا» هنا هم‏ «الَّذِينَ آمَنُوا» كما هناك، فهم المعهودون في آية الولاية، «فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ» وهم المتولون اللَّه والآخرين‏ «هُمُ الْغالِبُونَ» على كافة الأحزاب المتخلفة عن هذه الولاية الخاصة المنحصرة المفروضة على حزب اللَّه.

ذلك، فكل خبر أو نظر يخالف المعنى الظاهر من هذه الآية معروض عرض الحائط «1».
______________________________
(1). في الاحتجاج للطبرسي في رسالته ابي الحسن الثالث علي بن محمد الهادي عليهما السلام الى اهل الأهواز حين سألوه عن الجبر والتفويض قال: اجتمعت الأمة قاطبة لا اختلاف بينهم في ذلك ان القرآن حق لا ريب فيه عند جميع فرقها فهم في حالة الاجتماع عليه مصيبون وعلى تصديق ما انزل اللَّه مهتدون لقول النبي صلى الله عليه و آله لا تجتمع امتي على ضلالة فأخبر ان ما اجتمعت عليه الأمة ولم يخالف بعضها بعضاً هو الحق،

فهذا معنى الحديث لا ما تأوله الجاهلون ولا ما قاله المعاندون من ابطال حكم الكتاب واتباع احكام الأحاديث المزورة والروايات المزخرفة اتباع الأهواء المردئة المهلكة التي تخالف نص الكتاب وتحقيق الآيات الواضحات النيرات ونحن نسأل اللَّه أن يوفقنا للصلاة ويهدينا إلى الرشاد، ثم قال: فاذا شهد الكتاب بصدق خبر وتحقيقه فأنكرته طائفة من الأمة عارضته بحديث من هذه الأحاديث المزورة فصارت بانكارها ودفعها الكتاب ضلالًا،

وأصح خبر مما عرف تحقيقه من الكتاب مثل الخبر المجمع عليه من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قل: اني مخلف فيكم خليفتين كما اللَّه وعترتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، واللفظة الأخرى عنه في هذا المعنى بعينه قوله صلى الله عليه و آله:

اني تارك فيكم الثقلين كتاب اللَّه وعترتي اهل بيتي وانهما لن يعترقا لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ما إن تمسكتم بهما لن تظلوا، وجدنا شواهد هذا الحديث نصاً في كتاب اللَّه مثل قوله: انما وليكم اللَّه ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون، ثم اتفقت روايات العلماء في ذلك لأمير المؤمنين عليه السلام انه تصدق بخاتمه وهو راكع فشكر اللَّه ذلك له وانزل الآية فيه ثم وجدنا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قد أبانه من اصحابه بهذه اللفظة «من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاده» وقوله صلى الله عليه و آله: علي يقضي ديني وينجز موعدي وهو خليفتي عليكم بعدي، وقوله صلى الله عليه و آله:

حين استخلفه على المدينة فقال يا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أتخلفني على النساء والصبيان؟ فقال صلى الله عليه و آله: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي؟ فعلمنا ان الكتاب شهد بتصديق هذه الأخبار وافقت القرآن فلما وجدنا ذلك موافقاً لكتاب اللَّه ووجدنا كتاب اللَّه موافقاً لهذه الأخبار وعليها دليلًا، كان الاقتداء فرضاً لا يتعداه إلّا أهل العناد والفساد، وفيه عن علي امير المؤمنين عليه السلام قال المنافقون لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله هل بقي لربك علينا بعد الذي فرض علينا شي‏ء آخر يفترضه فنذكر فتسكن انفسنا إلى انه لم يبق غيره؟ فأنزل اللَّه في ذلك‏ «قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ» يعني الولاية فانزل اللَّه‏ «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا ...» وليس بين الأمة خلاف انه لم يؤت الزكاة يومئذ وهم غير رجل واحد ....

وعن تفسير الثعلبي بسند متصل عن عباية بن الربعي قال حدثنا عبداللَّه بن عباس وهو جالس بشفير زمزم يقول: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: إذ أقبل رجل معتم بعمامة فجعل ابن عباس لا يقول: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وقال الرجل: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فقال له ابن عباس سألتك باللَّه من أنت؟ قال: فكشف العمامة عن وجهه وقال: ايها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا جندب بن جنادة البدري أبوذر الغفاري سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بهاتين وإلّا صمّتا ورأيته بهاتين وإلّا فعميتا يقول:

علي قائد البررة وقاتل الكفرة منصور مخذول من خذله فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد فرفع السائل يده الى السماء وقال: اللهم اشهداني سألت في مسجد رسول اللَّه فلم يعطني أحد شيئاً وكان علي راكعاً فأومأ إليه بخنصره اليمنى وكان يتختم فيها فأقبل السائل حتى اخذ الخاتم من خنصره وذلك بعين النبي صلى الله عليه و آله فلما فرغ من صلاته رفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم موسى سألك فقال: رب اشرح لي صدري، ويسّر لي أمري. واحلل عقدة من لساني. يفقهوا قولي. واجعل لي وزيراً من أهلي. هارون أخي. اشدد به ازري. واشركه في أمري، فأنزلت عليه قرآناً ناطقاً:

«سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَ نَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا، اللهم وانا محمد نبيك وصفيك اللهم واشرح لي صدري ويسّر لى أمري واجعل لي وزيراً من اهلي علياً اشدد به ظهري، قال أبوذر: فما استتم رسول اللَّه صلى الله عليه و آله الكلمة حتى نزل عليه جبرائيل الظهر فسأل سائل في مسجد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فلم يعطني أحد شيئاً وكان علي راكعاً فأومأ إليه بخنصره اليمنى وكان يتختم فيها فأقبل السائل حتى اخذ الخاتم من خنصره وذلك بعين النبي صلى الله عليه و آله فلما فرغ من صلاته رفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم موسى سألك فقال:

رب اشرح لي صدري. ويسّر لي أمري. واحلل عقدة من لساني. يفقهوا قولي. واجعل لي وزيراً من أهلي. هارون أخي. اشدد به ازري. واشركه في أمري، فأنزلت عليه قرآناً ناطقاً: سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَ نَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا، اللهم وانا محمد نبيك وصفيك اللهم واشرح لي صدري ويسّر لي أمري واجعل لي وزيراً من اهلي علياً اشدد به من عند اللَّه تعالى فقال: يا محمد إقرأ، قال، وما اقرأ؟ قال: إقرأ: «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ ...»

التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج‏7، ص 180

فقيلة البعض من المتعصبين‏ «1» إن نزول الآية في علي مختلق لإجماع العلماء على أنه من الموضوعات، إنها قيلة عليلة خانقة مختلقة فالعين العوراء لاترى إلّا عوجاً والرجل العوجاء لا تعرج معراجاً.
كقيلة الآخر بعد تصديق متواتر الحديث على نزولها في علي عليه السلام حيث يترجرج‏
______________________________
(1)). هو المسمى بشيخ الاسلام ابن تيمية

التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج‏7، ص 181

ويتمجمج في لجج غامرة من حجاجه الثمان اللجاج ولم يفضح بعد إلّا نفسه، ولا يرجى من إمام المشككين إلّا هذا «1» وهؤلاء هم المضطربون كالأرشية في الطوى البعيدة، بعيدة عن الصراط المستقيم والحجج البالغة، فأولئك هم من حرب الشيطان‏ «وَ مَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ».
ولا بد أن يرأس حزب اللَّه أعرفهم باللَّه وأعبدهم للَّه،

وهو الرسول عليه السلام في زمنه ومن‏ «وَ الَّذِينَ آمَنُوا ...» الخصوص هنا بعده صلى الله عليه و آله ولي بعد ولي يلي أمور حزب اللَّه في مجمع القيادتين الروحية والزمنية، وكما يروى عن أمير المؤمنين عليه السلام: «وَ الَّذِينَ آمَنُوا ...» في هذا الموضع هم المؤتمنون على الخلائق من الحجج والأصياء في عصر بعد عصر» «2».

وهكذا يعد اللَّه حزب اللَّه، الموالين له للرسول ولهؤلاء المؤمنين الخصوص، البالغين أعلى قممم الإيمان بعد الرسول، يعد من يتولاهم الإنطلاق من كافة العوائق والبوائق الساحقة الماحقة، مضمونة لهم الغلبة مهما غلبوا ظاهرياً حيث الحرب سجال.

أجل وقد «كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَ رُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ. لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَ يُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ‏
______________________________
(1)). هو الرازي في تفسيره 12: 26: 31 فانه بعد سرد الحجج على نزول الآية في علي عليه السلام يذكر حججاً ثمان على عدم‏دلالة الآية على امامة علي عليه السلام بعد النبي ومنها الحجة السادسة: هب إنها دالة على امامة علي لكنا توافقنا على إنها عند نزولها ما دلت حصول الامامة في الحال لأن علياً ما كان نافة التصرف في الأمة حال حياة الرسول صلى الله عليه و آله فلم يبق إلّا أن تحمل الآية على أنها تدل على أن علياً سيصير اماماً بعد ذلك ومتى قالوا ذلك فنحن نقول بموجبه ونحمله على امامته بعد ابي بكر وعمر وعثمان إذ ليس في الآية ما يدل على تعيين الوقت، أقول: هذه الولاية على اية حال ولاية منحصره فيمن نزلت الآية بحقه أياً كان وقت حصولها، فكيف شاركه فيها متقدماً عليه هؤلاء الثلاثة، فهل ان اللَّه نسيهم فاختص الولاية بشخص واحد ام هو نسواربهم فنسبوه الى الجهل والنسيان؟!

(2). نور الثقلين 1: 648 في كتاب الاحتجاج للطبرسي عن امير المؤمنين عليه السلام حديث طويل وفيه: والهداية هي الولاية كما قال اللَّه عزوجل‏ «وَ مَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ» وفيه في كتاب التوحيد باسناده الى عمار ابي اليقظان عن ابي عبداللَّه عليه السلام قال: يجي‏ء رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يوم القيامة آخذاً بحجزة ربه ونحن آخذون بحجزة نبينا وشيعتنا آخذون بحجزتنا فنحن وشيعتنا حزب اللَّه وحزب اللَّه هم الغالبون واللَّه يزعم أنها حجزة الإزار ولكنها اعظم من ذلك يجي‏ء رسول اللَّه صلى الله عليه و آله آخذاً بدين اللَّه ونجي‏ء نحن آخذين بدين نبينا وتجي‏ء شيعتنا آخذين بديننا.

وفيه في تفسير العياشي عن صفوان قال: قال عبداللَّه عليه السلام لقد حضر الغدير اثنى عشر الف رجل يشهدون لعلي بن ابي طالب فما قدر على اخذ حقه وان احدكم يكون له المال وله شاهدان فيأخذ حقه فإن حزب اللَّه هم الغالبون في علي عليه السلام‏

التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج‏7، ص 182

تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» «1».

ولمكان المشابهة بين حزب اللَّه هنا في‏ «رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ» وبين‏ «بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ» هناك، فكما أن أصحاب ألوية المهدي وجنوده هم من حزب اللَّه حيث هم تحت راية ولي اللَّه صاحب العصر وحجة الدهر عجّل اللَّه تعالى فرجه الشريف، كذلك أصحاب الامام علي عليه السلام العائشين تحت رايته في ولايته، وكما نزلت‏ «يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ» في شأنهما.

نسخه شناسی

درباره مولف

کتاب شناسی

منابع: 

صادقى تهرانى، محمد، التفسير الموضوعى للقرآن الكريم‏، قم‏، دفتر مولف‏، چاپ اول‏، ج‏7 ، صص 176 - 182