آیات 1 - 6 سوره قلم : الأمثل فى تفسير كتاب الله المنزل

و فسّر الخلق العظيم أيضا ب (القرآن الكريم) أو (مبدأ الإسلام) و من الممكن أن تكون الموارد السابقة من مصاديق المفهوم الواسع للآية أعلاه.

و على كلّ حال فإنّ تأصّل هذا (الخلق العظيم) في شخصية الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم هو دليل واضح على رجاحة العقل و غزارة العلم له و نفي جميع التّهم التي تنسب من قبل الأعداء إليه.
ثمّ يضيف سبحانه بقوله: فَسَتُبْصِرُ وَ يُبْصِرُونَ‏.
بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ‏ أي من منكم هو المجنون‏.

«مفتون»: اسم مفعول من (الفتنة) بمعنى الابتلاء، و ورد هنا بقصد الابتلاء بالجنون.
نعم، إنّهم ينسبون هذه النسب القبيحة إليك ليبعدوا الناس عنك، إلّا أنّ للناس عقلا و إدراكا، يقيّمون به التعاليم التي يتلقّونها منك، ثمّ يؤمنون بها و يتعلّمونها تدريجيّا، و عندئذ تتّضح الحقائق أمامهم، و هي أنّ هذه التعاليم العظيمة مصدرها البارئ عزّ و جلّ، أنزلها على قلبك الطاهر بالإضافة إلى ما منحك من نصيب عظيم في العقل و العلم.

كما أنّ مواقفك و تحرّكاتك المستقبلية المقرونة بالتقدّم السريع لانتشار الإسلام، ستؤكّد بصورة أعمق أنّك منبع العلم و العقل الكبيرين، و أنّ هؤلاء الأقزام‏

الأمثل فى تفسير كتاب الله المنزل، ج‏18، ص: 520

الخفافيش هم المجانين، لأنّهم تصدّوا لمحاربة نور هذه الشمس العظيمة المتمثّلة بالحقّ الإلهي و الرسالة المحمّدية.
و من الطبيعي فإنّ هذه الحقائق ستتوضّح أمامهم يوم القيامة بصورة دامغة، و يخسر هنالك المبطلون، حيث تتبيّن الأمور و تظهر الحقيقة.
و للتأكيد على المفهوم المتقدّم يقول سبحانه مرّة اخرى: إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ‏.
و بلحاظ معرفة البارئ عزّ و جلّ بسبيل الحقّ و بمن سلكه و من جانبه و تخلّف أو انحرف عنه، فإنّه يطمئن رسوله الكريم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بأنّه و المؤمنون في طريق الهداية و الرشد، أمّا أعداؤه فهم في متاه الضلالة و الغواية.

و جاء في حديث مسند أنّ قريشا حينما رأت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقدم الإمام علي عليه السّلام على الآخرين و يجلّه و يعظّمه، غمزه هؤلاء و قدحوا به صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قالوا: (لقد فتن محمّد به) هنا أنزل اللّه تعالى قرآنا و ذلك قوله: ن وَ الْقَلَمِ‏ و أقسم بذلك، و إنّك يا محمّد غير مفتون و مجنون حتّى قوله تعالى: إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ‏ حيث اللّه هو العالم بالأشخاص الذين ضلّوا و انحرفوا عن سواء السبيل، و هي إشارة إلى قريش التي كانت تطلق هذه الاتّهامات، كما أنّه تعالى أعرف بمن اهتدى، و هي إشارة إلى الإمام علي عليه السّلام.

نسخه شناسی

درباره مولف

کتاب شناسی