آیه 67، سوره مائده : التبيان فى تفسير القرآن

التبيان فى تفسير القرآن،  ج‏3 ، ص   587   

قوله تعالى: [سورة المائدة (5): آية 67]
يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (67)
آية بلا خلاف قرأ نافع و عاصم في رواية أبي بكر و ابن عامر «رسالاته» على الجمع.
الباقون «رسالته» على التوحيد. من قرأ على الجمع ذهب الى أن الأنبياء يبعثون بضروب الرسائل و اختلاف العبادات. و من وحد، فلأنه يدل على الكثرة.

قيل في سبب نزول هذه الآية أربعة أقوال:
أحدها قال محمد بن كعب القرطي، و غيره: إن اعرابياً هم بقتل النبي (ص) فسقط السيف من يده و جعل يضرب برأسه شجرة حتى انتشر دماغه.
الثاني-
أن النبي (ص) كان يهاب قريشاً فأزال اللَّه- عز و جل- بالآية تلك الهيبة.
و
قيل‏ كان النبي (ص) حراس بين أصحابه، فلما نزلت الآية قال الحقوا بملاحقكم، فان اللَّه عصمني من الناس.
الثالث- قالت عائشة إن المراد بذلك إزالة التوهم أن النبي (ص) كتم شيئاً من الوحي للتقية.

التبيان فى تفسير القرآن، ج‏3، ص 588

الرابع-
قال أبو جعفر و أبو عبد اللَّه (عليهما السلام) إن اللَّه تعالى:
لما أوحى الى النبي (ص) أن يستخلف علياً كان يخاف، أن يشق ذلك على جماعة من أصحابه، فأنزل اللَّه تعالى هذه الآية تشجيعاً له على القيام بما أمره بادائه.
و الآية فيها خطاب للنبي (ص) و إيجاب عليه تبليغ ما أنزل اليه من ربه و تهديد له إن لم يفعل و انه يجري مجرى إن لم يفعل و لم يبلغ رسالته.

فان قيل كيف يجوز ذلك؟ و لا يجوز أن يقول: إن لم تبلغ رسالته.
فما بلغتها لأن ذلك معلوم لا فائدة فيه! قلنا: قال ابن عباس: معناه إن كتمت آية مما أنزل اليك فما بلغت رسالته و المعنى ان جريمته كجريمته لو لم يبلغ شيئاً مما أنزل اليه في انه يستحق به العقوبة من ربه.
و قوله‏ «وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» معناه يمنعك أن ينالوك بسوء من فعل أو شر أو قهر. و أصله عصام القربة، و هو وكاؤها الذي يشد به من سير أو خيط. قال الشاعر:

و قلت عليكم مالكاً إن مالكاً                 سيعصمكم إن كان في الناس عاصم‏ «1»

 أي سيمنعكم. و قوله تعالى‏ «إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ» قيل في معناه قولان:

قال الجبائي: إن اللَّه لا يهدي الى الثواب و الجنة الكافرين.
و قال الرماني: معنى الهداية هاهنا المعونة بالتوفيق و الألطاف الى الكفر بل إنما يهديهم الى الايمان و الثواب، لأن من هداه الى غرضه فقد أعانه‏
______________________________
(1) مجاز القرآن ا: 171 و الطبري 10: 472.

التبيان فى تفسير القرآن، ج‏3، ص 589

على بلوغه، و لا يجوز أن يكون المراد به أنه لا يهديهم الى الايمان، لأنه تعالى هداهم اليه بأن دلهم عليه و رغبهم فيه و حذرهم من خلافه.

و في الآية دلالة على صحة نبوة النبي (ص) من وجهين:
أحدهما- أنه لا يقدم على الاخبار بذلك محققاً إلا من يأمن أن يكون مخبره على ما هو به، لأنه لا داعي له الي ذلك غير الصدق.

و الثاني- أنه لما وقع مخبره على ما أخبر به فيه و في نظائره دل على أنه من عند علام الغيوب. و حكى البلخي أن بعد قوله تعالى‏ «وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» لم يكن الكفار قادرين على قتل النبي و لا منهيون عن قتله، لأن مع المنع لا يصح النهي عنه، قال و إنما هم منهيون عن أسباب القتل التي تقتل غالباً، لأنهم كانوا قادرين عليها. قال و وجه آخر أنهم كانوا قادرين لكن علم أنهم لا يقتلونه. و أنه يحول بينهم و بين القتل. و الأول لا يصح، لأن القدرة على بعض الأجناس قدرة على كل جنس تتعلق القدرة بها.

نسخه شناسی

درباره مولف

کتاب شناسی

منابع: 

طوسى، محمد بن حسن‏، التبيان فى تفسير القرآن‏، تحقيق: احمد قصيرعاملى‏، بيروت، دار احياء التراث العربى‏، چاپ اول‏، ج‏3 ، صص 587 - 589