آیه 1 و 2 سوره معارج : فتح القدير
فتح القدير، ج5 ، ص 345
قوله: سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ قرأ الجمهور: سَأَلَ بالهمزة، و قرأ نافع و ابن عامر بغير همزة، فمن همز فهو من السؤال، و هي اللغة الفاشية، و هو إما مضمّن معنى الدعاء، فلذلك عدّي بالباء، كما تقول: دعوت لكذا، و المعنى: دعا داع على نفسه بعذاب واقع، و يجوز أن يكون على أصله، و الباء بمعنى عن، كقوله: فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً «1» و من لم يهمز، فهو إما من باب التخفيف بقلب الهمزة ألفا، فيكون معناها معنى قراءة من همز، أو يكون من السيلان، و المعنى:
سال: واد في جهنم يقال له سائل، كما قال زيد بن ثابت. و يؤيده قراءة ابن عباس: سأل سيل و قيل: إن سال بمعنى التمس، و المعنى: التمس ملتمس عذابا للكفار، فتكون الباء زائدة، كقوله: تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ و الوجه الأوّل هو الظاهر. و قال الأخفش:
يقال خرجنا نسأل عن فلان و بفلان. قال أبو عليّ الفارسي: و إذا كان من السؤال فأصله أن يتعدّى إلى مفعولين، و يجوز الاقتصار على أحدهما و يتعدّى إليه بحرف الجر، و هذا السّائل هو النضر بن الحارث حين قال: اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ «2» و هو ممّن قتل يوم بدر صبرا، و قيل: هو أبو جهل،
و قيل: هو الحارث بن النعمان الفهري. و الأوّل أولى لما سيأتي. و قرأ أبيّ و ابن مسعود سال سال مثل مال مال على أن الأصل سائل، فحذفت العين تخفيفا، كما قيل: شاك في: شائك السلاح. و قيل: السائل هو نوح عليه السلام، سأل العذاب للكافرين، و قيل:
______________________________
(1). الفرقان: 59.
(2). الأنفال: 32.
هو رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم دعا بالعقاب عليهم، و قوله: بِعَذابٍ واقِعٍ يعني إما في الدنيا كيوم بدر، أو في الآخرة، و قوله: لِلْكافِرينَ صفة أخرى لعذاب، أي: كائن للكافرين، أو متعلّق بواقع، و اللام للعلّة، أو بسأل على تضمينه معنى دعا، أو في محل رفع على تقدير: هو للكافرين، أو تكون اللام بمعنى على: و يؤيده قراءة أبيّ بعذاب واقع على الكافرين.
قال الفرّاء: التقدير بعذاب للكافرين واقع بهم، فالواقع من نعت العذاب، و جملة لَيْسَ لَهُ دافِعٌ صفة أخرى لعذاب، أو حال منه، أو مستأنفة، و المعنى: أنه لا يدفع ذلك العذاب الواقع به أحد
شوكانى محمد بن على، فتح القدير، ج 5، دار ابن كثير، دار الكلم الطيب، دمشق، بيروت، 1414 ق، چاپ اول، ص 345