آیه 1 و 2 سوره معارج : حاشية القونوى على تفسير البيضاوى

حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج‏19 ، ص 287   

[سورة المعارج (70): آية 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏
سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ (1)
قوله: (أي دعا داع به بمعنى استدعاه) و الباعث على هذا التفسير تعديته بالباء قال في سورة الفرقان و السؤال كما يعدى بعن لتضمنه معنى التفتيش يعدى بالباء لتضمنه معنى الاعتناء و ما ذكره هنا لا يلائم ذلك قوله بمعنى استدعاه أي الطلب.

قوله: (و لذلك عدي الفعل بالباء) أي لكونه بمعنى الاستدعاء عدي الفعل بالباء مثل قوله تعالى: يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ‏ [الدخان: 55] و لم يلتفت إلى كون الباء زائدة فيكون السؤال يتعدى بنفسه أو بمعنى عن فيكون متعديا بعن و كلاهما مشهوران في الاستعمال لأنه خلاف الظاهر إذ كون الباء زائدة في المفعول به غير متعارف و كونها بمعنى عن قليل في الاستعمال فالتصرف في السؤال بحمله على معنى الدعاء بمعنى الاستدعاء و الطلب أولى لأنه بهذا المعنى شائع الاستعمال و الظاهر أنه حقيقة و يحتمل المجاز.

قوله: (و السائل نضر بن الحارث فإنه قال: إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ‏ [الأنفال: 32]) إن كان هذا أي القرآن هو الحق من عندك يا اللّه و لم يكن أساطير الأولين فأمطر علينا حجارة من السماء عقوبة على‏ سورة المعارج مكية و آيها أربع و أربعون‏

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم‏
قوله: و لذلك عدي الفعل بالباء لما كان سأل هنا متعديا بالباء و هو مما يتعدى بنفسه صير إلى التضمين ضمن سأل معنى دعا يقال دعا به إذا استدعاه و طلبه و في الكشاف ضمن سأل معنى دعا فعدى بتعديته كأنه قيل دعا داع بعذاب واقع قال الواحدي الباء في‏ بِعَذابٍ‏ [المعارج: 1] زيادة للتوكيد كقوله تعالى: وَ هُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ [مريم: 25] و المعنى سأل سائل عذابا واقعا.

حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج‏19، ص 288

إنكارنا و هذا الطلب لكونه جاز ما لكونه أساطير الأولين فعلى هذا السؤال واقع في الماضي لكن كون العذاب واقعا على هذا و على ما بعده لتحقق وقوعه في الآخرة و أما لكون جنسه واقعا في الدنيا فغير مناسب لأن وقوع جنسه غير وقوعه.

قوله: (أو أبو جهل فإنه قال: فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ [الشعراء: 187]) أخره لأن الأول قول الجمهور فأسقط علينا كسفا من السماء أي قطعة منها و الظاهر من سوق تلك الآية أن هذا قول أصحاب الأيكة لشعيب عليه السّلام.

قوله: (سأله استهزاء) ناظر إلى القولين.
قوله: (أو الرسول عليه السّلام استعجل بعذابهم) أي دعا عليهم بعد اليأس عن إيمانهم و كمال أذاهم أخره تنبيها على ضعفه لأنه عليه السّلام دعا لهم في الأحد بقوله اللهم اهد قومي فإنهم لا يعرفون مع كمال أذيتهم في ذلك اليوم.

قوله: (و قرأ نافع و ابن عامر سال) بوزن قال أجوف واوي و هو إما من السؤال بالواو الصريحة بكسر السين و ضمها و في كتاب سيبويه أن لغة أهل الحجاز همزة و أن الألف مبدلة من الهمزة و أنه على خلاف القياس المقصور على السماع و كيف لا و قد ورد القرآن بخلافه

و هو قد نزل على لغة قريش إلا ما تدر يعني أن إبدال الهمزة ألفا في اختيار الكلام ليس بقياس بل هو مقصور على السماع فعلم من كلام سيبويه أن كون الواو فيه أصلية على لغة قريش منظور فيه و ما في الكشاف من أن فعله أجوف واوي فليس بتام و الظاهر أن المصنف تبع فيه صاحب الكشاف

فقوله إما من السؤال بالواو الصريحة فسال بوزن قال مشتق منه لكن معناه بمعنى المهموز قال الفاضل المحشي و يمكن أن يقال لا منع في كلام المصنف عن كون السؤال مهموزا و المراد أنه على لغة قريش في الهمزة و التخفيف كما يدل عليه إنشاده بيت حسان فيتضمن كلامه الرد على الزمخشري لكن يرد عليه أن إبدال الهمزة ألفا في اختيار الكلام ليس بقياس

فانظر ما وقع في حل كلامه من الاضطراب يتحير منه أولو الألباب فالأولى أنه تبع فيه الزمخشري و اختار كونه أجوفا واويا إذ الزمخشري من أئمة اللغة فلا يناقش بأن كلامه مخالف لكلام سيبويه و غيره من أئمة اللغة على أن بعض المحشي قال لما روي أن سيبويه قال إن لغة قريش أن يقولوا سلت تسال كخفت تخاف قوله: و قرأ نافع و ابن عامر سال بالألف نحو هاب و خاف

و هو إما من السؤال قلبت الهمزة ألفا على لغة قريش و لا يجوز ذلك في غير تلك اللغة غايتها أن تجعل بين بين و قال أبو علي من قرأه سال غير مهموز جعل الألف منقلبة عن الواو التي هي عين الفعل مثل قال و خاف و حكى أبو عثمان عن أبي زيد أنه سمع من يقول هما متساولان و قال ابن مالك ليس سال في القراءات مخففا من سال إنما هو مثل هاب

و قول الزمخشري و هو لغة قريش يقولون سلت تسأل و هما متسايلان قريب من هذا القول و من أبيات الكتاب قول حسان سألت هذيل البيت استدعى هذيل من النبي صلّى اللّه تعالى عليه و سلم أن يفتح لهم الزنا فقال حسان ذلك أو من السيلان و على كلتا القراءتين ينبغي أن يكون سائل بالهمز إما أن يكون مهموزا فظاهر و إن كان أجوفا تكون مثل قائل و بائع.

حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج‏19، ص 289

و إن ألف سال يسال منقلبة عن الواو و أنهم يقولون هما يتساولان و الهمزة على هذا منقلبة عن الواو كالهمزة في خائف و خطأ الجاربردي صاحب الكشاف في قوله هما يتسايلان حيث قال الصواب يتساولان بالواو انتهى. و العهدة عليه فحينئذ لا يرد عليه شي‏ء أصلا و قد نقل بعض أرباب الحواشي خلافه من سيبويه و لعلهما رواية عنه.

قوله: (و هو إما من السؤال على لغة قريش قال: سالت هذيل رسول اللّه فاحشة  ضلت هذيل بما سالت و لم تصب‏ ) قال أي حسان:

سالت هذيل رسول اللّه عليه السّلام فاحشة ضلت هذيل بما سالت و لم تصب‏

مراده هجو هذيل حيث سألوا أن يبيح لهم الزنا إذ الفاحشة شاعت في الزنا بالغلبة يحتمل أن يكون سالت مهموزا بقلب الهمزة ألفا لضرورة الشعر و أن يكون أجوفا واويا فألفه منقلبة عن الواو فهذا استشهاد على ما ذكره المصنف في كلا الوجهين و ليس بصريح في الاحتمال الأول فما قاله الفاضل السعدي من أن مراد المصنف أنه على لغة قريش في تخفيف الهمزة كما يدل عليه إنشاده بيت حسان فسخيف جدا.

قوله: (أو من السيلان و يؤيده أنه قرى‏ء سال يسيل على أن السيل مصدر بمعنى السائل كالغور و المعنى سال واد بعذاب) أو من السيلان فتكون همزته منقلبة عن الياء نحو باع بائع قوله و يؤيده يدل عليه أنه قرى‏ء قراءة شاذة و هي قراءة ابن عباس رضي اللّه تعالى عنهما و هو من السيل المعروف و عن هذا قال و المعنى سال واد على أنه مجاز إذ السيلان أي الجريان حال الماء في الوادي كجري النهر

قوله بعذاب فيكون استعارة مكنية و تخييلية شبه العذاب بالماء الجاري و أثبت له السيلان على أنه تخييلية سواء كان السيلان باقيا على معناه أو مستعارا لإطباق العذاب عليهم روي أن نضر بن الحارث و عقبة بن أبي معيط قتلا يوم بدر صبرا أي جسا و لم يقتل صبرا غيرهما.

قوله: (و مضى الفعل لتحقق وقوعه) أي على هذا الوجه لتحقق وقوعه فيكون استعارة تبعية و قد عرفت أنه على الأول حقيقة و التجوز في واقع.

قوله: (إما في الدنيا و هو قتل بدر أو في الآخرة و هو عذاب النار) و هو قتل بدر و هو لم يحل بهم وقت النزول لأن السورة مكية فيكون إخبارا بالغيب أيضا أو في الآخرة أو لمنع الخلو فقط.

قوله تعالى:
[سورة المعارج (70): آية 2]
لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ (2)
قوله: (صفة أخرى لعذاب أو صلة لواقع) فاللام للتعليل أو بمعنى على أو للنفع قوله: صفة أخرى لعذاب أي بعذاب واقع كائن للكافرين أو صلة لواقع فعلى هذا يكون اللام للتعليل أي واقع لأجل الكافرين.

حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج‏19، ص 290

تهكما و جمع الكافرون لأن النضر و أبا جهل يدخلان فيهم دخولا أوليا مع تعميم الحكم.

قوله: (و إن صح أن السؤال كان عمن يقع به العذاب كان جوابا) و إن صح إشارة إلى منع صحته إذ قائله قتادة و الحسن إذ روي عنهما أن أهل مكة قالوا لما خوفهم اللّه بعذاب اللّه سلوا محمدا عليه السّلام عنه فسألوه فنزلت كما في المعالم و هذا غير مشهور و المتعارف ما قدمه من الرواية فعلى هذا يكون قوله للكافرين جوابا لذلك السؤال و لا يكون صلة للواقع بل خبر المبتدأ محذوف أي هو للكافرين.

قوله: (و الباء على هذا المعنى لتضمن سأل معنى اهتم) قد مر أنه قال في سورة الفرقان إن السؤال كما يتعدى بعن لتضمنه معنى التفتيش يتعدى بالباء لتضمنه معنى الاعتناء فمن قال إن الباء بمعنى عن‏ «1» كما في قوله تعالى: فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً [الفرقان: 59]

فقد ذهل عن بيان المصنف هنا و هناك و الحاصل أن السؤال قد يكون سؤال استعلام و قد يكون سؤال الاستعطاء و هما يتعديان إلى الثاني بنفسه و قد يتعديان إليه بعن و أما إذا كان بمعنى الدعاء و الطلب فتعديته بالباء و ما نحن فيه بمعنى الطلب و الدعاء في الاحتمال الأول فتعدى بالباء و في الاحتمال الأخير بمعنى الاستعطاء فيتعدى بعن و بالباء لما مر و قد يتعدى إلى المفعول الأول بعن كما في الحديث الشريف و المسؤول عنه ليس بأعلم من السائل و بعضهم حمل ما يتعدى إلى الثاني بنفسه على الحذف و الإيصال‏ «2» فلا تسأل عن أحوال السؤال فإنه لا يخلو عن دغدغة و تشويش البال (يرده).

نسخه شناسی

درباره مولف

کتاب شناسی 
 

 

منابع: 

قونوى، اسماعيل بن محمد، حاشية القونوى على تفسير البيضاوى‏، ج‏19، دار الكتب العلمية، بيروت‏، 1422 ق‏، چاپ اول‏، صص 287 - 290